{كورونا»... ثقافة الوباء العشوائية

{كورونا»... ثقافة الوباء العشوائية
TT
20

{كورونا»... ثقافة الوباء العشوائية

{كورونا»... ثقافة الوباء العشوائية

كأي ظاهرة طبيعية تصيب الإنسانية، يظل الوباء مصدراً للإلهام الأدبي وأحد روافد تفعيله، وهو ما نتذكره اليوم عبر الأدبيات الكلاسيكية؛ كرائعة بوكاشيا المعنونة بـ«دي كاميروني» في القرن الرابع عشر، التي تدور إبان انتشار الطاعون؛ وفي القرن العشرين، يتربع في أذهاننا الروائي الفرنسي ألبير كامو برائعته العالمية «La Peste» التي درجنا على تسميتها «الطاعون»، وما نسجه من علاقة بين أبطال هذه الرواية، وتفاعلهم في أثناء انتشار الطاعون في مدينة وهران الجزائرية. وهنا، يوظف الأديب الوباء، وآثاره الإنسانية والاجتماعية والسياسية على المجتمعات، ويعبر عنها من خلال نسيج تفاعلي يضع فيه هذه الرؤى المختلفة، ويبرز المفاهيم التي يسعى لإبرازها.
وقد كانت هذه هي الرؤية التقليدية شبه الوحيدة لثقافة الأوبئة، ولكن مع ظهور وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، ودخول جائحة «الكورونا» الحالية على الخط، يبدو أن هناك نوعاً من الثقافة الاجتماعية العشوائية التي نلحظها جميعاً، وليس من خلال خيال الروائي أو الأديب، لأننا نستقيها من المجتمع وأفراده مباشرة، وهي الظاهرة التي يمكن أن نغامر بتسميتها «الثقافة العشوائية للوباء»، والتي من خلالها يقوم الفرد أو المجتمع بنهج رؤية، غير موضوعية في كثير منها، لمحاولة إما فهم هذا الوباء أو مواجهته أو حتى التأقلم معه، ولكن الأخطر من ذلك يظل السعي لتوظيف الوباء لأهداف مفاهيمية مرتبطة بآيديولوجيات.
حقيقة الأمر أن المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي لن تخفى عنه هذه الظاهرة، ولكن وضعها في أنماط يظل مسألة غير سهلة، غير أنه يمكن استشفاف الأنماط التالية:
أولاً: بزوغ نمط علمي يسعى لمحاولة معرفة الأسباب الطبيعية للجائحة، ومحاولة شرحها وتبسيطها للعامة، وهو في حقيقة الأمر تيار منطقي يأخذ بالأسباب، وهدفه في النهاية المصلحة العامة.
ثانياً: فريق يعمل على توظيف الوباء ليعكس أو يوظف تفسيرات دينية. ففي مطلع الجائحة، فوجئنا ببعضهم يُسخرها على أنها غضب إلهي على دولة محددة، وهنا فُسرت الإرادة الإلهية ممن لا يملك اتصالاً، أو حتى علماً، بقدرة وأهداف المولى -عز وجل. وسرعان ما انكشف هذا التيار، عندما وصلت الجائحة إلى بلاد الإسلام. وهنا، اضطر أصحاب هذا التيار لتغيير الخطاب، بعد ثبات خطئه، وثبوت توليفة الجهل بالدين والعلم معاً. ولم يجد هذا التيار أمامه إلا أحد نجدين: إما الصمت وإما مزيداً من التفلسف، فأدخلونا في الوجه التقليدي للمتفلسفين ممن وردوا في كتب التراث التاريخي، وذلك باعتبار الجائحة عقاب من المولي -عز وجل- لأننا بعدنا عن جوهر الدين، وهي حجة زائلة استخدموها من قبل، في التاريخ الإسلامي والمسيحي على حد سواء، ونرد فقط بالتذكير بأن أمين الأمة أبى عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- مات في طاعون الشام.
ثالثاً: ظهور تيار مُسيس يسعى لمحاولة تعظيم الاستفادة لمعتقد سياسي لديه، وهم كُثر في كل بقاع العالم. فبعضهم سعى لتوظيف الجائحة لضرب بزوغ الدولة الصينية، وبعضٌ سعى لتكريسه لمحاولة النيل من أنظمة سياسية قائمة في الغرب والشرق، وبعضٌ عمل على استهداف شخصيات سياسية في كل أنحاء المعمورة، وبعضٌ تفرغ لمحاولة الاصطياد السياسي في الماء الفيروسي العكر.
رابعاً: ظهور تيار ما يمكن تسميتهم «المتآمرين الجدد»، فلم يخل تاريخ الإنسانية ممن يبررون الظواهر، حتى لو كانت طبيعية متكررة، على أنها مؤامرة محلية أو كونية كبرى. ومع اقتناعنا بأن التطور العلمي والتكنولوجي يثبت إمكانية تهجين الفيروس، فإن استخدام الدول لمثل هذا السلاح البيولوجي أو الكيميائي له أركانه، وأهم هذه الأركان عدم استخدام سلاح للأضرار بالخصم بشكل يكلفني النفس والنفيس، وهذه أبسط قواعد الحرب. ومع ذلك، نجد فريقاً يروج لهذا التيار ينجذب له لأنه ببساطة شديدة يداعب خيالنا، ويقدم لنا مغامرة فكرية قد لا تقدمها التفسيرات العلمية الأخرى، فضلاً عن كونه مشوقاً للغاية.
خامساً: ظهور ما يمكن تسميتهم «الفريق الفكاهي»، وهو منتشر للغاية عبر أدوات التواصل. فقد استطاع الإنسان بغريزته الطبيعية أن يحول المعاناة إلى ابتسامة، والحزن لفرحة مؤقتة، على نحو المثل العربي الشهير: «شر البلية ما يضحك». وقد تفنن كثيرون في استخلاص البهجة من الألم، ولا يمكن إخفاء تفضيلنا لهذا التيار لأنه يرفه عنا في الشدة.
سادساً: ظهور ما يمكن تسميتهم «تيار المعارضين»، أي الرافضين لكل شيء، وكل إجراء تعلنه الحكومات، مبررين ذلك إما بأن العالم على ضلالة طبية، أو لأنهم فاقدي الثقة في إدارة المجتمعات، ولكنهم في حقيقة الأمر لا يقدمون لنا البديل؛ فقط الاكتئاب وضعف الرجاء.
سابعاً: «فريق المتواكلة»؛ أي من يرفضون فعل شيء، ويتجاهلون الطب والعلم والوقاية، تحت حجة أن مصير البشرية بيد المولي -عز وجل- أو بيد الطبيعة. ومن ثم، غياب سبب الوقاية من الأساس، وهو تيار خطير لأنه يرمي الإنسان في أحضان التهلكة، ولكن أغرب ما فيه هو ثقة بعض أفراد هذا التيار الذين يعتزون ببناء مجد جهلهم بأيديهم.
وواقع الأمر أن هذه الأنماط، بما تحمله من رؤى العقل والفكاهة والتخلف والتعصب والوسطية والاستنارة وغيرها، هي إفرازات بشرية تلقائية، يظل منبعها هو إنسانيتنا التي هي أعظم هبة من المولي -عز وجل- إلينا، لا نشعر بعظمتها وقيمتها إلا مع تهديدها. فهكذا كان البشر، وهكذا سيظلون.



