«كورونا» يفاقم أزمة اللاجئين السوريين... والدول المضيفة

TT

«كورونا» يفاقم أزمة اللاجئين السوريين... والدول المضيفة

تفاقمت بصورة عميقة مآسي اللاجئين في إدلب شمال غربي سوريا والجزر اليونانية، وعلى حدود الاتحاد الأوروبي خلال الشهور القليلة الماضية. واستعجل انتشار «كورونا» طرح الأسئلة والبحث عن حلول. ومجدداً، ينقسم الاتحاد الأوروبي بشأن مسائل اللجوء والهجرة، ويعكس محدودية قدراته على التعامل مع قضايا السياسة الخارجية والقضايا الأمنية.
وكما كانت الحال في عام 2015، فإن تدهور أوضاع اللاجئين في اليونان وتركيا ناشئ عن تصعيد الحرب الأهلية في سوريا، ذلك أنه في أبريل (نيسان) لعام 2019، أطلق النظام السوري عدداً من الهجمات العسكرية الرامية إلى استعادة السيطرة على محافظة إدلب في شمال غربي البلاد.
وبغية مواجهة تقدم القوات الحكومية السورية، رفعت أنقرة من دعمها المباشر لقوات المعارضة السورية، مع جلب قواتها العسكرية والعتاد الثقيل إلى خطوط المواجهة الأمامية بدءاً من فبراير (شباط) لعام 2020. وترغب تركيا في وقف التدفق المتجدد للاجئين عبر حدودها، ودعماً لمطالبها بإنشاء المنطقة العازلة أو الآمنة داخل المنطقة الحدودية. وبعد تصعيد كبير، اتفقت القيادتان الروسية والتركية على وقف جديد لإطلاق النار في 15 مارس (آذار) من العام الجاري.
وينسحب اتفاق وقف إطلاق النار الجديد على شريط ضيق بطول 6 كيلومترات على جانبي طريق حلب - اللاذقية السريعة. حتى وإن أسفر اتفاق وقف إطلاق النار الجديد عن توقف الغارات الجوية منذ ذلك التاريخ، فإن الترتيبات المزمعة لا تتسم بالاستدامة، ولا تؤدي إلى تسوية المصالح المتعارضة للأطراف المعنية بالصراع السوري. كما أن الأوضاع الراهنة أثبتت صعوبة تنفيذ وقف إطلاق النار بتمامه.
فما الخيارات المتاحة على الطاولة للتعامل مع الأوضاع المتدهورة؟ صار هذا التساؤل أكثر إلحاحاً إثر انتشار «كورونا»، علماً بأن الاتحاد الأوروبي وتركيا توصلا في عام 2016 إلى بيان مشترك عزز أواصر التعاون مع أنقرة بشأن المساعدات الإنسانية ومراقبة الحدود، غير أن البيان يعاني في الوقت نفسه من نقاط ضعف كبيرة ما يطرح الحاجة إلى منهج شامل. وهناك ترجمة مختصرة لتقرير أصدره «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية»، يتضمن قراءة في واقع الحال وتصورات لمستقبل التعاطي مع هذه الأزمة مع انتشار «كورونا».

- أوضاع مأساوية

تفاقمت مآسي المواطنين النازحين داخلياً في سوريا. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحتى منتصف الشهر الماضي، هرب ما يقرب من مليون سوري – نحو 60 في المائة منهم من الأطفال و20 في المائة من النساء – من القتال والجيش الحكومي. واليوم، فإن نحو ربع المواطنين في المناطق المتضررة من محافظتي إدلب وحلب لا يزالون قيد الفرار والنزوح. والطريق إلى تركيا مغلقة ومسدودة، إذ استمر إغلاق جميع المعابر الحدودية إلى تركيا، من حيث المبدأ، اعتباراً من مارس (آذار) 2015. كما استكملت الحكومة التركية بناء جدار حدودي في عام 2018، واستخدمت القوة في صد وإرجاع اللاجئين الجدد. ولجأ ما يزيد على نصف المليون نازح سوري إلى المنطقة الحدودية في شمال غربي إدلب، وانتقل أكثر من 400 ألف نازح إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شرقاً، لا سيما منطقة الباب وعفرين.
وبالنسبة إلى الكثيرين، لا يعدّ هذا أول نزوح داخلي لهم. فمنذ عام 2017، جرى إخلاء ما يقرب من 1.5 مليون مواطن سوري إلى محافظة إدلب من أجزاء مختلفة من البلاد في سياق ما كان يُعرف بـ«اتفاقيات المصالحة»، التي كانت في صالح النظام، ما أسفر عن مضاعفة تعداد السكان في محافظة إدلب، حتى قبل اندلاع الأزمة الراهنة، حيث كان 2.8 مليون مواطن سوري في شمال غربي البلاد يعتمدون على المساعدات الإنسانية. كما زادت الظروف الجوية القاسية من تفاقم أوضاع اللاجئين: فهناك نقص حاد في المخيمات ذات التدفئة المناسبة، والمياه، والمرافق الصحية، والأغذية، والحماية من الهجمات.
ويمكن، في ظل هذه الأجواء، توقع مزيد من النزوح القسري من سوريا في اتجاه الحدود التركية بمجرد اشتداد حدة القتال في محافظة إدلب مجدداً، أو إذا تمكنت دمشق من السيطرة على شمال غربي البلاد. ومع ذلك، ليست تركيا على استعداد حالياً لقبول مزيد من اللاجئين السوريين، وبالتالي من المرجح أن تظل الحدود التركية مغلقة.
حتى على المديين المتوسط والبعيد، من غير المحتمل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بأعداد كبيرة. بدلاً من ذلك، من المرجح بالنسبة لهم المغادرة، أو الرغبة في مغادرة البلاد حتى يستطيعوا الفرار من القمع والاضطهاد المحتمل للغاية، أو – في ظل الأزمة الاقتصادية والنقدية الطاحنة هناك – محاولة السعي لكسب العيش في أي مكان آخر.

- اللاجئون في تركيا

تستضيف تركيا حالياً أكبر عدد من اللاجئين على مستوى العالم. ويشكل اللاجئون السوريون أكبر نسبة منهم بتعداد بلغ نحو 3.6 ملين نسمة. وهناك ما يقرب من 400 إلى 500 ألف لاجئ غير سوري، أغلبهم قادم من أفغانستان، والعراق، وإيران. ويحظى السوريون بحماية مؤقتة، وتعيش نسبة 2 في المائة منهم في مخيمات اللاجئين. ويمكنهم الحصول على تصاريح العمل، ولكن هذا يعتمد في نهاية المطاف على حسن نوايا أرباب الأعمال في تركيا. وبالمقارنة مع البلدان المجاورة، يحظى اللاجئون في تركيا بمعدلات مرتفعة من الالتحاق بالمدارس، كما يعمل جانب كبير منهم في الاقتصاد غير الرسمي. ومع ذلك، لا يزال اللاجئون السوريون يشكلون تحدياً كبيراً أمام الحكومة التركية في محاولات دمجهم واستيعابهم في المجتمع والاقتصاد التركي.
علاوة على ذلك، صارت المواقف الشعبية التركية تجاه اللاجئين أكثر عدائية بصورة متزايدة مع تعمق الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد. ونتيجة لذلك، فرضت الحكومة التركية عدداً من التدابير التقييدية. كما يبدو أن بعض اللاجئين قد تعرضوا للضغوط للتسجيل من أجل العودة الطوعية إلى بلادهم. ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، رجع نحو 87 ألف لاجئ من تركيا إلى سوريا بين عام 2016 ويناير (كانون الثاني) من عام 2020.
وتلعب فكرة إعادة اللاجئين دوراً متزايداً كذلك في الهجمات العسكرية التي تشنها الحكومة التركية ضد جارتها الجنوبية. فعندما بدأت عملية «غصن الزيتون – أو هجوم عفرين» العسكرية في يناير من عام 2018، أكد الرئيس التركي في خطاب له أن الهدف من وراء العملية هو إعادة منطقة عفرين إلى أصحابها الحقيقيين، وإعادة 3.5 مليون لاجئ سوري إلى بلادهم. وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2019، أي قبل شهر واحد من آخر غزو عسكري هناك، طرح إردوغان خطته على الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تتعلق بمشروعات إعادة الإعمار في محاولة منه لتوطين نحو مليون لاجئ سوري في منطقة آمنة.

