آندرو كومو... حاكم نيويورك يخطف الأضواء وترمب يسعى لاستخدامه في معركته الانتخابية

جراء أزمة {كورونا}

آندرو كومو... حاكم نيويورك يخطف الأضواء وترمب يسعى لاستخدامه في معركته الانتخابية
TT

آندرو كومو... حاكم نيويورك يخطف الأضواء وترمب يسعى لاستخدامه في معركته الانتخابية

آندرو كومو... حاكم نيويورك يخطف الأضواء وترمب يسعى لاستخدامه في معركته الانتخابية

كما في كل شيء تقريباً، تأخذ الأمور في الولايات المتحدة منحى يتداخل فيه السياسي، بالشخصي، بالحزبي، بالموقع الرسمي، لدى تناول شخصية عامة تلعب دورا مؤثرا، أو يعتقد على الأقل أنها تقوم بذلك بالفعل. إلا أن الصورة تغدو أوضح إذا كانت تلك الشخصية من وزن حاكم ولاية نيويورك آندرو كومو، الذي لمع اسمه فجأة في الآونة الأخيرة بعد تفجّر أزمة وباء فيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19»، وتفشيه في مدينة نيويورك، حيث سجل أكثر من نصف عدد المصابين بهذا الوباء على مستوى الولايات المتحدة.
ولاية نيويورك عاصمتها مدينة ألباني الصغيرة، لكن مدينة نيويورك هي الأشهر فيها.
إنها أكبر المدن الأميركية، سواء لناحية عدد السكان أو مساحتها الجغرافية. ثم إنها العاصمة الاقتصادية للولايات المتحدة، وأحد المراكز الحساسة للاقتصاد العالمي. أضف إلى ذلك أن المدينة تحتضن أكبر بورصة في العالم حيث ما يعرف بـ«وول ستريت»، أكبر مركز مالي وتجاري ومصرفي في العالم. ويوجد فيها مقر الأمم المتحدة الرئيسي، وتعتبر من أهم منارات الثقافة في العالم، وفيها أهم دور العرض الفنية والتجارية والثقافية والأزياء والتكنولوجيا والتعليم والترفيه.
لم يخطر على بال الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه قد يستغل اسم كومو في حملته السياسية والانتخابية، لزعزعة حظوظ منافسه الرئيسي في الحزب الديمقراطي جو بايدن، «المحجور» في منزله أسوة بباقي المواطنين الأميركيين بسبب الوباء. وأعرب في مقابلة تلفزيونية قبل أيام عن اعتقاده أن الحاكم كومو يمكن أن يكون منافسا جيدا له، بدلا من جو «النعسان» – وهذا هو اللقب الذي درج ترمب على استعماله ازدراءً بمنافسه - وهو أسلوب بات معروفا عنه في مهاجمة خصومه وتحقيرهم بشكل شخصي، عبر إطلاق صفات لم تعهدها السياسة الأميركية من قبل.

المرشح المحتمل
في الواقع سبق أن تكهنت عدة وسائل إعلام أميركية باحتمال ترشح آندرو كومو للانتخابات الرئاسية، سواء في 2016 أو 2020. وأشارت عدة تقارير إلى أن كومو دعم «المؤتمر الديمقراطي المستقل»، وهو قائمة تضم العديد من الجمهوريين، بينهم أنصار لترمب، قبل أن يُحل ويهزم في انتخابات 2018 النيابية، في محاولة منه ليبدو أكثر اعتدالا، تمهيدا «لطموح رئاسي».
غير أن كومو أحجم عن ترشيح نفسه ولم يخض الانتخابات التمهيدية المتوقفة الآن. ونفى تماما نيته خوض انتخابات الرئاسة خلال مقابلة تلفزيونية مع شقيقه كريس كومو، مقدم البرامج الشهير على محطة «سي إن إن» التلفزيونية. وللعلم، أعلن كريس إصابته بالفيروس أخيراً، وهو يخضع لحجر صحي في قبو منزله بعدما حوله إلى استديو يمارس منه عمله كما العديد من مقدمي البرامج في المحطات الأميركية.
من ناحية ثانية، اتهمت قيادة الحزب الديمقراطي ترمب باستغلال أزمة الوباء لخلط الأوراق وزعزعة قاعدة الحزب المنقسمة أصلا، حيث لا يزال السيناتور اليساري بيرني ساندرز يصر على ترشحه، وسط دعوات حثيثة لإنهاء حملته. واللافت أن ساندرز ماض بالترشح، رغم خسارته غالبية الانتخابات التمهيدية التي أجريت، وثمة صعوبة بالغة في تمكنه من ردم الهوة مع بايدن لجهة الحصول على عدد كاف من أصوات المندوبين.
تعليقات أخرى اعتبرت مناورة ترمب، بأنها محاولة لتعميق الانقسام بين الفئات الشابة المؤيدة لساندرز والقاعدة الجماهيرية للحزب، ما قد يؤدي إلى امتناعها عن التصويت لبايدن في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، الأمر الذي سيصب حتما في مصلحة ترمب.

كومو ينافس ظهور ترمب
غير أن آخرين يعتبرون أن النجاح الذي يحققه حاكم نيويورك بسبب موقعه الرسمي، وصعود أسهمه وارتفاع عدد مؤيديه، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وظهوره الكثيف على شاشات التلفزيون، بات ينافس ظهور ترمب اليومي لمتابعة أنباء الوباء. ويعتقد معظم هؤلاء أن ظهوره أزعج الرئيس واعتبره تهديدا لاحتكاره موجات الأثير المرئي، بينما منافسه الرسمي بايدن قابع في منزله... يفتش عن وسيلة لخرق الحصار الذي فرضه انتشار الوباء.
في أي حال، يواصل ترمب التقليل من دور كومو في التصدي للوباء في نيويورك، قائلا إن نجاحه يعود إلى المساعدات التي قدمتها إدارته وتلبيتها كل طلباته، رغم الانتقادات العلنية والقاسية التي وجهها كومو لما اعتبره سلبية أداء الحكومة الفيدرالية في واشنطن. ورغم قوله إنه جاهز لمواجهة أي منافس سياسي، كرر كومو «إن الوضع خطير ومميت وإذا كنا منقسمين فسيهزمنا الفيروس».
كومو وفريق عمله ومسؤولو الولاية تعرضوا في البداية لانتقادات مكثفة، بعضها جاء من سكان الولاية «المنكوبة»، ومن جهات محسوبة أو مؤيدة لترمب والجمهوريين عموما، تحملهم مسؤولية البطء في اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة انتشار الفيروس.
أيضاً، تداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات عدد من مسؤولي الولاية يقللون فيها من خطر الفيروس في يناير (كانون الثاني) الماضي، لتجنب إثارة الهلع بين السكان. لكن طبيعة المدينة الأكثر حضرية بين المدن الأميركية، لم تترك لكومو خيارا سوى تغيير أدائه على وجه السرعة. فغالبية السكان تستخدم النقل العام، من قطارات الأنفاق وحافلات النقل العام وسيارات الأجرة، بسبب ازدحام شوارعها القاتل، وكثافة السكان الذين يتنقلون سيرا على أقدامهم في شوارعها الشهيرة. ولا ننسى أنه في نيويورك «حي صيني» كبير، وكل هذه عوامل أدت كلها لتوفير الأجواء المناسبة لانتشار الفيروس بشكل لا مثيل له مع باقي المدن والولايات الأميركية.

