شاشة الناقد: تقنية أوديسا وإنسان سولاريس

ماثيو ماكونوفي يمشي فوق زحل في «بين النجوم»
ماثيو ماكونوفي يمشي فوق زحل في «بين النجوم»
TT

شاشة الناقد: تقنية أوديسا وإنسان سولاريس

ماثيو ماكونوفي يمشي فوق زحل في «بين النجوم»
ماثيو ماكونوفي يمشي فوق زحل في «بين النجوم»

* بين النجوم | Interstellar ‬
* إخراج: كريستوفر نولان
أدوار أولى: ماثيو ماكونوفي، آن هاذاواي، جسيكا شستين
تقييم الناقد:(4*)
(خمسة من خمسة).
ينطلق «بين النجوم» على الأرض. الرحلة ذاتها إلى الأجواء الفضائية لا تبدأ سريعا، بل تتهادى بعد أكثر من ثلث ساعة على بداية الفيلم. نولان ليس مستعجلا للإبهار ولرحلة الغد وتلوين الشاشة بظلام المحيط الفضائي. لديه ما يؤسسه قبل ذلك على الأرض.
إذن، نحن على الأرض: السنة غير محددة، لكنها في المستقبل المنظور. الأكسجين انخفض وما عادت الحياة سهلة. بانخفاضه وارتفاع نسبة النيتروجين، يقول الفيلم، يعاني الناس كما المحصولات الغذائية. ما عاد ينفع زراعة أي شيء باستثناء الذرة وحتى هذه لن تعيش طويلا. النهاية مخيفة، لكن كوبر (ماثيو ماكونوفي) ربما ما زال لديه أمل ما. هو رب أسرة صغيرة تتكون من ابنه الشاب (تيموثي شالمت) وابنته الصغيرة ميرف (ماكنزي فوي) وأبيه دونالد (جون ليثغو) تعيش في الوسط الأميركي الذي يزداد قحلا. هنا في هذه الفترة من الفيلم يبني نولان أرضيته ليس للحكاية وحدها، بل للعلاقات الإنسانية الحميمة بين أفراد الأسرة الواحدة.
وهذه الحالة الإنسانية المتجددة لا تنضوي بمجرد انتقال كوبر (الذي كان ملاحا سابقا) إلى الفضاء، بل ترتكز عليها وتتوسع: كوبر الآن بمعية أميليا (آن هاذاواي) العالمة الفضائية ابنة العالم المسن براند (مايكل كاين) الذي بعث بملاحيه هذين، وباثنين آخرين، إلى الفضاء البعيد لاكتشاف كوكب آخر يمكن أن يكون صالحا لحياة الإنسان على الأرض.
الرحلة خطرة وهي تحط على أكثر من كوكب وفوق كل كوكب شروط حياة مختلفة. هناك، مثلا، تلك البحيرة الهادئة والجميلة، لكن فجأة هناك أمواج بارتفاع جبال تتقدم إليها. تتقدم إلينا. تعصف بنا وتقتل أحد الملاحين قبل أن تهرب المركبة بجلدها. لكن مخاطر الفضاء، والتي يعود إليها الفيلم في ساعته الأخيرة، ليست وحدها التي يعايشها كوبر: لقد مرت سنوات كونية على رحلته خلالها كبرت ابنته وأصبحت جسيكا شستين وكبر ابنه وأصبح سايسي أفلك، لكنه ما زال هو، وتبعا لفوارق الحياة والزمان بين الأرض والفضاء صغيرا كما بدأ، وبل إذا ما عاد إلى الأرض (وأنا لن أقول هنا إذا كان سيعود أم لا) سيكون شابا وابنته عجوزا.
المخرج كريستوفر نولان يأخذ من فيلم ستانلي كوبريك الإبهار التقني في «2001: أوديسا الفضاء» والهم الإنساني من فيلم أندريه تاركوفسكي في «سولاريس» ويعالجهما مضاعفين. لا تعرف ما تتوقع على أي صعيد ولا يشتتك الفيلم بين المغامرة الخيالية العلمية وبين البوح الإنساني الرائع الذي يربط بين شخصيات الأرض وشخصيات الفضاء. يتوه قليلا قبل ربع ساعة من نهايته، لكنه يعود إلى خطه المستقيم سريعا من بعد، لكن توهانه ذاك ليس نتيجة ضعف أو ركاكة، بل مجرد مد خط إضافي كان يمكن تجاوزه (المشهد الذي يرى فيه كوبر ابنته من وراء عالم مواز بـ5 أبعاد).
العائلة أساسية بالنسبة لأبطال نولان. كل آلام بطله باتمان ناتجة عن فقدانه حنان الأب. في «تمهيد» بطله ليوناردو دي كابريو يتطلع للعودة إلى عائلته. هنا يريد ماثيو ماكونوفي العودة إلى ابنته التي تتهمه بأنه تخلى عنها وعن أهل الأرض عندما قبل بمهمة قد لا يعود منها. في الفضاء الخارجي، هناك ما يتبلور بينه وبين شريكته في الرحلة، لكنك لا تستطيع أن تقول إنها قصة حب ولو أنها قد تنتهي كذلك.



«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
TT

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

عندما يتساءل البعض أين هم النجوم الكبار؟ فهناك أكثر من جواب.

إذا كان السؤال عن عمالقة التمثيل في الفن السابع، أمثال مارلون براندو، وكلارك غيبل، وباربرا ستانويك، وجاك نيكلسن، وصوفيا لورِين، وجوليانو جيما، وهمفري بوغارت، وجيمس ستيوارت، وكاثرين دينوف، وأنتوني كوين، وعشرات سواهم، فإن الجواب هو أن معظمهم وافته المنية ورحل عن الدنيا. القلّة الباقية اعتزلت أو تجهدُ لأن تبقى حاضرة. المثال الأبرز هنا، كاثرين دينوف (81 سنة) التي شوهدت خلال عام 2024 في 3 أفلام متعاقبة.

أما إذا كان السؤال مناطاً بنجوم جيل الثمانينات والتسعينات ممن لا يزالون أحياء، أمثال سيلفستر ستالون، وأرنولد شوارتزنيغر، وسيغورني ويڤر، وسوزان ساراندون، وأنتوني هوبكنز، وميل غيبسن، وجيسيكا لانج، وكيم باسنجر، وغلين كلوز، وهاريسون فورد، وستيفن سيغال، وروبرت دي نيرو، وآل باتشينو وسواهم من الجيل نفسه، فحبّهم للبقاء على الشاشة مثالي يدفعهم للظهور إمّا في أدوار مساندة أو في أفلام صغيرة معظمها يتوفّر على منصات الاشتراكات.

أما بالنسبة للزمن الحالي، فإن الأمور مختلفة، فعلى الأقل تمتّع من ذُكروا أعلاه بأدوارٍ خالدة لا تُنسى في أنواع سينمائية متعدّدة (أكشن، دراما، كوميديا، ميوزيكال... إلخ).

الحال أنه لم يعد هناك من ممثلين كثيرين يستطيعون حمل أعباء فيلمٍ واحدٍ من نقطة الانطلاق إلى أعلى قائمة النجاح. أحد القلّة توم كروز، وذلك بسبب سلسلة «Mission‪:‬ Impossible» التي قاد بطولتها منفرداً، ولا تزال لديه ورقة واحدة من هذا المسلسل مفترضٌ بها أن تهبط على شاشات السينما في مايو (أيار) المقبل.

بطولات جماعية

بكلمة أخرى: لم يعد هناك نجوم كما كان الحال في زمن مضى. نعم هناك توم هانكس، وروبرت داوني جونيور، وجوني دَب، وسكارليت جوهانسون، ودانيال كريغ، ونيكول كيدمان، لكن على عكس الماضي البعيد، عندما كان اسم الممثل رهاناً على إقبالٍ هائل لجمهور لا يفوّت أي فيلم له، لا يستطيع أحد من هؤلاء، على الرغم من ذيوع اسمه، ضمان نجاح فيلمٍ واحدٍ.

ما يُثبت ذلك، هو استقراءُ حقيقة سقوط أفلامٍ أدّى المذكورة أسماؤهم أعلاه بطولاتها منفردين، لكنها أثمرت عن فتورِ إقبالٍ كما حال توم هانكس، وجنيفر لورنس، وجوني دَب، وروبرت داوني جونيور.

الحادث فعلياً أن «هوليوود» قضت على نجومها بنفسها.

كيف فعلت ذلك؟ وما المنهج الذي اتبعته ولماذا؟

الذي حصل، منذ 3 عقود وإلى اليوم، هو أن هوليوود أطلقت، منذ مطلع القرن الحالي، مئات الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة بحيث بات اهتمامُ الجمهور منصبّاً على الفيلم وليس على الممثل الذي لم يَعُد وحده في معظمها، بل يؤازره ممثلون آخرون من حجم النجومية نفسها.

كثير من هذه المسلسلات يضعُ ممثلين مشهورين في البطولة كما حال سلسلة «The Avengers»، التي ضمّت روبرت داوني جونيور، وسكارليت جوهانسن، وجوينيث بالترو، وصامويل ل. جاكسون، ومارك رافالو، وكريس إيڤانز تحت مظلّتها.

في مسلسل «كابتن أميركا»، وإلى جانب داوني جونيور، وسكارليت جوهانسون، وإيڤنز، أيضاً تناثر بول رود، وتوم هولاند، وإليزابيث أولسن. كلُ واحدٍ منهم قدّم في هذا المسلسل وسواه من أفلام الكوميكس والسوبر هيروز نمرته، وقبض أجره ومضى منتظراً الجزء التالي.

أيّ فيلم خارج هذه المنظومة مرجّح فشله. بذلك تكون «هوليوود» قد ساهمت في دفن نجومها عبر توجيه الجمهور لقبولهم الجميع معاً على طريقة «اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً».

ولا عجب أن أعلى الأفلام إيراداً حول العالم كسرت إمكانية تعزيز العودة إلى أيامٍ كان اسم ممثلٍ كبيرٍ واحدٍ، (لنقل كلينت إيستوود أو أنتوني هوبكنز)، كفيلاً بجرِّ أقدام المشاهدين إلى صالات السينما بسببه هو.

الأفلام العشرة التي تقود قائمة أعلى الأفلام رواجاً حول العالم، تتألف من 4 أفلام من «الأنيميشن» هي، «Inside Out 2»، و«Despicable Me 4»، و«Moana 2»، و«Kung Fu Panda 4».

بعض هذه الأفلام جاءت بممثلين مجهولين، وأُخرى جلبت بعض الأسماء المعروفة. في «إنسايد آوت 2»، اعتُمد على عددٍ من الممثلين غير المعروفين أمثال مايا هوك، وليزا لابيرا، وتوني هايل، ولويس بلاك.

في «مونا 2»، استُعين باسم معروف واحد هو، دواين جونسون الذي تقاضى 50 مليون دولار وأُحيط بممثلين مجهولين. نعم الإقبال على هذا الفيلم أثمر عن 441 مليونَ دولارٍ حتى الآن (ما زال معروضاً)، لكن ليس بسبب اسم بطله جونسون، بل بسبب تطبيع جمهور مستعدٍ لأن يرى الفيلم حلقةً مسلسلةً أكثر مما يهتم لو أن جونسون أو دنزل واشنطن قام بالأداء الصوتي.

سقوط وونكا

أحد الأفلام العشرة كان من بطولة وحشين كاسرين هما غودزيللا وكينغ كونغ. معهما من يحتاج لممثلين معروفين، أشهر المشتركين كانت ريبيكا هول، أما الباقون فهم مجموعة جديدة أخرى لم يعد باستطاعة كثيرين حفظ أسمائهم.

يتمتع الفيلم الخامس في القائمة «Dune 2»، بوجود ممثلين معروفين أمثال تيموثي شالامي، وزيندايا، وخافيير باردم. لكن الكل يعرف هنا أنه لو لم يكن شالامي أو زيندايا أو باردم لكان هناك آخرون لن يقدّموا أو يؤخّروا نجاح هذا الفيلم، لأن الإقبال كان، كما كل الأفلام الأخرى، من أجله وليس من أجل ممثليه.

لهذا نجد أنه عندما حاول شالامي تعزيز مكانته ببطولة منفردة في «Wonka»، سقط الفيلم وأنجز أقلَّ بكثيرٍ ممّا وعد به.

ما سبق يؤكد الحالة الحاضرة من أن نظام إطلاق أفلام الرُّسوم والمسلسلات الفانتازية أثمر عن إضعاف موقع الممثل جماهيرياً. غداً عندما ينتهي كروز من عرض آخر جزءٍ من «المهمّة: مستحيلة» سينضمُّ إلى من أفُلَت قوّتهم التجارية أو كادت. سينضم إلى جوني دَب، مثلاً، الذي من بعد انقضاء سلسلة «قراصنة الكاريبي» وجد نفسه في وحول أفلام لا ترتفع بإيرادها إلى مستوى جيد.