إيطاليا وإسبانيا في عين عاصفة «كورونا»

بعد انتقال بؤرة الإصابات من آسيا إلى أوروبا وأميركا الشمالية

إيطاليا وإسبانيا في عين عاصفة «كورونا»
TT

إيطاليا وإسبانيا في عين عاصفة «كورونا»

إيطاليا وإسبانيا في عين عاصفة «كورونا»

في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، صدر عن منظمة الأمم المتحدة، بالتعاون مع قسم الدراسات الاستراتيجية في البنك الدولي، تقرير يحذّر من مخاطر جائحة عالمية يمكن أن تودي بحياة عدد كبير من البشر، وتقوّض دعائم الاقتصاد، وتؤدي إلى أجواء من الفوضى الاجتماعية لم يشهد العالم مثيلاً لها في العصور الحديثة. ودعا التقرير الدول إلى الاستعداد لأسوأ الاحتمالات من تداعيات وباء ينتشر عبر أجهزة التنفس في أنحاء المعمورة.
وجاء في التقرير أن مسبباً مرضياً (Pathogen) بهذه الأوصاف يمكن أن ينشأ بشكل طبيعي أو أن يصمم في مختبر بصفته سلاحاً بيولوجياً. كما دعا الدول والمؤسسات الدولية إلى اتخاذ التدابير التي من شأنها أن تحول دون انتشار ما وصفه بالخطر المحدق.
التقرير الأممي يحمل توقيع مجموعة من الخبراء، ترأستهم غرو هارلم بروندلاند، وهي طبيبة سبق أن تولّت رئاسة الحكومة النرويجية، ومنصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية لاحقاً. وقد شدّد التقرير في استنتاجاته على أن تفشّي وباء على نطاق واسع هو «مصدر للقلق العميق بقدر ما هو احتمال واقعي من شأنه أن يدفع العالم إلى وضع يعادل في القرن الحادي والعشرين ما خلّفته (الإنفلونزا الإسبانية) في عام 1918، التي أودت بحياة نحو 50 مليون شخص». كذلك جاء في التقرير أنه لا توجد دولة في العالم جاهزة لمواجهة مثل هذا الوضع، ولا ممتثلة بالكامل لمعايير «اللوائح الصحية الدولية»، رغم موافقة كل الحكومات عليها. وتابع أنه «ليس من المستغرب أن يكون العالم غير مستعد لمواجهة جائحة سريعة تسري عن طريق الهواء».

المفاجئ... غير المفاجئ
نسوّق هذه المعلومات الموثّقة من باب الإشارة إلى أن التصريحات التي تكرّرت على ألسنة كثير من المسؤولين في الأسابيع الأخيرة، بأن أحداً لم يكن بوسعه أن يتوقّع مثل هذه الأزمة، أقل ما يقال فيها أنها تجانب الحقيقة.
الحقيقة أنه ثمّة من توقّع هذه الأزمة، وحذّر من تداعياتها الصحّية والاقتصادية والاجتماعية، والدليل على ذلك أن 3 أطباء فرنسيين تقدّموا بشكوى ضد الحكومة لإهمالها هذه التحذيرات، كما أن أطباء إيطاليين وإسباناً يعدّون ملفّاتهم لتقديم شكاوى مماثلة.
وبعد 3 أشهر تقريباً من ظهور هذا الوباء، وانتشاره بسرعة وكثافة في إقليم هوباي الصيني وعاصمته ووهان، تتأهب بكين لتعلن «انتصارها» عليه، بعدما أوقع 3300 ضحيّة من نحو 82 ألف إصابة، وشفاء 74 ألف مريض، فيما انتقلت بؤرة الانتشار عالمياً إلى أوروبا، وبخاصة إيطاليا واسبانيا حيث تجاوز عدد الإصابات المؤكدة بكل منهما حاجز الـ 100ألف، بينما يشكل مجموع الوفيات نحو نصف عددها عالمياً.
وبعد «نجاح» النموذج الصيني الذي يستحيل تطبيقه في الدول الأخرى لاعتبارات سياسية وتكنولوجية، اتجهت الأنظار إلى النموذج الكوري الجنوبي الذي حقق نتائج سريعة في احتواء الفيروس. ولكن في هذه الأثناء، تسارع انتشار الوباء بكثافة، وأوقع عدداً كبيراً من الضحايا في الشمال الإيطالي الذي يعد من أغنى المناطق الأوروبية وأكثرها تطوراً على صعيد الخدمات الصحية، إضافة إلى كونه مركزاً لعدد من المصانع الكبيرة للأدوية. ومن إيطاليا انتقل إلى إسبانيا، حيث تفشّى أيضاً بسرعة قياسية وضعت إسبانيا منذ مطلع هذا الأسبوع في المرتبة الثانية عالمياً، من حيث عدد الوفيات والإصابات.
وفي الرابع والعشرين من الشهر الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها على شفا إعلان الوباء جائحة على الصعيد العالمي. إلا أنه رغم ذلك، وما كان الجميع يشهده من تداعيات هذا الوباء في عدد من الدول، واصلت الحكومات الأوروبية، وبخاصة تلك التي كان الفيروس قد بدأ ينتشر فيها، مثل إيطاليا وإسبانيا، التحرّك ببطء شديد وتردد في اتخاذ التدابير التي ظهرت فعاليتها بوضوح في الحالتين الصينية والكورية الجنوبية.

