تفاقم أزمة الديون في أوروبا يستعيد أشباح 2010

إصدارات جديدة بقيمة 1.4 تريليون يورو لمواجهة «كورونا»

أزمة الديون السيادية السابقة كادت تودي بالاتحاد الأوروبي برمته
أزمة الديون السيادية السابقة كادت تودي بالاتحاد الأوروبي برمته
TT

تفاقم أزمة الديون في أوروبا يستعيد أشباح 2010

أزمة الديون السيادية السابقة كادت تودي بالاتحاد الأوروبي برمته
أزمة الديون السيادية السابقة كادت تودي بالاتحاد الأوروبي برمته

لم يأت بعد وقت الحساب لمعرفة كلفة أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، لكن الاقتصاديين الأوروبيين يعرفون أن دول الاتحاد ستتجاوز في حجم ديونها المستجدة في 2020 ما كانت اقترضته في 2010، وبلغ آنذاك 950 مليار يورو، ليسجل رقماً قياسياً تاريخياً.
ويقول محلل في «ناتكسيس»، إن إصدارات الدين المتوسطة والطويلة الأجل، التي ستطرح هذه السنة، ستتجاوز تريليوني يورو، إلى جانب 400 مليار يورو للمدى القصير، وقد ترتفع الأرقام تبعاً للتطورات وتعقيدات معالجة التداعيات الصحية والاقتصادية. وسيتراكم ذلك مفاقماً العجوزات في الموازنات التي سترتفع بين 5 و7 نقاط مئوية. ففي فرنسا، على سبيل المثال، وبعد إقرار اعتمادات إضافية في موازنة 2020، سيبلغ العجز 7.6 في المائة من الناتج، علماً بأن القاعدة المقبولة أوروبياً هي 3 في المائة حداً أقصى.
لكن، وبما أن معظم دول الاتحاد تقترض بمعدلات فائدة سلبية للمدى القصير، فإنها قد «تربح بالاقتراض»، وفقاً للمحلل المالي في «ليزيكو» الفرنسية غيوم بنوا.
ويمكن لدول الاتحاد الاعتماد على البنك المركزي الأوروبي، الذي أضاف 900 مليار يورو إلى برنامجه الخاص بشراء الأصول. وهو بفعل طوارئ أزمة «كورونا» سيستطيع تجاوز الحدود المعتمدة لديه للشراء من كل دولة حسب حجمها وحاجتها. وفي المتوسط العام سيمكنه شراء ما قيمته 120 مليار يورو شهرياً من الآن، وحتى نهاية العام. ويوضح محلل في بروكسل أنه إذا بقي العجز متراوحاً بين 5 و10 في المائة من الناتج، فإن البنك المركزي قادر على «امتصاص» كل فوائض إصدارات الدين التي تطرحها الدول الأعضاء. وسيسمح ذلك لتلك الدول بالاقتراض بسهولة من الأسواق بكلفة متدنية.
وبالنسبة لأسواق الدين، فإن المستثمرين المقرضين مثل شركات التأمين وصناديق التقاعد يمكنها، إلى جانب المصارف، الحصول على حصة من الإصدارات. علماً بأنه منذ إعلان البنك المركزي استعداده للتدخل في برنامج طارئ في 19 مارس (آذار) الماضي، فإن عوائد سندات استحقاق 10 سنوات شبه استقرت، ولا تزيد في أسوأ الأحوال على 1.5 في المائة بالنسبة للإصدارات الإيطالية، مقابل نحو 0.5 في المائة للإسبانية، و0.11 في المائة للفرنسية، وسالبة بنسبة 0.18 في المائة للإصدارات الألمانية. وتلك العوائد، على تدنيها، شكل استقرارها النسبي طمأنينة للمستثمرين الذين خافوا في بداية الأزمة من التقلبات الحادة.
لكن المقرضين يسألون عما إذا كان جبل الديون المتراكم أكثر سيؤثر في التصنيفات الائتمانية للدول لجهة خفض التقييمات مع نظرات سلبية. والسؤال مشروع بالنسبة لمقرضي إيطاليا، على سبيل المثال، التي يقترب تصنيفها الائتماني من الدرجة «السيئة» مع نظرة غير مستقرة.
مصدر في وكالة «موديز» للتصنيف أكد أن العالم بأسره يعاني من تداعيات أزمة «كورونا»، ومعظم الدول تلجأ إلى الاستدانة للإنفاق على برامج الاحتواء والتحفيز، وهذا ما بدأت الوكالات أخذه في الاعتبار حتى لا توزع التصنيفات السيئة، كما كان الأمر متعلقاً بسوء إدارة للماليات العامة. وأضاف: «لسنا أمام سوء إدارة، إذ إن ما نشهده اليوم جديد كلياً، ولم نعهده من قبل، لذا تتريث الوكالات قبل أن تطبق قواعد التصنيف بصرامة هذه السنة.
على أن تعود في 2021 قواعد التطبيق الصارم. بيد أن آثار صدمة «كورونا» على التصنيفات الائتمانية تتعلق بطول مدة الأزمة، وحجم الانكشاف على الديون، والأهم هو قدرة الحكومات على تقديم برامج تحفيز لعودة النمو الاقتصادي تجعل من تدهور الماليات العامة أمراً موسمياً وغير متجذر هيكلياً. فإذا كانت طفرة الاستدانة طارئة وقابلة للاحتواء في 2021، يفترض بوكالات التصنيف أن تظهر تفهماً خاصاً حيال ذلك، كما توقع مصدر وكالة «موديز».
في المقابل، فإن مشهد الدول التي تهب لنجدة اقتصاداتها بالاستدانة الكثيفة هو مشهد يستعيد ذكريات سيئة قديمة، كما يقول مسؤولو خزانة في المفوضية. فهذه الدوامة جعلت أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة في 2008 تتحول بفعل تأثيرات الجاذبية الجانبية إلى أزمة ديون سيادية في منطقة اليورو أطلت برأسها في 2010 و2011.
والدول الأوروبية التي انفجرت فيها تلك الأزمة، مثل اليونان وإسبانيا وآيرلندا والبرتغال، عانت لاحقاً من عقوبات فرضتها عليها الأسواق لجهة الفوائد العالية على إصدارات دينها، فاتسعت الهوامش إلى مستويات تاريخية بين عوائد سندات دولة مثل ألمانيا والدول المأزومة الأخرى التي تخشى اليوم عودة ذلك الكابوس، خصوصاً وأن مفوضاً أوروبياً في بروكسل حذر قائلاً: «سيأتي يوم قريب لنحاسب من بالغ في الاستدانة. فنحن لسنا اليابان ولا الولايات المتحدة، لأن أزمة الديون السيادية السابقة كادت أن تودي بالاتحاد الأوروبي برمته تحت ضغوط من شعوب دول حصيفة في ماليتها العامة رفضت مساعدة دول أخرى اتهمت بالتبذير والعيش فوق طاقتها». لكن كلام المفوض جُوبه برفض في الدول المأزومة صحياً، لا سيما إيطاليا التي عادت فيها أصوات عالية تنادي بالخروج من الاتحاد الأوروبي.



