تونس تحت حكم المراسيم الاستثنائية لمدة شهرين

بعد إجازة قانون أثار جدلاً سياسياً

TT

تونس تحت حكم المراسيم الاستثنائية لمدة شهرين

تبدأ الحكومة التونسية اليوم (الاثنين) في إصدار مراسيم حكومية استثنائية، محددة عدة أولويات اجتماعية واقتصادية وصحية وأمنية. وأكدت المستشارة المكلفة بشؤون الإعلام والتواصل برئاسة الجمهورية، رشيدة النيفر، أن الرئيس قيس سعيد لن يمارس حقه في رد قانون التفويض المخصص لحكومة إلياس الفخفاخ إلى البرلمان، كما أنه سيختصر الآجال الدستورية ليختم القانون المشار إليه فور انتهاء آجال الطعن، وذلك حرصاً على دخول القانون حيز النفاذ لتمكين الحكومة من الآليات الضرورية وسرعة اتخاذ القرار لمعالجة الأزمة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا.
وسيمكن القانون الحكومة من اتخاذ إجراءات استثنائية وتحديد أولويات خلال مدة الحجر الصحي وحظر التجوال، وذلك بعد أن منح البرلمان رئيس الحكومة فترة شهرين لاتخاذ هذه القرارات دون الرجوع إليه لحصول موافقته عليها في إطار دور البرلمان التقليدي في مراقبة أداء الحكومة. لكن عدة أطراف سياسية، خاصة من المعارضة، أثارت جدلاً حول الموضوع، إذ عبرت عن خشيتها من أن يؤدي هذا القانون إلى توسع سلطات الجهاز التنفيذي (الحكومة) على حساب سلطة البرلمان الرقابية والتشريعية، وأن يمتد هذا التوسع والتغول إلى ما بعد فترة الشهرين التي حددها القانون. وأضافت الأطراف ذاتها أن هذا القانون يطيح بمبدأ «فصل السلطات»، ونبهت إلى مخاطر «انفلات اجتماعي» نتيجة تضرر العائلات الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود من إجراءات غلق المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي رافقت الحجر الصحي.
وأرسل البرلمان قانون التفويض إلى رئاسة الجمهورية في الرابع من أبريل (نيسان) الحالي إثر المصادقة عليه من قبل 178 نائباً من إجمالي 217. وانتهت فترة الطعن في دستورية القانون أول من أمس، ليبدأ أمس الأجل الأول لختم القانون من قبل رئيس الجمهورية وفق ما نص عليه الدستور.
وبشأن الأولويات التي ستعمل الحكومة على تنفيذها، أكد غازي الشواشي وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية أن حكومة الفخفاخ ستنطلق بداية من اليوم (الاثنين) في اتخاذ إجراءات استثنائية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي والصحي والأمني، مشيراً إلى أنه من أولويات الحكومة لمواجهة الأزمة التي اعتبرها «أزمة وجود وليست فترة عادية»، التحرك في اتخاذ قرارات مهمة. وأضاف أنه سيتم الإعلان عن إجراءات عاجلة وقرارات قد تظهر للبعض موجعة لكنها ضرورية ويحتمها الظرف الحالي. وقال الشواشي إن «كل جهة حكومية عليها أن تقوم بدورها بل بواجبها في هذه الحرب».
على صعيد متصل بالوضع الاجتماعي والاقتصادي، كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة) عن تسجيل 223 تحركاً احتجاجياً خلال مارس (آذار) الماضي، من بينها 119 في شكل عفوي، أي بنسبة 53.4 في المائة من مجموع التحركات، فيما بلغت التحركات الاحتجاجية المنظمة 104 تحركات. وأفاد التقرير الذي نشره المنتدى أن التحركات الاحتجاجية قد اتخذت في جزء منها منحا عنيفا بنسبة 45.3 في المائة من مجموع التحركات، وهو ما ينذر بموجة من الاحتجاجات إثر مزيد التضرر من الانعكاسات السلبية لوباء كورونا، إذ ارتبطت جل التحركات بالحالة الوبائية والمستجدات التي تعرفها البلاد.
وحافظت ولاية القيروان (وسط) على صدارة ترتيب المناطق التي تعرف أكثر مطالب اجتماعية بتسجيلها 47 تحركاً، أكثر من نصفها جاء في شكل عفوي، تليها ولاية سيدي بوزيد (مهد الثورة التونسية) بـ34 تحركاً، منها 73.5 في المائة اتخذ منحا عنيفا، ثم ولاية جندوبة (شمال غربي تونس) بـ29 تحركاً، 22 منها اتخذت أيضا منحا عنيفا، أي بنسبة 76 في المائة من المجموع العام. وعرفت هذه المناطق وغيرها تحركات رافضة لقرارات مركزية أو جهوية متعلقة بفتح مراكز الحجر الصحي الجماعي في عدد من الفضاءات الشبابية أو العمومية، علاوة على مطالبة الحكومة بالتدخل لجبر الأضرار الحاصلة لهم نتيجة الحجر الصحي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.