أصبح هناك عالمان متوازيان الآن؛ الأول يتمثل في أولئك الذين يوجدون في قلب أزمة تفشي فيروس «كورونا»، مثل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي قاتل من أجل حياته، والأطباء الذين يقاتلون على الجبهة الأمامية وقد يفقدون حياتهم ولا يعودون إلى منازلهم مرة أخرى، والممرضات اللائي يحصلن على مقابل مادي زهيد ويتركن عائلاتهن من أجل القيام بدورهن في هذه المعركة، وعمال الرعاية الصحية وسائقي الحافلات والضحايا - وتلك الأنفاس الأخيرة التي تحيط بها أجهزة التنفس الصناعي والأقنعة بدلاً من الزوجات والأزواج والأطفال - والعاملين في مجال الصحافة والإعلام الذين لا يتوقفون عن متابعة الأحداث ونشر أرقام الضحايا، وهي الأرقام التي أصبحت بلا معنى تقريبا بعدما وصلت إلى مستويات عالية.
أما العالم الثاني فهو باقي المجتمع، أو الأشخاص المحظوظون، الذين لم تمسهم هذه الأزمة بشكل مباشر - على الأقل حتى الآن - رغم أنهم يعانون أيضا من بعض الإحباطات الصغيرة بسبب عزلتهم في المنازل وعدم قدرتهم على الخروج أو زيارة الأهل. وهناك بعض الأشخاص الذين لا يتحملون المسؤولية ولا يلتزمون بالتعليمات ويخرجون للحدائق، ويشتكون في نفس الوقت من أن هناك أشخاصا غير ملتزمين بالتعليمات!
وفي وسط كل ذلك، لم تتعامل كرة القدم مع هذه الأزمة بشكل صحيح. وقد كان أحد الأشخاص محقا تماما عندما قال إن كرة القدم يتم تحويلها الآن إلى لعبة سياسية، ويتم تضخيمها أكثر من المعتاد عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. ومن المؤكد أن الجميع يخسرون الآن، بما في ذلك الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، والدوري الإنجليزي الممتاز، والدوريات الأدنى الأخرى، وجهات البث التليفزيوني، واللاعبون، والجماهير.
ربما تكون الخسائر التي تتكبدها جهة ما أكبر من الأخرى، لكن الشيء المؤكد هو أنه لا يوجد من يستفيد من الوضع الراهن.
في الحقيقة، يعد هذا هو الوضع الأكثر غرابة وتعقيدا في حياتنا على الإطلاق، ولا أحد منا يعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك - وينطبق ذلك على مالكي الأندية واللاعبين وجهات البث التلفزيوني وأعضاء البرلمان، وعلينا جميعا. ومن المؤكد أننا جميعا قد أخطأنا في وقت ما وفي مرحلة ما خلال هذه الأزمة. هذا لا يعني أن نعفي من يخطأ من المسؤولية، لكنه يعني أن النقاش بشأن الأزمة الحالية قد غاب عنه ثلاثة أشياء مهمة، وهي الصبر والمرونة والفهم.
وقد دفعت الحكومة الكثير من الأموال لحماية العمال والموظفين من فقدان وظائفهم، فهل من السهل أن نشير إلى أن كل جنيه تنفقه الحكومة لحماية العمال يُؤخذ من الأموال التي كان يمكن إنفاقها على شراء أو تصنيع أجهزة تهوية أو معدات الوقاية الشخصية؟ ربما يكون الأمر كذلك حقا، لكن من جانب آخر فإن الحكومة مضطرة للقيام بذلك من أجل حماية العمال والموظفين.
ويجب الإشارة إلى أن نادي ليفربول عبارة عن مؤسسة يملكها أثرياء ولا يوجد بها الكثير من الموظفين - ويمكن لهؤلاء الملاك دفع رواتب الموظفين، ربما بالشكل الذي لا يمكن لأندية أخرى مثل نوريتش سيتي وبورنموث تحمله. وقد غير نادي ليفربول موقفه كليا بتراجعه عن مخطط التقدم بطلب الحصول على إعانة حكومية لدفع رواتب العاملين به من غير لاعبي كرة القدم، وذلك بعد تعرضه لانتقادات لاذعة.
ويجب الإشادة بمسؤولي ليفربول لأنهم لم يتشبثوا برأيهم وغيروا موقفهم عندما أدركوا أنهم اتخذوا قرارا خاطئا، فلا بأس أن تخطئ وتعترف بالخطأ.
وتتمثل هذه النقطة في الأسئلة التالية: هل يحق لبعض الأندية التوقف عن دفع رواتب العاملين بها، في حين لا يحق لأندية أخرى القيام بذلك؟ وماذا عن الموقف الذي اتخذه نادي نيوكاسل يونايتد، بمنح إجازة مؤقتة لجميع العاملين به من غير لاعبي كرة القدم؟ في الحقيقة، فإن الإجابة عن هذه الأسئلة قد تكون أكثر تعقيدا مما نعتقد، لأن الأمر يختلف من ناد لآخر، لأن بعض أندية الدوري الإنجليزي الممتاز يمكنها مواصلة دفع رواتب العاملين بها لأنها تمتلك القدرة المالية على ذلك، في حين لا تتحمل أندية دوري الدرجة الثالثة، على سبيل المثال، دفع رواتب العاملين بها في ظل توقف جميع الأنشطة المتعلقة بكرة القدم.
