كيف تتحول الإشاعات السياسية إلى «أسلحة موازية» في حرب ليبيا؟

TT

كيف تتحول الإشاعات السياسية إلى «أسلحة موازية» في حرب ليبيا؟

قبل خمسة أيام، أشاعت جل المنصات الإعلامية، الموالية لحكومة «الوفاق» الليبية في داخل البلاد وخارجها، نبأ وصول سفينة قادمة من مصر إلى ميناء طبرق بشرق ليبيا، تحمل اسم «SERRANO» وعلى متنها 44 حاوية من الحجم الكبير، معبأة بالأسلحة والذخيرة، دعماً لـ«الجيش الوطني»، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، وهو الأمر الذي اعتبرته جهات محسوبة على رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، «خرقاً للقرار الأممي»، الذي يحظر تسليح ليبيا.
هذا الخبر وغيره من الأخبار المماثلة تعكس طبيعة الحياة السياسية المتوترة في ليبيا، وتروج أيضاً لبيانات مزورة، ومعلومات مدسوسة، إلى جانب موجة من «الإشاعات»، التي تستهدف النيل من جبهة (الأعداء)، بمقتضى حال يقول «كل الأسلحة مباحة في الحرب، طالما أن هذا يفيد جبهتي»، وهو ما رأى فيه الأكاديمي الليبي أستاذ التاريخ، عثمان البدري، «تشويهاً متعمداً لكل شيء».
غير أن نبأ السفينة «SERRANO»، التي أُشيع أنها تحمل أسلحة إلى حفتر، تبين في اليوم التالي أنه خبر صحيح في شقه الأول فقط؛ لأن السفينة كانت تحمل بالفعل 44 حاوية، لكنها كانت محملة بمواد غذائية ومواد تنظيف لمساعدة ليبيا على مواجهة جائحة «كورونا».
وأعلن إبراهيم الجراري، رئيس الغرفة الليبية - المصرية المشتركة للتجارة والصناعة، حينها، وصول أول رحلة بحرية قادمة من ميناء دمياط المصري إلى ميناء طبرق البحري، تحمل 44 حاوية بها مواد غذائية ومواد تنظيف، مضيفاً بحسب بيان نشرته الصفحة الرسمية للرقابة الإدارية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن هناك شاحنات أخرى «ستصل قريباً، تحمل مواد غذائية وطبية».
هذا الخبر، الذي ساهمت في ترويجه عملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات «الوفاق»، عبر صفحتها الرسمية، يماثله في الجانب المقابل أخبار مماثلة يُنظر إليها على أنها «تستهدف النيل من حكومة (الوفاق)». وفي خضم هذه «الحرب الموازية» يظل حجم البيانات المزورة والإشاعات، التي تتبناها وسائل إعلام كل طرف، وتتعلق بتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض بهدف إحداث ربكة في صفوف المقاتلين، هي المسيطرة على مشهد ترويج الإشاعات.
في هذا السياق، يرى الناشط السياسي الليبي يعرب البركي، أن البيانات المزورة «تعد ثقافة عامة في ليبيا، وهي لا تقل في خطورتها عن الأخبار المضللة والكاذبة والكيدية... ولا يمر يوم تقريباً دون وجود معلومات مضللة أو مكذوبة، أو بيان مزور».
وأضاف البركي، الذي ينتمي إلى إحدى مدن الغرب الليبي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أمس «الإشاعات لا تتوقف عند الأمور المتعلقة بالسياسة فقط، بل تتعداها إلى القبائل والاقتصاد والجيش أيضاً، وكل ما يمكن أن يخلط الأوراق، ويعطي نفساً جديداً للطرف، الذي يلجأ إلى هذا الأسلوب».
ودائماً ما تصدر البيانات المزورة حاملة «لوغو» (رمزاً) خاصاً بالجهة التي يراد دس الخبر باسمها وإشاعته بين المواطنين، وقد حظي المتحدث باسم «الجيش الوطني»، اللواء أحمد المسماري، بنصيب كبير من تزوير بيانات حملت اسمه وصفته؛ وهو ما اضطره إلى الإسراع لتكذيبها في مؤتمرات صحافية. كما لم تسلم القيادة العامة للقوات المسلحة من تزوير بيانات تحمل اسمها، مثل ما تم ترويجه في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2019، عندما أشيع عن القيادة العامة للجيش بأنها «ستسمح لقوات دول صديقة، من بينها روسيا، بدخول ليبيا حال وصول القوات التركية إلى طرابلس»، وهو ما كذبته القيادة العامة في حينه.
وفي بيان آخر أثار استغراب قبائل ليبيا، قيل إن «القيادة العامة كلّفت أعياناً ووجهاء ومشايخ من مدن برقة العصية (بنغازي) بالتوجه إلى مدينة الزاوية (غرب) من أجل التفاوض معهم، بخصوص الإفراج عن اللواء طيار عامر الجقم العرفي، الذي سقطت طائرته في أجواء المدينة بسبب خلل فني، أثناء عودته إلى قاعدة الوطية الجوية». وقد صدر البيان ممهوراً بتوقيع خيري خليفة عمر، مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة.
يقول الأكاديمي الليبي عثمان البدري «للأسف، كل الأسلحة استخدمت تقريباً في هذا الصراع، الذي تشهده البلاد، وقد كان سلاح الإشاعات حاضراً في المشهد السياسي بقوة، من قبل وسائل إعلام مختلفة»، مبرزاً أن كل طرف «يحاول تشويه سمعة خصمه بشتى الطرق، وقد وصل الأمر حد تناول الأمور الشخصية، ومحاولة التشكيك في أصول المتصدرين للمشهد». لكن يبقى اللافت بحسب البدري، هو «تبادل طرفي الصراع تهمة الاستعانة بـ(المرتزقة) الأجانب».
وذهب البركي إلى أن «هناك طرفاً دائم الاستخدام لهذا الأسلوب، يتمثل في جماعة الإخوان الإرهابية، وتنظيمي (القاعدة) و(داعش)...فهؤلاء لا يتوقفون عن نشر الأخبار والبيانات المزورة من خلال مواقعهم الإلكترونية، وقنواتهم وجيوشهم على مواقع التواصل»، وأرجع ذلك إلى «غياب أمن المعلومات في ليبيا»؛ مما سمح لهذه الفئة بـ«نشر الأكاذيب، التي تسببت في تفتيت النسيج الوطني، وتغذية خطاب الكراهية والاحتقان، إلى جانب ممارسة الابتزاز السياسي والاقتصادي للبلاد».
ورأى البركي، أن «البيانات في ليبيا عموماً، وحتى الصحيح منها تعد وسيلة لجس نبض الشارع أو تصفية حسابات سياسية»،



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.