مصر تتطلع إلى موافقة صندوق النقد على صرف شريحة جديدة من القرض

وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتطلع إلى موافقة صندوق النقد على صرف شريحة جديدة من القرض

وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)

قال وزير المالية المصري أحمد كجوك، إن بلاده تتطلع إلى موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري يوم 29 يوليو (تموز) الحالي، «ونستهدف استمرار المراجعات القادمة بنجاح، والعمل على مسار الحصول على تمويل من صندوق المرونة والاستدامة».

وأكد الوزير، في بيان صحافي، السبت: «إننا نتعامل في مصر بتوازن شديد مع تداعيات جيوسياسية مركبة، في إطار برنامج شامل لتحسين الأداء الاقتصادي».

وأجرت بعثة من صندوق النقد الدولي، زيارة إلى القاهرة في مايو (أيار) الماضي، لإجراء المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. لكنه أجّل مناقشة صرف الشريحة الثالثة من القرض الممنوح لمصر بقيمة 820 مليون دولار، إلى 29 يوليو الحالي، بعدما كانت على جدول اجتماعاته المقررة 10 يوليو.

واعتمد مجلس الصندوق في نهاية مارس (آذار) الماضي، المراجعتين الأولى والثانية، في إطار تسهيل الصندوق الممدد لمصر، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إجماليها إلى 8 مليارات دولار، ما سمح لمصر بسحب سيولة من الصندوق بنحو 820 مليون دولار على الفور.

وخلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي، على هامش اجتماعات «مجموعة العشرين» في البرازيل، قال الوزير: «إننا ملتزمون بتحقيق الانضباط المالي من أجل وضع مسار دين أجهزة الموازنة للناتج المحلي في مسار نزولي، ونستهدف خلق مساحة مالية كافية تتيح زيادة الإنفاق على التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، ونعمل أيضاً على خفض معدلات التضخم لضمان استقرار الأسعار لتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، ومساندة تنافسية الشركات».

وأشار الوزير إلى أن أولوية الحكومة خلال الفترة المقبلة زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص ودفع الأنشطة الإنتاجية والتصديرية، وكذلك تطوير بيئة الأعمال لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لافتاً إلى «أننا نعمل على تبسيط الإجراءات الخاصة بمنظومتي الضرائب والجمارك لإعادة بناء الثقة بين مجتمع الأعمال والإدارة الضريبية وتحسين الخدمات للممولين».

وأوضح كجوك، أن بلاده حريصة على دفع الإصلاحات الهيكلية ودفع الاستثمارات الخاصة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا وتحلية المياه والبنية التحتية، مشيراً إلى العمل أيضاً على «اتساق السياسات الاقتصادية من خلال وضع سقف لإجمالي الاستثمارات العامة والضمانات الحكومية ونسبة دين الحكومة العامة للناتج المحلي».

على صعيد موازٍ، عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي المصرية، لقاءاتٍ مكثفة مع وزراء الاقتصاد والتنمية والتعاون الدولي، إلى جانب مسؤولي مؤسسات التمويل الدولية، المُشاركين في الاجتماع الوزاري لـ«مجموعة العشرين» بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، وذلك لبحث أولويات التعاون المشترك وتعزيز الشراكات المستقبلية في ضوء أولويات وبرنامج الحكومة.

والتقت المشاط بكل من: أحمد حسين وزير التنمية الدولية الكندي، وإيفا جرانادوس وزيرة الدولة للتعاون الدولي الإسبانية، وريم الهاشمي وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي في حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، وسيفينا شولز الوزيرة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، وأنيليز جين دودز وزيرة الدولة لشؤون المرأة والمساواة في المملكة المتحدة، وخوسيه دي ليما وزير الدولة للاقتصاد الأنغولي، وكريسولا زاكاروبولو وزيرة الدولة للتعاون الإنمائي بفرنسا.

كما عقدت الوزيرة لقاءً مع جوتا أوربيلينين المفوضة الأوروبية للشراكات الدولية، وسيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، وريبيكا جرينسبان الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، كما التقت أنيل كيشورا نائب الرئيس والمدير التنفيذي لبنك التنمية الجديد (NDB)، وألفارو لاريو رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد).

وخلال اللقاءات ناقشت المشاط، فُرص التعاون المستقبلي مع الاتحاد الأوروبي استمراراً للشراكة الاستراتيجية بين الجانبين وجهود تعزيز الاستثمارات من خلال آلية ضمان الاستثمار التي يجري تنفيذها، وكذلك تعزيز جهود الإصلاحات الهيكلية.