وسط الجدل الدائر في تركيا حول سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين واستثنائهم من مشروع قانون للعفو العام مطروح على البرلمان، واصلت حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان خطواتها السريعة لطرح تعديلات تستهدف السيطرة على مختلف وسائل الإعلام في البلاد، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعتزم الحكومة طرح تعديلات قانونية جديدة تهدف إلى تشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن ما يسمى حزمة «التدابير والإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا» لمناقشتها بالبرلمان خلال الأسبوع الحالي.
وعلى غرار مشروع قانون العفو العام عن السجناء في إطار مواجهة تفشي وباء كورونا، تواجه الخطوة الجديدة انتقادات حادة لكونها تعد مقدمة لفرض وصاية الحكومة على الإعلام الاجتماعي، بعد أن باتت وسائل الإعلام في البلاد خاضعة لها بشكل شبه كامل. وتشمل الحزمة الجديدة تعديلات على قانون تنظيم البث على شبكة الإنترنت، ومكافحة الجرائم التي ترتكب عن طريق ما ينشر. وتعتبر الكيانات الحقيقية والاعتبارية التي تمكن المستخدمين من إنشاء أو مشاركة أو عرض محتوى أو معلومات أو بيانات مثل النصوص والصور والصوت والموقع بهدف التفاعل الاجتماعي على الإنترنت من مزودي الشبكات الاجتماعية. وتمنح التعديلات المقترحة هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التركية سلطة إجراء فحص أو إصدار أمر بذلك في مكان الحدث، إذا اقتضت الضرورة، للتحقق من مزودي الشبكات الاجتماعية، وسيساعد الهيئة في عملها قوات إنفاذ القانون وموظفو المؤسسات العامة الأخرى.
وتقضي التعديلات بأن يحدد مزودو شبكات التواصل الاجتماعي القادمة من الخارج، التي يصل إليها يوميا أكثر من مليون شخص في تركيا، ممثلين لها في تركيا قد يكون شخصا واحدا على الأقل لديه صلاحيات، وذلك من أجل الرد على البيانات والتبليغات التي تقدم من الهيئة المذكورة وكذلك من السلطات الإدارية والقضائية، واتخاذ ما يلزم حيالها، والرد على ما يقدم من طلبات والتماسات من قبل الأفراد. على أن يتم إخطار هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصال التركية بالأسماء التي سيتم تحديدها كممثلين في البلاد. وبحسب التعديلات المقترحة يجب أن يقوم مزودو الشبكات الاجتماعية بنشر معلومات الاتصال الخاصة بمستخدميها على المواقع الإلكتروني بطريقة يمكن الوصول إليها مباشرة، كما سيكون بمقدور هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصال التركية من خلال اللجوء إلى محاكم الصلح والجزاء في البلاد تقليل عرض النطاق الترددي لحركة المرور على الإنترنت لمزود الشبكة الاجتماعية بنسبة 59 في المائة، إذا لم يقم بتحديد ممثل له، وإخطار الهيئة عنه. وبالإضافة إلى ذلك، إذا لم يقم مزود الشبكة بتعيين ممثل له خلال 30 يوما رغم القرار الصادر عن محكمة الصلح والجزاء، فسيتم تخفيض النطاق الترددي لحركة مرور الإنترنت له بنسبة 95 في المائة. وتلزم التعديلات المقترحة مزود الشبكة الاجتماعية بالرد على الطلبات المقدمة من قبل الأشخاص بخصوص المحتويات، على أن يكون هذا الرد في غضون 72 ساعة على أقصى تقدير. وإذا لم يرد، فسيغرم ما بين 100 ألف إلى مليون ليرة، كما أن مزود تلك الشبكات سيكون ملزما بتقديم تقارير إلى الهيئة بشأن الطلبات المقدمة إليه.
وسيكون مزود الشبكة الاجتماعية، بحسب التعديلات المقترحة، مطالبا أيضا بدفع تعويض عن الأضرار المترتبة عليه إذا خالف القانون ولم يقم بإزالة أو حجب محتوى تم تصنيفه بموجب قرار من قاضٍ أو محكمة على أنه ينتهك القوانين.
واعتبر خبراء وحقوقيون أن هدف الحكومة التركية من هذه الخطوة هو وضع منصات الإعلام والتواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها «تويتر» و«إنستغرام» و«فيسبوك» و«يوتيوب»، تحت الرقابة والسيطرة عليها تماما، وعلى روادها بشكل غير مباشر من خلال تفعيل الرقابة الذاتية.
وانتقدت المعارضة التركية التعديلات المرتقبة، معتبرة أنها خطوة جديدة لاستهداف حرية الرأي والتعبير، معتبرة أن توقيت مثل هذه القوانين غير مناسب تماما وأن الحكومة تستغل انتشار فيروس كورونا لترسيخ نظام قمعي وتضييق هامش الحرية في البلاد. وقال الصحافي النائب بالبرلمان التركي عن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أوتكو تشاكير أوزار، إن الهدف من التعديلات الجديدة هو تطويق حرية الرأي والتعبير وتشديد الرقابة وفرض الوصاية على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت.
