تأييد سنّي وكردي للكاظمي بعد توافق شيعي غير معلن

الزرفي يصر على عرض تشكيلته أمام البرلمان العراقي رغم تراجع داعميه

عراقية تمر أمام خيمة اعتصام مهجورة في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقية تمر أمام خيمة اعتصام مهجورة في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

تأييد سنّي وكردي للكاظمي بعد توافق شيعي غير معلن

عراقية تمر أمام خيمة اعتصام مهجورة في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقية تمر أمام خيمة اعتصام مهجورة في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)

أعلن «تحالف القوى العراقية»، أكبر كتلة سُنيّة في البرلمان، تأييده للتوافق غير المعلن رسمياً بين غالبية القوى الشيعية على تكليف مدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي تشكيل الحكومة المقبلة، في حين لم يعلن رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي اعتذاره أو انسحابه من سباق التكليف.
وقال التحالف في بيان، أمس، إنه «يضع باهتماماته أن يكون المرشح لرئاسة الوزراء، الذي من شأنه التصويت لصالح حكومته في مجلس النواب، يحظى بقبول وتأييد من قوى المكونات السياسية المسؤولة عن الترشيح، وأن يتمتع بالقبول على المستوى الوطني، وعليه يؤكد تحالف القوى العراقية دعمه وتأييده لتوافق الكتل السياسية المعنية على ترشيح السيد مصطفى الكاظمي لرئاسة وتشكيل الحكومة الجديدة».
وأشار إلى أن القوى المنخرطة فيه «تعتز بأن يكون دورها على الدوام هو إرساء السلم والحوار والتفاهم بين أبناء الشعب العراقي، ورفض الفرقة والفتن والتقاطعات السياسية، خدمة لتطلعات شعبنا، واستجابة لمطالبه المشروعة بالأمن والسلم والإصلاح».
وأكد «موقفه الثابت والداعم لاستقرار العراق والمضي نحو الخيارات الوطنية في تشكيل الحكومة ضمن السياقات الدستورية، وهو إذ يجدد تمسكه بأسس الوحدة الوطنية أمام التحديات التي تواجه بلدنا وشعبنا، فإنه يؤكد في الوقت نفسه التزامه وحدة الصف السياسي، من أجل تجاوز المرحلة الصعبة والمخاطر الجمة التي يعاني منها البلد على المستويات الصحية والأمنية والاقتصادية والسياسية».
وأعلن رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني دعمه تكليف الكاظمي. وقال في بيان، أمس، إن «بلدنا العزيز يواجه ظروفاً وتحديات صعبة، تتطلب من كل القوى والأطراف السياسية تجاوز خلافاتها والإسراع في الاتفاق على آلية تشكيل حكومة اتحادية حسب الأصول الدستورية، وعلى أساس توافق حقيقي يضمن استقرار الحكومة وتنفيذ التزاماتها، وأهمها في هذه المرحلة الوقوف أمام أخطار التحديات والأزمات المركبة التي يواجهها العراق».
وأضاف، أن «رئاسة إقليم كردستان تؤكد على إيمانها باستقرار العراق السياسي والأمني والعمل الدؤوب من أجله، وهذا يتطلب تشكيل حكومة جديدة، بدعم الجهات الوطنية كافة. ومن هذا المنطلق نرحب بترشيح السيد مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة الاتحادية، من قبل القوى السياسية للمكون الشيعي، وندعو الجميع إلى دعمه للانتهاء من مهام تكليفه وتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن».
وأكد مصدر سياسي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «المحاولات جارية من قبل أطراف مختلفة لإقناع الزرفي بالاعتذار والانسحاب من السباق، لكنه لا يزال يرفض كل العروض ويصر على الذهاب إلى البرلمان» للتصويت على تشكيلة حكومته. غير أن المصدر استبعد إمكانية عقد البرلمان جلسة «لا سيما في ظل رفض غالبية الكتل الشيعية ذلك وانسجام أكبر تحالف سني معها؛ ما يجعل من الصعب تحقيق النصاب... كما أن الأكراد أعلنوا موقفاً مسانداً للكاظمي، وهو ما يعني أنهم لن يحضروا جلسة البرلمان في حال الدعوة لعقدها».
وعن الخيارات المتاحة في حال بقي الزرفي على موقفه الرافض للانسحاب، قال المصدر، إن «هناك خيارات أخرى يمكن اتباعها، بينها العمل على دعوة البرلمان لعقد جلسة غير كاملة النصاب أو اللجوء إلى المحكمة الاتحادية للحصول على قرار يلغي مرسوم التكليف. وعندها يكون رئيس الجمهورية ملزماً بإلغاء مرسوم تكليف الزرفي وتكليف الكاظمي بدلاً منه».
ويرى رئيس «مركز أكد للدراسات الاستراتيجية» أستاذ الأمن الوطني الدكتور حسين علاوي، أن «الكاظمي سيكون قادراً على تحييد العراق ومصالحه الوطنية عن الصراع الأميركي - الإيراني نتيجة الممارسة والعلاقات والقدرة على التفكير بإنتاج حلول من خارج الصندوق».
وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الكاظمي خلال توليه رئاسة جهاز المخابرات، عمل على إدارة التوازن في إطار المصالح العراقية. وفي حال إدارته مؤسسة كبرى مثل رئاسة الوزراء، فإنه سينجح فعلاً لأنه سيتعامل مع المفاتيح الأساسية في إطار هذه المسؤولية». وأضاف، أن «العراق يجب أن تكون له روح المبادرة في التخلص من آثار الصراع الأميركي - الإيراني».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.