بطء وتقصير وخروق
هذا التحرّك البطيء لمواجهة الوباء، وما رافقه من عدم اتخاذ التدابير الشديدة منذ المراحل الأولى لجهود الاحتواء، إضافة إلى «الخروق» الكثيرة لهذه التدابير حتى الآن، أدى في الحالتين الإيطالية والإسبانية إلى فوضى عارمة على الصعيد الاجتماعي أمام انتشار الفيروس، في أجواء من الهلع وغموض الرؤية في معالجة الأزمة التي بدت وكأنها هبطت من غير إنذار، وكشفت عن هشاشة كبيرة غير متوقعة في النظامين الصحيين اللذين يعدان من بين الأفضل في العالم. ومع مرور الأيام، راح الوضع يتفاقم بشكل خطير في البلدين حتى أصبح مجموع الإصابات والوفيات فيهما يتجاوز نصفها في أوروبا، وربعها في العالم.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه قبل أن يبدأ الفيروس بالانتشار في أوروبا وآسيا، كان عدد الوفيّات في الصين قد بلغ 2600 من أصل 77 ألف إصابة مؤكدة، أي ما يعادل 3.4 في المائة. ومن ناحية ثانية، مع انتشار الفيروس في محيط الصين الآسيوي والقارة الأوروبية، بدأت تظهر فوارق في نسبة الوفيّات بين الدول التي تسجّل أكبر عدد من الإصابات. ويقول الخبراء إن نسبة الوفّيات تكون عادة مرتفعة في المرحلة الأولى، قبل أن يكون الوباء قد انتشر على نطاق واسع، ثم تتدنّى مع ازدياد عدد الإصابات المؤكدة.
غير أن هذا المنحى التنازلي لنسبة الوفيّات لم يتحقق في إيطاليا وإسبانيا، حيث تسجّل نسبة أعلى بكثير من الصين وكوريا الجنوبية، أو حتى من ألمانيا وفرنسا، إذ بلغت نسبة الوفيات في إيطاليا مثلاً 8 في المائة، بينما لم تتجاوز 1 في المائة في كوريا الجنوبية.
كذلك يلاحظ الخبراء أن النسبة الأعلى بين المصابين في كوريا الجنوبية هم الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 سنة، وهي قد بلغت 25 في المائة تقريباً عندما انتشرت الإصابات بكثافة بين إحدى المجموعات الدينية. أما في إيطاليا وإسبانيا، فإن النسبة الأعلى من الإصابات هي بين الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة.
أيضاً من الأرقام اللافتة أن نصف الوفيّات في إيطاليا، و40 في المائة منها في إسبانيا، هي بين الذين تزيد أعمارهم على 80 سنة. وفي البلدين، تزيد نسبة الإصابات بين المسنّين عن نسبتهم من العدد الإجمالي للسكان، وهو ما قد يفسّر سبب انتشار الفيروس بسرعة أكبر من سرعة انتشاره في الصين وكوريا الجنوبية.
وعلى صعيد متصل، وبينما تركّز كل المعلومات والبيانات المتداولة على عدد الإصابات والوفيّات، ونسب ارتفاعها أو تراجعها، وعدد الحالات الخطرة، يحذّر بعض الاختصاصيين من الإفراط في التفاؤل أمام «تحسّن» هذه الأرقام التي لا تعكس -في رأيهم- الصورة الحقيقية لانتشار الوباء، بل تعطي فكرة عن مدى خطورته.
وكان مفوّض الحكومة الإيطالية المكلّف بالإشراف على حالة الطوارئ قد أعلن أخيراً، بعد أن بدأ كثيرون يتحدثون عن بلوغ ذروة الإصابات ومعدلات الوفيات اليومية، ويتوقعون تراجعها، أن الأرقام المتداولة عن عدد الإصابات قد لا تعكس سوى 10 في المائة من العدد الفعلي. أما السبب في ذلك، فهو أن عدد الإصابات المؤكدة يتوقّف على عدد الاختبارات التي تُجرى لتحديدها. ففي كوريا الجنوبية، مثلاً، أجرت وزارة الصحة 6200 اختبار لكل مليون شخص، بينما لم يتجاوز هذا العدد في إيطاليا 3400 حتى الآن، وفي إسبانيا ما زال دون الألفين. يضاف إلى ذلك أن الدول لا تنشر أرقام الاختبارات بانتظام، رغم أنها معلومات أساسية، إلى جانب الديموغرافيا، لتحديد النسبة الحقيقية للوفّيات.

دور العادات الاجتماعية
العادات الاجتماعية في السياق الديمغرافي، الإيطالي والإسباني، هي أيضاً من الأسباب التي أدت إلى الانتشار الواسع السريع للوباء في هذين البلدين. فالإسبان والإيطاليون يميلون إلى العيش بالقرب من أسرهم، والانتقال يومياً إلى أماكن عملهم، فضلاً عن أن هناك نسبة عالية من الشباب الذين تركوا إقامتهم المنفردة، وعادوا إلى السكن مع أهلهم، بعد أزمة عام 2008 التي أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة، وتراجع القدرة الشرائية للطبقة الوسطى.
وبالفعل، بيّنت الدراسات الأخيرة أن التواصل بين الشباب والمسنين هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى هذا الانتشار السريع للفيروس في إيطاليا وإسبانيا؛ ذلك أن الشباب هم الناقل الرئيسي الأخطر للفيروس، وهم الأخطر لأنهم في الغالب لا تظهر عليهم عوارض الوباء. وهذا ما دفع أحد خبراء الجراثيم في جامعة ميلانو إلى القول: «الفيروس يسير على أقدام الذين لا تظهر عليهم عوارضه». وفي المقابل، يشكّل المسنّون المجموعة الأضعف والأكثر تعرضاً، لا سيما إذا ما كانوا يعانون من أمراض أخرى.

التجربة الإيطالية
عندما تأكدت الإصابة الأولى في إيطاليا، في منتصف الشهر الماضي، قالت وزارة الصحة إن الفيروس ينتشر في البلاد منذ أواسط يناير (كانون الثاني). ولكن رغم ذلك، ومع ظهور الإصابات الأولى، لم تتخذ السلطات الصحية الإجراءات التي كانت قد أوصت بها منظمة الصحة العالمية، علماً بأن الفيروس بدأ انتشاره في مناطق الشمال، حيث متوسط عمر السكان هو الأعلى. ويفيد المعهد الوطني للإحصاء أن هناك 14 مليون شخص تتجاوز أعمارهم 65 سنة، يشكّلون 22 في المائة من مجموع السكان في إيطاليا، وتصل هذه النسبة إلى 27 في المائة في الأقاليم الشمالية. وكان خبراء منظمة الصحة العالمية الذين شاركوا في مكافحة الفيروس في الصين قد أفادوا بأن نسبة الوفيات بين المصابين الذين تتجاوز أعمارهم 80 سنة تبلغ 14.8 في المائة، في حال ما كانوا يعانون من أمراض أخرى، وهي ترتفع أكثر في حالات الإصابة بأمراض القلب وجهاز التنفس والسكري وضعف المناعة.
وللعلم، كانت الإصابة الأولى في إيطاليا قد ظهرت يوم 21 فبراير (شباط)، في بلدة كودونيو التي تبعد 70 كيلومتراً عن مدينة ميلانو، ثم ارتفع عدد الإصابات فيها إلى 100 في غضون يومين، ما أدى إلى اتخاذ قرار بعزلها كلياً، مع 11 بلدة أخرى محيطة بها، وتكليف الجيش وقوى الأمن بإنفاذ الحجر الصحي الإلزامي لفترة 14 يوماً. وقد تمكنّت الأجهزة الصحية من تحديد «المريض رقم 1»، لكن تعذّر عليها تحديد «المريض صفر»، أي الذي جاء من الصين، ونقل الفيروس إلى المريض الأول. ويقول الاختصاصيون إن الفترة التي انتقل فيها الفيروس من «المريض صفر» إلى «المريض 1» يرجّح أنها كانت طويلة نسبياً، ما أدى إلى انتشار الوباء بصمت في مناطق الشمال، قبل اتخاذ التدابير الأولى.
ومن جانب آخر، أدت أجواء البلبلة والتردد في اتخاذ القرارات خلال تلك المرحلة إلى تشتيت الجهود وتضارب التدابير التي كانت تتخذها السلطات المحلية من غير تنسيق بينها ومع السلطات المركزية. ومن ثم، تحوّل الموضوع إلى مسرح للمواجهة بين الحكومة والمعارضة، بعدما أدلى رئيس الحكومة جيوزيبي كونتي بتصريح تحدث فيه عن «إدارة غير سليمة في مستشفى كودونيو ساهمت في انتشار الفيروس لقلة احترام التدابير المعتمدة». وهدّد كونتي حينذاك بتعليق الصلاحيات الصحّية المنوطة بالسلطات المحلية، قبل أن يعلن حالة الطوارئ التي بموجبها وُضعت كل الصلاحيات الإقليمية تحت إشراف السلطة المركزية وخليّة إدارة الأزمة.
يضاف إلى ما تقدم، قول الخبراء إن تدابير العزل التي اتخذتها السلطات الإيطالية في مناطق الشمال كانت تدريجية، وجرت من غير تنسيق بين المناطق. وهذا ما أدى إلى الحد من فعاليتها، ووضع المنشآت والطواقم الصحية تحت ضغط كبير بسبب الانتشار السريع للوباء، وتضاعف عدد الإصابات كل 3 أو 4 أيام. وحقاً، اعتذر رئيس بلدية ميلانو جيوزيبي سالا أخيراً عن القرار الخاطئ الذي اتخذه عندما أطلق حملته «ميلانو لا تتوقف» في عز انتشار الوباء، ودعا إلى مواصلة الحركة الاقتصادية والحياة الطبيعية.
وأصبح واضحاً اليوم أن ذلك القرار، الذي كان الهدف منه وقف الخسائر المادية التي تنجم عن توقف العجلة الاقتصادية، لم يحقق الهدف المنشود، بل كانت له آثار سلبية جداً على كثافة انتشار الفيروس في ميلانو ومحيطها. وبالتالي، اضطرت الحكومة المركزية إلى اتخاذ قرار بعزل المناطق الشمالية بكاملها في العاشر من هذا الشهر، قبل أن تفرض العزل التام على جميع أنحاء البلاد، ووقف العجلة الاقتصادية، باستثناء المرافق الاستراتيجية، لكن بعدما كان عدد الوفيّات قد تجاوز 3 آلاف، والإصابات 40 ألفاً. ولقد دفعت الطواقم الطبية ثمنا باهظاً لهذه الأزمة, إذ أصيب الآلاف من أفرادها وفقد الجسم الطبي حتى الآن 66 طبيباً بسببها.

