هل كان «مالتوس» محقاً؟

توماس مالتوس
توماس مالتوس
TT

هل كان «مالتوس» محقاً؟

توماس مالتوس
توماس مالتوس

يبدو أن مع الشدائد تُستنتج الأفكار أو تُسترجع، فأمام جائحة الكورونا انهالت علينا من كل اتجاه توجهات فكرية تسعى لمحاولة الخروج بنظرية أو فرضية تسعى لفهم أو تبرير أو التنبؤ بنتائج هذه الكارثة العالمية التي نتعرض لها على كافة المستويات، ونظراً لأن الفلسفة الإنسانية لم تخرج بنظريات كثيرة حول الأوبئة مثل الظواهر والسلوكيات الإنسانية الأخرى فيبدو أن كتاب «رسائل حول مبادئ تعداد السكان» للمفكر الإنجليزي الشهير «توماس مالتوس» بدأ يأخذ حيزاً فكرياً أوسع لدى البعض، لأنه كان أول من سعى لوضع نظرية متكاملة حول السكان والديموغرافيا والتطور عام 1798. ورغم أن نظريته ثبت فشل أجزاء كبيرة منها إلا أن فرضياته المستخدمة لم تكن في كثير منها كذلك.
لقد طرح «مالتوس» في رسائله عدداً من الأفكار الأساسية على رأسها أن الإنسانية ستُواجه أزمة كبيرة نتيجة للزيادة السكانية المطردة متخطية قدرة الأرض على إنتاج الغذاء مع الوقت، فالزيادة الإنتاجية متوالية عددياً بينما السكانية متوالية هندسياً، أي أن الأولى تزداد بشكل منتظم والثانية بشكل جذري، مما سيخلق حالة عدم توازن ستشهد معها الإنسانية مجاعات ممتدة أو ما سُمي «بالكارثة المالتوسية» ليعود التوازن مرة أخرى لأن الشعوب ستتجه لخفض النسل مع الندرة الغذائية، ونظراً لطبيعته الدينية باعتباره من القساوسة، فقد اقترح وسائل مختلفة للحد من هذه الكارثة تدريجياً عبر التحديد الطوعي للنسل بما في ذلك التأخر في الزواج والامتناع ولكن ليس التحديد.
وقد صاغ الرجل فرضيته الثانية استناداً إلى التاريخ السكاني الأوروبي على مدار القرون السابقة فيما درج على تسميته عوامل «الضبط المالتوسي»، أي أن العوامل الطبيعية ستعيد هذا التوازن، وهذه العوامل الضابطة بالتحديد هي الأوبئة والمجاعات والحروب. وهنا يبرز دور الوباء لأول مرة بشكل فكري ممنهج في إطار نظرية سياسية واجتماعية واقتصادية متكاملة، وقد اعتبر «مالتوس» أن الوباء ينتج إما عن الطبيعة أو سوء التغذية وأنه سيلعب دوراً هاماً في الضغط على منحنى الزيادة السكانية لخلق التوازن، ولعل هذا ما جعل الكثيرين لا يرتاحون لبعض أفكاره القاتمة.
لقد كان «مالتوس» متأثراً بشكل كبير بتاريخ الأوبئة في أوروبا خاصة موجة الطاعون في القرن الرابع عشر والتي حصدت ما يفوق خمسين مليون نسمة أو ثلث سكان دول بأكملها في أكبر كارثة إنسانية شهدها العالم منذ بدء الخليقة، إضافة إلى موجات سابقة له في أوروبا. ومع أهمية عوامل الضبط وعلى رأسها الأوبئة إلى جانب الكوارث الطبيعية مثل الزلازل وغيرها وآثارهما الديموغرافية الممتدة، فقد كان من الممكن أن تكون النظرية سليمة إلى حد كبير أثناء كتابتها، ولكن البعض رأى أنها جانبها الصواب جزئياً بعد ذلك لأن الإنسانية استطاعت التغلب على كثير من الأوبئة الفتاكة المنتشرة على المستوى العالمي بسبب التطور التكنولوجي ومن خلال لقاحات وأمصال وعلى رأسها الكوليرا والملاريا وغيرهما، ولكن البعض الآخر دفع بأن وباء الأنفلونزا الذي حصد أكثر من عشرين مليون نسمة في 1920 أثبت أن الطب وعلم الأوبئة قد يلهثان وراء الأوبئة وليس بالضرورة العكس، وهو ما منح قدراً من المصداقية لفرضية «مالتوس» حيث إن الحرب العالمية الأولى مضافاً إليها هذا الوباء أوديا بحياة ما يقرب من أربعين مليون نسمة بما يثبت جزئياً صحة عوامل الضبط التي أثارها مالتوس.
إن ما يعنينا هنا هو التوجه نحو إعادة تدوير بعض فرضيات «مالتوس» بأشكال مختلفة على المستوى الفكري في عالم السياسة والثقافة مؤخراً، فيما يعرف «بالمالتوسية الجديدة»، وهي المدرسة الفكرية التي أخذت كثيراً من توجهاته وربطتها بمستقبل البشرية والسياسة والاجتماع بل والثقافة، مؤكدين على أن الإنسان يعيش في «منظومات بيئية» بتعريف مفتوح للبيئة ليشمل إلى جانب الظواهر الطبيعية مثل التصحر ونقص المياه والانبعاث الحراري مفهوم الوباء وارتباطه بالتطور الإنساني. وقد ورث هذا التيار المتصاعد عالمياً البُعد التشاؤمي لمالتوس، فيغلب عليه التأكيد على أن عدم الاكتراث بهذه المنظومات على المستوى الدولي سيؤدي لكارثة أعتقد أنها لم تعد بعيدة عنا مع انتشار جائحة الكورونا، وليس أدل على ذلك من أن العالم قبل هذه الجائحة لن يكون كبعده، وهو نفس ما صاغه الكثيرون بعد كارثة «تسونامي»، ولكن المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بكل تأكيد ستكون أوسع وأقوى بكثير مع الكورونا.
ورغم اتفاقنا الكامل بأن نظرية «مالتوس» أثبتت فشلها لا سيما في مجال التنبؤ بالمستقبل وموجات الزيادات السكانية التي صاغها، إلا أن انتشار جائحة الكورونا والذي يعد اليوم أخطر تهديد لحياتنا جميعاً يدفعنا لإعادة تأمل بعض فرضيات هذه النظرية، فننزل من البرج الفكري الحضري العاجي الذي وضعنا أنفسنا فيه لندرك أننا كائنات بيولوجية مرتبطة بالنظم البيئية التي نحن فيها والتي لا مفر منها، وهي حقيقة ظللنا دائماً نسعى لتناسيها بتحصننا بقلاع العلم وسلاح الطب والوقاية والتي لم تأت حتى الآن لنجدتنا فتركتنا نواجه مصيراً غير واضح المعالم وخطير الدلالات، ولعل هذا ما يدفعنا لأهمية العودة لفكر «مالتوس» مرة أخرى لنتذكر أن جزءاً كبيرا من إنسانيتنا مرتبط بالطبيعة بكل ما لها وما عليها نتأثر بها وتؤثر فينا.



معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
TT

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، 19 دولة عربية و12 أجنبية.

ويحلّ الأردن «ضيف شرف» على المعرض هذا العام. في حين أعلن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب اختيار العالم الجغرافي والمحقق اللغوي والمترجم الكويتي عبد الله الغنيم ليكون «شخصية المعرض».

وقال مدير المعرض، خليفة الرباح، إن اختيار الغنيم «جاء تقديراً لإسهاماته الكبيرة في الثقافتين المحلية والعربية، وهو ما تَجسَّد في حصوله على (وسام الاستقلال من الدرجة الأولى) من الأردن عام 2013 لدوره في إثراء قاموس القرآن الكريم، بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي».

شغل الغنيم منصب وزير التربية خلال الفترة بين 1990 و1991، ووزير التربية والتعليم العالي بين 1996 و1998، ورئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية من 1992 حتى الآن، كما عمل أستاذاً ورئيس قسم الجغرافيا في جامعة الكويت بين 1976 و1985، وعضو مجمع اللغة العربية في سوريا ومصر، وعضو المجلس الأكاديمي الدولي لمركز الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد.

وذكرت عائشة المحمود، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أن المعرض يقام هذا العام تحت شعار «العالم في كتاب» ليكون تعبيراً عن أهمية الكتاب ودوره في تقديم الثقافة للمجتمع.

وأضافت أن النشاط الثقافي المصاحب للمعرض يقام عبر 3 منصات مختلفة، هي «الرواق الثقافي» التي تم استحداثها العام الماضي بطابع شبابي، ومنصة «المقهى الثقافي» التي تقدم أنشطة بالتعاون مع مؤسسات النفع العام والمؤسسات الأهلية والجهات الحكومية، و«زاوية كاتب وكتاب» التي استُحدثت هذا العام لربط القارئ بالكتاب بطريقة مباشرة، وتتضمّن أمسيات لعدد من الروائيين.

وأشارت إلى أن مجموع الأنشطة المصاحبة للمعرض، الممتد حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) بأرض المعارض في منطقة مشرف، يتجاوز 90 نشاطاً بما فيها الاحتفاء بالرموز الثقافية الكويتية والعربية.

وعدّ وزير الثقافة الأردني مصطفى الرواشدة، أن مشاركة الأردن في معرض الكويت الدولي للكتاب «تُعدّ تتويجاً للعلاقات الثقافية بين البلدين».

وأعرب، في بيان، عن شكره لدولة الكويت بمناسبة اختيار الأردن «ضيف شرف» للمعرض، مؤكداً أن «دولة الكويت كانت ولا تزال منارةً للمثقف العربي بتجربتها في الإصدارات الرائدة».

وأوضح الرواشدة أن المشاركة الأردنية تتمثل في هذا المعرض من خلال الجناح الذي صُمِّم هندسياً ليعبِّر عن النمط المعماري الحضاري والتراثي الأردني، بما يضمه من مفردات تتصل بثقافة الإنسان، إضافة إلى الرموز التاريخية والثقافية المتنوعة.

وأضاف أن المشارَكة في معرض الكويت الدولي للكتاب «تمثل ثمرةً تشاركيةً بين المؤسسات الثقافية الأردنية؛ لتقديم صورة مشرقة للمشهد الثقافي الأردني في تعدده وتنوعه وثراء حقوله الإبداعية».