واعتبر أن مشروع قانون مواقع التواصل الاجتماعي هو مؤشر جديد على أن الحكومة ليست لديها أي نيات صادقة بخصوص الديمقراطية والحريات، وإنه من غير المقبول في مثل هذه الأيام أن يتم الزج بكل المنتقدين للنظام في السجون بمثل هذه القوانين، والرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي أمر مرفوض، ولا يستوعبه عقل أو منطق.
وقال النائب البرلماني عن حزب الشعوب الديمقراطي المعارض (المؤيد للأكراد) صاروخان أولوتش إن الحكومة تسعى من وراء مثل هذه القوانين للاستيلاء على معلومات المستخدمين وجميع محتوياتهم بشكل مباشر، لافتا إلى أن موقع «تويتر»» فضل الخروج من بعض الدول لتلافي الدخول في صدام مع حكوماتها هناك، وبالتالي إذا خرج من تركيا فلا يستعجب أحد.
وبحسب التقييم السنوي للحريات الأساسية الخاص بالعام الحالي (2020) الصادر عن منظمة «فريدوم هاوس» الحقوقية الأميركية، تراجعت تركيا 31 نقطة في غضون 10 سنوات، لتأتي بعد بوروندي التي تراجعت بـ32 نقطة ولتكون صاحبة أكبر تراجع خلال العقد الماضي. وصنف التقرير تركيا على أنها دولة «غير حرة» للعام الثاني على التوالي، لتنضم بذلك إلى 49 دولة أخرى من أصل 195 تم تقييم أوضاع الحريات فيها. في الوقت ذاته، انتقد رئيس حزب «المستقبل» التركي المعارض رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو مشروع قانون «العفو العام» الذي يناقشه البرلمان التركي بطلب من حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب استثنائه سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين من العفو أو الإفراج المشروط في الوقت الذي تعد فيه حكمة الرئيس رجب طيب إردوغان لطرح مشروع قانون جديد لتشديد الرقابة والقيود على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكد داود أوغلو أن مشروع قانون العفو العام، الذي طرح كتدبير ضمن إجراءات مكافحة انتشار فيروس «كورونا المستجد» (كوفيد - 19)، يستهدف العفو عن الفاسدين، قائلا إنه بمثابة «عفو سري» سيستفيد منه المرتشون والعصابات والمتورطون في جرائم الفساد، بينما سيتم استثناء المعارضين السياسيين وسجناء الرأي... الصحافي الذي يعبر عن رأي أو السياسي أو العالم، أو أولئك الذين يعبرون عن آرائهم دون التورط في العنف يتم استبعادهم من النطاق، في حين لا يجب أن يكونوا في السجن على أي حال... هذا القانون جاء للعفو عن المختلسين والمرتشين.
ولفت داود أوغلو، في مقابلة تلفزيونية، إلى أن ترتيبات قانون تنفيذ الأحكام الجديد، «أُعدت بشكل غير صحيح كأسلوب ومبدأ»، متسائلا: «هل هذا القانون تدبير أم عفو ضمني في إطار مكافحة انتشار فيروس (كورونا المستجد)؟... يجب إيجاد حل مناسب وعادل». وقال داود أوغلو إن الحكومة تأخرت في تطبيق إجراءات محاربة فيروس كورونا، لأن النظام في البلاد بات معطلا عن العمل بعدما أصبحت جميع خيوط السياسة في يد شخص واحد (في إشارة إلى الرئيس رجب طيب إردوغان). وأثار مشروع قانون العفو العام، المقدم من الحزب الحاكم بدعم من حليفه حزب الحركة القومية والذي شرع البرلمان التركي في مناقشته الثلاثاء الماضي، جدلا واسعا وانتقادات حادة من جانب المعارضة التي اعتبرته وسيلة للإفراج عن فئات بعينها يريد الرئيس التركي إخراجها من السجون.
ويتضمن مشروع القانون 70 تعديلا على 11 قانونا في مقدمتها قانونا العقوبات وتنفيذ الأحكام، وقانون العقوبات، بنودا لتخفيف عقوبة السجن أو قضاء ما تبقى منها في المنزل لكل أنواع الجرائم، باستثناء المتهمين بجرائم تتعلق بالإرهاب (وغالبيتهم من السياسيين المعارضين والصحافيين وسجناء الرأي) أو القتل العمد. وسيستفيد منه 90 ألف سجين من بين 300 ألف في سجون تركيا.
وتتعرض تركيا لانتقادات واسعة من جانب المنظمات الحقوقية الدولية بسبب الإسراف في إلصاق تهم الإرهاب، بالمعتقلين السياسيين من صفوف المعارضة والصحافيين وعشرات الآلاف من المتهمين بالانتماء إلى حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن التي تتهمها حكومة إردوغان بتنفيذ محاولة انقلاب فاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، أو النواب والسياسيين الأكراد المتهمين بدعم حزب العمال الكردستاني، المصنف منظمة إرهابية.
ولم تقتصر الانتقادات الموجهة إلى مشروع القانون على المعارضة التركية فقط، بل إن مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تسعى تركيا للحصول على عضويته طالبت بعدم التمييز بين السجناء إذا كان الأمر يتعلق بالمخاوف من تفشي وباء كورونا.
حكومة تركيا تطرح تعديلات للسيطرة على محتوى التواصل الاجتماعي
داود أوغلو يتهم إردوغان باستخدام قانون العفو للإفراج عن المفسدين
حكومة تركيا تطرح تعديلات للسيطرة على محتوى التواصل الاجتماعي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة