«المواطن رقم 4».. أكثر من فيلم ذكي

يدور حول إدوارد سنودن المتعاقد السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية

إدوارد سنودن في فيلم «المواطن رقم 4»
إدوارد سنودن في فيلم «المواطن رقم 4»
TT

«المواطن رقم 4».. أكثر من فيلم ذكي

إدوارد سنودن في فيلم «المواطن رقم 4»
إدوارد سنودن في فيلم «المواطن رقم 4»

وقف الشاب النحيف، ذو المظهر المسالم، مع بشرة رمادية وهالات داكنة احتلت ما أسفل عينيه، يفحص نفسه في مرآة غرفته الفندقية في هونغ كونغ، حيث كان يتخذ منها مخبئا له لما يزيد على الأسبوع. وكانت شاشة التلفاز بجواره تقدم عرضا لمادة عدت رائدة القصص الإخبارية العالمية: تم الكشف عن هوية المسؤول عن تسريب المعلومات الاستخباراتية الأميركية أخيرا. كان مرتديا بذلة وقميصا أسودين، وضخ الكثير من «جل» الشعر فوق رأسه، بينما كانت ماكينة حلاقته الكهربائية تقضي على ما تبقى من شعر ذقنه، وتتابع عينيه ذات العدسات اللاصقة - كل ذلك من كثب – ثم جاءت تلك المظلة المفتوحة فوق رأسه – في محاولة لإخفاء مظهر الرجل كما يبدو على الشاشة، وذلك حتى يتسنى له التسرب من دون أن يلاحظه أحد.
قد نغفر لك إذا ما ظننت أنه مشهد لأحد أفلام الجاسوسية من إنتاج هوليوود، ولكنه في الواقع مشهد لفيلم المخرجة لورا بواترا الوثائقي بعنوان «المواطن رقم 4»، وهو الفيلم الذي يوثق للمواطن الأميركي إدوارد سنودن، المتعاقد السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية، الذي تحول إلى أحد المبلغين عن التجاوزات، حيث كشف عن أنشطة المراقبة المتوسعة للحكومة الأميركية وذلك من خلال اثنين من محركات الأقراص المحمولة (فلاش ميموري) المهربة من موقع عمله في هاواي بالاتفاق مع صحيفتين لعرض محتويات الأقراص، بما فيهما صحيفة «الغارديان» البريطانية.
يزيد محتوى تلك الوثائق السرية، التي انتشرت على نطاق واسع، على المليون وثيقة: فقد خضعت 9 مؤسسات للإنترنت للاستغلال من قبل وكالة الأمن القومي الأميركية، ومن بينها موقع «فيسبوك»، وموقع «ياهوو»، وموقع شركة مايكروسوفت، و«غوغل»، كان يجري كذلك جمع بيانات الهواتف الخاصة بكل مواطن أميركي تقريبا من خلال شركات الاتصالات الكبرى، وقد تعاونت الكثير من الحكومات في جمع رسائل البريد الإلكتروني، والمحادثات المرئية عبر الفيديو، والمحادثات النصية، ورسائل البريد الصوتي للمواطنين الأميركيين والأجانب على حد سواء... والقائمة كبيرة وممتدة. أثارت تلك التسريبات موجة من الذعر لما يمكن أن تصل إليه سلطات الحكومات، وأشعلت كذلك حالة من النقاش الحاد حيال مسألة الأمن القومي مقابل الخصوصيات الشخصية.
وعلى العكس من ذلك، ووفقا لبيان صادر عن 3 من كبار قادة الاستخبارات البريطانية، فإن الإرهابيين ومن بينهم تنظيم القاعدة، كانوا «يفركون أيديهم من الغبطة والسرور» بكشف تكتيكات الجاسوسية الأميركية أمام العوام.
لم يكن الكثيرون يعرفون، ولأسباب جدا متباينة، ماذا يقولون عن سنودن، الموظف السابق بوكالة الاستخبارات الأميركية ولدى شركة بووز آلان هاميلتون من قبل، حينما صار محط الاهتمام العام في شهر يونيو (حزيران) من عام 2013. فهل يعد نرجسيا مع زميله جوليان أسانج؟ أم كل كان يسعى وراء الانتقام من رفاقه الموظفين وزملائه السابقين؟ أو لعله حقا، كما يوحي فيلمه الوثائقي، قد تخلى عن عائلته وحياته السابقة من أجل مجتمع أفضل؟ إنه يقول في بداية الفيلم «خشيتي من أن عالم اليوم مهووس بالشخصانية. فلا أريد أن أتحول إلى أقصوصة».
بطريقة ما، تثير الصورة القريبة التي يعرضها فيلم «المواطن رقم 4» لسنودن ورحلته إلى أغوار المجهول، الكثير من التساؤلات حوله أكثر مما تجيب. تقول المخرجة لورا بواترا خلال فعالية عرض الفيلم أخيرا في معهد لندن للفنون المعاصرة: «إنني لا أحاول رواية القصة الكاملة أو استقصاء المجال بالكامل. إن جل اهتمامي يدور حول مقدار استعداد أولئك الأشخاص للمخاطرة بكل شيء». ومع ذلك، فإن المخرجة بواترا - التي هي نفسها قد أدرجت على قوائم لمراقبة الحكومية عقب ترشيح فيلم لها لنيل جائزة الأوسكار في عام 2006 بعنوان «موطني، موطني»، ويدور حول الاحتلال الأميركي للعراق - لم تفعل الكثير خلال فيلمها من أجل التحقق من دوافع سنودن.
