الهواتف الجوالة ووسائل التواصل تنبئ بأماكن انتشار «كورونا»

الهواتف الجوالة ووسائل التواصل تنبئ بأماكن انتشار «كورونا»
TT

الهواتف الجوالة ووسائل التواصل تنبئ بأماكن انتشار «كورونا»

الهواتف الجوالة ووسائل التواصل تنبئ بأماكن انتشار «كورونا»

تعمل الدكتورة باولا موراغا ضمن فريق بحثي متعدد الاختصاصات في «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)» يعكف على دراسة فيروس «كورونا المستجدّ» (COVID - 19) من خلال تطبيق «نماذج حاسوبية» على الفيروس، حيث سبق لها العمل في مشاريع لفحص الملاريا في أفريقيا وداء «البريميات» (مرض حيواني المنشأ) في البرازيل. وتعتمد النماذج التي تطورها على معرفة متعمقة ومستفيضة بكل مرض.
وتقول الدكتورة موراغا: «لو أخذنا مرض الملاريا، على سبيل المثال، فإنه ينتقل عن طريق البعوض؛ الأمر الذي يرفع خطورة انتشار هذا المرض في المناطق القريبة من المسطحات المائية أو ذات الرطوبة العالية التي توفر بيئة خصبة لتكاثر البعوض». ويبلغ ذروته بعد موسم الأمطار، وهو أمر مختلف تماماً في حالة فيروس «كورونا المستجدّ». وتضيف: «لا نزال نجهل الكثير عن هذه السلالة الجديدة من فيروس (كورونا)، ولا نعلم ما إذا كانت تتأثر بالحرارة أو الرطوبة، أو إذا ما كانت تحتوي على أنماط موسمية؛ لذلك لا يمكننا استخدام هذه المعلومات في عملية النمذجة. لكننا نعرف أن فيروس (كورونا المستجدّ) ينتقل عن طريق الاتصال الوثيق مع الأشخاص المصابين أو الأسطح الملوثة».
وتضيف: «نستطيع أيضاً الحصول على معلومات قيمة قد تساعدنا على فهم هذه الجائحة بصورة أوضح من خلال دراسة بيانات وأنماط تنقل الناس»؛ تشرح الدكتورة موراغا: «اتصلنا بشركات الهواتف الجوالة التي يمكنها تزويدنا ببيانات حول حركة السكان في المنطقة، بهدف تضمين هذه المعلومات في نماذجنا من أجل التنبؤ بعدد الحالات في الأيام والأسابيع التالية، ولتخطيط الموارد التي سنحتاجها، بما في ذلك عدد الأسرّة، وأجهزة التنفس، والطاقم الطبي اللازم». وتضيف: «نحن مدركون مدى حساسية هذه المعلومات وخصوصيتها، لذلك لا يتم الحصول عليها إلا بصورة مجمعة فقط دون إحداثيات».
وتعمل الدكتورة موراغا حالياً محاضِرةً في مجال الإحصاء بجامعة «باث» في المملكة المتحدة، لكنها ستنضم إلى «كاوست» في سبتمبر (أيلول) المقبل محاضِرةً في إحصاءات الصحة العامة، ويعتمد عملها على فهم الأنماط المكانية والزمانية للمرض باستخدام البيانات الرقمية، وهذا أمر بالغ الأهمية في مكافحة فيروس «كورونا».
رغم أهمية أنظمة المراقبة والرصد التقليدية، فإن إمكاناتها محدودة، خصوصاً من ناحية الوقت، وهو عامل حاسم في حالات الأوبئة، حيث قد تستغرق عملية إدخال المعلومات في النظام من النقطة التي يصاب فيها الشخص بالمرض، ثم مراجعة الطبيب وإجراء الفحوصات المخبرية المطلوبة أسابيع عدة. وتقول الدكتورة موراغا: «عندها، تصبح هذه المعلومات غير مفيدة لاتخاذ إجراءات حاسمة في الوقت الحقيقي. ولكن لدينا الآن إمكانية الوصول إلى البيانات الرقمية، على سبيل المثال، باستخدام محرك البحث (غوغل Google) للنظر في عدد الأشخاص الذين يبحثون عن علاج للحالة، أو مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يتحدث الناس عن أعراضهم. بطبيعة الحال، لن يتم استخدام هذه المعلومات لأغراض البحث الوبائي، ولكن يمكننا الاستفادة منها في فهم مستويات نشاط المرض وانتشاره في الوقت الحقيقي».
وتمتلك «كاوست» فريقاً بحثياً متعدد الاختصاص يضم نخبة من الأساتذة المتميزين، مثل كارلوس دوارتي، وأرناب باين، وهرناندو أومباو، وشين جاو، وديفيد كيتشسون، وزينغليانغ زانغ. ويهدف هذا الفريق البحثي المتميز إلى إنشاء منصة معلوماتية تعرض كثيراً من المؤشرات المرتبطة بفيروس «كورونا المستجد» على المستوى العالمي، بما في ذلك عدد الحالات المؤكدة والوفيات وحالات الشفاء، وكذلك معلومات حول الرعاية الصحية (عدد المرافق الصحية وعدد الأسرّة وأجهزة التنفس)، بهدف تخصيص الموارد بأفضل طريقة ممكنة.
تقول الدكتورة موراغا: «ستكون هذه المنصة المعلوماتية متاحة لهيئات الصحة العامة، وأيضاً لعامة الناس، وستتمكن السلطات الصحية من الاطلاع على أحوال مناطقها، ومعدل انتشار الوباء، والتخطيط للاستجابة، في حين أنها ستقدم للناس بيانات عامة عن الوضع الحقيقي للجائحة، مما يمكنهم من التكيف معها بتعديل نمط حياتهم واتخاذ تدابير أفضل لحماية أنفسهم».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً