السودان يعالج أزمة الخبز «بعد عام من الصفوف»

مخاوف الجوع تطغى على القلق من تفشي «كورونا»

لم تَحُلْ المخاوف من تفشي «كورونا» دون استمرار طوابير طويلة على المخابز في السودان (رويترز)
لم تَحُلْ المخاوف من تفشي «كورونا» دون استمرار طوابير طويلة على المخابز في السودان (رويترز)
TT

السودان يعالج أزمة الخبز «بعد عام من الصفوف»

لم تَحُلْ المخاوف من تفشي «كورونا» دون استمرار طوابير طويلة على المخابز في السودان (رويترز)
لم تَحُلْ المخاوف من تفشي «كورونا» دون استمرار طوابير طويلة على المخابز في السودان (رويترز)

اتخذت الحكومة السودانية إجراءات للحد من أزمة الخبز المستفحلة منذ أكثر من عام. وبات مشهد الصفوف اليومي أمام المخابز مألوفاً أكثر من ذي قبل، رغم مخاطر فيروس «كورونا» الذي تنتشر رقعة عدواه في الزحام. وستعمل هذه الإجراءات على القضاء على منظومة الاتجار بالدقيق المدعوم، وستتم ملاحقة الشبكات التي تهرب وتبيع الدقيق المدعوم، وتسربه إلى المطاعم والاستخدامات الأخرى.
وقال محمد علي محمد عبد الله، وكيل وزارة التجارة والصناعة، لـ«الشرق الأوسط»، إن إجراءات الوزارة تقضي بأن تتسلم الوزارة كامل إنتاج الدقيق من الحصص المدعومة مباشرة من المطاحن، وتسليمها يومياً عبر إلى الولايات عبر مندوبيها أو وكلائها.
وفقاً لعبد الله، تتضمن إجراءات الحد من أزمة الخبز في البلاد 4 خطوات: أولاها إلغاء منظومة توزيع الدقيق المدعوم الحالية، والمكونة من أفراد عدة وشركات يمارسون نشاطهم منذ أيام النظام السابق، لكون هذه المنظومة تشهد خللاً كبيراً في آليات توزيع الدقيق، حيث يسيطر الوكلاء على توصيل حصص الدقيق للمخابز، ويتلاعبون بها ويوزعونها بطرقهم الخاصة، حيث يمكن أن يكون هناك وكيل مسؤول عن أكثر من 40 مخبزاً. كما أن عمليات التوزيع كانت تتم وفقاً لصفقات، بجانب التلاعب الكبير في تخصيص حصص دقيق كبيرة للاستخدامات التجارية... وكان الوكلاء يفضلون البيع لأصحاب المطاعم والصناعات الأخرى المرتبطة بالخبز.
وأضاف عبد الله أن «منظومة توزيع دقيق المخابز المدعوم، تتضمن أفراداً وشركات يمارسون هذا النشاط منذ العهد السابق، حيث كان الدقيق يتسلم من المطاحن، ثم تترك للوكيل حرية التصرف، مما خلق الأزمات المتتالية في الخبز في البلاد». وبيّن أن فريقاً من وزارة التجارة ولجان المقاومة وجمعيات حماية المستهلك وجميع الأجهزة والمؤسسات المعنية، يتولى حالياً تسجيل وحصر كميات الدقيق التي توزع على المخابز عبر المطاحن لتصل إليهم كاملة، «حيث تراقب هذه العملية يومياً عبر شبكات إلكترونية تتابع منّ زمن وصول القمح للمطاحن، ومن ثم الطحن، وتسليمه لمندوبي الولايات والمخابز، وتوزيعه للجمهور».
وقال عبد الله إن الإجراءات الجديدة ستحقق فرصة للتوزيع العادل وسد النقص، وذلك بعد إعادة التوزيع بين الولايات في حال خروج أي مطحن من خط الإنتاج، مما سيمكن من تغطيته من مطاحن أخرى.
وأشار إلى أن الخطة تحمّل الولايات المسؤولية الكاملة في الإشراف المباشر على توزيع الدقيق المدعوم والرقابة والمتابعة لحصصها، وإعادة توزيع الحصص وفق الكثافة السكانية للمدن والأحياء، مضيفاً أن الوزارة ستساعد الولايات في تنفيذ هذه الخطة، «حيث سيترك لكل ولاية أن تحدد خطة التوزيع التي تراها مناسبة في تحديد حصص المخابز بالتنسيق مع لجان التغيير والخدمات واللجان الشعبية، والوزارة أعدت خطة جاهزة للتوزيع تساعد الولايات في أداء دورها، وأجهزة الرقابة في الدولة ستقوم بأداء دورها».
من جهتها، رحبت اللجنة التسييرية لاتحاد المخابز في السودان بقرار وزارة التجارة بتسلم حصص الدقيق مباشرة من المطاحن، لكنها انتقدت تلكأها في تحديد سعر الرغيف ووزنه، بحسب تعليق رئيس اللجنة عبد الرؤوف طالب الله لـ«الشرق الأوسط».
ويباع الخبز منذ يومين في المخابز بجنيه واحد في العاصمة، ويصل سعر الرغيف إلى 5 جنيهات في بعض الولايات السودانية الأخرى. ويطمح اتحاد أصحاب المخابز إلى بيعه للجمهور بجنيهين، وزيادة وزن الرغيف من 45 غراماً إلى 70 غراماً، لكن الوزارة تتخوف من رد فعل غاضب من الجماهير على زيادة سعر الخبز إلى جنيهين.
وبيّن طالب الله أن وزارة التجارة مسؤوليتها فقط توزيع نسب الولايات، وليس لها الحق في توزيع الدقيق داخل الولاية كما يحدث بالفعل حالياً في الولايات الأخرى، مشيراً إلى أن حل مشكلة الصفوف تكمن في سد العجز الذي ما زال موجوداً في كميات الدقيق بالولاية والبالغ 50 في المائة من الكميات المفروض أن توزع فعلياً.
وأصبحت صفوف الخبز واكتظاظ النساء والرجال والأطفال أمام المخابز، مشهداً يومياً على مرأى ومسمع السلطات طيلة العام الماضي. ويستمر المشهد لساعات قد تصل إلى 10 يومياً في كل أنحاء العاصمة الخرطوم التي يقطنها نحو 10 ملايين مواطن.
وفي بعض الأحيان تصل أعداد الذين يقفون في صف واحد خلال اشتداد الأزمة واستفحالها الأسبوع الماضي إلى 140 رجلاً ومثلهم من النساء والأطفال، حيث يتم التسجيل بعد صلاة الفجر من كل يوم بواسطة العاملين في المخابز، ويقف المسجلون في صف يغطي مساحات المخبز والشارع العام.
وباتت أزمة الخبز للسودانيين هاجساً يومياً حيث يصطفون في كل الأوقات أمام المخابز صباحاً ومساءً، بينما توحي وجوههم بالاندهاش لاستمرار الأزمة وتفاقهما كل عشية وضحاها، ويبدو على بعضهم الهلع خوفاً من الجوع، فلا بديل للخبز في وجبات السودانيين.
وتقدّم الحكومة السودانية دعماً بمبلغ 680 جنيهاً لكل جوال دقيق يُسلَّم للمطاحن التي تفوق طاقتها الكميات التي تطحنها، بينما يُباع جوال الدقيق إلى المخبز بـ560 جنيهاً، مما يشير إلى أن سعره الحقيقي هو 1240 جنيهاً. وتبلغ إنتاجية المطاحن السودانية 100 ألف جوال في اليوم، أي إن السودان يصرف في اليوم على الخبز 68 مليون جنيه سوداني (نحو 1.5 مليون دولار). ويبلغ سعر جوال الدقيق داخل السودان نحو 9 دولارات، فيما يبلغ سعره في الدول المجاورة 30 دولاراً، مما يشير إلى عملية تجارة تهريب واسعة للخبز المدعوم.



