هروب تاريخي للاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة

بعض العملات فقدت نحو 20% من قيمتها مقابل الدولار (رويترز)
بعض العملات فقدت نحو 20% من قيمتها مقابل الدولار (رويترز)
TT

هروب تاريخي للاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة

بعض العملات فقدت نحو 20% من قيمتها مقابل الدولار (رويترز)
بعض العملات فقدت نحو 20% من قيمتها مقابل الدولار (رويترز)

رغم أن الأسواق المالية الناشئة معتادة تاريخياً على التقلبات الحادة والتراجعات، فإنها هذه المرة تشهد أكبر انسحاب للرساميل الأجنبية منها عبر التاريخ. ففي شهر مارس (آذار) الماضي وحده هرب من تلك الأسواق 83 مليار دولار، وفقاً لـ«معهد التمويل الدولي» الذي عدّ هذا الرقم قياسياً.
وانسحاب هذه الاستثمارات أكبرُ مما كانت شهدته أزمة 2008 وأسرع أيضاً. وهذا يخص بالدرجة الأولى أسواق الأسهم التي سحب منها المستثمرون الأجانب 50 مليار دولار، والباقي سُحب من أصول أخرى، مما دفع للاعتقاد بأن الأسواق الناشئة باتت متروكة لمصيرها المشؤوم في هذه الأزمة العالمية الطاحنة.
وتؤكد مسارات المؤشرات أن الهلع ترك نتائج شبه كارثية. فمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق الناشئة فقدَ 25 في المائة منذ بداية العام. وللمثال في بعض تفاصيل البلدان، هبطت بورصة الهند 33 في المائة وفقدت رساميل أجنبية مقدرة بنحو 15 مليار دولار الشهر الماضي. وفي جانب العملات؛ فالروسية والمكسيكية والجنوب أفريقية والبرازيلية زاد انخفاضها على 20 في المائة أمام الدولار، وبالتالي فقدت الأصول الأجنبية المستثمرة في تلك البلدان النسبة نفسها من قيمتها.
وفي الوقت الذي تتراجع فيه فوائد العملات الرئيسية، شهدت الأسواق الناشئة صعوداً كبيراً في تكلفة تمويل عجوزات الحكومات وسندات الشركات، وذلك بعدما عمدت وكالات التصنيف الائتماني الدولية إلى خفض درجات ملاءة عدد لا بأس به من دول الاقتصادات الناشئة، لا سيما بعض الدول النفطية؛ منها مثل أنغولا والإكوادور ونيجيريا. وهناك بلدان أخرى وضعت درجات تصنيفها الائتماني تحت المراجعة مع نظرة سلبية.
ومن مؤشرات عمق الأزمة وخطورتها، خاطبت 85 دولة صندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة الفنية أو المالية، أي ضعف عدد الدول التي طلبت المساعدة نفسها في 2008، وفقاً لتقرير نشرته «فايننشال تايمز».
يذكر أن العلاقات المتداخلة والتشابكات بين الأسواق الناشئة والمتقدمة ازدادت وتعقدت منذ الأزمة السابقة في 2008. ولجأت دول نامية كثيرة، بالإضافة إلى شركات تلك الدول، إلى الاستدانة أكثر بالدولار أو اليورو بعدما انخفضت أسعار الفوائد في السنوات العشر الماضية، والمستثمرون الأجانب الباحثون عن عوائد مرتفعة نسبياً أقبلوا أكثر على إقراض تلك الدول وشركاتها. أما الآن، ومع الانسحابات الكثيفة والمتسارعة للرساميل في موازاة تداعيات تفشي فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد19)، فتلك العلاقة بين الأسواق المالية المتقدمة والناشئة تتجه للتفكك والانكسار.
وبالنسبة لكثير من محللي الأسواق، فإن الآتي أعظم؛ إذ يقول مدير أصول في شركة «جي أي إم» للسندات: «كثير من الرساميل هجرت تلك الأسواق، والهجرة متواصلة. نحن في بداية موجة عاتية ويرجح أن ترتفع، وبالتالي ستنخفض تقييمات كثير من الأصول المالية في الأسواق الناشئة»، مشيراً على وجه الخصوص إلى تدهور كبير في تركيا والبرازيل.
محللون آخرون يؤكدون أن موجة الانسحابات من الاستثمار في أصول الأسواق الناشئة طبيعيةٌ ومتوقعة، لأن كل أسواق العالم تتقهقر مؤشراتها في ردود فعل خائفة من تداعيات أزمة «كورونا». لكن المستثمرين يتوقفون أيضاً أمام النتائج الاقتصادية التي تركتها وستتركها الأزمة في دول ناشئة كثيرة تعتمد اقتصاداتها على إنتاج السلع الأولية؛ خصوصا النفط، وانهيار السياحة. كما يتوقفون ملياً أمام الآثار السلبية لإجراءات الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي والحظر المناطقي على الاستهلاك والطلب الداخلي.
وتشير تقارير مختصة إلى عامل جديد في هذه الأزمة بالنسبة للاقتصادات الناشئة، هو أن عليها هذه المرة ألا تعول كثيراً على مد اليد الصينية إليها كما حدث بعد 2008، لأن الصين نفسها تتخبط في كيفية الخروج بأقل الخسائر من هذه الأزمة. ولا يمكن التعويل على استثمارات آتية من الصين حالياً تعوض خروج الاستثمارات الأجنبية الأخرى. فرغم أن الأسواق المالية الصينية تقاوم حالياً أكثر من الأسواق الأخرى، لكنها هي أيضا تعاني من انسحاب الاستثمارات الأجنبية. كما أن ضم الأسهم والسندات الصينية إلى مؤشرات «جي بي مورغان» و«فوتسي راسل» الذي كان متوقعاً الشهر الماضي تأجل إلى مرحلة لاحقة غير مؤكدة بعد.
بيد أن بعض المستثمرين يعولون على تحسنٍ ما قريباً، مثل شركة «جيموي» لإدارة الأصول التي تقول: «نراقب كيف أن مستثمرين أبدوا اهتماماً الأسبوع الماضي بالسوق الصينية، معتقدين أن النشاط الاقتصادي سيستأنف هناك بقوة، خصوصاً على صعيد الاستهلاك الجاري في موازاة العودة التدريجية للبلاد إلى دوران عجلتها، بعدما استطاعت، كما تقول السلطات، احتواء تفشي (كورونا) ووضعت حداً لانتشاره، على أمل أن تنجح دول أخرى في هذا التحدي الصعب».
وأفقدت الأزمة الأسواق العالمية 18 تريليون دولار من قيمتها السوقية حتى الآن؛ وفقاً لـ«معهد التمويل الدولي»، مع الإشارة إلى تعاظم تكديس الأموال النقدية عند المستثمرين من الأفراد والشركات وذلك بوتيرة استثنائية خوفاً من خسائر إضافية، وبسبب حالة عدم اليقين السائدة. وشهية المستثمرين لاتخاذ المخاطر في أدنى مستوياتها منذ سنوات طويلة، خصوصاً شهية الإقبال على أسهم الأسواق الناشئة التي تتداول في المتوسط حالياً أقل بكثير من المتوسطات التاريخية.



شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
TT

شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)

سجلت شركات البتروكيميائيات المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً كبيراً نتائجها المالية خلال الربع الثالث من 2024، مقارنةً بالربع المماثل من العام السابق، لتتحول إلى الربحية وبنسبة نمو تجاوزت 200 في المائة.إذ وصلت أرباحها إلى نحو 525 مليون دولار (1.97 مليار ريال) مقارنةً بتسجيلها خسائر في العام السابق وصلت إلى 516 مليون دولار (1.93 مليار ريال).

ويأتي هذا التحول للربحية في النتائج المالية لشركات القطاع، وتحقيقها لقفزة كبيرة في الأرباح، بفعل ارتفاع الإيرادات ودخل العمليات والهامش الربحي وزيادة الكميات والمنتجات المبيعة.

ومن بين 11 شركة تعمل في مجال البتروكيميائيات مدرجة في «تداول»، حققت 8 شركات ربحاً صافياً، وهي: «سابك»، و«سابك للمغذيات»، و«ينساب»، و«سبكيم»، و«المجموعة السعودية»، و«التصنيع»، و«المتقدمة»، و«اللجين»، في حين واصلت 3 شركات خسائرها مع تراجع بسيط في الخسائر مقارنةً بالربع المماثل من العام السابق، وهي: «كيمانول»، و«نماء»، و«كيان».

وبحسب إعلاناتها لنتائجها المالية في «السوق المالية السعودية»، حققت شركة «سابك» أعلى أرباح بين شركات القطاع والتي بلغت مليار ريال، مقارنةً بتحقيقها خسائر بلغت 2.88 مليار ريال للعام السابق، وبنسبة نمو تجاوزت 134 في المائة.

