يتمنى عشاق كرة القدم الألمانية أن تستأنف منافسات الدوري (بوندسليغا) خلف الأبواب المغلقة، بعد أن تم تعليق المسابقة بسبب تفشي وباء فيروس «كورونا»؛ لكن ما مدى واقعية هذه الخطط، وما مدى المخاطر التي ستشهدها المباريات إذا مضت هذه الخطط قدماً؟
ووافقت المستشارة أنجيلا ميركل ورؤساء الولايات الألمانية الـ16 على تمديد تدابير التباعد الاجتماعي حتى 3 مايو (أيار) المقبل على الأقل، وحظر على كل الأحداث الجماعية الكبرى حتى 31 أغسطس (آب) المقبل؛ لكن ذلك لا يمنع الأمل في استئناف الدوري وراء أبواب مؤصدة.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت هناك إمكانية لإقامة مباريات في دوري الدرجتين الأولى والثانية خلف الأبواب المغلقة.
وأصر ماركوس شودر رئيس حكومة بافاريا، على أن إقامة المباريات دون جماهير تبقى ضمن الخيارات، وقال: «لم تكن (البوندسليغا) في صلب نقاش اجتماع الولايات لتمديد الحظر. رابطة الدوري تعمل على ظروف السلامة، ومن المؤكد أنه يجب مناقشتها قريباً: إذا، وبأي شكل، ستكون المباريات دون جماهير ممكنة».
وكانت رابطة الدوري قد أعلنت أنها ستتخذ قراراً بشأن إمكانية معاودة نشاط الدوري المحلي للدرجتين الأولى والثانية من دون جمهور، في اجتماعها المقرر في 23 أبريل (نيسان) الحالي.
وتوقف نشاط الدوري حتى 30 أبريل حتى الآن بسبب تفشي فيروس «كوفيد- 19»، بينما عاودت معظم الأندية الكبرى تمارينها بمجموعات صغيرة الأسبوع الماضي.
ولم يتغير موقف رابطة الدوري الألماني منذ أسابيع عدة؛ حيث اعتبرت أنه يتعين معاودة النشاط في «البوندسليغا» عندما تمنح السلطات الضوء الأخضر بذلك من دون جمهور إذا اقتضى الأمر. والهدف من كل ذلك الحصول على أكبر نسبة من حقوق النقل التلفزيوني في المراحل التسع المتبقية، من أجل تحاشي كارثة اقتصادية تهدد كثيراً من الأندية.
وأكد رئيس الرابطة كريستيان سيفيرت: «سنكون جاهزين»؛ لكنه أشار إلى أن الأولوية المطلقة هي في اتباع الإرشادات الصحية من السلطات الحكومية، وقال في هذا الصدد: «يجب ألا نعطي الانطباع بأن كرة القدم تعيش في عالمها الخاص، ولا تكترث إلى الواقع».
ومع تمديد حظر التجمعات، خففت ألمانيا إجراءات العزل من خلال إعادة فتح بعض المتاجر، أما المدارس فهناك خطة لإعادة فتحها اعتباراً من 4 مايو. وسمحت للمتاجر التي تقل مساحتها عن 800 متر مربع بفتح أبوابها مجدداً.
وتراقب السلطات الحكومية نماذج تدريبات أندية دوري الدرجة الأولى عن كثب، لضمان التزامها بمعايير التباعد الاجتماعي، بحسب ما ذكره أوفي روسلر، المدير الفني لفريق فورتونا دوسلدورف أمس. وقال روسلر: «لاحظت سريعاً أننا كنادٍ من عاصمة الولاية نخضع للتدقيق، تلقينا عدة زيارات، وتم التحقق بدقة من التزامنا بكافة اللوائح. قمنا بذلك».
وأضاف روسلر: «بدأنا التدريب بمجموعات من لاعبين اثنين، ثم عملنا (بمجموعات تضم) أربعة لاعبين في نهاية الأسبوع الماضي، وخمسة لاعبين يوم الاثنين، ونأمل إذا كانت الأجواء تسمح، أن نتمكن من التدريب بستة لاعبين غداً».
ويأمل روسلر أن يتفادى فريقه الهبوط، إذ يحتل فورتونا المركز الثالث من القاع بجدول ترتيب «البوندسليغا» بفارق أربع نقاط عن آخر مراكز الأمان، قبل تسع جولات من نهاية الموسم؛ لكن المدرب يبقى محتفظاً بتفاؤله. وأكد روسلر: «سيكون من المهم بالنسبة لنا أن تكون هناك ثلاثة أندية على الأقل خلفنا في نهاية المطاف، ربما بإمكاننا اللحاق بماينز وأوغسبورغ».
وعلى أمل العودة الرسمية، يدرس فريق شالكه إقامة مباريات ودية بين فريقين كاملين في التدريبات، وذلك لمحاكاة المباريات التي تقام من دون جمهور. وقال ساشا ريثير أحد مسؤولي شالكه، إن المباريات التدريبية من دون جمهور ربما ستقام لمساعدة اللاعبين على الاعتياد على هذه الأجواء الجديدة. واتخذ فريق شالكه إجراءات صارمة لحماية اللاعبين والجهاز الفني من الإصابة بفيروس «كورونا»، وقال ريثير، منسق قسم اللعب بالنادي، إنه بداية من اليوم سيتم إخضاع اللاعبين لقياس درجة حرارة كل منهم. ورغم أن اللاعبين يتدربون في مجموعات، كل منها مكونة من ثلاثة لاعبين، فكل لاعب يقوم بتغيير ملابسه بمفرده في غرفة تغيير الملابس. ويعرض على اللاعبين الاختيار من ثلاث وجبات يتم وضعها قبل باب غرفة خلع الملابس بعد التدريب.
لكن عودة الحياة لطبيعتها ما زالت تعتمد على رؤية المستجدات في تطور الفيروس المتفشي. وحول ذلك يقول أولف ديتمر، مدير معهد الفيروسات في إيسن: «أي مباراة تقام خلف الأبواب المغلقة ستشهد وجود اللاعبين، والمدربين، ووسائل الإعلام، وممثلي الناديين، بالإضافة لقوات الأمن. هل وجود 250 شخصاً في الملعب أمر صحيح؟».
وفقاً لديتمر وخبراء آخرين، فإن هذا الأمر يمكن أن يكون أقل المشكلات، موضحاً: «أعتقد أن هناك قابلية لتوزيع 250 شخصاً في ملعب كرة قدم، مع الامتثال لقواعد تباعد المسافة. ولكن التلامس الجسدي بين اللاعبين أمر محتوم في كرة القدم. وتوصية التباعد الاجتماعي لمسافة مترين لن تكون ممكنة».
ويعتبر كل خبراء الفيروسات أن خطر الإصابة بالعدوى مرتفع بسبب التلامس الجسدي، وهنا من الصعب تقليص الخطر. وقال ديتمر: «على سبيل المثال، إن ارتداء قناع أثناء اللعب غير معقول»، فلا يمكن للشخص أن ينافس أو يلعب لوقت طويل مرتدياً قناعاً مقاوماً للعدوى على فمه وأنفه بسبب محاذير التنفس. ونوع آخر من أقنعة الوجه غير المحكمة سيتم فقدانه في عرقلة ولن يساعد. وكان هناك اعتقاد بأنه يمكن أن يتم إخضاع اللاعبين والمدربين لفحوص الكشف عن فيروس «كورونا» كل ثلاثة أيام، للسماح باستئناف الدوري، ولكن هذا سيتطلب مجهوداً ضخماً؛ حيث سيكون هناك حاجة لما يقرب من 20 ألف فحص لإنهاء الموسم.
ويواجه «البوندسليغا» معارضة بشأن هذا الأمر، وأعرب ديتمر عن مخاوفه، قائلاً: «لا توجد لدينا إمكانات فحص لا نهائية. يجب أن نستخدم فحوصاتنا بشكل متعقل ليستفيد منها الذين بحاجة لها. لا أعلم إذا كان هذا شيئاً أخلاقياً، أن نجري 20 ألف فحص على أشخاص ليسوا في مجموعة خطيرة، وليست لديهم أي أعراض. أرى أن هذا شيء حرج إذا كانت الموارد للفحوصات لا تتحسن بشكل ملحوظ».
ليس فقط هؤلاء المصابون؛ لكن أيضاً الأشخاص الذين يتواصلون معهم يدخلون الحجر الصحي لأسابيع. إذا تم استمرار هذه العادة، فإن استمرار المباريات خلف الأبواب المغلقة سيكون في خطر كبير؛ لكن المعضلة الكبرى هي ماذا سيحدث إذا جاء فحص أحد اللاعبين إيجابياً؟ هنا المشكلة قد تكون العائق الأكبر. ويقول ديتمر: «إذا لعبت كرة القدم طوال 90 دقيقة، فسيكون هناك عديد من الاتصالات القريبة التي ستضطرك لقول إن هؤلاء الأشخاص من مجموعة الاتصال الأولى مع الشخص المصاب - وهي المجموعة الأكثر تعرضاً للخطر - ستدخل الحجر الصحي. هذه هو الإجراء الذي تتبعه معظم السلطات الصحية».
وقيل إن رابطة الدوري الألماني لديها خطط تنص على عزل الفرق وكل المعنيين بشكل صارم لأسابيع، من أجل استمرار برنامج الدوري، وحتى لا يعرض استئناف الموسم للخطر مرة أخرى. يبدو أن هذا الإجراء شبه حتمي. وقال ديتمر: «على الأرجح، هذه هي الطريقة الوحيدة القابلة للتطبيق لإنهاء الموسم». وأشار إلى أن الإجراء الذي اتُّخذ في مدينة ووهان الصينية التي تفشى منها الفيروس في البداية هو: تم وضع العاملين في المجال الطبي، بمن فيهم غير المصابين، في الحجر الصحي. كان مسموحاً لهم فقط بالبقاء في الفنادق، وألا يعودوا لعائلاتهم بعد انتهاء العمل. وقال: «كان هذا هو نهج الصين. لا أعلم إذا كان هناك إمكانية لتطبيقه في بلد مثل ألمانيا. ولكن ربما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان عدم نقل العدوى الخارجية لهذه المجموعة».
وإذا تمت الموافقة على استئناف اللعب خلال الأبواب المغلقة، فلا سبيل للحديث عن عودة الجماهير إلا بعد التوصل للقاح ضد الفيروس. وقال ديتمر في إشارة لمباراة دوري أبطال أوروبا التي جمعت بين أتالانتا الإيطالي وفالنسيا الإسباني في ميلان يوم 19 فبراير (شباط) الماضي: «الدراما التي شاهدناها في برجامو وما زلنا نرى جزءاً منها كان أغلبها بسبب مباراة كرة قدم».
وتعد برجامو إحدى المناطق الأكثر تضرراً من انتشار الفيروس في شمال إيطاليا. وقال ديتمر: «كرة القدم أمام الجمهور خطيرة للغاية، وفي أسوأ الحالات يمكن أن تؤدي لوفاة عديد من الأشخاص مثلما حدث في برجامو».
استئناف «بوندسليغا» خلف الأبواب المغلقة بين الواقعية والخطر
تمديد حظر التجمعات في ألمانيا لن يمنع رابطة الدوري من السير في خططها لاستكمال المنافسات
استئناف «بوندسليغا» خلف الأبواب المغلقة بين الواقعية والخطر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة