تدفع إثيوبيا بسلاحي الفقر ورفض «اتفاقيات استعمارية قديمة»، تقول إنها تُقيد مساعيها للتنمية، في معركتها الدبلوماسية مع مصر لاستعطاف العالم، حيال «سد النهضة» الذي تبنيه على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل.
وتخشى القاهرة أن يقلص السد الإثيوبي إمداداتها، الشحيحة أصلاً، من مياه نهر النيل، التي يعتمد عليها سكانها البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة، بأكثر من 90 في المائة في الشرب والزراعة. وتستند مصر في مطالبها إلى اتفاقيات دولية تشير لـ«حقوق تاريخية» لها في مياه النهر الدولي.
وتقول أديس أبابا إن المشروع، الذي يقام بالقرب من الحدود السودانية، حيوي لنموها الاقتصادي، في ظل سعيها لأن تصبح أكبر مصدر للطاقة الكهربائية في أفريقيا، بطاقة تقدر بأكثر من 6 آلاف ميغاوات.
وأحيت إثيوبيا، الخميس الماضي، الذكرى التاسعة لتدشين المشروع، الذي بدأ في أبريل (نيسان) 2011. وحددت الرئيسة الإثيوبية، ساهلورك زودي، أسباباً تدفع الدولة الإثيوبية للمضي قدماً في المشروع، أبرزها «تحطيم الفقر الذي قاتلته البلاد على مر السنين»، على حد توصيفها.
وتعاني آلاف القرى الإثيوبية من صعوبات للحصول على الكهرباء، كما تشير زودي التي قالت إن «الآلاف يتجولون بين الجبال والتلال للحصول على أخشاب للطهي، وملايين النساء الإثيوبيات يعدن إلى منازلهن في أوقات متأخرة من الليل، وهناك آلاف المشردين الذين يفشلون في أداء واجباتهم المدرسية».
لكن في المقابل، تؤكد مصر عدم ممانعتها إتمام عملية التنمية في إثيوبيا، وتقليل معدلات الفقر، وفي الوقت نفسه يجب ألا تمنع إثيوبيا المياه عن مصر. ويقول وزير الموارد المائية والري في مصر، محمد عبد العاطي: «نرغب في الربط الكهربائي مع السودان وإثيوبيا، وإحداث التكامل والتنمية بين الدول الثلاث».
وبحسب عبد العاطي، فإن دراسات السد ناقصة، وإثيوبيا قللت عدد التوربينات في السد من 16 إلى 12، لأن كفاءة توليد الكهرباء 33 في المائة، ولن يولد 6 آلاف ميغاوات (التي كان من المتوقع الحصول عليها)، وسيولد فقط نحو 1900 ميغاوات. وأضاف، في تصريحات تلفزيونية سابقة: «الجانب الإثيوبي لم يواجه شعبه بأنه صرف أموال الشعب الإثيوبي في الهواء»، مدافعاً عن «اتفاق واشنطن» الذي رفضته إثيوبيا، رغم أنه يمكنها من توليد الكهرباء بنسبة 75 في المائة في حالة الجفاف القارص، وهذه أسوأ الحالات، بينما ستضحي مصر بنسبة من توليد الكهرباء من السد العالي، لتثبت «حسن النية لتمكينها من التنمية»، على حد قوله.
وتصاعد النزاع بين البلدين إثر رفض إثيوبيا حضور اجتماع في واشنطن، نهاية فبراير (شباط) الماضي، كان مخصصاً لإبرام اتفاق نهائي مع مصر والسودان بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي. أعقبه مباشرة إعلان إثيوبيا بدء تخزين 4.9 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل في بحيرة السد، في يوليو (تموز) المقبل، متجاهلة تحذيرات مصرية ترفض أي إجراءات أحادية من شأنها الإضرار بحصتها من المياه.
وعلى مدار الشهر الماضي، ومع تجمد المفاوضات، تبادلت مصر وإثيوبيا اتهامات بالتعدي على حقوق الآخر، وإفشال المفاوضات، وسط مناوشات كلامية، وتحركات دبلوماسية لمسؤولي البلدين لحشد المواقف الدولية لكل منهما.
ولمصر حصة مائية تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب، تصفها بـ«التاريخية»، فيما تنظر إليها إثيوبيا على أنها «اقتسام غير عادل لموارد النهر». ويستند الرفض الإثيوبي إلى أن مصر حصلت على تلك الحصة بموجب اتفاقيات عقدت في عصر الاستعمار لا تعترف بها.
ويقول زريهون أبي، أحد أعضاء الفريق الإثيوبي في المفاوضات مع مصر والسودان، إن مصر تحاول فرض تكتيكات عقيمة لإحياء رغبتهم الاستعمارية على مر السنين. وأضاف في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الإثيوبية، مساء أول من أمس: «إنهم (المصريون) يعتقدون أنه يمكنهم فرض رغباتهم الاستعمارية على دول المنبع، ويريدون جعل إثيوبيا والدول الأخرى تحت مستعمراتهم».
ووفقاً له، فإن السبيل الوحيد للخروج هو «التفاوض بجدية وروح التعاون مع دول حوض النيل»، مشيراً إلى أن المشكلة تتعلق بتقاسم وتوزيع المياه، وأن تكون الدول مستعدة لتقديم تنازلات، حيث إنه من المهم للغاية تحقيق التنمية المستدامة والسلام في المنطقة. وأشار إلى أنه في حالة حدوث الجفاف، يتعين على مصر وإثيوبيا مواجهتهما معاً، بصفته ظاهرة طبيعية، مؤكداً أنه «لن تتحمل إثيوبيا الألم وحدها لتزدهر مصر».
وقال العضو الآخر في فريق المفاوضات، يلما سيليشي، إن اتفاقية 1959 «بأشد العبارات غير مقبولة»، مضيفاً أنها تترك إثيوبيا «بحصة صفرية من المياه على نهر النيل». وأشار يلما إلى أن «إثيوبيا تعمل على مبدأ الاستخدام العادل المعقول لمياه نهر النيل، في حين أن مصر لا تريد تقاسم المياه».
وأشار إلى أن أي تطور في المنبع لا يتعارض مع اتفاقية (1959) «يهدف إلى إعادة فرض الاتفاقية الاستعمارية». وتتعلق اتفاقية 1959، التي وقعت عام 1959 بين مصر والسودان، باقتسام المياه الواصلة لمصر والسودان، في ظل متغيرات جديدة آنذاك، وهي رغبة مصر في إنشاء السد العالي وخزان أسوان.
ولم تنضم إثيوبيا إلى اتفاق عام 1959، الذي أعطى القاهرة الحق في «نصيب الأسد» في النهر. وفي المقابل، رفضت مصر التوقيع على مبادرة إقليمية لتقاسم المياه تعود إلى عام 2010، تنزع من مصر حق النقض بشأن المشروعات التي من شأنها أن تغير مخصصات المياه، وتعرف بـ«عنتيبي».
ووفق تقرير لهيئة الاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية، فإن مصر تحتفظ بـ15 معاهدة واتفاقية دولية، سواء على المستوى الثنائي والإقليمي، لاستغلال مياه النيل، منها 5 اتفاقيات تم توقيعها مع إثيوبيا، وهي بروتوكول روما الموقع في 15 أبريل (نيسان) عام 1891، واتفاقية أديس أبابا في مايو (أيار) 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، وتعهد فيها الإمبراطور منيليك الثاني (ملك إثيوبيا) بعدم إقامة أو السماح بإقامة أي منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدماً. كما تضمنت اتفاقية لندن 1906، تليها اتفاقية روما، وهي عبارة عن مجموعة خطابات متبادلة بين بريطانيا وإيطاليا في 1925. وفي العصر الحديث، اتفاق بين مصر وإثيوبيا 1993، يتضمن عدم قيام أي من الدولتين بعمل أي نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضرراً بمصالح الدولة الأخرى.
الفقر ورفض «قيود الاستعمار» سلاحا إثيوبيا لـ«استعطاف» العالم في ملف السد
رداً على دفوع مصرية تشير إلى «حقوق تاريخية» في مياه النيل
الفقر ورفض «قيود الاستعمار» سلاحا إثيوبيا لـ«استعطاف» العالم في ملف السد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة