الوباء يحرم المغتربين اللبنانيين من مشاركة أفراح أسرهم وأحزانها

مواطنون في بيروت يلتزمون المسافة الآمنة أثناء اصطفافهم للخدمات (أ.ب)
مواطنون في بيروت يلتزمون المسافة الآمنة أثناء اصطفافهم للخدمات (أ.ب)
TT

الوباء يحرم المغتربين اللبنانيين من مشاركة أفراح أسرهم وأحزانها

مواطنون في بيروت يلتزمون المسافة الآمنة أثناء اصطفافهم للخدمات (أ.ب)
مواطنون في بيروت يلتزمون المسافة الآمنة أثناء اصطفافهم للخدمات (أ.ب)

لا تقتصر هموم اللبنانيين المغتربين على مطالبة حكومتهم بتأمين رحلات جوية لعودتهم إلى وطنهم لمواجهة تداعيات فيروس «كورونا» المستجد. فبسبب الصعوبات المالية الناجمة عن أزمة المصارف في لبنان، أو بسبب القلق على صحتهم لوجودهم في مناطق؛ إما موبوءة بالفيروس أو تنعدم فيها وسائل الاستشفاء، كما في الحال في الدول الأفريقية، تصبح بعض هذه الهموم طالعة من أحوال خاصة، لا تتطابق ومفهوم الطوارئ، إلا أن أهميتها قد تشكل علامة فارقة لدى صاحبها، ستبقى تلازمه، تماماً كما الأحداث المفصلية خلال الحرب الأهلية اللبنانية لمن عاشها.
ومصدر هذه الهموم، عجز المقيمين في الخارج عن مواكبة الأحداث السعيدة أو الحزينة لأحبائهم الذين يعيشون في لبنان.
اللبنانية مهى التي تقيم في السعودية، حيث يعمل زوجها، تعيش هذه الأيام فترة قهر لم تعرف لها مثيلاً، طوال حياتها، كما تقول لـ«الشرق الأوسط»، فهي عاجزة عن مشاركة ابنتها الوحيدة فرحتها باستقبال مولودها الأول المفترض أن تلده خلال هذا الشهر. والسبب إقفال المطارات. تحاول مهى البقاء على اتصال مع ابنتها للتخفيف عنها. وتقول: «ابنتي كانت متوجسة أصلاً من وضع طفلها في ظل هذه الظروف الصحية الحرجة، بسبب (كورونا)، ما يجعل دخولها المستشفى بحد ذاته مخاطرة قد لا تكون حميدة النتائج. هذا بالإضافة إلى الخوف من تعقيدات قد تطرأ خلال الولادة. لا سيما أنها تعرضت إلى مشاكل صحية خلال فترة الحمل».
قد تبدو مشكلة مهى تافهة قياساً إلى الخطر الذي يشكله الفيروس الذي وضع الكرة الأرضية في حرب جرثومية لا سابق لها. لكن مثل هذه المعاناة يعيشها الناس في مناطق كثيرة، وهي مشاركة أسرهم لحظاتها الوجدانية المفصلية، التي قد لا تكون سعيدة كنعمة استقبال طفل. فوفاة أحد أفراد العائلة يشكل بدوره مفصلاً مؤلماً لعدد من اللبنانيين المقيمين في الخارج.
ورغم إلغاء غالبية من يودعون فقيداً مراسم العزاء المعهودة في مثل هذه المناسبات، فإن موجبات استحالة السفر تبقى قاسية على مَن يعجز عن الوجود لمواساة أسرته ومشاركتهم مثل هذه اللحظات، إذا حان أجل أي من أفراد عائلته المقربين.
تلك هي حال أشرف الذي يعيش في أستراليا، فقد عجز عن وداع والده الذي توفي إثر أزمة قلبية مفاجئة في طرابلس، قبل نحو الأسبوع. ويقول إن «ما يحرق قلبه هو أنه لم يرَ والده منذ نحو السنة. وهو عجز عن الوقوف إلى جانب والدته وإخوته في هذا الظرف العصيب». ويضيف أن «أسوأ كوابيسي كان فكرة وفاة أحد والدي وأنا بعيد. وقد تحقق هذا الكابوس. ما زاد من شعوري بالغربة واليتم. ولم أعرف كيف أخبر أطفالي بوفاة جدهم».
الكابوس قد يراود اللبنانيين المقيمين بشكل معكوس. وتقول إحدى السيدات التي تعيش بمفردها في إحدى ضواحي بيروت لـ«الشرق الأوسط» إن «أصعب ما يمكن تخيله هو تعرضي إلى حادث أو أزمة صحية خطرة في هذه الظروف. أولادي الأربعة، يعمل كل منهم في دولة. ولا يستطيعون الاهتمام بي. ولا أستطيع تخيل مدى معاناتهم إذا ما ألمّ بي سوء هذه الأيام، أو إذا حانت لحظتي وأنا وحيدة في منزلي، لأنهم ربما لن يعرفوا. وإذا تمكنتُ من إعلامهم، لا يستطيعون شيئاً، ما سيزيد من همومهم وانشغال بالهم عليّ. وهم في الأصل يعاتبونني لأني لم أرضَ أن أترك بيتي بعد وفاة زوجي لأعيش حيث أشاء مع أي منهم، أو أتنقل بينهم، بشرط أن لا أبقى وحيدة. لكني لم أكن أحتمل اقتلاعي من بيتي واستقلاليتي وعاداتي بعد هذا العمر».
هذه السيدة تعيش رعباً آخر فضلاً عن تعرضها إلى انتكاسة صحية، وهو الخروج من منزلها لتأمين احتياجاتها أو الحصول على بعض المال من آلات السحب. أو حتى الاعتماد على خدمات «الديليفري»، لخوفها من التعرض إلى السرقة بسبب إقامتها بمفردها. تلك السيدة عاشت الحرب اللبنانية بكل فظائعها، ولطالما غامرت بتحديها، إلا أنها لم تشعر بهذا الرعب حتى عندما كانت القذائف فوق الرؤوس، وفق قولها.


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.