العلماء... مع كومو
من جانب آخر، تلقى كومو المديح على نطاق واسع من علماء الأوبئة بعد إغلاقه الولاية والأعمال غير الضرورية لكسر منحنى صعود الفيروس. بل في 28 مارس (آذار) الماضي هدد كومو ولاية رود إيلاند برفع دعوى قضائية ضدها بشأن سياسة التمييز الصحي التي تريد تطبيقها، عبر منع سكان نيويورك من دخولها. وهذا ما كان من بين الأسباب التي منعت الرئيس ترمب أيضا من إصدار قرار فيدرالي بفرض الحجر الإلزامي على تنقل سكان عدد من الولايات، بينهم نيويورك، الأسبوع الماضي.
ونتيجة للسياسات التي اعتمدها كومو، والإجراءات القاسية التي فرضت إغلاقا كاملا لمدينة نيويورك، أظهر آخر استطلاع للرأي نشره معهد سيينا أن معدلات قبول الحاكم النشط ارتفعت هذا الشهر، بعدما استجاب للأزمة التي أطلقها انتشار الفيروس.
إذ أيد 87 في المائة ممن شملهم الاستطلاع طريقة تعامل كومو مع الوباء. كما أعرب 76 في المائة عن رضاهم عن كيفية استجابة قسم الصحة المحلي، وعبّر 74 في المائة عن رضاهم على الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، في حين نال ترمب ونائبه مايك بنس على رضى 41 في المائة فقط.
الاستطلاع خلص أيضاً إلى أن نسبة عدد سكان نيويورك الذين ينظرون إلى الحاكم بشكل إيجابي ارتفعت إلى 71 في المائة من 44 في المائة فقط في فبراير (شباط) الماضي.
وقال المتحدث باسم الاستطلاع ستيفن غرينبرغ إن الحاكم كومو يحظى «بدعم شبه عمومي»، حيث يوافق 85 في المائة على الأقل من الناخبين من كل منطقة على تعامله مع الأزمة، وكذلك على دعم 95 في المائة من الديمقراطيين و87 في المائة من المستقلين وحتى 70 في المائة من الجمهوريين.
على هذا الأساس، وبمقاييس ترمب، قرع آندرو كومو جرس إنذار كبير لديه، خصوصاً، وأن شخصيته وتاريخه ودوره السياسي وتجربته الطويلة في الشأن العام، مزايا تمنحه القدرة على أن يكون خصما عنيدا، له ولإرثه من بعده في مدينة نيويورك التي يتحدر منها الرئيس أيضا.

بطاقة هوية
آندرو مارك كومو من مواليد 6 ديسمبر (كانون الأول) 1957 في حي كوينز في مدينة نيويورك، لأسرة تتحدر من أصل إيطالي لجهتي الأب والأم. وهو سياسي ينتمي للحزب الديمقراطي ومؤلف ومحامٍ بجانب كونه الحاكم الـ56 للولاية، وهو يتولى هذا المنصب منذ 2011.
والده ماريو كومو كان قبله محامياً لامعاً وحاكماً ناجحاً لولاية نيويورك لثلاث فترات متتالية، وجرى تداول اسمه غير مرة كمرشح عن الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية. أما والدته فاسمها ماتيلدا نيرافا. ولآندرو خمسة أشقاء بينهم كريس كومو وشقيقته الدكتورة مارغريت عالمة الأشعة الشهيرة.
تخرج آندرو كومو في مدرسة سانت جيرارد ماجيلا في عام 1971 ومدرسة المطران مولوي الثانوية في عام 1975، ثم تابع تعليمه الجامعي وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة فوردهام – إحدى أعرق الجامعات الكاثوليكية في الولايات المتحدة – عام 1979. ثم حاز على الإجازة في الحقوق من معهد ألباني للحقوق التابع لجامعة يونيون (ريف ولاية نيويورك) عام 1982.

تاريخ سياسي حافل
بدأ آندرو كومو حياته المهنية مديراً لحملة والده، ثم محامياً مساعدا لمنطقة في مدينة نيويورك. ثم أسس مؤسسة الإسكان «هلب يو إس إيه» (HELP USA) وعُيّن رئيسا للجنة نيويورك للمشردّين في المدينة، وهو المنصب الذي شغله من عام 1990 إلى عام 1993.
في عام 1993 انضم كومو إلى إدارة الرئيس بيل كلينتون كمساعد وزير التخطيط المجتمعي والتنمية في وزارة الإسكان والتنمية الحضرية بالولايات المتحدة. ومن 1997 إلى 2001. شغل منصب وزير الإسكان والتنمية الحضرية خلفا للوزير هنري سيسنيروس.
في عام 2006 انتخب كومو مدعيا عاما لنيويورك، وفي العام 2010 انتخب حاكما للولاية، وأعيد انتخابه مرتين بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية ضد المنافسين الليبراليين زيفير تيتش أوت (2014) وسينثيا نيكسون (2018). وخلال فترة ولايته، أشرف كومو على تمرير قانون يشرّع زواج المثليين في نيويورك، وإنشاء تحالف الولايات المتحدة للمناخ، وهي مجموعة من الدول ملتزمة بمكافحة تغير المناخ باتباع شروط «اتفاقيات باريس للمناخ».

إجراءات بالجملة
بالإضافة إلى ذلك، مرّر كومو أكثر قوانين مراقبة الأسلحة صرامة في الولايات المتحدة، ودعم توسيع المساعدة الطبية وقانون ضرائب جديد يرفعها على الأغنياء ويخفضها على الطبقة الوسطى. وكذلك أقر منح إجازة عائلية مدفوعة الأجر وزيادة الحد الأدنى للأجور والمساواة في الأجور بين الجنسين وتشريع استخدام الماريغوانا الطبية.
وفي عام 2000 قاد كومو جهود وزارة الإسكان والتنمية الحضرية للتفاوض على اتفاقية مع شركة سميث اند ويسون، أكبر مصنّع للمسدسات والبنادق اليدوية، لتغيير تصميمها وتوزيعها وتسويقها لجعلها أكثر أمانا والمساعدة في إبعادها عن أيدي الأطفال والمجرمين. وتضمنت ميزانيات وزارته زيادة المعروض من المساكن الميسرة التكلفة وتمكين المواطنين من تملّك المنازل، وقوانين لخلق فرص العمل والتنمية الاقتصادية. وشمل ذلك إعانات مساعدة الإيجارات الجديدة، وإصلاحات لدمج الإسكان العام، وقيودا أعلى على الرهون العقارية المؤمن عليها من قبل إدارة الإسكان الفيدرالية، وقمع التمييز في الإسكان وبرامج موسعة لمساعدة المشردين في الحصول على السكن والوظائف، وإنشاء مناطق تمكين جديدة.
في المقابل، يؤخذ على كومو أن طلبه بزيادة القروض لمنازل الفقراء في محاولة لإنهاء التمييز ضد الأقليات، عبر إجبار مؤسستي فاني ماي وفريدي ماك العقاريتين العملاقتين المدعومتين من الحكومة، على شراء القروض المشكوك بتحصيلها، ساعد في حدوث أزمة الرهن العقاري عام 2008.
وفي عام 1998 قالت المفتشة العامة التي عينها الرئيس بيل كلينتون في وزارة الإسكان سوزان غافني، أمام لجنة في مجلس الشيوخ إنها كانت ضحية «تصعيد» الهجمات على مكتبها من قبل كومو و«مساعديه الرئيسيين»، بما في ذلك الاتهامات بالعنصرية والتمرد والمخالفة. وفي عام 1999. خلص مكتب غافني إلى أن 15 من أصل 19 هدفا لمؤسسة «بناة المجتمع» التي كان خلفها كومو، كانت أنشطة وليست إنجازات فعلية وأن مبادراته «كان لها تأثير معوق على العديد من عمليات الوزارة القائمة». وفي مايو (أيار) 2001 تقاعدت غافني بعد فترة وجيزة من التوصل إلى تسوية بقيمة 490 ألف دولار مع موظف أسود اتهمها بالتمييز العنصري ومنعه من الترقي.

مع هيلاري... ضد أوباما
في عام 2008، قال كومو، الذي كان يدعم ترشح هيلاري كلينتون عن منافسها باراك أوباما: «لا يمكنك الرفض والركض في مؤتمر صحافي»، ما أدى لتعرضه لانتقادات عدة لاستخدامه عبارة كانت تطلق على الأميركيين الأفارقة خلال حقبة التمييز العنصري والعبودية.
ولاحقاً، في استطلاع رأي في فبراير 2019. أجري بعد توقيعه عددا من التشريعات التي وصفت بـ«التقدمية»، بينها التوسع في الإجهاض وقوانين الأسلحة أكثر صرامة، تراجعت شعبية كومو إلى 43 في المائة وهو الأدنى له، ورفضه 50 في المائة من «النيويوركيين»، ما يشير إلى أن تلك التشريعات أزعجت بعض الناخبين وساهمت في خفض شعبيته.
غير أن أسلوبه الحازم في التعامل مع الوباء الذي وضع نيويورك في عين العاصفة... أعاد له رضى الشارع، داخل ولايته وخارجها.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».