التحليل الجيني يظهر انطلاق «كورونا المستجد» من الطبيعة

علماء يتحدثون عن مصدر الفيروس وطرق تحوره وانتقاله

التحليل الجيني يظهر انطلاق «كورونا المستجد» من الطبيعة
TT

التحليل الجيني يظهر انطلاق «كورونا المستجد» من الطبيعة

التحليل الجيني يظهر انطلاق «كورونا المستجد» من الطبيعة

ما زال الجميع يتساءلون: من أين جاء فيروس «كورونا المستجد» في البداية؟ وقد اعتقد بعض الباحثين أن الفيروس ينتشر عن طريق العدوى المتكررة التي تقفز من الحيوانات إلى البشر، ثم تنتقل من شخص لآخر. إلا أن باحثين آخرين افترضوا أن الفيروس قفز على الأرجح مرة واحدة فقط من حيوان إلى إنسان وانتشر بين البشر منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.

خزين الخفافيش
لكن بعد فترة وجيزة من الكشف عن التركيب الجيني للفيروس في أوائل يناير (كانون الثاني)، بدأت الإشاعات تتفجر أنه ربما تمت هندسة الفيروس في المختبر وإطلاقه عن قصد أو عن طريق الخطأ. ويقول الدكتور روبرت غاري، عالم الفيروسات بجامعة تولين في نيو أورليانز في الولايات المتحدة الذي أجرى بحثاً عن الفيروسات بما في ذلك الفيروسات التاجية الموجودة في الخفافيش التي يمكن أن تسبب المرض لدى البشر: «اعتقد كثير من الناس أن الفيروسات تسربت ونزلت إلى مجاري مياه الصرف، أو خرج شخص من المختبر وتوجه إلى سوق الحيوانات البرية في ووهان الصينية أو شيء من هذا القبيل، ذلك أن إصابات عرضية بالفيروسات حدثت بما في ذلك بفيروس (سارس) من مختبرات أخرى في الماضي».
والسؤال هنا: لماذا يتهم الخفاش تحديداً، وكيف تتطور الفيروسات فيه؟ ورغم أن الأمر ما زال محل جدل، فإن هناك فيروسات أخرى تطورت فعلاً في الخفاش مثل «إيبولا» الذي انتشر في أفريقيا، و«سارس» الذي انتشر في الصين أيضاً، و«ميرس» الذي انتشر في الشرق الأوسط، وهذه الفيروسات انتقلت عبر حيوانات وسيطة ثم أصابت البشر. يكمن سر تطور هذه الفيروسات في الخفاش في قدرة هذه المخلوقات على الطيران.
وأكدت دراسة حديثة نشرت في 10 مارس (آذار) 2020 في مجلة «إي لايف» (eLife) من قبل مجموعة من الباحثين تقودهم كارا بروك، أن الخفاش طور جهازه المناعي بحيث أصبح مستودعاً للفيروسات، حيث إن إصابته بالفيروس لا تسبب له التهابات رغم أنه ينتج بروتينات تسمى «الإنترفيرون» و«السيتوكاين» كما يحدث في الإنسان تماماً.
لكن الغريب أن «الإنترفيرون» لا يسبب حدوث التهابات أو ارتفاعاً في حرارة الجسم كما الحال في الإنسان، بل إن إفرازه في جسم الخفاش يوقف هجوم الفيروسات ويمنعها من إلحاق أي ضرر بجسمه، لكنه لا يقضي عليها تماماً. ولهذا تعيش الفيروسات في جسم الخفاش فترة طويلة وتطور من خصائصها بشكل مستمر وتصبح أكثر عدوانية عندما تنتقل إلى البشر. ولا تزال علاقة الفيروسات بالخفاش محل بحث لدى العلماء الذين يحاولون فهم جهازه المناعي بشكل أفضل حتى يتمكنوا من السيطرة على الفيروسات القاتلة التي تبدأ في جسم الخفاش ثم تنتقل إلى البشر.