أسامة المسلم يكشف عن مشاريع فنية وسينمائية قادمة مستوحاة من رواياته

أسامة المسلم: الأدب سيظل نافذتنا الأولى لفهم العالم (معرض أبوظبي للكتاب)
أسامة المسلم: الأدب سيظل نافذتنا الأولى لفهم العالم (معرض أبوظبي للكتاب)
TT
20

أسامة المسلم يكشف عن مشاريع فنية وسينمائية قادمة مستوحاة من رواياته

أسامة المسلم: الأدب سيظل نافذتنا الأولى لفهم العالم (معرض أبوظبي للكتاب)
أسامة المسلم: الأدب سيظل نافذتنا الأولى لفهم العالم (معرض أبوظبي للكتاب)

كشف الروائي السعودي أسامة المسلم عن قرب إطلاق مسلسل مقتبس عن روايته الشهيرة «بساتين عربستان»، كما كشف عن التحضير لمسلسل آخر مستوحى من رواية «خوف»، إضافةً إلى بدء تصوير فيلم رعب جديد بعنوان «جحيم العابرين»، كما كشف عن مشروعين سينمائيين آخرين بالتعاون مع مجموعة (MBC).

المسلم كان يتحدث في ندوة بعنوان «من صفحات الرواية إلى الواقع: كيف تلهمنا القصص وتشكِّل مسارات حياتنا؟»، ضمن أمسيات فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية، وقدّم الندوة عبد الله الرئيسي وسط حضور كبير من عشاق الأدب والفانتازيا.

وأعلن المسلم عن قرب إطلاق مسلسل مقتبس عن روايته الشهيرة «بساتين عربستان»، مشيراً إلى أنه جرى بالفعل تصوير عشر حلقات منه قبل اتخاذ قرار بتحويله إلى فيلم فانتازي متوقَّع صدوره أواخر هذا العام.

كما كشف عن عمله على مسلسل آخر مستوحى من رواية «خوف»، إضافةً إلى بدء تصوير فيلم رعب جديد بعنوان «جحيم العابرين» في الشهر السادس من هذا العام.

وأكد أنه يعمل كذلك على مشروعين سينمائيين آخرين بالتعاون مع مجموعة «MBC»، مشدداً على أن «التحضير للكتابة وصناعة النص أصعب بكثير من عملية التنفيذ»، لما يتطلبه من عمق وبناء محكم للشخصيات والعوالم السردية.

وفي سياق الحديث عن الأدب والذكاء الاصطناعي، قال أسامة المسلم: «لا أرفض أي شيء جديد. الذكاء الاصطناعي اختراع بشري، لكنه يفتقر إلى اللمسة الإنسانية». مؤكداً أن «نكهة الكاتب» تظل ميزة الأدب الحقيقي، مشيراً إلى أن النقص الإنساني أحياناً ما يكون سر الجمال في الإبداع.

وأكد المسلم أن الأدب سيظل نافذتنا الأولى لفهم العالم، وأن الخيال، مهما تطورت التكنولوجيا، سيبقى فعلاً إنسانياً خالصاً لا غنى عنه.

وفي إجابة عن سؤال حول أهمية الراوي، أجاب المسلم بتساؤل لافت: «هل المتعة مهمة؟»، مؤكداً أن الأدب يمنح القارئ فسحةً للتنفس اليومي، بالإضافة إلى إثرائه بالمعرفة وتوسيع آفاق التجربة الإنسانية.

وعن تجربته في بناء الشخصيات، قال المسلم: «ليس هناك مصدر واحد؛ أحياناً تكون معالجة لواقع آخر، وأحياناً تكون خيالاً صرفاً»، موضحاً أن تنوع مصادر الإلهام كان وراء إبداعه لأكثر من 32 إصداراً أدبياً.

وحول طقوسه الخاصة في الكتابة، كشف عن التزامه بالهدوء والعزلة، وحرصه على الكتابة في غرفة ذات إضاءة خافتة وعلى معدة خالية من الطعام، مما يخلق له بيئة مثالية للتركيز والابتكار.

وعن روايته الأشهر «خوف»، قال المسلم إن الخوف غريزة إنسانية يجب توظيفها قوة دافعة لا اعتبارها مصدر شلل، مؤكداً أن الرواية تتيح للقراء معايشة مصائر وتجارب متعددة في حياة واحدة.