رحيل كاتب عراقي بلندن بعد إصابته بكورونا

صباح الشاهر
صباح الشاهر
TT

رحيل كاتب عراقي بلندن بعد إصابته بكورونا

صباح الشاهر
صباح الشاهر

غيب الموت أول من أمس الكاتب العراقي صباح الشاهر بعد إصابته بفيروس كورونا في العاصمة البريطانية. التي يقيم فيها منذ سنوات طويلة، كحال العديد من المثقفين العراقيين. وكان الراحل قد غادر العراق 1979 بعد اشتداد حملة حزب البعث الحاكم آنذاك ضد المعارضين.
ونعاه وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي الدكتور عبد الأمير الحمداني، وعده خسارةً للوسط الثقافي باعتبارهِ كاتباً ملتزماً عُرف بمواقفهِ الوطنية ومنجزهِ الإبداعي المميز.
وقال الحمداني في بيان النعي: «لقد تلقينا بمزيدٍ من الحزنِ والأسى نبأ وفاةِ الكاتب والقاص صباح الشاهر وإن فقدان الساحة الثقافية لكاتب مثل الشاهر يمثل خسارةً كبيرة».
وخلف الكاتب العديد من الروايات والمجموعات القصصية القصيرة، والمقالات السياسية المنشورة في الصحف المحلية العراقية والعربية.



«انطباعات»... أحلام نساء تطفو على سطح المياه

«انطباعات» يدمج ما بين فني التصوير الفوتوغرافي وعصر النهضة (الشرق الأوسط)
«انطباعات» يدمج ما بين فني التصوير الفوتوغرافي وعصر النهضة (الشرق الأوسط)
TT

«انطباعات»... أحلام نساء تطفو على سطح المياه

«انطباعات» يدمج ما بين فني التصوير الفوتوغرافي وعصر النهضة (الشرق الأوسط)
«انطباعات» يدمج ما بين فني التصوير الفوتوغرافي وعصر النهضة (الشرق الأوسط)

يشعر زائر معرض «انطباعات» في غاليري «آرت ديستريكت» في الجميزة، بالحيرة من أمره، إذ يتساءل عمّا إذا كانت اللوحات المعروضة للفنانة لارا زنكول نُفِّذت بالريشة أو بعدسة كاميرا. يقترب منها أكثر فأكثر ليكتشف أنها صور فوتوغرافية مستوحاة من عصر النهضة، فشخصياتها من النساء تسبح في المياه، وفساتينها تلتفّ حول أجسادها لتؤلف لوحات كلاسيكية. في الوقت عينه، تشعر كأن ريشة «دافنشي» أو «مايكل أنغلو» أو «بوتيتشيلي» لامستها.

زنكول أرادت أن تعطي للفن الفوتوغرافي أبعاداً جديدة، فجمعت بين الصورة والريشة بعدسة ذكية. هي صاحبة خبرة طويلة في تصوير عارضات الأزياء، ونجحت في تقديم المرأة في قالب فوتوغرافي، ودمجته برؤية مستقبلية لعدسة متطورة، فولّدت بذلك أحلاماً نسائية تطفو على سطح المياه.

تقول زنكول لـ«الشرق الأوسط»: «اعتمدت تقنية التصوير في المياه من وراء واجهة حوض زجاجي (أكواريوم)، وطلبت من الفتيات أن يسبحن فيه على سجيتهن. فهن خبيرات في تصميم الرقص، ويدركن معنى لغة الجسد. ومع مجموعة أزياء انتقيتها لهن، تركت للأقمشة وألوانها أن تسهم في رسم موضوع كل صورة».

نَفّذت لارا زنكول لوحاتها الفوتوغرافية بطريقتين: في الأولى صوّرت النساء في المياه من خلف زجاج «الأكواريوم»، وفي الثانية اعتمدت المشهدية المصوّرة من فوق، ولعبت حركة المياه دوراً رئيساً في عملية التنفيذ. فغياب الجاذبية تحت المياه يسهم في إعطاء حركة الجسم أبعاداً أخرى، فكانت بمثابة عنصر فني أضافت إليه الإضاءة جمالية متوهجة.

وتحت عناوين مختلفة، تلتقط لارا زنكول صوراً لنساء متلبّسات بأحلامهن الضائعة.

فنراهن أحياناً هائمات في مياه عكرة، كما في سلسلة لوحات تحيك لهن أجواءً ضبابية من خلال استخدامها مادة الحليب. وتبرز الألوان القاتمة مثل الأحمر بتدرجاته، وهن يتصارعن مع زمنهن الصعب، كما في «أوقات مظلمة».

وتعلّق لارا زنكول: «هذه الصور أتخيلها وأترجمها بعدسة كاميرتي، مستلهمة إياها من واقع معيّن. ومرات أخرى، نوعية أقمشة الفساتين التي ترتديها الفتيات تولّد عندي تشابك موضوعات رؤيوية. وأركّز على حركة الجسد، وعلى طبيعة المياه التي يسبحن فيها؛ فنراها معتمة تشبه فترات الحرب التي مررنا بها، وفي لوحات أخرى تبدو هادئة وشفافة، إشارة إلى أوقات الطمأنينة. فالمياه عنصر تكويني رئيس في حياتنا، وهي تولّد عندي ما يشبه قصيدة شعرية تبدأ بموعد ولقاء وتُختتم بثرثرات عدسة صامتة».

في لوحات أخرى، كما في «اللؤلؤة» و«صمت غريب»، تلجأ لارا زنكول إلى الضوء، فتدمجه مع أقمشة الفساتين التي ترتديها الفتيات العارضات، فتعطينا نبذة عن فن التصوير الفوتوغرافي التجريدي. وتلعب على حركة المياه المتناثرة هنا وهناك، وكذلك على الأمواج التي تخترقها الفتيات برقصات تعبيرية، فتولّد لحظات تأمل عند ناظرها كي يكتشف مكنونات اللوحة.

وتعلّق زنكول: «هذه الخلطة المؤلفة من الألوان والحركة ألتقط تموّجاتها في اللحظة نفسها. في المرحلة الأولى، تكون المياه راكدة وشفافة، ومن ثم وبفعل الحركة، تتولّد فيها رسومات تلقائية. وعندما تخسر شفافيتها وتصبح غير صافية، ألجأ إلى زوايا وكادرات مختلفة، فتؤلف أجواء فوتوغرافية مختلفة عن غيرها. وأضيف إليها مادة الحليب أو القماش الأزرق كي أزودها بخلفية وغباش أرغب بهما».

في ركن من المعرض، نلاحظ لوحة بعنوان «حديقة الحيوانات» من مجموعة قديمة للارا زنكول. هنا يتدخل صاحب غاليري «آرت ديستريكت» ماهر عطّار: «إنها من أشهر لوحات لارا التي طبعت هويتها الفنية منذ بداياتها. وحضورها اليوم في معرضها (انطباعات) هو بمثابة تكريم لها، ومعها نسترجع فناً فوتوغرافياً مختلفاً طبع بداياتها». الصورة تمثّل رجلاً وامرأة في جلسة يرتشفان فنجان قهوة وتغمرهما المياه، وحدهما رأساهما الخشبيان، أحدهما بوجه حصان والآخر بوجه حمار، يطفوان فوق المياه.

ما دام أنك تتجوّل في معرض «انطباعات»، فلا بد أن تستوقفك التقنية الفوتوغرافية المستخدمة، وتسرد من خلالها زنكول قصصاً رومانسية بطلتها الأنثى. وقد زودتها بخلفية فنية تاريخية تعود إلى عصر النهضة، وهو ما يأسر انتباه الزائر ويضعه على مفترق طريق ما بين الفن الفوتوغرافي والرسم.

تركّز لارا زنكول على إبراز جمال الأنثى بملامحها وأقسام جسدها. لذلك يلاحظ مشاهد المعرض أشكالاً هندسية دائرية وغيرها، فيتساءل عن معانيها. وتوضح زنكول: «استوحيت هذه الأشكال الهندسية من المرأة نفسها، وكوّنتها من عاطفتها مرات، ومن أقسام جسدها مرات أخرى. وهو ما زوّد الصور بنفحة أنثوية بامتياز، ونعومة لا نجدها في لوحات ذكورية».

تخطو لارا زنكول من خلال معرضها نحو الفن الفوتوغرافي الأصيل. وتقول: «يجهل بعضهم أهمية هذا الفن، فلا يعيرونه الاهتمام المطلوب. وفي (انطباعات)، رغبت في أن يأخذ منحى فنيّاً يبرز ثراء خطوطه. فهو فن بحد ذاته يمكننا أن نرسمه بعدسة حرّة. وربما لأني لا أجيد فن الرسم، أفرغت كل ما أفكر به بهذه الطريقة. ولعبة الظل والضوء التي نشاهدها في لوحات الرسم تُطبَّق أيضاً في الفن الفوتوغرافي. ومنذ اختراع العدسة الفوتوغرافية، كانت المحاولات كثيرة لتوليد أفكار فنية تصوّر اللحظة وتزيدها تألقاً».