الفلسطينيون يحيون «يوم الأرض» بفعاليات رقمية ورمزية

تجمع محدود للفلسطينيين في «يوم الأرض» أمس على الخط الفاصل بين غزة وإسرائيل (رويترز)
تجمع محدود للفلسطينيين في «يوم الأرض» أمس على الخط الفاصل بين غزة وإسرائيل (رويترز)
TT

الفلسطينيون يحيون «يوم الأرض» بفعاليات رقمية ورمزية

تجمع محدود للفلسطينيين في «يوم الأرض» أمس على الخط الفاصل بين غزة وإسرائيل (رويترز)
تجمع محدود للفلسطينيين في «يوم الأرض» أمس على الخط الفاصل بين غزة وإسرائيل (رويترز)

أجبر فيروس كورونا، الفلسطينيين، على إقامة تظاهرات وفعاليات رقمية ورمزية بمناسبة «يوم الأرض»، متجنبين التجمعات التي جرت عليها العادة في مثل هذا اليوم.
واكتفى الفلسطينيون بإطلاق تظاهرات إلكترونية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ورفعوا أعلاماً على منازلهم، وغنوا النشيد الوطني الفلسطيني في بعض التجمعات، فيما ألغوا مسيرة مليونية كانت مقررة في قطاع غزة، وكان يفترض أن تتحول إلى مناسبة للاشتباك مع الجنود الإسرائيليين على الحدود.
وأكد الفلسطينيون تمسكهم بأرضهم، مقاومين للاحتلال ولفيروس كورونا في الوقت نفسه. وقال صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إن «فلسطين تعيش اليوم بين وباءَين: فبينما يواجه شعبنا كله فيروس كورونا، ويناضل من أجل التخلص من هذه الجائحة للحفاظ على الحياة البشرية، باعتبارها الشرط الأول لكل ما عداه، فهو بالتصميم نفسه يواجه جائحة الاحتلال الاستعماري بروح متوثبة وعزيمة عصية على الانكسار».
وقالت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إن القيادة والشعب مصرون على المضي قدماً في المقاومة الشعبية، لتجسيد حقوقنا الوطنية المشروعة، مطالبة «أبناء شعبنا في هذه المرحلة العصيبة التزام المنازل، واستخدام جميع وسائل الحماية الصحية التي أقرتها رئاسة الوزراء الفلسطينية، وتكثيف التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، والقيام بحملات تخاطب شعوب العالم، وتذكر بهذا اليوم الذي رسخ معاني الصمود، وتدحض الروايات المشبوهة والمزورة التي يبثها الاحتلال، وتفشل محاولاته العبثية لاقتلاعنا من أرضنا ومحونا من سياق التاريخ».
وقالت الفصائل الفلسطينية، بما فيها «فتح» و«حماس» و«الجهاد»، إنها متمسكة بالأرض، وبمقاومة إسرائيل.
ويحيى الفلسطينيون في الثلاثين من مارس (آذار)، كل عام، ذكرى «يوم الأرض»، الذي تعود أحداثه إلى عام 1976، بعد استيلاء سلطات الاحتلال على نحو 21 ألف دونم من أراضي قرى فلسطينية في الجليل، ومنها عرابة، وسخنين، ودير حنا، وعرب السواعد، وغيرها، لصالح إقامة المزيد من المستوطنات، في نطاق خطة تهويد الجليل، وتفريغه من سكانه، وهو ما أدى إلى إعلان الفلسطينيين الإضراب العام في يوم الثلاثين من مارس، الذي تحول إلى مواجهات أسفرت عن استشهاد 6 فلسطينيين، وإصابة واعتقال المئات.
وعادة يحيي الفلسطينيون هذا اليوم بمظاهرات ومسيرات ضخمة، لكن فيروس كورونا ألزمهم بيوتهم هذه المرة. وأطلق الفلسطينيون في الضفة وسوما على مواقع التواصل الاجتماعي، ورفعوا أعلاماً من على شرفات المنازل، وغنوا من على أسطح منازلهم للوطن.
وفي قطاع غزة، ألغت الفصائل الفلسطينية مسيرة مليونية التزاماً بحالة الطوارئ. ودعت الهيئة الوطنية لـ«مسيرات العودة»، الفلسطينيين، للاكتفاء برفع وإطلاق الأعلام الفلسطينية في سماء الوطن، وحرق علم الاحتلال الصهيوني، فيما توقفت حركة السير بالمحافظات لمدة 5 دقائق، وصدحت التكبيرات من المساجد وقرعت أجراس الكنائس.
واتفقت الجهات المسؤولة في الضفة وغزة على إطلاق حملة وطنية للتعقيم بكل محافظات الوطن وهي حملة شبه يومية. وقدم خالد البطش رئيس الهيئة الوطنية لـ«مسيرات العودة»، ومواجهة الصفقة، في مؤتمر صحافي بمناسبة «يوم الأرض»، التحية لشهداء «يوم الأرض» الخالد وشهداء «مسيرات العودة». ودعا إلى إنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني واستعادة الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحرجة.
وفي الداخل، أحيا الفلسطينيون، لأول مرة، منذ 44 عاماً، الذكرى، بالالتزام بالمنازل ورفع صور الشهداء على أسطحها، بدلاً من النزول إلى الشوارع في المسيرة السنوية، بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد.
وزار عدد قليل من المندوبين أضرحة شهداء «يوم الأرض» في سخنين وعرابة، ووضعوا الزهور عليها، وقرأوا الفاتحة على أرواحهم، نيابة عن الجماهير، بتعليمات من لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل.
وتحولت المظاهرة السنوية إلى تظاهرة إلكترونية رقمية على الإنترنت عبر توحيد غلاف صفحات موقع التواصل الاجتماعي، فيما أطلق نشيد «موطني» من على أسطح المنازل بشكل موحد.
وقال رئيس لجنة المتابعة محمد بركة، إن اللجنة، بالتوافق مع كل الفصائل الفاعلة على الساحة الفلسطينية، قررت إحياء ذكرى «يوم الأرض»، بشكل موحد، في كل تجمعات الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات والجاليات والداخل، «إلا أن الأوضاع التي فرضها انتشار جائحة (كورونا) على البشرية، ما يحول بيننا وبين تنظيم أي نشاطات جماهيرية واسعة، لذلك أطلقنا حملة رقمية على الإنترنت، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي تشمل: حدثاً على (فيس بوك) وتغييراً لصورة البروفايل في قالب موحد، والبث المباشر على الصفحات الشخصية لما نقوم به في كل بيت فلسطيني، بالإضافة إلى رفع أعلام فلسطين على الأسطح أو النوافذ وإطلاق نشيد (موطني)».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.