وحلت «سابك للمغذيات» في المركز الثاني من حيث أعلى الأرباح، رغم تراجع أرباحها بنسبة 21 في المائة، وحققت أرباحاً بقيمة 827 مليون ريال خلال الربع الثالث 2024، مقابل تسجيلها لأرباح بـ1.05 مليار ريال في الربع المماثل من العام السابق.

وفي المقابل، حققت «اللجين»، أعلى نسبة نمو بين الشركات الرابحة، وقفزت أرباحها بنسبة 1936 في المائة، بعد أن سجلت صافي أرباح بلغ 45.8 مليون ريال في الربع الثالث لعام 2024، مقابل أرباح بلغت 2.25 مليون ريال في العام السابق.

مصنع تابع لشركة كيميائيات الميثانول (كيمانول) (موقع الشركة)

توقعات استمرار التحسن

وفي تعليق على نتائج شركات القطاع، توقع المستشار المالي في «المتداول العربي» محمد الميموني خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تستمر حالة التحسن في أرباح شركات قطاع البتروكيميائيات خلال الربعين المقبلين، بفعل حالة ترقب التحسن في الاقتصاد الصيني الذي يعد من أهم وأكبر المستهلكين لمنتجات شركات البتروكيميكال، والاستقرار المتوقع في الأوضاع الجيوسياسية، مضيفاً أن تلك العوامل ستعمل على بدء انفراج في أسعار منتجات البتروكيميكال، وتجاوزها للمرحلة الماضية في تدني وانخفاض أسعارها. وقال «لا أتوقع أن يكون هناك مزيد من التراجع، ومن المتوقع أن يبدأ الاستقرار في أسعار منتجات البتروكيميائيات خلال الربعين المقبلين، وهو مرهون بتحسن أسعار النفط، وتحسن الطلب على المنتجات».

وأشار الميموني إلى أن أسباب تراجع أرباح بعض شركات القطاع أو استمرار خسائرها يعود إلى انخفاض متوسط أسعار مبيعات منتجات البتروكيميكال نتيجة لاتجاه السوق والأسعار نحو الانخفاض بالإضافة إلى فترة الصيانة الدورية لعدد من مصانع شركات القطاع، وكذلك ارتفاع تكلفة وقود الديزل في الفترة منذ بداية يناير (كانون الثاني) 2024 وارتفاع تكلفة الشحن بسبب الاضطرابات الجيوسياسية التي أثرت على مسار الشحن من خلال مسار البحر الأحمر، وارتفاع تكاليف التمويل، ورغم اتجاه أسعار الفائدة نحو الانخفاض منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، فإنه لم ينعكس بشكل جيد على وضع نتائج شركات البتروكيميكال حتى الآن، مجدِّداً توقعه بتحسن النتائج المالية لشركات القطاع خلال الربعين المقبلين.

تحسن الكفاءة التشغيلية

من جهته، قال المحلل المالي طارق العتيق، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن شركات القطاع أظهرت منذ بداية السنة تحسناً في الكفاءة التشغيلية لجميع عملياتها وأدائها، وارتفاع في أعداد الكميات المنتجة والمبيعة، وتكيّف شركات القطاع مع تغير ظروف السوق. وقابل ذلك تحسّن ظروف السوق وزيادة الطلب على المنتجات البتروكيماوية، وتحسّن الهوامش الربحية ومتوسط الأسعار لبعض منتجات البتروكيميائيات الرئيسة.

وعّد العتيق تسجيل 8 شركات من أصل 11 شركة تعمل في القطاع، أرباحاً صافية خلال الربع الثالث، أنه مؤشر مهم على تحسن عمليات وأداء شركات القطاع، ومواكبتها لتغير الطلب واحتياج السوق، مضيفاً أن القطاع حساس جداً في التأثر بالظروف الخارجية المحيطة بالسوق وأبرزها: تذبذب أسعار النفط، والظروف والنمو الاقتصادي في الدول المستهلكة لمنتجات البتروكيميائيات وأهمها السوق الصينية، والأحداث الجيوسياسية في المنطقة وتأثيرها على حركة النقل والخدمات اللوجستية، لافتاً إلى أن تلك الظروف تؤثر في الطلب والتكاليف التشغيلية لمنتجات البتروكيميائيات، إلا أنها قد تتجه في الفترة الراهنة باتجاه إيجابي نحو تحسن السوق والطلب على منتجات البتروكيميائيات.