لبنان أرض الأرز والجبال، حباه الله موقعا مميزا وجمالا مبهرا وتنوعا طبيعيا ودينيا وإثنيا، كل هذه الخصائص جعلت منه موطنا للسياحة وقبلة للسياح في كل المواسم، وقد يكون لبنان من المراكز القليلة في منطقة الشرق الأوسط المجهزة لممارسة أنواع الرياضة الشتوية لا سيما رياضة التزلج في موسم الثلج الممتد عادة من ديسمبر (كانون الأول) حتى أبريل (نيسان) والموازي لفترة الموسم في جبال الألب.
ولعل منطقة «فقرا» من أبرز المراكز التي تستقطب هواة الثلج، حيث تتوافر فيها جميع المقومات السياحية الشتوية والمنتجعات التي تؤمن الخدمات اللازمة للسائح بالإضافة إلى نشاطات متعددة تتيح له ممارسة رياضة التزلج.
ويقول رئيس بلدية كفرذبيان جان عقيقي في حديثه لـ«لشرق الأوسط» التي التقته في مكتبه: «فقرا هي جزء من المشاريع السياحية المهمة وهي مكملة لمنطقة عيون السيمان التي تمتاز بمنحدرات التزلج المشهورة في لبنان، وبفضل هذه المنحدرات المنتشرة على مساحات تبلغ 50 مليون متر مربع يمكن لخمسة آلاف متزلج ممارسة هذا النوع من الرياضات في عطلة نهاية الأسبوع». ويضيف عقيقي: «من مميزات موقع فقرا أنه وفي حال جلوسك في أي شاليه، يمكنك رؤية مطار بيروت بوضوح، إضافة إلى وقوعها على الجهة الغربية من سلسلة جبال لبنان الغربية أي بعكس اتجاه الشمس، مما يجعل منحدراتها صالحة دائما للتزلج».
أما مدة الوصول إلى مراكز الموقع من بيروت فلا تزيد عن 45 دقيقة. ليكون الزائر أمام فرصة زيارة آثارها التاريخية ومواقعها الطبيعية.
وعلى الرغم من أن فاريا كانت ولا تزال مقصدا لهواة التزلج على مر العقود، إلا أنه لا يمكن لزائر فاريا أن يعود أدراجه دون أن يعرج على فقرا التي تبعد عنها نحو عشر دقائق، وتعلو عن البحر نحو 1975 مترا.
* فقرا كلوب
* في فقرا أرقى المنتجعات الشتوية «فقرا كلوب» الذي يضم نحو 350 من الشاليهات ذات المساحات الكبيرة. هذا المنتجع الذي شيد عام 1974، وساهم في تصميمه مهندسون سويسريون، يقصده اللبنانيون والسياح العرب والأجانب، بعد التمتع بالتزلج على حلبات فقرا وممارسة هواياتهم الشتوية في أفخم المناطق اللبنانية وأغلاها، ويتمتع بإطلالة على بيروت والشاطئ، كما يضم حلبات تزلج خاصة، ويتراوح علو المنحدرات ما بين 1765 و1980 مترا، وهي مقسمة لتناسب مختلف مستويات المتزلجين.
هذا المنتجع مخصص للمشتركين فقط وضيوفهم المزودين ببطاقات يصل ثمنها إلى 35 دولارا، لتمضية يوم كامل على غطاء أبيض، إلا أنه لا يمكن أن يحرم عامة الناس من نعمة التزلج «فمواقع التزلج والمنحدرات الأخرى مفتوحة أمام العموم» كما يؤكد عقيقي.
هذه المناطق تحمل المواصفات الكفيلة بتصنيفها وجهة محبي فصل الشتاء من لبنانيين وسيّاح. فهي أيضا تستقبلهم في مطاعمها وشاليهاتها الفاخرة، حيث تؤمن آلاف الغرف والإقامة المريحة في جو دافئ يطيب فيه السهر حول المواقد، وتقدم أشهى المأكولات العالمية. من «السوشي» إلى «الفوندو»، مرورا بالوجبات القروية اللبنانية.
* رياضات مختلفة
* ولا تتربع فقرا على عرش السياحة الشتوية في لبنان وحسب، بل إنها استطاعت أن تكون مقصداً لكل من يهوى رياضة مثل تسلق الجبال واستنشاق الهواء العليل. وخلال فصل الصيف، يمكن للسياح والضيوف التمتع بمجموعة متنوعة من الأنشطة والفعاليات مثل: التنس، والسباحة، وكرة السلة، وركوب الدراجات، وكرة الريشة، وتنس الطاولة، والمشي لمسافات طويلة إضافة إلى ناد لممارسة رياضة الغولف. فضلا عن تنظيم كثير من الفعاليات الثقافية والحفلات الموسيقية والمعارض طوال الموسم.
* فقرا والتاريخ
* وعدا كونها مقصدا للتزلج والاستجمام، فهي تشتهر أيضا بما تحتضنه من آثار رومانية، إذ إن الرومان حطوا فيها منذ نحو ألفي سنة وتركوا معبدا واحدا يعتبر من أكثر معابدهم ارتفاعا عن سطح البحر. إذ لا يمكن للزائر أن يغادرها، دون تأمل المعبد المستلقي على ضفاف نهرين يتدفقان من نبعي العسل واللبن، اللذين ينسابان بين فاريا وفقرا تحت جسر نحتته الطبيعة، يعرف بـ«جسر الحجر» ويبلغ ارتفاعه 38 مترا فوق سطح النهر.
كل هذا في إطار طبيعي تجلله الهيبة وتسكنه الرهبة جراء إحاطته بصخور «الدولوميت» التي تقف كغابة من النصب الأثرية، وإلى جانبه معبد صغير تحول في العصر البيزنطي إلى كنيسة.
ورداً على استعدادات البلدية لهذا الموسم لتفادي الخسائر، التي تسبب بها شح الأمطار والثلوج العام الماضي، وعوضها الصيف، يجيب عقيقي: «نحن كبلدية وككل عام نقوم بالتحضيرات وكأن الموسم حاصل وبكامل طاقته، حيث أصبحت الطرقات آمنة وأصبحنا جاهزين من ناحية عناصر الشرطة وجرافات الثلج وخدماتها كي نستطيع إيصال الزائر والمواطن إلى المنتجعات السياحية، كما أنجزنا خطة سير بديلة كي يتجنب المواطن في نهاية الأسبوع «زحمة السير» ليستطيع الوصول والمغادرة براحة واطمئنان.