الشعب المرجانية القديمة تروي تاريخ الأحداث المناخية

تسجل درجة حرارة مياه البحر حولها

الحفريات المرجانية تحكي تاريخ الأحداث المناخية (مختبر كيم كوب)
الحفريات المرجانية تحكي تاريخ الأحداث المناخية (مختبر كيم كوب)
TT

الشعب المرجانية القديمة تروي تاريخ الأحداث المناخية

الحفريات المرجانية تحكي تاريخ الأحداث المناخية (مختبر كيم كوب)
الحفريات المرجانية تحكي تاريخ الأحداث المناخية (مختبر كيم كوب)

مثلما توصلت دراسات حديثة إلى أن أسنان الإنسان يمكن أن تكون بمثابة الأرشيف الذي يسجل الأحداث المهمة في حياة البشر، أثبتت دراسة نشرتها دورية «ساينس»، في 27 مارس (آذار) الماضي، أن الشعاب المرجانية يمكنها القيام بذلك للتنبؤ بدرجات حرارة المحيطات في منطقة المحيط الهادي الاستوائية النائية التي كانت سائدة منذ مئات السنين.
وخلال الدراسة التي قادها باحثون من جامعتي رايس وجورجيا الأميركيتين، وجد الباحثون أن الشعاب المرجانية يمكنها مساعدة العلماء في تحسين نماذجهم لكيفية تأثير الظروف المتغيرة في المحيط الهادي، لا سيما الانفجارات البركانية، على حدوث أحداث «النينيو» التي تعد محركات رئيسية للمناخ العالمي.
و«النينيو» ظاهرة مناخية عالمية، يؤثر خلالها تغير الحرارة في أحد المحيطات على الجو بمنطقة أخرى بعيدة، وتتصف بانتقال كتل هائلة من المياه الحارة في المحيط الاستوائي من الشرق إلى الغرب.
ووجد الباحثون أن نسبة نظائر الأكسجين المعزولة في الشعاب المرجانية، وهو مقياس دقيق لدرجات حرارة المحيط التاريخية، لا تظهر أي ارتباط بين تقديرات جزيئات الكبريتات المنبعثة في الغلاف الجوي من خلال الانفجارات البركانية الاستوائية وأحداث النينيو.
وربطت دراسات النماذج المناخية السابقة بين الانفجارات البركانية التي تزيد من هباء الكبريت في الغلاف الجوي، وبين زيادة فرص حدوث ظاهرة النينيو، ولكن القدرة على تحليل الظروف المناخية القائمة على نظائر الأكسجين المحاصرة في الشعاب المرجانية الأحفورية أثبتت أن الانفجارات البركانية غير مؤثرة.
وتقول عالمة المناخ المؤلفة الرئيسية سيلفيا دي، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة «رايس» بالتزامن مع نشر الدراسة: «كثير من دراسات النمذجة المناخية تظهر صلة ديناميكية، حيث يمكن أن تقود الانفجارات البركانية إلى أحداث النينيو. ومن خلال الشعاب المرجانية، يمكننا استرجاع نماذج المناخ لعدة قرون في الماضي، ومحاكاة الانفجارات البركانية في الألفية الماضية».
وتظهر البيانات المرجانية التي جمعتها سيلفيا وفريقها البحثي بشق الأنفس في رحلات إلى المحيط الهادي قليلاً من الصلة بين البراكين المعروفة وأحداث النينيو، حيث تحتوي الشعاب المرجانية، مثلها مثل حلقات الأشجار، على مؤشرات كيميائية ونظائر الأكسجين، التي تكشف عن ظروف المحيطات في الوقت الذي تشكلت فيه.
وحملت الشعاب المرجانية التي تمت دراستها سجلاً لا لبس فيه للظروف خلال أكثر من 500 سنة من الألفية الماضية، ويشمل هذا المدى من الزمن حدوث ثوران كارثي في بركان سامالاس في جزيرة لومبوك الإندونيسية عام 1257.