البحث عن أدلة
منذ بداية الوباء لم يتغير الفيروس بشكل واضح، كما الحال مع جميع الفيروسات الأخرى. ولكن من بين أكثر من مائة طفرة تم توثيقها لم تقدْ أي منها إلى الهيمنة، ما يشير إلى أن أياً من هذه الطفرات ليس مهماً بشكل خاص. تقول ليزا غرالينسكي من جامعة نورث كارولاينا في الولايات المتحدة: «لقد كان الفيروس مستقراً بشكل ملحوظ نظراً لكثرة انتقاله»، وهذا شيء منطقي لأنه لا يوجد ضغط تطوري على الفيروس لينتقل بشكل أفضل مما هو عليه، حيث إنه انتشر بشكل غير مسبوق حول العالم.
هناك استثناء واحد محتمل هو أن عدداً قليلاً من الفيروسات التي تم عزلها من مرضى «كوفيد 19» السنغافوريين، يفتقد إلى مجموعة من الجينات التي اختفت أيضاً من مرض «سارس» خلال المراحل المتأخرة من وبائه.
كان يعتقد أن هذا التغيير يجعل الفيروس الأصلي أقل ضراوة، ولكن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان الشيء نفسه ينطبق على الفيروس الجديد، أم لا.
ولا يزال من غير الواضح لماذا تكون بعض الفيروسات التاجية مميتاً والبعض الآخر غير مميت. وقد قام العلماء بتحليل التركيب الجيني للفيروس أو تسلسل الحامض النووي الريبي للحصول على أدلة حول أصله. وكان من الواضح أن الفيروس لم يكن من صنع الإنسان، كما يقول كريستيان أندرسن باحث الأمراض المعدية في معهد سكريبس للأبحاث في لا جولا كاليفورنيا، إذ إن التركيب الجيني لفيروس كورونا المستجد ليس مجرد خليط من الفيروسات المعروفة.
ويضيف أندرسن وزملاؤه في بحثه المنشور في 17 مارس (آذار) الجاري في مجلة «نيتشر ميدسن» (Nature Medicine)، أن الفيروس له سمات غير عادية لم يتم تحديدها إلا مؤخراً في آكلات النمل الحرشفية التي تسمى «بنغولين» (pangolins)، وهي دليل على أن الفيروس جاء من الطبيعة.
أما إيما هودكروفت، عالمة الأوبئة الجزيئية في جامعة بازل في سويسرا فتضيف: «لا نرى على الإطلاق أي دليل على أن الفيروس قد تم تصميمه أو إطلاقه عن قصد». وهي لم تكن جزءاً من مجموعة أندرسن، ولكنها عضو في فريق من العلماء في «Nextstrain.org» الذي يتتبع التغييرات الجينية الصغيرة في الفيروس التاجي لمعرفة المزيد حول كيفية انتشاره في جميع أنحاء العالم. وتضيف إيما أن بعض امتدادات المادة الوراثية للفيروس تشبه فيروس نقص المناعة البشرية، ولكن هذا شيء نابع من تلك الفيروسات التي تشترك مع أسلافها أثناء التطور.

فيروس طبيعي
قارن الباحثون فيروس كورونا المستجد مع الفيروسات التاجية الأخرى التي تم العثور عليها حديثاً في الطبيعة، بما في ذلك الخفافيش والبنغولين وتوصلوا إلى أن فيروس «كوفيد 19» يمكن أن يكون مزيجاً من فيروسات الخفافيش والبنغولين. إذ غالباً ما تتبادل الفيروسات، خصوصاً فيروسات الحامض النووي الريبي مثل الفيروسات التاجية، والجينات في الطبيعة. وكان العثور على الجينات المتعلقة بفيروسات بنغولين مطمئناً بشكل خاص، لأن التركيب الجيني لتلك الفيروسات لم يكن معروفاً إلا بعد اكتشاف «كوفيد 19».
كما وجد الباحثون أن البنغولين يحتوي أيضاً على الأحماض الأمينية التي تساعد في سرعة ارتباط بروتين الأشواك لدى الفيروس، مع ACE2. يقول أندرسن: «من الواضح أن هذا شيء يمكن أن يحدث في الطبيعة».
ويضيف أن مواقع ارتباط السكريات كانت دليلاً آخر على أن الفيروس طبيعي، حيث إن السكريات تخلق «غطاء الميوسين» (mucin shield)، الذي يحمي الفيروس من هجوم الجهاز المناعي، لكن عندما تزرع الفيروسات في الأنسجة المختبرية، فإن الفيروس ينمو من دون وجود أجهزة مناعية، ما يجعل من غير المحتمل أن ينشأ مثل هذا التكييف من نمو الفيروس في المختبر. وتضيف إيما أن تشابه فيروس «كوفيد 19» مع فيروسات الخفافيش والبنغولين هو أحد أفضل الأدلة على أن الفيروس طبيعي، «لقد كان هذا مجرد امتداد حيواني آخر إلى البشر».



تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا
TT

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

أوجد التطور الهائل في السنوات العشر الأخيرة في مجال الاتصالات والتكنولوجيا الكثير من الفرص التي توفر فرصة رائعة لتحويل مجال طب الأسنان بشكل كامل.

طب الأسنان عن بُعد

«طب الأسنان عن بُعد» هو مصطلح جديد نسبياً يربط بشكل كبير بين مجالي الاتصالات وطب الأسنان. وبفضل التطور الهائل في التكنولوجيا، يمتلك طب الأسنان عن بُعد القدرة على تغيير عمليات رعاية الأسنان بشكل جذري. وإذا ما تم إدخال الذكاء الاصطناعي مع هذا التطور فإنه سيكون نقلة هائلة في مجال خدمات طب الأسنان.

في عام 1997، قدم الدكتور جيمس كوك (استشاري تقويم الأسنان من مستشفى برستول في بريطانيا) مفهوم «طب الأسنان عن بُعد» الذي عرَّفه على أنه «ممارسة استخدام تقنيات الفيديو للتشخيص وتقديم النصائح بشأن العلاج عن بُعد». ويتيح هذا التخصص الجديد لأطباء الأسنان تقديم نوع جديد من الرعاية لمرضاهم من خلال وسائل الاتصال والتكنولوجيا الإلكترونية، مما يتيح الوصول التفاعلي إلى آراء المتخصصين دون أن تكون المسافات عائقاً.

وقد شهدت فترة جائحة كورونا ما بين عامي 2020 و2022 ازدهار مثل هذه التقنية بسبب التباعد الاجتماعي وإغلاق عيادات طب الأسنان، إذ كانت تقريباً 90 في المائة من خدمات طب الأسنان تقدَّم من خلال طب الأسنان عن بعد باستعمال وسائل الاتصال الفيديو التصويري.

استشارة الاختصاصيين في المستشفيات

مكَّن التطور الهائل في الاتصالات المرئية والفيديو من أن تقوم عيادات طب الأسنان المختلفة بالتعاقد مع كبرى مستشفيات طب الأسنان وكليات ومعاهد طب الأسنان لعرض بعض حالات أمراض الفم والأسنان المعقدة عبر طب الأسنان عن بُعد على كبار أساتذة طب الأسنان في العالم لأخذ المشورة والرأي السديد في صياغة خطة العلاج بحيث يضمن أفضل خدمة طب أسنان لمرضى هذه العيادات.

نجاحات في المناطق النائية

في المناطق النائية، يعاني السكان من نقص في أطباء الأسنان المتخصصين والرعاية الشاملة للأسنان، إذ أثبت تقرير وضع صحة الفم في العالم لعام 2022 الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية أن العالم العربي يعاني من نقص شديد في خدمات طب الأسنان في المناطق الريفية والقرى، لذا يلعب طب الأسنان عن بُعد دوراً مهماً في توفير إمكانية الوصول إلى المتخصصين لأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية والنائية مع توفر كل أنواع الاتصالات المرئية فيها، مما يقلل من الوقت والتكلفة للاستشارات. يمكن لتغيير طريقة تقديم الخدمة أن يؤثر بشكل إيجابي في جدوى الممارسة في المناطق الريفية، حيث يساعد على تقليل العزلة عن الأقران والمتخصصين. ويؤدي إلى رفع مستوى صحة الفم والتقليل من انتشار أمراضه خصوصاً تسوس الأسنان وأمراض اللثة التي تشهد ارتفاعات كبيرة في هذه المناطق النائية، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية.

