رجال الأعمال في تونس يصطدمون مع الحكومة

رفضوا تحمل فاتورة الشلل الاقتصادي والاجتماعي وحدهم

TT

رجال الأعمال في تونس يصطدمون مع الحكومة

انتفض الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال) في وجه حكومة إلياس الفخفاخ التي هددت باتخاذ إجراءات من جانب واحد في حال امتنعت المؤسسات الاقتصادية الكبرى عن دعم جهود الدولة في تجاوز حالة الشلل الاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به تونس. ودعا سمير ماجول، رئيس مجمع رجال الأعمال، إلى رفض «أي محاولة للمساس بمبادئ الملكية الخاصة وبحرية المبادرة بأي شكل من الأشكال»، وعدم دعم أية محاولة لتحمل رجال الأعمال وحدهم العواقب الاقتصادية لأزمة فيروس «كورونا». ودافع ماجول عن المؤسسات الاقتصادية ورسم خطوطاً حمراء، وقال إن رجال الأعمال لن يقبلوا بتجاوزها، وهي ألا يتحملوا بمفردهم التكلفة الاقتصادية لتداعيات الوباء، ولن يقبلوا أيضاً بتلويح الحكومة إلى فرض إجراءات من جانب واحد، إن رفضت مؤسسات اقتصادية خاصة المساهمة في دعم جهود الدولة.
ويشغّل القطاع الخاص في تونس أكثر من مليوني شخص، ويساهم بقسط وفير في الاستثمار والتصدير والتنمية، كما يوفر الاكتفاء الذاتي في مجالات التغذية والأدوية والصحة والنظافة، وهي قطاعات تمثل أسساً مهمة للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني، خاصة في مثل هذه الظروف الطارئة. وفي هذا الشأن، قال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن مجمع رجال الأعمال لا ينظر إلى هذه الفترة الاستثنائية بمختلف تبعاتها وتداعياتها بل ينظر بعيدا إلى ما تبقى من السنة الحالية وكيفية تعامل الحكومة مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي بعد أن أغدقت الوعود وخصصت اعتمادات ضمن الميزانية لتطويق الأزمة الحالية. وأضاف العرفاوي أن الحكومة قد تلجأ لاحقاً إلى مزيد من الضرائب على رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات الاقتصادية لسد الثغرة المالية الحاصلة لديها، وهو ما يخشاه مجمع رجال الأعمال، لذا فقد استبق الأحداث لتحذير الحكومة من اتخاذ إجراءات أحادية الجانب ستزيد من إثقال كاهل المؤسسات.
ووفق مراقبين يبدو أن رجال الأعمال أرادوا من خلال هذا الموقف تحديد مجال نفوذهم وآفاق تعامل الحكومة معهم ومحاولة دفعها نحو تخفيف الأعباء عنهم، والأهم من ذلك رفع سقف المطالب لجر كل الأطراف إلى إقرار إصلاحات كبرى يتحمل الجميع تبعاتها. وكان مجمع رجال الأعمال قد انتقد بشدة تكلفة القطاع العام والوظيفة العمومية على الدولة على مستوى الأجور وكذلك دعم المؤسسات الحكومية الخاسرة، وهو بذلك يدفع الحكومة نحو إعادة النظر في كيفية معالجة اختلال الموازنة بالعودة إلى مجالات صرفها المباشر المتمثل في كتلة الأجور الضخمة - نحو 15 في المائة من ميزانية الدولة - والمؤسسات العمومية.
في غضون ذلك، طالب سامي الطاهري المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) بضرورة إلغاء تراخيص التنقل للفلاحين وتجار المنتجات الغذائية لمجابهة الاحتكار ونقص المواد خلال هذه الفترة. كما دعا إلى ضرورة تمديد فترة فتح أسواق البيع بالجملة وفتح الأسواق الأسبوعية التي تم تحجير تنظيمها منذ منتصف الشهر الحالي مع تمكين البلديات والهياكل الصحية والتجارية المختصة من الإشراف عليها.
وتتزامن هذه الدعوة مع موقف مجمع رجال الأعمال الداعي إلى عدم تحميلهم أعباء الفترة الاستثنائية الحالية، وهو ما جعل متابعين للشأن السياسي في تونس يتوقعون انتفاضة مشتركة من اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة، في حال فشلت الحكومة في السيطرة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، خاصة إثر انقشاع الوباء وظهور فاتورة الشلل الذي ضرب تونس وبقية دول العالم.
وكانت الحكومة قد أعلنت تخصيص مبلغ 2500 مليون دينار تونسي (نحو 833 مليون دولار) من ميزانية الدولة لتوفير النفقات المختلفة التي ستترتب عن تفشي فيروس «كورونا» أبرزها نفقات القطاع الصحي ونفقات مساعدة المؤسسات الاقتصادية المتضررة من الحظر الصحي الشامل إلى جانب النفقات الاجتماعية الموجهة للفئات الأكثر تضررا، غير أنها لم تعلن عن مصادر تمويل هذه النفقات والحال أن ميزانية الدولة في حاجة لنحو 11 مليار دينار تونسي (نحو 3.9 مليار دولار) من القروض الداخلية والخارجية خلال السنة المالية الحالية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.