كتّاب مغاربة: كأننا نخوض معركة من دون أن نغادر السرير

محمود شريح  -  سليمان بختي
محمود شريح - سليمان بختي
TT

كتّاب مغاربة: كأننا نخوض معركة من دون أن نغادر السرير

محمود شريح  -  سليمان بختي
محمود شريح - سليمان بختي

«كأننا نخوض معركة دون أن نبرح السرير»، هكذا عنون الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار، قبل سنوات، أولى قصائد ديوانه «نيران صديقة» (2009)، التي حاكم فيها عصراً «بلا مذاق»، رافضاً هذا العالم «لأنه يرفضنا»، بعد أن تساءل «هل قُدر لهذا العالم – أن يكون على هذه الشاكلة؟ - بعد عصور من الحجَر والنحاس – بعد الروم والمايا – وأحفاد أمازيغ وآشور وجانكيز خان – بعد بابل والفراعنة – بعد تاريخ مديد من الحروب والأنبياء – بعد كل هذه الثورات والأنوار – ننتهي هكذا هجينين وحيارى – بأيدٍ مرفوعة دائماً إلى الهواء – وألسنة عطلها الخدر».
لعله توصيف ينسحب على الوضع الراهن الذي يعيش ويتابع خلاله المغاربة، بشكل عام، والكتاب والمثقفون والفنانون، بشكل خاص، زمن «كورونا»، من بيوتهم، بعد تفشي الوباء عبر العالم، وفرض السلطات المغربية «الحجر الصحي»، مع تأجيل كل التظاهرات الثقافية والفنية من باب الحرص على سلامة المشاركين والجمهور. وكان «بيت الشعر في المغرب»، مثلاً، قد دعا الشعراء المغاربة، بعد تعليق البرامج والفعاليات كافة التي تم تحضيرها لاحتفاليات اليوم العالمي للشعر لهذه السنة، «أن يجعلوا من عُزلتهم الراهنة مناسبة للقاءِ الشعر قرينِ العزلة وتوأمها الشقيق، مُردّدين جميعاً مع نيتشه (سارع إلى عزلتك، يا صديقي). فقد تتيحُ العزلة ما لا يتيحُه الحشد وجحيم الآخر».
وفرضت الوضعية الراهنة على الكتاب المغاربة أن يتعاطوا مع الحالة الراهنة بصيغ متعددة. فمنهم من اختار زيادة منسوب قراءاته وكتاباته، كما هو حال الكاتب محمود عبد الغني، الذي كتب على حسابه بـ«فيسبوك»، «لم أغادر بيتي منذ 13 يوماً، إلا مرة واحدة (...). أعقّم نفسي باستمرار. لا أخالط أحداً. أقرأ وأكتب وأترجم. هذا سلاحي ضد (كورونا)». ومنهم من فضّل «الصمت الصحي» للتعايش مع «الحجر الصحي». ومنهم من توسل ما يشبه السخرية سلاحاً، كما هو حال الشاعر محمد بنطلحة، الذي كتب «عدنا إلى فجر الحضارات: كهوف، وأقبية، ومغارات»، قبل أن يعود، في تدوينة أخرى، ليكتب «دائماً، ولا سيما تحت الحجر الصحي: لدي مكتبة، وليست لدي صيدلية، أتداوى بما أقرأ!؟». في حين كتب الباحث والناقد شرف الدين ماجدولين «قد لا يكون للتفاؤل والتشاؤم معنى اليوم، فالإحساس بحقيقة ما يجري أهم، وهو شعور لا يتساكن مع الرغبة في التعلم أو الإنجاز أو الاستمتاع، وإنما مع رغبة وحيدة هي النسيان... النسيان فقط».
من جهته، كتب الشاعر علي أزحاف «عجيب، كيف تتحول حياة الإنسان، بين يوم وليلة، إلى كنبة»، قبل أن يضيف في تدوينة لاحقة، بأسلوب لاذع اختار أن يحاكم به جانباً من المشهد الشعري المغربي «مع هذا الحجر الصحي المطول، سيكتشف الكثير من الشعراء أنهم من الموهوبين جداً في أشياء كثيرة، إلا الشعر».
وكتب الإعلامي والناقد السينمائي والمسرحي حسن نرايس، من باب التذكير باليوم العالمي للمسرح «كنا السنة الماضية فوق خشبة المسرح أمام جمهور غفير. لكل مقام مقال، والمقام هذه السنة منازلنا. نقدم التحية لكل المسرحيين والجمهور وهم في منازلهم».
أما الشاعر صالح البريني فاختار أن يكتب نصاً مطولاً، تحت عنوان «خطبة العزلة»، مما جاء فيها «أيها الإنسان، كم تحتاج من الوقت لترميم الأعطاب، وتعيد للأرض ما افتقدته من قرون وقرون، وينتشر النور على العالم، بعد هذه الظلمة التي كنتَ سبباً فيها؟».
