ألمانيا تكشف عن خلية «داعشية» خططت لهجمات إرهابية

رجال أمن أمام مركز للشرطة قبل مثول المشتبه بهم الخمسة أمام قاضي التحقيق في المحكمة الاتحادية بمدينة كارلسروه أمس (د.ب.أ)
رجال أمن أمام مركز للشرطة قبل مثول المشتبه بهم الخمسة أمام قاضي التحقيق في المحكمة الاتحادية بمدينة كارلسروه أمس (د.ب.أ)
TT

ألمانيا تكشف عن خلية «داعشية» خططت لهجمات إرهابية

رجال أمن أمام مركز للشرطة قبل مثول المشتبه بهم الخمسة أمام قاضي التحقيق في المحكمة الاتحادية بمدينة كارلسروه أمس (د.ب.أ)
رجال أمن أمام مركز للشرطة قبل مثول المشتبه بهم الخمسة أمام قاضي التحقيق في المحكمة الاتحادية بمدينة كارلسروه أمس (د.ب.أ)

كشفت السلطات الألمانية عن خلية إرهابية لتنظيم «داعش» كانت تخطط لاستهداف منشآت عسكرية أميركية في ألمانيا، بحسب الادعاء العام. وألقي القبض على أربعة من المشتبه بهم، وهم من طاجيكستان، في ولاية شمال الراين فستفاليا، وتتراوح أعمارهم بين 24 عاماً و32 عاماً.
وعثرت الشرطة، خلال دهم منازل المشتبه بهم، على أسلحة وأدوات ومواد لصنع قنابل متفجرة اشتروها من شركات عبر الإنترنت. ونقلت صحف ألمانية عن مصادر في التحقيق، أن هذه الخلية تُظهر أن خطر «داعش» ما زال قائماً رغم هزيمة التنظيم في سوريا والعراق.
وكانت الشرطة قد ألقت القبض على زعيم هذه المجموعة في أبريل (نيسان) من العام الماضي، ويدعى رافسان ب. ويبلغ من العمر 30 عاماً. واعتقل رافسان لأسباب مختلفة في البداية، لكن بسبب الاشتباه في تورطه في الإرهاب تولى الادعاء العام التحقيقات التي أدت إلى الاعتقالات الجديدة أمس. وإضافة إلى رافسان، المشتبه بهم الآخرون هم عزيزجون ب.، محمد علي ج.، فرهود شاه ك.، سنة الله ك.، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ويعتقد الادعاء أن المتهمين الخمسة انضموا إلى تنظيم «داعش» عام 2019، وأسسوا خلية إرهابية كانت تتلقى تعليمات من قادة في التنظيم في سوريا وأفغانستان. وبحسب الادعاء أيضاً، فإن المتهمين خططوا للسفر إلى طاجيكستان أولاً للقتال مع «داعش» ضد حكومة ذلك البلد، لكن خططهم تغيّرت وقرروا تنفيذ هجمات داخل ألمانيا. ويقول الادعاء أيضاً، إن اثنين من أفراد الخلية راقبا قاعدتين أميركيتين في ألمانيا، في حين راقب أحد المتهمين كاتب مدوّنات عربياً كان تحدث في مدنته عن الإسلام، وكانت الخلية تسعى إلى استهدافه.
ويشير الادعاء كذلك إلى أن الخلية كانت تجمع أموالاً لتنفيذ اعتداءات إرهابية وأيضاً لتمويل تنظيم «داعش». ويضيف أنهم كانوا يجمعون أموالاً في ألمانيا ويرسلونها للتنظيم عبر تركيا، كما أنهم تلقوا تحويلة مالية بمبلغ 40 ألف دولار أميركي لتنفيذ هجمات في بداية العام 2019، وأنه لم يكن هناك هدف سياسي وراء تنفيذ العملية بل كانت فقط لأسباب مادية. ويتابع الادعاء أن شخصين من أفراد الخلية سافرا إلى ألبانيا لتنفيذ عملية، لكن عندما وصلا لم يكونا متأكدين من أن الشخص الذي كانا سيستهدفانه هو المطلوب، فغادرا عائدين إلى ألمانيا من دون تنفيذ العملية. ولدى وصولهما إلى ألمانيا واصلا التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية. وأخضعت السلطات الخلية للمراقبة منذ فترة قبل إلقاء القبض على أعضائها.
وفي نهاية مارس (آذار) العام الماضي، أوقفت الشرطة في ولاية شمال الراين فستفاليا 11 رجلاً، معظمهم من طاجيكستان، للاشتباه بتخطيطهم لعمل يهدد أمن الدولة. لكنها أعادت وأطلقت سراحهم لعدم كفاية الأدلة، مع إبقائهم تحت المراقبة. وتسلم الادعاء العام التحقيق في يوليو (تموز) من العام الماضي بعد أن زادت الشبهات بأن الرجال الخاضعين للمراقبة شكلوا خلية مرتبطة بـ«داعش» وبدأوا التحضير لتنفيذ اعتداءات إرهابية في ألمانيا.
وجاء ذلك في وقت انطلقت أمس المرافعات في قضية «أبو ولاء» الذي يُعتقد أنه كان قيادياً بـ«داعش» في ألمانيا. وأصدرت المحكمة توصيات قبل انطلاقها توصي بارتداء الكمامات لمن هم داخل قاعة المحكمة، وقلّصت عدد الحضور بسبب المخاوف من فيروس «كورونا». ويواجه «أبو ولاء» (عراقي اسمه الحقيقي أحمد عبد العزيز عبد الله) اتهامات بتشكيل خلية إرهابية وتجنيد مقاتلين في ألمانيا لإرسالهم للقتال في سوريا والعراق.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