400 وثيقة تكشف أطماع إنجلترا في ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية

«مختارات» من وثائق الإدارتين البريطانيتين في برقة وطرابلس

400 وثيقة تكشف أطماع إنجلترا في ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية
TT

400 وثيقة تكشف أطماع إنجلترا في ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية

400 وثيقة تكشف أطماع إنجلترا في ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية

صدر حديثاً عن مجموعة الوسط للإعلام الليبية التي تتخذ من القاهرة مقراً لها كتاب «مختارات من وثائق الإدارتين البريطانيتين في برقة وطرابلس الغرب»، وذلك في الفترة من 1940، وحتى 1951، وقد قام بجمعها وترتيبها وترجمتها الباحث الليبي محمد على حمامة على مدى ثماني سنوات منذ عام 2012، وقد احتاجت الوثائق إلى مراجعة تاريخية قام بها سالم الكبتي، كما احتاج بعضها للترجمة مثل الاتفاقية الإيطالية - المصرية الخاصة بترسيم حدود ليبيا الشرقية، وقام بترجمتها عن الفرنسية كمال التواتي بوشاح.
ويضم الكتاب الذي يقع في 912 صفحة 400 وثيقة من مراسلات وتقارير ضباط وموظفي الحكومة البريطانية إبان فترة الأربعينات من القرن الماضي، وخلال اندلاع الحرب العالمية الثانية وحتي بداية الخمسينات، وكانوا قاموا بإرسالها إلى الإدارات أو الوزارات التي يتبعونها في لندن، أو المتبادلة مع أقرانهم في برقة أو طرابلس والسفارات البريطانية في القاهرة وروما وبغداد والأمم المتحدة، ويخص بعض هذه الوثائق وزارة الحرب البريطانية، كما يخص البعض الآخر وزارة الخارجية، وبعد أربعين عاماً، تم الإفراج عن بعضها في سنة 1982، وهناك الكثير لا يزال حبيس الأدراج؛ إذ إن بعض الوثائق محجوزة لمدة 75 سنة. وهذه الوثائق، بخاصة التقارير منها، كتبها بريطانيون من واقع ما عاشوه ولمسوه خلال تبادل القوات المتحاربة أراضي برقة، ثم دخول قوات الحلفاء إلى طرابلس الغرب، ووضع الإقليمين تحت الإدارة العسكرية البريطانية.
وتغطي الوثائق تفاصيل الحياة كافة في إقليمي برقة وطرابلس، وخطط البريطانيين لمستقبل كل منهما، وعلاقة القادة الإنجليز على الأرض بالسكان، فضلاً عن رموز ومشايخ القبائل هناك، ومن بينها رسالة موجهة من الجنرال مونتيجمري إلى سكان برقة يذكرهم بأنها تحررت من الإيطاليين بفضل قوات الجيش البريطاني، ويوضح أن إدارتها ستتم وحتى نهاية الحرب بواسطة حكومة عسكرية بريطانية.
وتشير الوثيقة التي كانت محفوظة برقم 230 في مجلد رقم 151، إلى أن الحكومة العسكرية لن تتدخل بالأمور السياسية المقبلة، وسوف تحاول إدارة الأمور بحزم وعدل مع الأخذ في الاعتبار مصالح سكان البلاد، ودعا مونتيجمري السكان إلى السلوك السلمي الحسن، وإطاعة أوامره وأوامر ضباطه، كما أنه لن يشجع الخلافات والمكايد بين الأفراد أو أي قسم من السكان، وسوف يعاقب كل شخص يقدم بلاغات كاذبة ضد الآخرين بتهمة تعكير السلم.
وختم مونتيجمري بيانه لسكان برقه بأن الجيش البريطاني لا يريد أن يضطر إلى اتخاذ الإجراءات التأديبية الصارمة ضدهم، لكنه لن يتردد في اتخاذها إذا ما اخترقت أوامره ولوائحه.
وسعى حمامة، حسب ما قال في مقدمة الكتاب الذي تشكل من جزأين، لاختيار الوثائق بعناية لتسليط الضوء علي أحداث وقعت إبان تلك الفترة المهمة من تاريخ ليبيا الحديث، وليس انحيازاً لطرف ضد طرف. وأشار إلى أن الكتاب لا يتبنى آراء موظفي وضباط بريطانيا في ليبيا أو يروج لها، لكن الهدف منه وضع يد القارئ الليبي، خاصة على درج من أدراج الأرشيف الوطني البريطاني، وتركه ليكوّن عقيدته ورأيه في المواضيع التي أتيحت للباحث أن ينسخ وثائقها.