آلاف التحليلات
وتقول الدكتورة كيم كوب، الباحثة المشاركة بالدراسة، إن تأريخ عينات المرجان القديمة يعتمد على تاريخ دقيق لليورانيوم والثوريوم، يليه الآلاف من التحليلات الطيفية لنظائر الأكسجين المرجانية. وتضيف أن «نظائر الأكسجين 16 إلى الأكسجين 18 تظهر درجة حرارة الماء في الوقت الذي تشكل فيه المرجان، ونسبة هذين النظيرين في الكربونات دالة على درجة الحرارة».
وهذا السجل المرجاني حساس للغاية لأحداث النينيو. وعمل الباحثون على تمديد سجل الشعاب المرجانية هذا ليشمل فترة عرفنا فيها كثيراً من الانفجارات البركانية المتفجرة، خاصة في النصف الأول من الألفية.
وتقول: «أعاد العلماء تحديد توقيت تلك الانفجارات البركانية من السجلات الجليدية، وقارنا توقيت أكبر ثورات البركان بالسجل المرجاني، لمعرفة ما إذا كان لأحداث التبريد البركاني أي تأثير على مناخ المحيط الهادي الاستوائي».
وتطلق بعض البراكين الجسيمات، وخاصة جزيئات الكبريتات، ما يؤدي إلى ظاهرة تسمى دفع كبريت الهباء الجوي إلى طبقة الستراتوسفير، حيث تعكس الجسيمات ضوء الشمس الوارد وتبرد الكوكب على المدى القصير. وتضيف: «لكن تأثير التبريد على منطقة المحيط الهادي الاستوائية غير مؤكد. وتشير دراستنا إلى أن الارتباط بين البراكين وظاهرة النينيو غير موجود».
وعن كيفية الاستفادة من هذه النتائج في فهم الظواهر المناخية الحالية، تقول عالمة المناخ المؤلفة الرئيسية سيلفيا دي لـ«الشرق الأوسط»: «الأحداث المناخية التاريخية السابقة المسجلة في أرشيف الشعاب المرجانية تساعدنا على فهم النظام المناخي، وكيف يتصرف على نطاقات زمنية أطول».
وتضيف: «لدينا فقط بيانات محطة الطقس التي يعود تاريخها إلى عام 1900 تقريباً، وهو ما يمنحنا نحو 120 عاماً من البيانات للعمل معها، لكن يختلف نظام المناخ على نطاقات زمنية أطول، فليس لدينا فهم كامل لكيفية تفاعل المناخ مع الاضطرابات الرئيسية، مثل التبريد البركاني، وهناك كثير من ردود الفعل في النظام المناخي التي تتفاعل جميعها، لذا فإن دراسة الأحداث المناخية في الماضي، على مدار 1000 عام مضى، يساعدنا على توسيع معرفتنا بفيزياء النظام المناخي، ويعطينا معالجة أفضل لكيفية تغير المناخ الآن، ويساعدنا على وضع تنبؤات أكثر دقة».
وكما كان المرجان في الماضي أرشيفاً للمعلومات، توضح سيلفيا أن المرجان الحالي يسجل معلومات حول درجة حرارة مياه البحر التي ينمو فيها، ويحافظ على الحلقات السنوية للنمو في هياكله، تماماً مثل الأشجار. ويعتمد التركيب الكيميائي للهياكل على درجة حرارة الماء، وهكذا يمكننا معرفة درجات الحرارة في الوقت الذي كان يعيش فيه المرجان.



تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا
TT

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

أوجد التطور الهائل في السنوات العشر الأخيرة في مجال الاتصالات والتكنولوجيا الكثير من الفرص التي توفر فرصة رائعة لتحويل مجال طب الأسنان بشكل كامل.

طب الأسنان عن بُعد

«طب الأسنان عن بُعد» هو مصطلح جديد نسبياً يربط بشكل كبير بين مجالي الاتصالات وطب الأسنان. وبفضل التطور الهائل في التكنولوجيا، يمتلك طب الأسنان عن بُعد القدرة على تغيير عمليات رعاية الأسنان بشكل جذري. وإذا ما تم إدخال الذكاء الاصطناعي مع هذا التطور فإنه سيكون نقلة هائلة في مجال خدمات طب الأسنان.

