المشهد: الوقت من تنك

المشهد: الوقت من تنك
TT

المشهد: الوقت من تنك

المشهد: الوقت من تنك

* يتكرر هذا المشهد في أماكن كثيرة: يصل الجمهور في الوقت المحدد. يحتلون أماكنهم المعينة أو التي يرغبون بها. تعقد عقارب الساعة تحالفها المؤقت مع الموعد الذي كان من المفترض به أن يبدأ الفيلم المعروض فيه.. ثم تفك العقارب تحالفها ذاك وتمضي مبتعدة عنه.. 5 دقائق، 10 دقائق، ربع ساعة، نصف ساعة و5 دقائق، نصف ساعة و10 دقائق.. قبل أن يبدأ العرض الذي كان عليه أن يبدأ قبل 40 دقيقة.
* هذا ومثيله يحدث عادة في المهرجانات. أما في الصالات التجارية فالوقت محدد والتأخير لا يتجاوز 3 دقائق إذا ما حدث. ليس حبا في حماية وقت المشاهد، وليس تقديسا للوقت دائما، بل لحقيقة أن الوقت المعلن قد آن وهناك حفلة أخرى لاحقة. هذا المنوال يصبح روتينا إيجابيا تتمنى لو أنه ينتقل إلى العروض التي تتم في المهرجانات.
* لم أدخل قاعة عرض في أحد المهرجانات الأخيرة وبدأ الفيلم عرضه في الموعد المحدد. أخيرا طفح الكيل وغادرت الفيلم المنتظر قبل أن يبدأ. أنا أتوقع أن يكون بدأ بعد 40 دقيقة، لكن من يدري.. ربما بعد ساعة. الجمهور اعتاد. لا يشكو. يدخل جماعات ويمضي الوقت في الحديث. يمر الوقت من دون أن ينظر إلى ساعته. يأخذ الأمور على محمل خفيف، لذلك–ولأسباب أخرى–تتفكك العادات الحاضنة لمراسم وطقوس العروض السينمائية. عندما تمنح الناس كل هذا الوقت ليتسامروا أو ليتواصلوا عبر الهواتف الذكية تعطيهم سببا للتعامل مع السينما (وفي مهرجانها) كما لو كانت ملعب كرة قدم.
* عندما أسس المخرج والمنتج ستيفن سبيلبرغ وشريكاه جفري كاتزبيرغ وديفيد غيڤن شركة «دريم ووركس» قبل أكثر من 15 سنة، تم الإعلان عن تأسيس شركة سينمائية ستتميز بإنتاجاتها. هذا لم يحدث، لا آنذاك ولا بعد ذاك، لأن الاختلاف ثمنه ميزانيات تدفع وقد لا تسترد من السوق. على ذلك، الشركة أوجدت لنفسها حضورا هوليووديا كبيرا بين أترابها. نافست ديزني على إنتاج أفلام الأنيميشن وفي حين كانت كبريات الشركات الأخرى تنتج أفلاما قليلة من هذا النوع، أسست «دريمووركس» الاستوديو الخاص بها في هذا المجال وأطلقت الكثير من الأفلام الناجحة.
* لكن الوقت حان اليوم للبحث عن شريك. وفي هذا الأسبوع فتحت «دريمووركس» قناة تواصل مع شركة هاسبرو المتخصصة بكل أنواع الألعاب (والإلكترونية في المقدمة) لكي تبيع قسمها التحريكي ذاك إليها. هو دلالة إفلاس؟ من الممكن فليس كل ما أنتجته دريمووركس كان ناجحا. هو دلالة الرغبة في التخلص من ذراع لا تعمل كما خطط لها أن تعمل؟ بالتأكيد. لكن في طي هذا وذاك هناك حقيقة ازدياد هيمنة الشركات الضليعة بالإلكترونيات وتلك التي لديها ما تبيعه من شخصيات وألعاب وتستثمره في مجالات شتى، على هوليوود.
* وهي هيمنة مطلوبة. تدخل حاليا من باب التطور الدائم للحياة الاقتصادية في هوليوود. الجميع يحاول استثمار السينما لخدمة قنوات غير سينمائية: ألعاب إلكترونية، ألعاب يدوية، مجلات، كتب، منتجات مختلفة المشارب ومشاريع لمزيد من التوظيف والاستثمار وبيع الأسماء إلى الجمهور لزيادة حجمها الاستثماري في البورصة.
* هذه ليست السينما التي وقع الرومانسي الشاب في حبها (كل رومانسي شاب). تلك التي من أجلها أحب أن يصبح كاتبا أو مخرجا أو ممثلا أو مجرد ناقد. سنوات ضوئية تفصل بين ما كانت عليه وما هي عليه الآن. لكن ما هي عليه الآن بات ضروريا وإلا لتوقفت–يقولون.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).