«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)
سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)
TT

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)
سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)

قبل ساعات قليلة من «الختام المفترض» لمؤتمر «كوب 29» للمناخ في العاصمة الأذرية باكو على بحر قزوين، سيطر الخلاف على المباحثات؛ إذ عبرت جميع الأطراف تقريباً عن اعتراضها على «الحل الوسطي» الذي قدمته إدارة المؤتمر ظهر يوم الجمعة في «مسودة اتفاق التمويل»، والذي اقترح أن تتولى الدول المتقدمة زمام المبادرة في توفير 250 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 لمساعدة أكثر الدول فقراً، وهو الاقتراح الذي أثار انتقادات من جميع الأطراف.

وتتولى حكومات العالم الممثلة في القمة في باكو عاصمة أذربيجان، مهمة الاتفاق على خطة تمويل شاملة لمعالجة تغيّر المناخ، لكن المؤتمر الذي استمر أسبوعين تميز بالانقسام بين الحكومات الغنية التي تقاوم الوصول إلى نتيجة مكلفة، والدول النامية التي تدفع من أجل المزيد.

وقال خوان كارلوس مونتيري غوميز، الممثل الخاص لتغيّر المناخ في بنما، والذي وصف المبلغ المقترح بأنه منخفض للغاية: «أنا غاضب للغاية... إنه أمر سخيف، سخيف للغاية!»، وأضاف: «يبدو أن العالم المتقدم يريد أن يحترق الكوكب!».

وفي الوقت نفسه، قال مفاوض أوروبي لـ«رويترز» إن مسودة الاتفاق الجديدة باهظة الثمن ولا تفعل ما يكفي لتوسيع عدد البلدان المساهمة في التمويل. وأضاف المفاوض: «لا أحد يشعر بالارتياح من الرقم؛ لأنه مرتفع ولا يوجد شيء تقريباً بشأن زيادة قاعدة المساهمين».