في عام 1997، قدم الدكتور جيمس كوك (استشاري تقويم الأسنان من مستشفى برستول في بريطانيا) مفهوم «طب الأسنان عن بُعد» الذي عرَّفه على أنه «ممارسة استخدام تقنيات الفيديو للتشخيص وتقديم النصائح بشأن العلاج عن بُعد». ويتيح هذا التخصص الجديد لأطباء الأسنان تقديم نوع جديد من الرعاية لمرضاهم من خلال وسائل الاتصال والتكنولوجيا الإلكترونية، مما يتيح الوصول التفاعلي إلى آراء المتخصصين دون أن تكون المسافات عائقاً.

وقد شهدت فترة جائحة كورونا ما بين عامي 2020 و2022 ازدهار مثل هذه التقنية بسبب التباعد الاجتماعي وإغلاق عيادات طب الأسنان، إذ كانت تقريباً 90 في المائة من خدمات طب الأسنان تقدَّم من خلال طب الأسنان عن بعد باستعمال وسائل الاتصال الفيديو التصويري.

استشارة الاختصاصيين في المستشفيات

مكَّن التطور الهائل في الاتصالات المرئية والفيديو من أن تقوم عيادات طب الأسنان المختلفة بالتعاقد مع كبرى مستشفيات طب الأسنان وكليات ومعاهد طب الأسنان لعرض بعض حالات أمراض الفم والأسنان المعقدة عبر طب الأسنان عن بُعد على كبار أساتذة طب الأسنان في العالم لأخذ المشورة والرأي السديد في صياغة خطة العلاج بحيث يضمن أفضل خدمة طب أسنان لمرضى هذه العيادات.

نجاحات في المناطق النائية

في المناطق النائية، يعاني السكان من نقص في أطباء الأسنان المتخصصين والرعاية الشاملة للأسنان، إذ أثبت تقرير وضع صحة الفم في العالم لعام 2022 الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية أن العالم العربي يعاني من نقص شديد في خدمات طب الأسنان في المناطق الريفية والقرى، لذا يلعب طب الأسنان عن بُعد دوراً مهماً في توفير إمكانية الوصول إلى المتخصصين لأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية والنائية مع توفر كل أنواع الاتصالات المرئية فيها، مما يقلل من الوقت والتكلفة للاستشارات. يمكن لتغيير طريقة تقديم الخدمة أن يؤثر بشكل إيجابي في جدوى الممارسة في المناطق الريفية، حيث يساعد على تقليل العزلة عن الأقران والمتخصصين. ويؤدي إلى رفع مستوى صحة الفم والتقليل من انتشار أمراضه خصوصاً تسوس الأسنان وأمراض اللثة التي تشهد ارتفاعات كبيرة في هذه المناطق النائية، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية.

تطبيقات في التعليم الطبي

لعب طب الأسنان عن بُعد، دوراً مهماً في التعليم الطبي من خلال وسائل التعليم الذاتي والمؤتمرات الفيديوية. ويوفر النظام التعليمي عبر الإنترنت معلومات خُزنت في الخوادم الإلكترونية حتى قبل وصول المستخدم إلى البرنامج. يتمتع المستخدم بسلطة التحكم في سرعة البرنامج ويمكنه مراجعة المادة التعليمية عدة مرات حسب رغبته. وقد ازدهرت هذه التطبيقات أكثر خلال جائحة كورونا وعندما جرى اكتشاف الفوائد الكبيرة لهذه التقنيات في تعميق التعليم الطبي عن بُعد واستفادة أضعاف الأعداد من طلبة طب الأسنان وأطباء الأسنان تم الاستمرار في تطوير هذه التطبيقات بشكل كبير. كما ازدهرت في تخصصات طب الأسنان، إذ يمكن أن يكون طب الأسنان عن بُعد أداة قوية لتعليم الطلاب الذين يواصلون دراساتهم العليا ومساعدتهم في الحصول على تحديثات مستمرة في مجال تخصصات طب الأسنان المختلفة، وهكذا جرى تطوير برامج الاتصال المرئي مثل «زووم» و«تيمس» و«مايت» لتكون قنوات مهمة للتطوير المهني لأطباء الأسنان لتخصصهم الدقيق في مختلف تخصصات طب الأسنان. ويمكن عقد جلسات الفيديو لمناقشة تفاصيل المرضى والتفاعل بين المعلم والطلاب، مما يوفر فرصاً جديدة للتعلم. هذا النوع من التعليم يتيح للطلاب الاستفادة من خبرات المتخصصين بغض النظر عن المسافات.