- حدود اليونان

مع نهاية فبراير (شباط)، أعلنت الحكومة التركية أنها ستفتح الحدود المشتركة مع أوروبا. ووفقاً لذلك، فإنها تجذب اللاجئين والمهاجرين إلى عبور الحدود مع اليونان، الأمر الذي يثير حالة طوارئ إنسانية على الصعيد المحلي. وهناك 4 أهداف ينطوي عليها إعلان أنقرة الأخيرة؛ أولاً: الحصول على مزيد من الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي. ثانياً: إلزام أوروبا بتوفير الدعم المالي والدبلوماسي القوي في مواجهة حالة الطوارئ الإنسانية المريعة في إدلب. ثالثاً: توفير الدعم السياسي والعسكري لأجندة الأهداف التركية في شمال سوريا. وأخيراً، تلقي أنقرة الدعم المالي الخاص بجهود إعادة الإعمار هناك، بما في ذلك إقامة مشاريع التنمية السكنية للاجئين السوريين العائدين.
استخدمت الحكومة اليونانية الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية في منع اللاجئين والمهاجرين من دخول أراضي اليونان، كما علقت الحكومة التقدم بطلبات الحصول على اللجوء السياسي لمدة شهر واحد. ووفقاً للتقارير الصحافية، جرى استخدام معسكر سري في البر الرئيسي اليوناني لاحتجاز المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا حديثاً إلى اليونان بهدف إعادتهم مرة أخرى مباشرة إلى تركيا، في انتهاك واضح لسيادة القوانين اليونانية. وأعرب العديد من ممثلي الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية ومجلس وزراء الداخلية بالاتحاد الأوروبي، عن دعمهم الواضح للحكومة اليونانية في هذه المساعي.
وبحلول منتصف شهر مارس، هدأت الأزمة المباشرة على حدود الاتحاد الأوروبي في اليونان. ومنذ ذلك الحين، تعمدت الحكومة التركية نقل عدة آلاف من المهاجرين واللاجئين غير النظاميين الذين ظلوا موجودين في منطقة إيفروس الحدودية إلى المدن التركية مرة أخرى. فيما وصفه بعض الدوائر الأوروبية بأن محاولة الابتزاز من قبل أنقرة قد بلغت نهايتها في الوقت الراهن. كما استأنفت قوات حرس الحدود التركية المراقبة المنتظمة للحدود.

- الجزر اليونانية

لا تزال الظروف الحياتية للمهاجرين واللاجئين على الجزر اليونانية تتصف بالكارثية. إذ كانت المرافق، (أو ما يُعرف بنقاط الاستقبال) التي أنشئت بدعم من الاتحاد الأوروبي بدءاً من نهاية عام 2015، مصممة لاستيعاب ما يربو قليلاً على 6 آلاف شخص، ولكنها تضم حالياً أكثر من 41 ألف شخص. ويعدّ الازدحام المفرط من النتائج غير المخطط مسبقاً لها لبيان الاتحاد الأوروبي وتركيا المشترك في عام 2016، الذي تنص بنوده – من جملة أمور أخرى – على أنه لا يجوز نقل طالبي اللجوء السياسي، كبند حاكم، إلى البر اليوناني الرئيسي. وفي الأثناء ذاتها، كانت الإجراءات المعنية بطالبي اللجوء شديدة البطء في الجزر اليونانية، مع صعوبة كبيرة في تنفيذ عمليات الترحيل مجدداً إلى تركيا، التي كان من المفترض بها في الأصل الاضطلاع بتنفيذها.
ووجهت المنظمات غير الحكومية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي المختلفة الانتقادات اللاذعة بشأن الظروف الحياتية في مراكز استقبال اللاجئين. ومما يُضاف إلى مشكلة الازدحام المفرط، هناك نقص الحماية الأمنية، والظروف الصحية المتدنية، وعدم كفاية الوصول إلى الخدمات الطبية، والرعاية النفسية والاجتماعية. وتقع الحوادث وتندلع الحرائق في تلك المراكز بصورة متكررة، وكذلك أعمال العنف والشغب العنيفة، تلك التي أسفرت عن سقوط العديد من الأشخاص بين قتيل وجريح. وكانت أولى حالات الإصابة المسجلة بفيروس «كورونا» بين جموع المهاجرين واللاجئين في مراكز الاستقبال في البر اليوناني الرئيسي تعكس التهديدات الأكثر خطورة على صحة وحياة الأفراد المحتجزين في مخيمات الجزر اليونانية.
وكانت الحكومة اليونانية، منذ شهور، تنظر في اقتراح إجلاء اللاجئين إلى البر الرئيسي. وعلى المديين المتوسط والبعيد، ترغب أثينا في إيواء طالبي اللجوء السياسي الجدد الذين يصلون إلى الجزر اليونانية في مرافق (مراكز استقبال) مغلقة. ومع ذلك، حالت الاحتجاجات المحلية في اليونان حتى الآن، وبدرجة كبيرة، من إنشاء تلك المراكز. ومع قانون اللجوء السياسي الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي بدءاً من يناير الماضي، فرضت الحكومة اليونانية مزيداً من القيود على حقوق طالبي اللجوء بشأن البقاء في البلاد لحين النظر في طلبات اللجوء خاصتهم، وكذلك الاستعانة بقوات الشرطة والجيش في تسريع إجراءات طالبي اللجوء السياسي. ويتوقف نجاح الحكومة اليونانية في إعادة طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم إلى تركيا مرة أخرى بأعداد أكبر مما كانت عليه في السابق على فرضيتين مشكوك في صحتهما.
فمن جهة، يتعين أولاً على المحاكم اليونانية اعتبار تركيا دولة ثالثة آمنة لاستقبال اللاجئين المرفوضين. ولقد أثيرت الشواغل القانونية ذات الصلة بتلك المسألة ضد عمليات الترحيل ذات الإجراءات الموجزة للاجئين غير النظاميين أثناء الأزمة الراهنة. ومن جهة أخرى، سوف ينبغي على تركيا توفير قدر من التعاون البناء، ذلك الذي يعد موضع تساؤلات جوهرية بسبب الأزمة الأخيرة على الحدود البرية المشتركة بين البلدين.