ما حدث في إسبانيا
في إسبانيا، أعلن عن ظهور الحالات الأولى أواخر الشهر الماضي في أرخبيل جزر الكناري وفي جزر الباليار، مع أشخاص وافدين من مقاطعات الشمال الإيطالية، لكن تبيّن لاحقاً أن الوفاة الأولى وقعت في 13 من الشهر الماضي، ولم يعلن عنها إلا بعد 16 يوماً على وقوعها. ويجمع الاختصاصيون على أن الحكومة تأخرت في اتخاذ التدابير اللازمة، خاصة أن الجميع كان يراقب تطور الأزمة في إيطاليا، ويقتدي بالأمثولات المستخلصة منها.
ولعلّ الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الحكومة الإسبانية إبان إدارة الأزمة في مراحلها الأولى كان السماح بمظاهرة حاشدة، شارك فيها أكثر من مائة ألف شخص في مدريد يوم الثامن من هذا الشهر، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. ويقول الخبراء إن هذا ما يفسّر العدد المرتفع من الإصابات في العاصمة ومحيطها، حيث يسجّل أكثر من نصف الإصابات والوفيات في البلاد، بل وقد تأكدت إصابة 3 وزيرات شاركن في تلك المظاهرة، إضافة إلى زوجة رئيس الحكومة.
أيضاً أدى الارتفاع الكبير في عدد الإصابات في مدريد إلى عجز مستشفياتها عن استيعاب المصابين بحالات خطرة، علماً بأن هذه المستشفيات تعد درّة تاج المنظومة الصحية الإسبانية. وتفاقمت الأزمة، رغم إلغاء هذه المستشفيات منذ أسبوعين جميع العمليات الجراحية غير الضرورية، وتحويل أقسام الطوارئ وغرف العملّيات إلى وحدات للعناية الفائقة (المركزة).
وإلى جانب الكارثة الصحّية، التي ليس معروفاً بعد حجم خسائرها وجدولها الزمني، تواجه الحكومتان الإيطالية والإسبانية كارثة اقتصادية غير مسبوقة. ومعلوم أن إيطاليا وإسبانيا -إلى جانب اليونان- قد دفعتا ثمناً باهظاً جرّاء أزمة عام 2008 المالية، حيث ارتفعت نسبة البطالة فيهما إلى مستويات غير مسبوقة، وتراجع النمو الاقتصادي بنسبة عالية، وألغيت خدمات اجتماعية كثيرة بسبب المديونية العالية التي يرزح تحتها البلدان. وقدرت وزارة الاقتصاد الإيطالية في تقريرها الشهري مطلع هذا الأسبوع أن إجمال الناتج المحلي قد تراجع بنسبة 11% في الفصل الأول من هذا العام. وأعلنت الحكومة الإسبانية يوم الأربعاء الماضي أن 835 ألف شخص فقدوا أعمالهم منذ بداية الأزمة, منهم 300 ألف خلل الشهر الماضي.



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».