ومن جانبها، حثت أذربيجان الدول المشاركة على تسوية خلافاتها والتوصل إلى اتفاق مالي يوم الجمعة، مع دخول المفاوضات في المؤتمر ساعاتها الأخيرة. وقالت رئاسة المؤتمر في مذكرة إلى المندوبين صباح الجمعة: «نشجع الأطراف على مواصلة التعاون في مجموعات وعبرها بهدف تقديم مقترحات تقلص الفجوة وتساعدنا على إنهاء عملنا هنا في باكو».

صحافيون ومشاركون يراجعون مسودة الاتفاق الختامي بمقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو ظهر يوم الجمعة (أ.ب)

وحددت المسودة أيضاً هدفاً أوسع لجمع 1.3 تريليون دولار من تمويل المناخ سنوياً بحلول عام 2035، والذي سيشمل التمويل من جميع المصادر العامة والخاصة. وهذا يتماشى مع توصية من خبراء الاقتصاد بأن تتمكن البلدان النامية من الوصول إلى الحصول على تريليون دولار على الأقل سنوياً بحلول نهاية العقد. لكن المفاوضين حذروا من أن سد الفجوة بين تعهدات الحكومة والتعهدات الخاصة قد يكون صعباً.

وكان من المقرر أن تختتم قمة المناخ في مدينة بحر قزوين بحلول نهاية يوم الجمعة، لكن التوقعات كانت تصب في اتجاه التمديد، على غرار مؤتمرات «الأطراف» السابقة التي تشهد جميعها تمديداً في اللحظات الأخيرة من أجل التوصل إلى اتفاقات.

وقال لي شو، مدير مركز المناخ الصيني في «جمعية آسيا»، وهو مراقب مخضرم لمؤتمرات «الأطراف»: «إن إيجاد (نقطة مثالية) في المحادثات قريباً أمر بالغ الأهمية. أي شيء آخر غير ذلك قد يتطلب إعادة جدولة الرحلات الجوية».

وعاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى باكو من اجتماع «مجموعة العشرين» في البرازيل يوم الخميس، داعياً إلى بذل جهود كبيرة للتوصل إلى اتفاق، وحذر من أن «الفشل ليس خياراً».

وبدوره، قال دانييل لوند، المفاوض عن فيجي، لـ«رويترز»، إن «الطريق لا يزال طويلاً... إنه رقم (الوارد بالمسودة) منخفض للغاية مقارنة بنطاق الحاجة القائمة وفهم كيفية تطور هذه الاحتياجات».

كما عكس المؤتمر انقسامات كبيرة إزاء قضايا مثل ما إذا كان يجب تقديم الأموال في صورة منح أو قروض، والدرجة التي ينبغي بها حساب أنواع التمويل الخاص المختلفة في تحقيق الهدف السنوي النهائي.

وانتقد المفاوضون والمنظمات غير الحكومية إدارة المؤتمر. وهم يأخذون على الأذربيجانيين الافتقار إلى الخبرة في قيادة مفاوضات بين ما يقرب من 200 دولة. وقال محمد آدو، ممثل شبكة العمل المناخي: «هذا هو أسوأ مؤتمر للأطراف على ما أذكر».

كما شابت المفاوضات حالة من الضبابية بشأن دور الولايات المتحدة، أكبر مصدر في العالم لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، قبل عودة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي لا يؤمن بقضية المناخ، إلى البيت الأبيض.

وقال المبعوث الأميركي جون بوديستا: «نحن، بصراحة، نشعر بقلق عميق إزاء الخلل الصارخ في التوازن» في النص. في حين أعرب المفوض الأوروبي وبكي هوكسترا عن موقف مشابه بقوله إن النص «غير مقبول في صيغته الحالية».

ويكرر الأوروبيون القول إنهم يريدون «الاستمرار في توجيه الدفة»، وهو مصطلح تم اختياره بعناية، كدليل على حسن النية. لكن العجز المالي الذي تعانيه بلدان القارة العجوز يحد من قدراتهم.

وتساءل المفاوض البنمي خوان كارلوس مونتيري غوميز: «نحن نطلب 1 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فهل هذا كثير جداً لإنقاذ الأرواح؟». في حين أعربت الوزيرة الكولومبية سوزان محمد عن أسفها، قائلة: «إنهم يدورون في حلقة مفرغة وهم يؤدون ألعابهم الجيوسياسية».

ومن جانبها، دعت الصين، التي تؤدي دوراً رئيساً في إيجاد التوازن بين الغرب والجنوب، «جميع الأطراف إلى إيجاد حل وسط»... لكن بكين وضعت «خطاً أحمر» بقولها إنها لا تريد تقديم أي التزامات مالية. وهي ترفض إعادة التفاوض على قاعدة الأمم المتحدة لعام 1992 التي تنص على أن المسؤولية عن تمويل المناخ تقع على البلدان المتقدمة.