الجزائر تدخل مرحلة «التخلص» من إرث قائد الجيش السابق

TT

الجزائر تدخل مرحلة «التخلص» من إرث قائد الجيش السابق

يواجه الجنرال واسيني بوعزة، مدير الأمن الداخلي الجزائري المعزول، منذ الاثنين الماضي محاكمة عسكرية بتهمة «ارتكاب تجاوزات خطيرة»، أثناء فترة قيادته القصيرة للجهاز الاستخباراتي المتنفذ في شؤون الحكم. وأكدت صحيفة «الوطن» في عدد أمس، أن واسيني يوجد في السجن منذ اليوم الأول لعزله، بناء على أمر من الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يملك صلاحية التعيين والإقالة في المناصب المدنية، والعسكرية الكبيرة في الدولة.
وأفادت الصحيفة الفرنكفونية بأن سبب سجن الضابط الاستخباراتي «تسييره المشبوه لقضايا أمن الدولة»، موضحة أن إبعاده من قيادة جهاز الأمن الداخلي، التي قادها منذ 8 أشهر، «يضع نهاية لحرب دارت بين أجنحة النظام، ودامت أربعة أشهر»، وهي المدة التي غاب فيها رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع السابق، الفريق أحمد قايد صالح، بسبب الوفاة، والذي كان «عراب» واسيني بوعزة، وهو من وضعه على رأس الأمن الداخلي بعد إعادة هيكلة جهاز المخابرات.
ووصفت «الوطن» واسيني بأنه «الذراع المسلحة لقايد صالح»، مبرزة أن قرار اعتقال واسيني نفذته مديرية أمن الجيش بوزارة الدفاع، ويرتقب أن يحال على المحكمة العسكرية لمساءلته.
يشار إلى أن الجنرال عبد القادر آيت وعرابي، مدير جهاز المخابرات المضاد للجوسسة السابق، سيغادر السجن العسكري الصيف المقبل، حيث يقضي عقوبة خمس سنوات بتهمتي «مخالفة أوامر القيادة العسكرية»، و«إتلاف وثائق حساسة». لكن هذه القضية لا يزال يلفها غموض كبير، بحسب مراقبين.
وكان لافتا أن تبون، والقائد الجديد لأركان الجيش اللواء سعيد شنقريحة، قررا التخلص من بوعزة منذ أسبوع. وقد أعلنت الرئاسة عن تعيين نائب له في البداية، هو الجنرال عبد الغني راشدي، مؤكدة في بيان أنه «يتمتع بصلاحيات واسعة»، وقد فهمت هذه الجملة بأن «موعد الحسم» مع واسيني اقترب. وبعدها بيومين فقط تم تعيين راشدي مديرا للجهاز وإقالة بوعزة.
ولم تذكر الصحيفة بالتحديد الوقائع، التي كانت سببا في سجن بوعزة، واكتفت بالإشارة إلى أن «الجميع كان على دراية بأن العلاقة بين تبون ومدير جهاز الأمن الداخلي لم تكن في أفضل حال»، على الرغم من قصر عمر الرئيس الجديد، الذي استلم الحكم في 19 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إثر انتخابات جرت في ظروف غير عادية.
ونقلت «الوطن» عن «مصادرنا» أن تبون عاب على خصمه السابق «اتخاذ قرارات وقرارات مضادة، والتصرف كمعارضة موازية (للحكم القائم)، ما أثار تساؤلات كبيرة لدى الرأي العام»، وتحدثت عن «فتح تحقيق في قضايا تسيير جهاز الأمن من طرف بوعزة، تخص أوامر اتخذها في المجال السياسي والإعلامي»، من دون تقديم تفاصيل. لكن فهم من ذلك أن الأمر يتعلق بالتضييق على الحراك الشعبي وسجن نشطائه، كما فهم منه قضية سجن صحافيين بسبب عملهم.
وأفادت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» بأن تنحية واسيني «تعكس إرادة داخل السلطة لتصفية إرث قايد صالح»، الذي كان القائد الفعلي للبلاد بعد استقالة بوتفليقة في الثاني من أبريل (نيسان) 2019.
وكان قطاع من نشطاء الحراك قد أبدى تفاؤلا مشوبا بحذر، بعد تنحية واسيني، الذي تعامل مع المظاهرات المطالبة بالتغيير بيد من حديد. لكن تبدد أملهم في أن يرفع الجهاز الأمني يده عن النشطاء في اليوم الثاني لاستلام مديره الجديد مهامه، بعد أن شن حملة اعتقالات في صفوف المتظاهرين، وقام باستدعاء العديد منهم للاستجواب في مقار الشرطة.
إلى ذلك، طالبت جمعيات تونسية مهتمة بحرية التعبير وترقية الديمقراطية، في بيان، بإطلاق سراح الصحافي الجزائري خالد دراني، مراقب «مراسلون بلا حدود»، المسجون على ذمة التحقيق، ورفع الحظر عن الصحيفة الإلكترونية «ماغريب إيمارجان» (المغرب الناشئ) الفرنكفونية، و«راديو.إم»، الذي يتبع له، والذي يبث برامجه على الإنترنت.
ونشر البيان أول من أمس بموقع «مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان»، وهو مؤسسة غير حكومية يوجد مقرها بتونس العاصمة، وتهتم بالحريات والديمقراطية بالمنطقة، ويوجد من بين الموقعين عليه «الاتحاد التونسي للإعلام الجمعياتي»، و «الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام»، و«الرابطة التونسية لحقوق الإنسان».
وجاء في الوثيقة أن أصحابها يطالبون السلطات الجزائرية بـ«وضع حد لاستغلال جائحة (كورونا) لتكميم وسائل إعلام مستقلة، واضطهاد صحافيين ناقدين، وإنهاء الحجب الاعتباطي، الذي فرضته منذ التاسع من أبريل الجاري على الموقع الإخباري المغاربي، وشريكه موقع الإذاعة الجمعياتية»، وأدان «اعتداء سافرا على الحق في حرية التعبير والصحافة}.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».