وخفض توتنهام هوتسبير رواتب طواقم العاملين معه من غير اللاعبين وعددهم 550 شخصا بواقع 20 في المائة في شهري أبريل (نيسان) الجاري ومايو (أيار) المقبل حماية لوظائفهم. لكن النادي أعلن اليوم الاثنين أن أعضاء مجلس الإدارة فقط هم من ستخفض رواتبهم وأن بقية طواقم العاملين في النادي، سواء كانوا من العمالة الدائمة أو المؤقتة أو من الذين منحوا إجازات، سيحصلون على رواتبهم عن أبريل ومايو كاملة ودون أي خصومات.
وقال دانييل ليفي رئيس مجلس إدارة النادي اللندني: «الانتقادات التي وجهت للنادي خلال الأسبوع الماضي كانت محل اهتمام بالغ من جانبنا وذلك بسبب سجلنا العامر بالأعمال الطيبة وإحساسنا الهائل بالمسؤولية تجاه هؤلاء الذين يعتمدون علينا وخاصة على المستوى المحلي».
ومن المعروف للجميع أن مالك توتنهام هوتسبير، جو لويس، ملياردير، كما أن رئيس النادي، ليفي، يتقاضى ملايين الجنيهات.
وكانت رابطة جماهير توتنهام هوتسبير أصدرت بيانا منطقيا تطلب فيه تفسيرا لقرار النادي في هذا الشأن، قائلة: «لا تضروا بسمعة النادي أكثر من ذلك، واستمعوا إلى صوت الجماهير. لقد هدد بعض المشجعين بالتخلي عن ناديهم، فهل هذا ممكن؟ هل يمكنك التخلي عن النادي الذي تشجعه بسبب قرار مثل هذا؟ وماذا عن جهات البث التلفزيوني، التي يحق لها استرداد 762 مليون جنيه إسترليني إذا لم يكتمل الموسم؟ هل تحتاج هذه الجهات إلى هذه الأموال بالفعل؟ وهل ستحصل على هذا المبلغ بأكمله؟ وهل ستحصل عليه بشكل فوري؟ من المؤكد أن توقف المباريات والمنافسات الرياضية سيؤدي إلى انخفاض أعداد المشتركين في قنوات بث الأحداث الرياضية، ناهيك عن خسارة العائدات من الإعلانات وعقود الرعاية». ويعني ذلك أن الجميع يخسر بسبب هذه الأزمة.
وماذا عن اللاعبين؟ لقد جعلتنا الأيام القليلة الماضية ندرك أنهم قد يكونون في الواقع مجرد مجموعة من البشر الحقيقيين - ربما تكون مجموعة مختلفة، لكن من الصعب أن نصنفهم جميعا ضمن فئة واحدة، لأن كلا منهم يختلف عن الآخر، فبعضهم يتصرف بحسن نية ويسهم قدر المستطاع في حل هذه الأزمة ويتواصل مع الآخرين، والقليل منهم ليسوا كذلك. وفي حين أن الآلاف من الأشخاص الذين لم يُطلب منهم التخلي عن جزء من رواتبهم يطلبون من لاعبي كرة القدم التخلي عن أجورهم، فمن المؤكد أنه من حق اللاعبين أن يعرفوا بالضبط أين ستذهب الأموال التي ستستقطع منهم.
ويبدو أن اللاعبين هم من ينتصرون في معركة العلاقات العامة في الوقت الحالي. وإذا كان كايل ووكر قد انتهك قواعد العزل الصحي وقام هو وأحد أصدقائه باستدعاء فتاتي ليل إلى شقته، فإن لاعبين آخرين مثل جوردان هندرسون وماركوس راشفورد وغيرهما، قد اتخذوا مواقف مختلفة تماما. والحقيقة هي أن كرة القدم - مثل بقية المجتمع - تكافح من أجل معرفة كيف يمكنها أن تتعامل مع تداعيات الأزمة الحالية. وقد أعرب الكثيرون عن رغبتهم بالمساهمة في التغلب على هذه الأزمة، كما أن الجميع يريدون القيام بالشيء الصحيح، لكنهم يحاولون حماية أنفسهم في نفس الوقت، وهو على الأرجح ما نقوم به جميعا الآن.
وربما أكون أنا المنافق الوحيد، لأنه بينما قمت بنشر تغريدة على موقع تويتر أطالب فيها مسؤولي توتنهام هوتسبير بعدم الحصول على أموال الحكومة، فقد اشتريت للتو دراجة تمارين رياضية من شركة توصيل لا تدفع الضرائب. إنني أطالب بألا يكدس الناس الأشياء في منازلهم، لكن عندما لم يكن لدي مطهر لليدين قبل ثلاثة أسابيع، طلبت عشر زجاجات عبر الإنترنت ووصلت للتو. (سأتبرع بمعظمها). ويعني ذلك أننا جميعا نخطئ، فلا أحد دون أخطاء.
ولا تختلف كرة القدم بالطبع. وربما يكون الشيء المهم هو أن ندرك أن البعض سيحصلون على مساعدة أكثر من الآخرين، وأن ذلك لن يكون عادلاً تماماً، وأنه لا يوجد شخص يتخذ القرارات الصحيحة طوال الوقت.
كرة القدم ليست وحدها التي تعاملت مع «كورونا» بشكل خاطئ
مثلها مثل باقي قطاعات المجتمع تعاني من أجل التوصل لإجابات حول كيفية التعامل مع تداعيات تفشي الفيروس
كرة القدم ليست وحدها التي تعاملت مع «كورونا» بشكل خاطئ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة