سخرية لويس بنيووَل تنطبق على سوريالية أيامنا

نظرته الاجتماعية الناقدة ما زالت حاضرة

لويس بنيووَل
لويس بنيووَل
TT

سخرية لويس بنيووَل تنطبق على سوريالية أيامنا

لويس بنيووَل
لويس بنيووَل

تتوقع هوليوود اليوم أن تعلن شركة AMC، صاحبة أكبر سلسلة من صالات السينما حول العالم، إفلاسها إذا ما استمر الحجر طويلاً. تقرير من إحدى الشركات الاقتصادية المستقلة (MKM Partners) نشر في هذا الشأن، مفاده أنّ الشركة لن تستطيع التحمّل إذا ما امتد الوضع الحالي الذي استشرى مع انتشار وباء كورونا (ومشتقاته) وستضطر لإشهار إفلاسها قبل ذلك.
وكانت AMC أعلنت أنّها خسرت ما يقارب 265 مليون دولار حتى الآن من المدخول النقدي («كاش») و332 مليون دولار من مدخول التذاكر المبيعة بالبطاقات وذلك من مطلع هذه السنة.
والواقع أن شركات دور العرض ليس لها مدخول آخر سوى بيع التذاكر، بطريقة أو بأخرى، وإذا ما توقف العمل فلا تستطيع هذه الشركات ابتداع أعمال أخرى أو التوسع بحثاً عن بديل. والحال يبدو على بعد سنوات ضوئية مما كان الوضع عليه قبل 100 سنة عندما أُسّست الشركة في عام 1920 أي بعد عامين على انتشار الإنفلونزا الإسبانية الذي بدأ مطلع 1918 وبلغ ذروته في 1919 وخفت نهاية 1920.
مع الحبس التطوعي هنا والإجباري هناك تحوّل زبائن صالات السينما السابقين إلى جزء من ديكورات منازلهم واستخدموا التكنولوجيا التي تتيح مشاهدة الأفلام في البيوت. نعم، لهذه التكنولوجيا تاريخ يمتد الآن لأكثر من عقدين، لكن الإقبال عليها لم يبلغ ما يبلغه حالياً.
هدم قناعات
ما يحدث، تبعاً لما نعيشه حالياً، يبدو سوريالياً. والغالب أنّ المخرج الإسباني لويس بنيووَل كان سيفكر بتحقيق فيلم عن هذا الوضع (ولو بطريقته الخاصة) فيما لو كان ما يزال حياً يرزق. المخرج الذي توفي عن 83 سنة في عام 1983 ليس اختياراً اعتباطياً في هذا الافتراض، بل هو الأسبق في إثارة السخرية السوداء حول أوضاع الحياة الاجتماعية من منظور سياسي وظّفه لطرح موضوع الحياة بين الطبقة البرجوازية وتلك السياسية والكنيسة معاً.
وفي حين تتوالى التوقعات بأن عالماً جديداً سيقوم على أنقاض العالم القديم، فإنّ نظرة بنيووَل للحياة كانت تشكّلت بالفعل على أنّ أصحاب السلطات في العالم الغربي هم أسباب انهيار وجدانياته واضطرابه. كل ذلك بأسلوب رمزي في معانيه مصحوباً بمشاهد صادمة يختارها المخرج كنوع من هدم القناعات.
خذ مثلاً فيلمه «السحر الخفي للبرجوازية» (1972) الذي يشبّه فيه حياة الطبقة البرجوازية (الطبقة المتوسطة العليا) بتلك الحفلة التي يعزم أبطال الفيلم إقامتها ولا ينجزونها. في باله أنّ أحلام تلك الطبقة في الوصول إلى المصافات هي مثل تلك الحفلة التي ينبرون إليها لكنّهم لا يقيمونها.
قبل عشر سنوات من هذا الفيلم حقّق بنيووَل فيلماً آخر حول حفلة منزلية أخرى. الفيلم هو «ملاك الإبادة» (The Exterminating Angel) وفيه لقاء كبير لبعض رموز المجتمع في أحد المنازل بغاية السمر والسهر. يبدو كل شيء، في نصف الفيلم الأول عادياً. رموز المجتمع المكسيكي حاضرون هنا يتبادلون الحديث والمخرج يرقبهم وتكاد تراه يبتسم ساخراً منذ مطلع الفيلم. هذا إلى أن يدرك هؤلاء فجأة أنّهم لا يستطيعون الخروج من البيت. هناك قوّة تمنعهم من ذلك لا يعرفونها. بدأ بنيووَل فيلمه هذا بتصوير المكان كقصر رحب بغرف مضاءة وسعادة غامرة تواكب الحاضرين متصرفين كما هي العادة في مثل هذه المناسبات الاجتماعية.
ما إن يتبدّل الوضع حتى يبدو المكان مثل قبر ضخم والجميع يحاول النجاة بنفسه ولو بالعنف. ألفة وصداقة ومحبة الحاضرين تتحوّل إلى شراسة البحث عن النجاة الفردية بأي ثمن.
بعد ثلاث سنوات يمتع المخرج الإسباني الأصل هواته بفيلم آخر يتحدث عن العزلة وتحولات القيم هو «سيمون الصحراء»، حيث يقرر أحد الرهبان التوحّد بعيداً عن الجميع. لكن الجميع يلحقون به معتقدين أنّه يستطيع إنجاز معجزات وما عزلته إلّا محاولة منه لإخفاء الحقيقة.
إلى هوليوود ومنها
لم تكن كل أفلام بنيووَل على نَفَسٍ من الاهتمامات. وُلد سنة 1900 ومارس السينما شاباً من باب مساعد مخرج فعمل مع جان إبستين («سقوط منزل آشر»، 1928) وقبله فيلم للفرنسي أيضاً جاك فيدير («كارمن»، 1926)، لكنّه لم يستمر طويلاً في هذا المضمار وانتقل لتحقيق «كلب أندلسي» سنة 1929 الذي كتبه مع سلفادور دالي.
هذه الفترة الفرنسية المبكرة (منتصف حتى نهاية العشرينات) فترة من حياته أقبل فيها على كتابة النقد لجريدة إسبانية شملت مراجعته للأفلام المعروضة في باريس. كذلك نراه يمثّل أدواراً صغيرة في أفلام لبعض رواد السينما الروائية الطويلة في فرنسا من أمثال جاك فيدير وجوزفين بايكر. هنا تأكد لبنيووَل أنّ الإخراج هو ما يطلبه لنفسه من هذا الفن، لذلك توجه إلى والدته طالباً منها معونة مالية حال تسلمها، استثمرها في فيلمه الأول «كلب أندنوسي» (1929).
أحاط بنيووَل نفسه ببعض الخبرات التي تعرّف عليها خلال الفترة السابقة، مثل مدير التصوير ألبرت دوفرجر ومثل المصمم التقني أندريه بريتون الذي عرّف بنيووَل على محطته التمويلية التالية ممثلة بماري - لور نويل وبذلك حقّق ل بنيووَل فيلمه التالي «العصر الذهبي» (1930).
لكن كل ذلك تغيّر عندما قدّم المخرج الشاب فيلمه الثاني «العصر الذهبي»، وَقوبل بهجوم شديد من قِبل المحافظين وباحتجاجات نجم عنها إغلاق الصالة التي كانت تعرضه، مما جعله يقبل بعرض قدّمته له شركة مترو غولدوين ماير فانتقل إلى هوليوود.
لم يطل مقام بنيووَل طويلاً في هوليوود، وفي عام 1933 صور فيلماً عبر فيه عن تأييده للثورة الإسبانية في تلك الحرب الأهلية التي اندلعت بين الراغبين في الحفاظ على إسبانيا الملكية وبين إعلانها جمهورية. هذه العودة لم تكن مناسبة، والمخرج قرّر اللجوء مرّة أخرى إلى هوليوود، خصوصاً بعدما أخذ يتسلم رسائل تهديد.
لكن هوليوود، بطبيعة الحال، لم تكن المكان المناسبة له فتوجّه إلى المكسيك سنة 1946. بعد عامين وجد عملاً مع المنتج أوسكار دانسييغرز الذي دفع إليه بمشاريع أفلام كوميدية وموسيقية. للغرابة نجد أن بنيووَل، السوريالي والعصامي والمهتم بشؤون المجتمع المختلفة، أنقذ نفسه بالعمل في هذه النوعية من الأفلام التي كان شرطها الوحيد رخص التكلفة وتحقيق النجاح.