آخرون، ممن ينشغلون بالتاريخ أو يتوسلونه في كتاباتهم السردية، عادوا إلى درس التاريخ، الذي يحفل بأخبار كثير من الكوارث والأوبئة التي سبق أن ضربت المغرب. بالنسبة للكاتب عبد العزيز آيت بنصالح، الذي يستلهم كتاباته الروائية من أحداث تاريخية مغربية، فـ«يبدو من خلال أخبار التاريخ، أن المغرب قد شهد فترات عصيبة، كان فيها عرضة لما أسماه ابن خلدون الطاعون الجارف، بداية من الفترة المرابطية والموحدية اللتين تنعمان بكتابين نقلا لنا معاناة المغاربة من الطاعون. وفي الفترة المرينية ترك لنا ابن خلدون نصاً مؤلماً وصف فيه الطاعون الجارف. أتذكر منه بعض الكلمات، مثل قوله: غارَق الطاعون المياه في الآبار. وكأنه نادى في الخلق بالانقباض فلبّى بالإجابة. فيه قــَــلّت الأقوات. ومات خلق كثير في سنة 1349. ثم هناك مقال غني بشأن مجاعات وأوبئة شهدها مغاربة القرن السادس عشر لصاحبه روزنبرجر والباحث المغربي حميد التريكي».
وزاد آيت بنصالح، أنه «لوحظ أن للمغاربة سلوك التكافل والتآزر في الأوقات التي اجتاحتهم فيها الأوبئة. وقبل ذلك، كانت العدوى تنتشر بواسطة البراغيث والجردان. وكان أهل الحل والعقد يفرضون ما كان يسمى «الكارَنْتينا»: الحجر. وقد سبق أن وقفتُ على نص بشأن الوباء، فأطلعني على المعلومة التالية: كان الناس يأتون من ضواحي آسفي (إلى مراكش) لغرض واحد فقط: اقتناء الكفن لدفن الموتى».
واختار كتاب وأدباء وفنانون آخرون إطلاق نداء، إزاء ما تتعرض له البلاد ضمن ما يعرفه العالم برمته من اجتياح «فيروس كورونا المستجد»؛ فأعلنوا في هذه المبادرة التي التحق بها العشرات، تثمينهم للإجراءات التي قامت بها السلطات العمومية المغربية لمواجهة انتشار الوباء والحد من اجتياحه، مع دعوتهم كل أفراد الشعب المغربي إلى الالتزام بكل الاحترازات المقررة في هذا الشأن، وخاصة البقاء بالبيت؛ لكونها الوسيلة الوحيدة التي في المتناول اليوم لتجنيب البلاد كارثة صحية خطيرة؛ مع إعلان مساهمتهم في التبرعات الموجهة إلى الصندوق المخصص لتدبير هذا الوباء.
ورأى الموقعون أن خطورة هذه المحنة التي يجتازها المغاربة، تدعوهم إلى «استحضار الروح الوطنية»، التي تقتضي منهم الحرص على الوحدة والتضامن، واعتبار مقاومة الوباء مسؤولية جماعية وفردية، وأولوية الأمة بأجمعها للحفاظ على حياة أفرادها وعلى سلامتهم الصحية. ولتحقيق ذلك، يضيف الموقعون على النداء، فــ«إننا مطالبون جميعاً بتوجيه تضامننا ومساندتنا إلى كل فئات الشعب المغربي وبالخصوص إلى تلك التي توجد بفعل الفقر والهشاشة والبطالة والسكن غير اللائق ضمن الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة بالفيروس». كما لم يفت الموقعين أن يؤكدوا إيمانهم بـ«وجوب تضامن دولي فعال في مواجهة وباء يخترق كل الحدود ويعبر كل القارات»، كما عبروا عن إيمانهم بـ«قدرة العلم على تمكين البشرية من الحلول الصحية والاقتصادية والاجتماعية للخروج من نفق هذه الهزة العنيفة»، وعن أملهم في «انبثاق رؤية جديدة إلى العالم بعد اجتياز الأزمة تقوم أساساً على احترام الحياة في الكوكب الذي نعيش فيه، وعلى إنصاف الإنسان، وتمكينه من شروط العيش الكريم».



حفل لإحياء تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب بالأوبرا المصرية

تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)
تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)
TT

حفل لإحياء تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب بالأوبرا المصرية

تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)
تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)

في إطار استعادة تراث كبار الموسيقيين، وضمن سلسلة «وهّابيات» التي أطلقتها دار الأوبرا المصرية، ممثلة في عدة حفلات لاستعادة تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب، يستضيف مسرح معهد الموسيقى العربية حفلاً جديداً لتقديم أعمال الموسيقار الراحل.

ويأتي هذا الحفل ضمن خطة وزارة الثقافة المصرية لإعادة إحياء التراث الفني، حيث تقيم دار الأوبرا برئاسة الدكتورة لمياء زايد، حفلاً تُحييه الفرقة القومية العربية للموسيقى، بقيادة المايسترو حازم القصبجي لاستعادة تراث عبد الوهاب.

وفق بيان للأوبرا المصرية، يتضمن الحفل مجموعة من أعمال الموسيقار، التي تغنى بها كبار نجوم الطرب في مصر والوطن العربي، ومن بينها «لا مش أنا اللي أبكي»، و«يا خلي القلب»، و«سكن الليل»، و«الحب جميل»، و«تهجرني بحكاية»، و«توبة»، و«هان الود»، و«خايف أقول اللي في قلبي»، و«أيظن»، و«القريب منك»، و«كل ده كان ليه»، يقوم بغنائها آيات فاروق وإبراهيم رمضان ومي حسن ومحمد طارق.

وأوضح البيان أن سلسلة حفلات «وهابيات»، والتي تقام بشكل دوري، في إطار دور الأوبرا، تهدف إلى تنمية الذوق الفني في المجتمع، وتعريف الأجيال الجديدة بتراث الرموز الخالدة وروائع الموسيقار محمد عبد الوهاب.

حفل وهابيات لاستعادة أعمال موسيقار الأجيال (دار الأوبرا المصرية)

ويعدّ عبد الوهاب من أهم الموسيقيين العرب، وقد وُلد في حي باب الشعرية الشعبي بوسط القاهرة عام 1898، والتحق بفرق غنائية وموسيقية ومسرحية في بداية القرن العشرين، وعُرف بقربه من فنان الشعب سيد درويش، وشارك في فرقته المسرحية وعمل في مسرحيتي «الباروكة» و«شهر زاد»، وفق المعلومات الببليوغرافية في متحف محمد عبد الوهاب بمعهد الموسيقى العربية.

وعدّ الناقد الموسيقي المصري أحمد السماحي «إحياء التراث وسلسلة (وهّابيات) من الأدوار المهمة التي تقوم بها وزارة الثقافة ممثلة في دار الأوبرا المصرية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا التقليد ليس مصرياً فقط، ولكن عربياً وعالمياً، فكبار الموسيقيين العالميين مثل بيتهوفن وباخ وموتسارت يتم استعادة أعمالهم للأجيال الجديدة»، مضيفاً: «هذا التقليد مهم؛ لأن الأجيال الجديدة لا تعرف رموز الغناء والموسيقى، وأتمنى من الأوبرا أن تعيد أيضاً إحياء تراث كبار المؤلفين الموسيقيين، بداية من ميشيل يوسف وأندريه رايدر وفؤاد الظاهري وميشيل المصري، هؤلاء وغيرهم نحتاج إلى الاستماع لأعمالهم ليتعرف عليهم الأجيال الجديدة».

وعمل عبد الوهاب بالغناء والتمثيل إلى جانب التلحين، وغنى له كبار نجوم الطرب من أجيال مختلفة، ومن بينهم أم كلثوم وليلى مراد وفيروز وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وشادية ووردة، وقدم عدداً من الأفلام ذات الطابع الغنائي مثل «الوردة البيضاء»، و«يحيا الحب»، و«يوم سعيد»، و«رصاصة في القلب».

وتابع الناقد الموسيقي أنه «كما يتم إحياء تراث كبار المطربين والموسيقيين مثل عبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش ومحمد فوزي وغيرهم، أتمنى أيضاً إحياء تراث كبار المؤلفين والموزعين الموسيقيين؛ لأن ما قدموه يعدّ أحد الروافد التي تغذي الروح والوجدان في ظل الصخب الغنائي الذي نعيشه حالياً».

وحصل عبد الوهاب على العديد من الأوسمة والتكريمات، خصوصاً بعد قيامه بتوزيع النشيد الوطني لمصر، كما لحن النشيد الوطني الليبي في العهد الملكي، وحصل على وسام الاستحقاق من الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وعلى الجائزة التقديرية في الفنون عام 1971.

يشار إلى أن عبد الوهاب رحل عن عالمنا في 4 مايو (أيار) عام 1991 عن عمر ناهز 93 عاماً، وودعته مصر في جنازة عسكرية؛ تقديراً لقيمته الفنية وإبداعاته التي امتدت على مدى أجيال.