- بيان تركي ـ أوروبي

هناك حاجة ملحة لتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، سواء لحماية اللاجئين أو لاعتبارات أمن الحدود. وعلى مدار الأسابيع الماضية، أكد الجانبان أن البيان المشترك الحالي للاتحاد الأوروبي وتركيا الصادر في مارس 2016 – والذي يُشار إليه غالباً باسم «معاهدة» أو «اتفاق» اللاجئين أو الهجرة – لا يزال يشكل نقطة الأساس المرجعية المشتركة. وفي أعقاب اجتماع الرئيس التركي في بروكسل بتاريخ 9 مارس، أعلن تشارلز ميتشل رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي أنه ينبغي على الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسات الأمن جوزيب بوريل ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن يعملا معاً على مراجعة كيفية إدخال بيان عام 2016 إلى حيز التنفيذ الفعلي بأفضل صورة عملية ممكنة.
وبحلول عام 2014، أسفر تصاعد الحرب الأهلية في سوريا عن اندلاع أزمة إقليمية ضخمة من النزوح القسري للاجئين، وكل ذلك في حين كانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعاني نقصاً حاداً في المساعدات الإنسانية. وتمثلت الاستجابة الأولى من جانب بروكسل في إطلاق «صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني الإقليمي للاستجابة للأزمة السورية» (المعروف إعلامياً باسم صندوق مدد). ووفر ذلك الصندوق الجديد الدعم المالي الأولي للعديد من بلدان الجوار السوري بدءاً من عام 2014، غير أن المساعدات لم ترق إلى مستوى الاحتياجات.
وفي ضوء أعداد اللاجئين المتزايدة بوتيرة سريعة للغاية، اعتمدت بروكسل إجراءات أكثر شمولاً لإرساء الاستقرار بدءاً من خريف عام 2015، وذلك من خلال خطة العمل المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. ويهدف الجزء الأول من هذه الخطة إلى تحسين الأوضاع الإنسانية للاجئين الموجودين في تركيا. ولقد جرى تحقيق ذلك من خلال المساعدات المالية المقدمة من الاتحاد الأوروبي وعبر الإصلاحات القانونية والمؤسساتية التي نفذتها تركيا. وكانت الإصلاحات أكثر تأثيراً من حيث منح اللاجئين آفاقاً حياتية متوسطة المدى. فعلى سبيل المثال، افتتحت أسواق العمل التركية أمام اللاجئين السوريين، وتمكن التلامذة السوريون من الالتحاق بمختلف مراحل التعليم في البلاد. ويتمثل الجزء الثاني من خطة العمل في إدارة الحدود مع تنظيم حملات التوعية ضد الهجرات غير الشرعية ومخاطرها. وكانت هذه الإجراءات تصب في صالح الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تركيا. وبعد كل شيء، رغبت الحكومة التركية في تجنب أن تقوم مقام ممر الهجرة غير النظامية من أجزاء مختلفة من منطقة الشرق الأوسط وآسيا عبوراً إلى أوروبا على المدى البعيد.
ومع ذلك، صار من الضروري التوصل إلى اتفاق سياسي أوسع مجالاً من أجل الشروع في التعاون المشترك بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على أرض الواقع من خلال الممارسات العملية. ولقد جرى ذلك في مارس 2016 عبر البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي وتركيا، الذي التزم فيه الجانب الأوروبي بتوفير مبلغ 6 مليارات يورو حتى نهاية عام 2018. وفي المقابل، لن يتم قبول مزيد من طلبات اللجوء السياسي من اللاجئين السوريين الذين وصلوا بصورة غير قانونية إلى الجزر اليونانية. وبدلاً من ذلك، سوف تجري إعادتهم إلى تركيا في أسرع وقت ممكن – التي سوف تحمل تعريف الدولة الثالثة الآمنة لخدمة هذا الغرض.
وعلى العكس من ذلك، سيقبل الاتحاد الأوروبي الأشخاص الضعفاء القادمين من تركيا من خلال عملية إعادة التوطين، بالأعداد المكافئة للاجئين السوريين العائدين من الجزر اليونانية («آلية رجل برجل»). وفي حالة توقف المعابر غير النظامية عبر بحر إيجة بصورة عامة، عرض الجانب الأوروبي احتمال قبول مزيد من عمليات إعادة التوطين الناشئة عن تركيا. كما التزم الاتحاد الأوروبي كذلك بإعادة تفعيل المحادثات المعنية بانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد بغية مواصلة العمل على تعميق الاتحاد الجمركي، وتسريع المفاوضات بشأن تحرير تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك إلى مختلف دول الاتحاد.



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.