هناك حقق 20 فيلماً ميلودرامياً مختلفاً والعديد منها كان بالفعل ناجحاً على صعيد تجاري بحت. بذلك يكون انطلق من المدرسة السوريالية المناوئة لكل رموز اليمين إلى الميلودراما التي - في عمومها - تتألّف من مواضيع عاطفية وكوميدية ودرامية مختلطة (تبعاً لكلمتي ميلو اليونانية ودراما الفرنسية). لكن هذه الميلودراميات غالباً ما حوت تصوير وقائع عن الحياة في قعر المدينة. وأشهر أفلامه في هذا الإطار «الشبان والملعونون» و«القاسي» و«الحياة الإجرامية لأرخبلدو كروز» (كلها في مطلع ومنتصف الخمسينات).
البيت الإسباني
على أنّ نقد البرجوازية يـظهر أيضاً في بعض أفلام تلك الفترة من بينها «الشيطان واللحم» (1951) و«هذا الشغف الغريب» (1952) وحتى في اقتباسه لرواية «وذرينغ هايتس» (1954).
ليس أنّ أهل الحكم في المكسيك كانوا راضين عن هذه الانتقادات للطبقة الثرية وللكنيسة، لكن المخرج استمر في عمله من دون كلل فأنجز 20 فيلماً في المكسيك قبل أن يعود سنة 1965. إلى فرنسا لينجز باقي أعماله في فرنسا التي تغيّرت كثيراً عما كانت عليه في تلك الحقبة.
هذه الفترة بدأت بفيلم «مفكرة خادمة» (1966) وشملت «حسناء النهار» (1967) و«ترستانا» (1970).
هذا قبل أن يلج ثلاثيته التي شهدت تقديراً عالمياً أعلى من أي أعمال سابقة له، «السحر الخفي للبرجوازية» (1972) و«شبح الحرية» (1974) و«تلك الغاية الغريبة للرغبة» (1977). في كل واحد منها مسارات اجتماعية مع استخدام مشاهد سوريالية تبدأ وتنتهي من دون تفاصيل مُساقة.
بطبيعة حالها توجهت أفلامه الفرنسية إلى المشاهدين الفرنسيين بالدرجة الأولى. غير الفرنسيين في أوطانهم كان عليهم تقدير الشكل والمضمون الذي ينطبق على أوضاعهم بصورة أو بأخرى، لكنّ الفرنسيين هم الذين كانوا في مختلف أعماله بعد عودته من المكسيك، الغاية في العرض والنقد معاً.
على ذلك، يبلور بنيووَل خطاً إسبانياً طوال الوقت. ليس فقط من خلال الاستعانة بالممثل فرناندو راي، بل من خلال الاستعانة ببعض ما في البيت الإسباني ذاته من تاريخ.
على سبيل المثال، استخدم بنيووَل في مطلع «شبح الحرية» مشاهد لغزو نابليون لإسبانيا وعزز العرض بلوحات من الفنان الإسباني غويا. وفي «تلك الغاية الغريبة للرغبة» قدّم شخصية امرأة إسبانية (لعبتها أنجيلا مولينا جيداً).
وفرناندو راي نفسه مثّل، في «السحر الخفي للبرجوازية» شخصية سفير لاتيني (لدولة خيالية اسمها ميراندا). يتسلّى بنيووَل بتلك الشخصية. هي أولاً تسير وتتصرف بالمسلك الفرنسي الأرستقراطي ذاته مع أترابه. يحب هذا المجتمع العلوي ويراه نموذجياً، والشخصيات الفرنسية في الفيلم تحب فيه ذلك الحب وتعتبره من اللُحمة الطبيعية لهذا المجتمع. لكن ما إن يدخل الفيلم في عرين أزمته التي تتبدّى خلال تلك الحفلة التي تجمعهم حتى يتبدّل ذلك التقدير. يجد نفسه موصوماً بتعابير عنصرية تبدأ بملاحظة أحد الضيوف بأنّ بلاده من تلك الدول الديكتاتورية («يقتلون الناس إذا وافقوا معهم أو لم يوافقوا»). لا يتوانى السفير، عندئذ، عن الرد، ليس كلاماً، بل بإطلاق الرصاص عليه.
في النهاية، فإنّ من يشاهد أفلام بنيووَل في الوقت الراهن سيجد نفسه مشدوداً إلى إجراء مقارنة مع المستجدات حتى إذا ما زالت في طور النظريات مثل انهيار النظم الأوروبية التي اعتقدت نفسها أعلى من أن تهتز على النحو التي تعاصره خلال هذه الأزمة. إنّها ذات النظم التي هاجمها بنيووَل في أعماله، معتبراً أنّها ليست أكثر من بداية لنهاية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».