وذكر أن الوثائق أو الأوراق موضوع الكتاب، كُتبت بما هو متاح، وحسبما تفرضه الاحتياجات في زمن لم تكن تتوافر فيه إمكانات الطباعة والحفظ الإلكتروني المتاحة اليوم، أضف إلى ذلك أنه كان زمن حرب. يقول «لقد كتبت هذه الأوراق التي تحصلنا عليها بثلاث طرق، الأولى، الآلة الكاتبة التقليدية، بحيث توضع الورقة الأصلية التي تحمل اسم وعنوان الجهة المرسلة ثم يوضع خلفها عدد من الأوراق الخفيفة، بينها ورق الكربون، ويتم اختيار الورق الخفيف عمداً لكي يسمح لحروف الآلة الكاتبة أن تظهر واضحة وجلية عليها عبر ورقة الكربون في الظروف العادية في تلك الآونة، حيث كان يستخدم ورق الكربون الأسود للآلة الكاتبة، والكربون الأزرق للكتابة اليدوية، وقد وجدنا أن بعضاً من الوثائق التي اخترناها منسوخة بالكربون الأزرق المخصص للكتابة اليدوية، وقد ظهرت آثارها بسهولة على سطح الورق، وإذا وضع في الاعتبار أنها كتبت منذ أكثر من ستين عاماً فقد أدى ذلك إلى أن قراءتها صاحَبها الكثير من الصعوبة».
ولاحظ الباحث أن حجم الورق المستخدم في ذلك الوقت كان مختلفاً كلياً عن الحجم المعروف هذه الأيام، فجميع الوثائق كانت على ورق بحجم فولسكاب، وهو أطول قليلاً من الحجم المتداول حالياً، كما أن بعضاً منها عبارة عن مذكرات داخلية، أو مسودات لرسائل.
أما الطريقة الثانية التي كانت الوثائق مكتوبة بها فقد كانت بالإستنسل، ويلجأ إليها المسؤول عندما يتطلب الأمر إرسال نسخ من الرسالة أو التقرير إلى عدد كبير من الجهات يتجاوز عدد النسخ التي يمكن أن تكتب عبر الآلة الكاتبة، لافتاً إلى أنها ليست جيدة الطباعة،، وواجه صعوبات جمة في قراءتها.
أما الطريقة الثالثة التي ظهرت عليها بعض الوثائق فكانت مطبوعة في سياق أرشيف الحكومة، وتضمنت التقارير الخاصة بمجلس الوزراء البريطاني ووزارة الخارجية المحفوظة في الأرشيفات الخاصة بالدولة مع ترقيم كل نسخة علي حدة. وهي الأوضح والأسهل في القراءة، وهي قليلة.
وقد واجه الباحث مشكلة نقص المعلومات في الكثير من الأحيان، فلم يستطع ترجمة ونشر المرفقات لبعض المراسلات، بسبب أن المرفقات لم تكن متوفرة أصلاً ضمن المجلد الحافظ الرسالة أو الوثيقة وقد اكتفى حمامة في بعض الحالات بما ورد في المراسلات المتبادلة عن ترجمة مرفق لا يضيف الكثير.
وفي سبيله للعمل على جمع الوثائق واجه الباحث بعض المفارقات، منها أن بعض الوثائق قد عثر عليها صدفة عند البحث في ملف عن وثيقة أخرى لا علاقة لها بها؛ وذلك بسبب أن الكثير من المجلدات تضم وثائق لا علاقة لها ببعضها، مثل المجلد الذي كان يضم مراسلات حول طلب مصر إعادة افتتاح قنصليتها في بنغازي، وأخرى حول المجاعة والقحط في طرابلس، وغيرها ما يدور حول طلب التعويض المقدم من السيد عمر باشا منصور الكيخيا. وقد ساقت الصدفة الباحث وهو يجرى وراء وثائق قضية ما للعثور على وثائق أخرى على درجة من الأهمية أو معلومات جديدة كانت خافية، «مثل الوثيقة التي عثرنا عليها وتفيد بدفع أموال لحزب معين، فضلاً عن بعض شيوخ القبائل في برقة، وقد ذكرت ذلك وثيقة محفوظة بمجلد رقم 987، كتبها كبير ضباط الشؤون المدنية، وأعطاها عنوان (شيوخ برقة المتخلفون في مصر)». ويوضح الباحث، أن تلك الوثيقة دارت حول إقناع شيوخ برقة المهاجرين الذين ساعدوا في تشكيل القوة العربية الليبية والذين لا يزالون يتلقون منحة شهرية بسيطة بالعودة إلى وطنهم وقبائلهم بأسرع ما يمكن. وقال كبير الضباط، إن خمسة أو ستة منهم غادروا مصر، في حين أن آخرين كثراً مستعدون، وتواقون للرحيل بمجرد أن يصل مخطط الترحيل إلى المناطق التي يعيشون فيها، وخلاف ذلك ذكرت الوثيقة أن الكثير من الزعماء الشيوخ يماطلون في العودة إلى وطنهم.
أما أكثر الوثائق تفصيلاً فقد كانت عبارة عن تقرير سنوي لإقليم برقة مؤرخ في الخامس والعشرين من فبراير (شباط) 1944، وقدمه ج.ف.ب.ماكليرن، نائب رئيس الشؤون المدنية المكلف، وتضمن عشرين بنداً غطت كل تفاصيل الحياة من زراعة وصحة وقانون وتعليم، وغير ذلك، ويغطي الفترة من يناير (كانون الثاني) 1941 حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 1943. وفي المجلد الثاني وثيقة على درجة بالغة من السرية وتتضمن رسالة موقعة من 6 من مشايخ طرابلس محمد توفيق الغرياني، وعون سوف، وعيسي الباروني، وأحمد السويحلي، وطاهر أحمد المريض، ومحمد العيساوي بوخنجر، يطلبون خلالها من دوفيل، وهو قائد سرب بريطاني، السماح لهم بعمل عسكري ضد الطليان في الجنوب الليبي، لكن طلبهم قوبل بالرفض في وثيقة أخرى.


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.