تلقى الجمهور الفيلم بصورة مختلفة تماما قبل محاولة إدوارد سنودن الاتصال مع بواترا في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2013 (بعد مشاهدته فيلم بواترا حول المبلغ والموظف المخضرم السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية ويليام بيني)، مستخدما خدمة مشيفرة للبريد الإلكتروني واسما مستعارا كان «المواطن رقم 4» الذي صار عنوان الفيلم بعدئذ. وتقول بواترا: «قطعنا أجزاء كبيرة من الفيلم قبل اتصال سنودن بنا. وكنا جمعنا الكثير من المشاهد حول مواضيع مشابهة». بعد بضع مراسلات في الفيلم – ظهرت في صورة رسائل بالأبيض والأسود – طلب سنودن من بواترا وغلين غرينوالد الصحافي بـ«الغارديان» زيارته في أحد فنادق هونغ كونغ. ولقد تقابلوا في سرية، وكتب سنودن يقول: «سيكون في يدي مكعب روبيك، فاقتربوا مني واسألوني عن صالة الفندق». تجسدت كل تبادلات أفلام الجاسوسية المذكورة - في ما لا يقل عن نصف ساعة خلال الفيلم – في مظهر سنودن.
قدم إلينا متعاقد تكنولوجيا المعلومات البالغ من العمر (29 سنة) جالسا، على نحو مربك، على طرف سريره مرتديا قميصا أبيض وسروالا من الجينز. وفي ذلك المشهد الاعتيادي، الذي يستأثر بالجانب الأكبر من وقت الفيلم، كان المكان الذي ناقش فيه سنودن مع غرينوالد – وكان أول من كتب عن القضية - وفي وقت لاحق مع أوين ماكاسكيل مراسل صحيفة «الغارديان»، كيف سيطرحون المواد السرية على صفحات الجريدة عبر 8 أيام.
تزايد التوتر بوتيرة بطيئة مع تصاعد حدة التسريبات. هناك قدر من التوتر أيضا في كل مرة يكشف للفريق، حال عبثهم بالأقراص والأسلاك والحواسيب المحمولة، عن كل الطرق التي يمكن من خلالها إمكانية وضعهم تحت المراقبة أو التسجيل لهم. وضعت تلك المقابلة الحادة المشوبة بالشكوك والتوتر الجميع على حافة أعصابهم. وحينما سئل سنودن عن مستويات التوتر لديه، أجاب بأنها على ما يرام، غير أن «كل شيء قد يتغير فجأة بمجرد عبور القوم باب غرفته». ولذلك، تغلي أعصاب الرجل مع تقدم العمل في الفيلم، ولكن سنودن ثابت على موقفه من تنفيذ خطته حتى مراحلها الأخيرة. ويقول عند أحد المواضع، في إشارة منه إلى توضيح عزمه الأكيد «إنها ليست قضاياي الخاصة، إنها قضايا الجميع».
يتمتع الفيلم أيضا بروح من الدعابة بفضل لحظاته المحرجة، على سبيل المثال وعند نقطة ما، يختفي سنودن وراء قطعة حمراء من القماش لحماية نقراته على لوحة المفاتيح من عيون الكاميرات. وبقدر التوتر الذي لاحقهم عند هذه النقطة، فإن تلك الصورة العجيبة لرجل تلاحقه السلطات تثير موجات متتالية من الضحك من جانب الجمهور. عقب الكشف عن هويته للعالم في التاسع من يونيو عام 2013، اضطر طاقم العمل إلى الانفصال فترة طويلة، حيث قفلت بواترا عائدة إلى بريطانيا وعاد غرينوالد إلى ريو. وصورت مشاهد الفيلم الأخيرة في روسيا حيث يعيش سنودن حاليا مع ليندسي.
يوفر الفيلم الوثائقي نظرة متفحصة ورائعة حول الأحداث وحول الرجل الذي يقف خلف أكبر تسريب يشهده تاريخ الاستخبارات. نجحت بواترا في استخلاص التوتر والدراما من الموقف. وبكل تأكيد، حال الخروج من دار العرض، لا نستطيع طرد الشعور بأننا تحت المراقبة. وقبل مشاهدة فيلم «الموطن رقم 4»، مع ذلك، فمن باب النصيحة لأي مشاهد أن يذكر نفسه بحقائق القضية، وذلك فقط من أجل التأكد أن الانطباع اللازم إزاء واحدة من كبرى فضائح الاستخبارات في التاريخ ليس مجرد فيلم ذكي جرى إخراجه للجمهور.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».