في المدارس ومراكز رعاية الأطفال

يجب إنشاء نماذج لاستخدام طب الأسنان عن بُعد في المدارس ومراكز رعاية الأطفال لزيادة الوصول إلى رعاية الأسنان للأطفال. وتلعب هذه المؤسسات دوراً حيوياً في ضمان صحة الفم المثلى للأطفال من خلال الكشف المبكر عن مشكلات الأسنان وإدارة الأمراض المزمنة وتوفير الرعاية العاجلة. وقد استخدم أطباء الأسنان في جامعة روتشستر صور الأطفال الصغار لتحديد حالات تسوس الأسنان المبكرة، مما يساعد على تجنب الألم والصدمة المالية والزيارات الطارئة للعيادات. ولعل مدارسنا ومعاهد الأطفال في عالمنا العربي في أمسّ الحاجة لمثل هذه التطبيقات حيث يعاني أكثر من 90 في المائة من الأطفال العرب من تسوس الأسنان، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2022.

دخول الذكاء الاصطناعي

في السنوات المقبلة، يُتوقع أن تُحدث التطورات في مجال الاتصالات تغييرات مثيرة تمكّن من الوصول إلى رعاية الأسنان للجميع. ومع ذلك، فإن نجاح طب الأسنان عن بُعد يتطلب حل كثير من القضايا مثل الترخيص بين الدول، والأخلاقيات، والأمان التكنولوجي. وقد تمكن الذكاء الاصطناعي من تطوير هذه التقنية من خلال التطورات التالية:

- التشخيص: الذكاء الاصطناعي يحلل الصور الشعاعية بسرعة وبدقة.

- الرعاية الشخصية: الذكاء الاصطناعي يخلق خطط علاج مخصصة ويتنبأ بالمشكلات المستقبلية.

- المساعدات الافتراضية: الذكاء الاصطناعي يتعامل مع الاستفسارات الروتينية وجدولة المواعيد.

- التعليم: الذكاء الاصطناعي يوفر تدريباً متقدماً للمهنيين وتعليمات شخصية للمرضى.

- إدارة البيانات: الذكاء الاصطناعي ينظم السجلات ويؤمن البيانات.

- المراقبة عن بُعد: الذكاء الاصطناعي يتابع صحة الأسنان عن بُعد عبر الأجهزة.

الوصول: الذكاء الاصطناعي يُحسن الوصول إلى الرعاية السنية، خصوصاً في المناطق النائية.

قيود وتحديات طب الأسنان عن بُعدرغم الفوائد الكثيرة، يواجه طب الأسنان عن بُعد عدة تحديات تشمل:

- الترخيص بين الدول: تحتاج الممارسات التي تستخدم طب الأسنان عن بُعد إلى ترخيص لمزاولة المهنة في أي جزء من البلد.

- الأمان والخصوصية: يتعين على الأطباء اتخاذ جميع الإجراءات لحماية بيانات المرضى باستخدام تقنيات التشفير وكلمات المرور.

- التقبل العام: يحتاج طب الأسنان عن بُعد إلى قبول واسع من المرضى ومقدمي الخدمات الطبية ليصبح جزءاً من النظام الصحي.

وعلى الرغم من استخدام الطب عن بُعد منذ سنوات كثيرة، فإن استخدامه في مجال طب الأسنان في العالم العربي ما زال محدوداً رغم الحاجة الماسة إلى ذلك.

يُتوقع أن يصبح طب الأسنان عن بُعد جزءاً أساسياً من رعاية صحة الفم في المستقبل القريب، مما يوفر حلاً مشجعاً للسكان المعزولين الذين يواجهون صعوبة في الوصول إلى نظام الرعاية الصحية في صحة الفم بسبب بُعد المسافة أو عدم القدرة على السفر أو نقص مقدمي الرعاية الصحية.