شهد أحد السجون في تركيا حالة تمرد بسبب مشروع قانون العفو عن السجناء الذي تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى البرلمان الأسبوع الماضي بهدف تخفيف التكدس في السجون بسبب تفشي فيروس «كورنا المستجد» في البلاد والذي استثنى المتهمين بجرائم القتل العمد والجرائم المتعلقة بالإرهاب، وبينهم سياسيون معارضون وصحافيون وحقوقيون وقضاة وعسكريون ورجال أمن، من العفو. وأكدت منظمات حقوقية ومحامون وقوع التمرد داخل عنابر قسم المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في سجن بولاية بطمان، ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرقي البلاد، ما أدى إلى اندلاع حريق كبير في السجن وسط تعتيم السلطات على أسبابه الحقيقية.
وذكر موقع «بولد ميديا» الإخباري التركي المستقل، أن حركة التمرد شملت العنابر المخصصة للمعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، وجاءت للتعبير عن رفض مشروع قانون «العفو العام» الذي يستثنيهم من تخفيض فترة العقوبة، أو الإفراج المشروط، ولا يعاملهم، حتى كمعاملة المجرمين المدانين في القضايا الجنائية. وأكد الموقع، نقلا عن «مصادر موثوقة» أن حالة التمرد وقعت بين المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي بعد أن تنامى لعلمهم أنهم غير مشمولين بمشروع قانون العفو، وأنهم قاموا بترديد هتافات عبروا من خلالها عن رفضهم المقترح، وانتقادهم حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان، وقاموا بإضرام النيران في العنابر والزنازين الخاصة بهم، ما اضطر إدارة السجن إلى الدفع بفرق الإطفاء والإسعاف إلى السجن.
وشكلت القوات الخاصة التابعة لمديرية أمن بطمان وعدد كبير من المدرعات طوقا أمنيا حول السجن وقام والي بطمان بتفقد الوضع هناك. ونشر أهالي السجناء والمعتقلين، الذين تدفقوا على السجن للاطمئنان على ذويهم مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد صحة وقوع التمرد، حيث ظهرت في تلك المقاطع أصوات المعتقلين وهم يرددون الهتافات، وألسنة اللهب تتصاعد من نوافذ السجن. وقال محامون إن إدارة سجن بطمان وقوات الأمن منعتهم من الدخول للوقوف على أوضاع موكليهم في ظل تلك الأحداث. وأصدرت النيابة العامة في بطمان بيانا أكدت فيه وقوع الحريق لكنها نفت أن يكون هناك تمرد داخل السجن. لكن فرع منظمة حقوق الإنسان التركية في بطمان أصدرت بيانا ذكرت فيه أن هناك أعدادا كبيرة من المواطنين يتجمعون أمام السجن، مطالبة الجهات الرسمية بإصدار بيان تكشف فيه حقيقة ما يجري بداخله.
وبدورها أكدت نقابة المحامين في بطمان، في بيان، أن الحريق اندلع في العنابر المخصصة لسجناء الرأي والمعتقلين السياسيين وأنها تتابع تطورات الواقعة عن كثب. وتشهد تركيا جدلا واسعا، منذ فترة، حول مشروع قانون العفو الذي أقرته لجنة الشؤون القانونية في البرلمان التركي، الجمعة الماضي، والذي يتضمن 70 تعديلا على 11 قانونا، بينها قانون تنفيذ الأحكام، تنص على تخفيف عقوبة السجن أو قضاء ما تبقى منها في المنزل باستثناء المعتقلين بتهم تتعلق بالإرهاب أو المحكومين في جرائم القتل العمد. ويتضمن مشروع القانون، الذي يحظى بدعم من حزب الحركة القومية الحليف لحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الإفراج المؤقت عن 45 ألف سجين، والعفو عن عدد مماثل ليصل المجموع إلى 90 ألفاً، بهدف الحد من تكدس السجون خوفاً من تفشي فيروس «كورونا».
واستبعد المشروع المحكومين المدانين بتهم الإرهاب والقتل العمد، ومن ضمنهم عشرات الآلاف من المعتقلين من مختلف الفئات، بينهم صحافيون وقضاة ومدَّعو عموم وعسكريون وشرطيون.
كما استثنى المشروع نواباً ومعارضين سياسيين من حزب الشعوب الديمقراطي (مؤيد للأكراد) في مقدمتهم رئيساه المشاركان السابقان صلاح الدين دميرطاش، وفيجن يوكسكداغ، وآلاف من أعضاء الحزب، وكذلك استثنى عشرات من رؤساء البلديات المنتخبين من صفوفهم، لاتهامهم بدعم الإرهاب أو الانتماء إلى تنظيم إرهابي (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني المحظور). ويوجد نحو 300 ألف سجين في 375 مركز إصلاح في أنحاء تركيا، وهو عدد أكبر بكثير من قدرتها الاستيعابية؛ حيث تضاعفت أعداد السجناء عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في 15 يوليو (تموز) 2016.
وتنفذ حكومة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو والتي نسبتها إلى حركة «الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن، وحتى الآن، واحدة من أوسع حملات الاعتقالات وأطولها زمنياً، طالت عشرات الآلاف من المتهمين بالانخراط في هذه المحاولة، وجهت إليهم تهم الانضمام إلى منظمة إرهابية، ومحاولة الإطاحة بالنظام الدستوري. وطالب البرلمان الأوروبي تركيا بإطلاق سراح السجناء السياسيين في ظل تفشي فيروس «كورونا» في البلاد. وقال البرلمان، في بيان: «تضم السجون التركية في الوقت الراهن مئات الصحافيين والمحامين والقضاة ومدَّعي العموم والسياسيين والأكاديميين والمدافعين عن حقوق الإنسان والفنانين، دون وجود أي أدلة قطعية على الإدانة أو التورط في أي أعمال عنف، لذلك نطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين داخل السجون، لمنع انتشار فيروس (كورونا)».
كما وقع 281 شخصاً ما بين أكاديميين وكتاب وحقوقيين بياناً، الأسبوع الماضي، جاء فيه أنه: «عندما يتعلق الأمر بالأرواح، فلا يمكن أن يكون هناك تمييز على أساس القناعات أو الأفكار. العديد من السجناء أوشكوا على السقوط في براثن كارثة (كورونا) بسبب السجون المكتظة».
ووصف الحقوقي التركي البارز أوغور بويراز مشروع قانون العفو العام بأنه «ليس مشروعا لإنصاف المظلومين وإنما إنقاذ المتهمين المقربين من السلطة». وأضاف: «الأيام الأخيرة بتنا نسمع عن أحداث فساد قامت بها العديد من الهيئات والمؤسسات كالهلال الأحمر، وهناك مقربون من إردوغان يعاقبون بتهم التهرب الضريبي، وسوف يستفيد كل هؤلاء عند صدور القانون».
معتقلون سياسيون يتمردون في تركيا احتجاجاً على مشروع «العفو العام»
بعد تجاهل كل المطالبات لإدراجهم فيه
معتقلون سياسيون يتمردون في تركيا احتجاجاً على مشروع «العفو العام»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة