عالم المخرج كريستوفر نولان الخيالي ـ العلمي

«بين النجوم» هو أكبر فيلم حققه في هذا المجال

المخرج كريستوفر نولان
المخرج كريستوفر نولان
TT

عالم المخرج كريستوفر نولان الخيالي ـ العلمي

المخرج كريستوفر نولان
المخرج كريستوفر نولان

بوصول «بين النجوم» (Interstellar) إلى صالات العرض الضخمة مزودا بموسيقى هانز زيمر وبمنجزات بصرية إلكترونية لم يسبقه إليها أحد على هذا النحو، يصل المخرج البريطاني الولادة كريستوفر نولان إلى صرح جديد لم ينجزه من قبل. تستطيع أن تتصوره، بعدما أنجز 7 أفلام من قبل في غضون 24 سنة، مثل شخص وقف عند باب موصد. فتحه ودخل ليجد بابا آخر. إذ يفتح ذلك الباب يجد نفسه وقد صار أمام باب ثالث وهكذا. وكلما فتح بابا وجد نفسه أمام قدرات جديدة تصوغ رؤيته الحاضرة وتشكل حوافزه للانتقال قدما. الرحلة التي من هذا النوع لا تنتهي.
«بين النجوم» هو أكبر فيلم حققه المخرج إلى اليوم، لكنه أيضا أكبر فيلم خيالي - علمي من حيث الحجم والمنجزات ومن حيث عناصره الفنية وحسن تحقيقها. تستطيع أن تضعه إلى جانب الأيقونتين البارزتين في هذا المجال، «2001: أوديسا الفضاء» لستانلي كوبريك (1968) و«سولاريس» لأندريه تاركوفسكي (1972) والبعض قد يرى أنه يتجاوزهما.
مخرج «باتمان يبدأ» (2005) وما تلاه من أجزاء، لديه القدرة على صنع ما يريد. تبدأ قدراته بالتخيل ثم بدفع الخيال إلى الواقع. الواقع إلى ميزانية متاحة وبلا شروط. ومنها إلى العمل حثيثا وطويلا في طي مئات التفاصيل التقنية لكي يأتي الفيلم بالصورة التي كونها الخيال بادئ ذي بدء.

* أرق وفقدان
* حبه للسينما ولد باكرا. في سن السابعة (سنة 1977) بدأ التصوير مستخدما كاميرا سوبر 8. لم يكن راضيا عن التصوير وحده. كان عليه أن يخلق حركة ما. في العاشرة وما بعد كون مجموعة من الأفلام التي حرك فيها دمى وألعابا أمام عدسة الكاميرا. الحكاية التي في باله كانت بسيطة. التنفيذ كذلك. الطموح هو الأكبر حجما من سنواته الشابة، وبل من مداركه آنذاك.
حين أصبح شابا اختار دخول معهد لدراسة اللغة الإنجليزية عوض أن يدخل معهدا لدراسة السينما، لكنه كان يعلم أن (University College London) التابعة لجامعة لندن لديها فرع سينمائي مزود بكل ما يحتاجه الهاوي لكي يحترف: كاميرات، عدسات، أدوات صوت وطاولات مونتاج. هناك حقق أعماله الأولى: دقائق محدودة من أحلام أكبر.
مع مطلع القرن الـ21، كان نولان ما زال مجهولا. كان حقق فيلما قصيرا كاملا بعنوان Doodlebuy سنة 1997 وتبعه سنة 1998 بفيلمه الطويل الأول Following. ثم انتقل إلى الولايات المتحدة تبعا لدرب تراءى له. نجمة غمزت له بعينها أن يتبع هذا الطريق فقام بذلك وحط في هوليوود ليحقق أول فيلم غريب الشأن له هناك: «ميمنتو».
القصة وضع السيناريو لها مع شقيقه جوناثان نولان تدور حول رجل أصيب بفقدان الذاكرة. فقدان جزئي يجعله غير قادر على تذكر الأحداث القريبة وكيف أنه قرر، وبنجاح، استخدام اللحظة الراهنة ليعود منها إلى الوراء ليتبين هوية المجرم الذي قتل زوجته. لكن ليس بطل الفيلم (غاي بيرس) هو وحده من يقدم على هذه الخطوة، بل المخرج أيضا فالفيلم يبدأ بدوره من النهاية ليعود أدراجه إلى الأمس. بذا، كشف نولان عن حبه لاكتشاف عوالم مقلوبة وعن رغبة في سرد ما هو غير متوقع بطريقة غير متوقعة. وإذ تم ترشيح هذا الفيلم لحفنة من الجوائز (بينها أوسكار أفضل سيناريو) نال تقديرا واسعا من بينها جائزة «معهد الفيلم الأميركي» (لأفضل سيناريو) وجائزة «جمعية الفيلم البريطاني المستقل» (أفضل فيلم) وأخرى من جمعيات نقدية مختلفة.
قاد نجاح هذا الفيلم لتحقيق فيلم ثان عن مأزق آخر لرجل آخر وهو «أرق» Insomnia سنة 2002. هذه المرة لدينا التحري آل باتشينو الذي ينتقل من المدينة الكبيرة إلى بلدة في ألاسكا والذي يعاني من أرق دائم لا يستطيع النوم بسببه. كل شيء حوله يهبط. مداركه. حالته النفسية. جسده المنهك.. ثم ها هو، خلال مطاردته المجرم الذي انتدب لكشفه، يصيب برصاصه زميله ويقتله ثم يحاول التستر على ذلك فعلته.

* مؤثرات
* حتى الآن، ما زال صاحبنا على الأرض وسنرى كيف سيرتفع عنها تدريجيا ليحلق اليوم بين النجوم. في عام 2004 قررت وورنر تسليمه مقاليد واحد من أكبر إنتاجاتها وأكثرها صعوبة: تحقيق الفيلم الذي سيعيد باتمان إلى الواجهة. كانت قد مولت عودة الرجل الوطواط إلى الشاشات الكبيرة في الثمانينات (الشخصية كانت من أملاك شركة فوكس في الستينات) عندما استقدمت صاحب رؤية فنية آخر هو تيم بيرتون لكي يحقق فيلما عن تلك الشخصية التي وضعها بوب كاين في مجلات الكوميكس في الأربعينات. هذا جلب للدور مايكل كيتون ووزع أدوار الشر على جاك نيكولسون وجاك بالانس وترايسي وولتر وأنجز فيلما ناجحا جمع 410 ملايين دولار حول العالم.
لكن تأثير وجودة هذه السلسلة خف في منتصف التسعينات عندما تسلم الإخراج جوول شوماكر وحول المغامرة إلى مرتع ترفيهي مباشر. وورنر رسمت فاصلا زمنيا قبل أن تجد أن كريستوفر نولان، المبرهن عن رؤيته التنفيذية الخاصة، هو خير من يصنع لها فيلم العودة.
نولان لم يخب هذا الاعتقاد ودلف منه إلى الجزء الثاني («الفارس الداكن»، 2008، و«صعود الفارس الداكن»، 2012). هذا الجزء الثالث جلب أكثر من مليار دولار حول العالم. بمقارنة الفيلم الثالث من السلسلة بالأول والثاني، يدرك المرء كيف انكب المخرج على تطوير ما لديه من قدرات، التي كانت لا تشكو من التطور أساسا. كل واحد من هذه الأفلام كان أفضل من سابقه. ولا واحد منها اعتبر أن النجاح أمر مضمون فاستكان إلى معطياته، بينها حقق فيلما آخر جيدا ومثيرا للاهتمام، لكنه أرضي بالكامل. بطله (هيو جاكمان) يعمد إلى السحر وألعاب الخفة، لكنه لا يرتفع عن الأرض شأن باتمان (كما أداه بنجاح في الأجزاء الثلاثة كريستيان بايل). بعده أنجز، سنة 2010 «تمهيد» ومع أن أحداثه أرضية (تدور في رحى فكرة رجل يسرق مصرفا مستخدما ما سماه «تقنية المشاركة في الحلم») إلا أن موضوعه حلق في جوانب غريبة (هل فلت زمام تلك التقنية فأصبحت حياة بطله كلها حلما؟) كذلك عمد إلى توظيف المؤثرات التقنية والغرافيكس على نحو غير مسبوق. المشاهد التي نرى فيها المدن وقد انقلبت رأسا على عقب تعبيرا عن عالم فقد توازنه كاملا، لا تنسى. والفيلم أنجز 817 مليون دولار عالميا وشركة وورنر أخبرته بأنها ستنتج له أي فيلم يريده. وما أراده هو آخر أعماله إلى اليوم «بين النجوم».
أفلام نولان ليست مشتتة من دون خط يجمعها، وليست مجرد أفلام تعتمد على الخيال والتقنيات الضخمة، بل هي نتيجة لبنة صلبة ولو مطواعة تحمل في طياتها بحث في الإنسان وفي العالم والمجتمعات. حتى «باتمان» هنا ليس باتمان في أي من الأفلام السينمائية قبل الستينات أو بعدها. نولان لا يستطيع إلا وأن يتحدث عن كل شيء ممكن جمعه من دون خطابية أو مباشرة تحت سقف فيلم واحد. وسقفه دائما عال ومرتفع بات من الصعب على الآخرين اللحاق به إليه.
* علامات النجاح

* بفضل سلسلة «باتمان» الثلاثية، حققت مجمل أفلام كريستوفر نولان ما يزيد على ملياري دولار حول العالم. من بينها نحو مليار من تلك السلسلة وحدها. لكنه شخص لا يزال يعيش في شرنقة الخيال وليس في الواقع. بسيط الهيئة وسهل الحديث ولو أنه قلما يدلي بمقابلات صحافية. هذا، حسب قوله في تصريح نادر «السبب الذي يجعلني على تواصل دائم مع ما أريد إنجازه».



«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
TT

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

عندما يتساءل البعض أين هم النجوم الكبار؟ فهناك أكثر من جواب.

إذا كان السؤال عن عمالقة التمثيل في الفن السابع، أمثال مارلون براندو، وكلارك غيبل، وباربرا ستانويك، وجاك نيكلسن، وصوفيا لورِين، وجوليانو جيما، وهمفري بوغارت، وجيمس ستيوارت، وكاثرين دينوف، وأنتوني كوين، وعشرات سواهم، فإن الجواب هو أن معظمهم وافته المنية ورحل عن الدنيا. القلّة الباقية اعتزلت أو تجهدُ لأن تبقى حاضرة. المثال الأبرز هنا، كاثرين دينوف (81 سنة) التي شوهدت خلال عام 2024 في 3 أفلام متعاقبة.

أما إذا كان السؤال مناطاً بنجوم جيل الثمانينات والتسعينات ممن لا يزالون أحياء، أمثال سيلفستر ستالون، وأرنولد شوارتزنيغر، وسيغورني ويڤر، وسوزان ساراندون، وأنتوني هوبكنز، وميل غيبسن، وجيسيكا لانج، وكيم باسنجر، وغلين كلوز، وهاريسون فورد، وستيفن سيغال، وروبرت دي نيرو، وآل باتشينو وسواهم من الجيل نفسه، فحبّهم للبقاء على الشاشة مثالي يدفعهم للظهور إمّا في أدوار مساندة أو في أفلام صغيرة معظمها يتوفّر على منصات الاشتراكات.

أما بالنسبة للزمن الحالي، فإن الأمور مختلفة، فعلى الأقل تمتّع من ذُكروا أعلاه بأدوارٍ خالدة لا تُنسى في أنواع سينمائية متعدّدة (أكشن، دراما، كوميديا، ميوزيكال... إلخ).

الحال أنه لم يعد هناك من ممثلين كثيرين يستطيعون حمل أعباء فيلمٍ واحدٍ من نقطة الانطلاق إلى أعلى قائمة النجاح. أحد القلّة توم كروز، وذلك بسبب سلسلة «Mission‪:‬ Impossible» التي قاد بطولتها منفرداً، ولا تزال لديه ورقة واحدة من هذا المسلسل مفترضٌ بها أن تهبط على شاشات السينما في مايو (أيار) المقبل.

بطولات جماعية

بكلمة أخرى: لم يعد هناك نجوم كما كان الحال في زمن مضى. نعم هناك توم هانكس، وروبرت داوني جونيور، وجوني دَب، وسكارليت جوهانسون، ودانيال كريغ، ونيكول كيدمان، لكن على عكس الماضي البعيد، عندما كان اسم الممثل رهاناً على إقبالٍ هائل لجمهور لا يفوّت أي فيلم له، لا يستطيع أحد من هؤلاء، على الرغم من ذيوع اسمه، ضمان نجاح فيلمٍ واحدٍ.

ما يُثبت ذلك، هو استقراءُ حقيقة سقوط أفلامٍ أدّى المذكورة أسماؤهم أعلاه بطولاتها منفردين، لكنها أثمرت عن فتورِ إقبالٍ كما حال توم هانكس، وجنيفر لورنس، وجوني دَب، وروبرت داوني جونيور.

الحادث فعلياً أن «هوليوود» قضت على نجومها بنفسها.

كيف فعلت ذلك؟ وما المنهج الذي اتبعته ولماذا؟

الذي حصل، منذ 3 عقود وإلى اليوم، هو أن هوليوود أطلقت، منذ مطلع القرن الحالي، مئات الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة بحيث بات اهتمامُ الجمهور منصبّاً على الفيلم وليس على الممثل الذي لم يَعُد وحده في معظمها، بل يؤازره ممثلون آخرون من حجم النجومية نفسها.

كثير من هذه المسلسلات يضعُ ممثلين مشهورين في البطولة كما حال سلسلة «The Avengers»، التي ضمّت روبرت داوني جونيور، وسكارليت جوهانسن، وجوينيث بالترو، وصامويل ل. جاكسون، ومارك رافالو، وكريس إيڤانز تحت مظلّتها.

في مسلسل «كابتن أميركا»، وإلى جانب داوني جونيور، وسكارليت جوهانسون، وإيڤنز، أيضاً تناثر بول رود، وتوم هولاند، وإليزابيث أولسن. كلُ واحدٍ منهم قدّم في هذا المسلسل وسواه من أفلام الكوميكس والسوبر هيروز نمرته، وقبض أجره ومضى منتظراً الجزء التالي.

أيّ فيلم خارج هذه المنظومة مرجّح فشله. بذلك تكون «هوليوود» قد ساهمت في دفن نجومها عبر توجيه الجمهور لقبولهم الجميع معاً على طريقة «اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً».

ولا عجب أن أعلى الأفلام إيراداً حول العالم كسرت إمكانية تعزيز العودة إلى أيامٍ كان اسم ممثلٍ كبيرٍ واحدٍ، (لنقل كلينت إيستوود أو أنتوني هوبكنز)، كفيلاً بجرِّ أقدام المشاهدين إلى صالات السينما بسببه هو.

الأفلام العشرة التي تقود قائمة أعلى الأفلام رواجاً حول العالم، تتألف من 4 أفلام من «الأنيميشن» هي، «Inside Out 2»، و«Despicable Me 4»، و«Moana 2»، و«Kung Fu Panda 4».

بعض هذه الأفلام جاءت بممثلين مجهولين، وأُخرى جلبت بعض الأسماء المعروفة. في «إنسايد آوت 2»، اعتُمد على عددٍ من الممثلين غير المعروفين أمثال مايا هوك، وليزا لابيرا، وتوني هايل، ولويس بلاك.

في «مونا 2»، استُعين باسم معروف واحد هو، دواين جونسون الذي تقاضى 50 مليون دولار وأُحيط بممثلين مجهولين. نعم الإقبال على هذا الفيلم أثمر عن 441 مليونَ دولارٍ حتى الآن (ما زال معروضاً)، لكن ليس بسبب اسم بطله جونسون، بل بسبب تطبيع جمهور مستعدٍ لأن يرى الفيلم حلقةً مسلسلةً أكثر مما يهتم لو أن جونسون أو دنزل واشنطن قام بالأداء الصوتي.

سقوط وونكا

أحد الأفلام العشرة كان من بطولة وحشين كاسرين هما غودزيللا وكينغ كونغ. معهما من يحتاج لممثلين معروفين، أشهر المشتركين كانت ريبيكا هول، أما الباقون فهم مجموعة جديدة أخرى لم يعد باستطاعة كثيرين حفظ أسمائهم.

يتمتع الفيلم الخامس في القائمة «Dune 2»، بوجود ممثلين معروفين أمثال تيموثي شالامي، وزيندايا، وخافيير باردم. لكن الكل يعرف هنا أنه لو لم يكن شالامي أو زيندايا أو باردم لكان هناك آخرون لن يقدّموا أو يؤخّروا نجاح هذا الفيلم، لأن الإقبال كان، كما كل الأفلام الأخرى، من أجله وليس من أجل ممثليه.

لهذا نجد أنه عندما حاول شالامي تعزيز مكانته ببطولة منفردة في «Wonka»، سقط الفيلم وأنجز أقلَّ بكثيرٍ ممّا وعد به.

ما سبق يؤكد الحالة الحاضرة من أن نظام إطلاق أفلام الرُّسوم والمسلسلات الفانتازية أثمر عن إضعاف موقع الممثل جماهيرياً. غداً عندما ينتهي كروز من عرض آخر جزءٍ من «المهمّة: مستحيلة» سينضمُّ إلى من أفُلَت قوّتهم التجارية أو كادت. سينضم إلى جوني دَب، مثلاً، الذي من بعد انقضاء سلسلة «قراصنة الكاريبي» وجد نفسه في وحول أفلام لا ترتفع بإيرادها إلى مستوى جيد.