تطبيقات في التعليم الطبي

لعب طب الأسنان عن بُعد، دوراً مهماً في التعليم الطبي من خلال وسائل التعليم الذاتي والمؤتمرات الفيديوية. ويوفر النظام التعليمي عبر الإنترنت معلومات خُزنت في الخوادم الإلكترونية حتى قبل وصول المستخدم إلى البرنامج. يتمتع المستخدم بسلطة التحكم في سرعة البرنامج ويمكنه مراجعة المادة التعليمية عدة مرات حسب رغبته. وقد ازدهرت هذه التطبيقات أكثر خلال جائحة كورونا وعندما جرى اكتشاف الفوائد الكبيرة لهذه التقنيات في تعميق التعليم الطبي عن بُعد واستفادة أضعاف الأعداد من طلبة طب الأسنان وأطباء الأسنان تم الاستمرار في تطوير هذه التطبيقات بشكل كبير. كما ازدهرت في تخصصات طب الأسنان، إذ يمكن أن يكون طب الأسنان عن بُعد أداة قوية لتعليم الطلاب الذين يواصلون دراساتهم العليا ومساعدتهم في الحصول على تحديثات مستمرة في مجال تخصصات طب الأسنان المختلفة، وهكذا جرى تطوير برامج الاتصال المرئي مثل «زووم» و«تيمس» و«مايت» لتكون قنوات مهمة للتطوير المهني لأطباء الأسنان لتخصصهم الدقيق في مختلف تخصصات طب الأسنان. ويمكن عقد جلسات الفيديو لمناقشة تفاصيل المرضى والتفاعل بين المعلم والطلاب، مما يوفر فرصاً جديدة للتعلم. هذا النوع من التعليم يتيح للطلاب الاستفادة من خبرات المتخصصين بغض النظر عن المسافات.

في المدارس ومراكز رعاية الأطفال

يجب إنشاء نماذج لاستخدام طب الأسنان عن بُعد في المدارس ومراكز رعاية الأطفال لزيادة الوصول إلى رعاية الأسنان للأطفال. وتلعب هذه المؤسسات دوراً حيوياً في ضمان صحة الفم المثلى للأطفال من خلال الكشف المبكر عن مشكلات الأسنان وإدارة الأمراض المزمنة وتوفير الرعاية العاجلة. وقد استخدم أطباء الأسنان في جامعة روتشستر صور الأطفال الصغار لتحديد حالات تسوس الأسنان المبكرة، مما يساعد على تجنب الألم والصدمة المالية والزيارات الطارئة للعيادات. ولعل مدارسنا ومعاهد الأطفال في عالمنا العربي في أمسّ الحاجة لمثل هذه التطبيقات حيث يعاني أكثر من 90 في المائة من الأطفال العرب من تسوس الأسنان، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2022.

دخول الذكاء الاصطناعي

في السنوات المقبلة، يُتوقع أن تُحدث التطورات في مجال الاتصالات تغييرات مثيرة تمكّن من الوصول إلى رعاية الأسنان للجميع. ومع ذلك، فإن نجاح طب الأسنان عن بُعد يتطلب حل كثير من القضايا مثل الترخيص بين الدول، والأخلاقيات، والأمان التكنولوجي. وقد تمكن الذكاء الاصطناعي من تطوير هذه التقنية من خلال التطورات التالية:

- التشخيص: الذكاء الاصطناعي يحلل الصور الشعاعية بسرعة وبدقة.

- الرعاية الشخصية: الذكاء الاصطناعي يخلق خطط علاج مخصصة ويتنبأ بالمشكلات المستقبلية.

- المساعدات الافتراضية: الذكاء الاصطناعي يتعامل مع الاستفسارات الروتينية وجدولة المواعيد.

- التعليم: الذكاء الاصطناعي يوفر تدريباً متقدماً للمهنيين وتعليمات شخصية للمرضى.

- إدارة البيانات: الذكاء الاصطناعي ينظم السجلات ويؤمن البيانات.

- المراقبة عن بُعد: الذكاء الاصطناعي يتابع صحة الأسنان عن بُعد عبر الأجهزة.

الوصول: الذكاء الاصطناعي يُحسن الوصول إلى الرعاية السنية، خصوصاً في المناطق النائية.

قيود وتحديات طب الأسنان عن بُعدرغم الفوائد الكثيرة، يواجه طب الأسنان عن بُعد عدة تحديات تشمل:

- الترخيص بين الدول: تحتاج الممارسات التي تستخدم طب الأسنان عن بُعد إلى ترخيص لمزاولة المهنة في أي جزء من البلد.

- الأمان والخصوصية: يتعين على الأطباء اتخاذ جميع الإجراءات لحماية بيانات المرضى باستخدام تقنيات التشفير وكلمات المرور.

- التقبل العام: يحتاج طب الأسنان عن بُعد إلى قبول واسع من المرضى ومقدمي الخدمات الطبية ليصبح جزءاً من النظام الصحي.

وعلى الرغم من استخدام الطب عن بُعد منذ سنوات كثيرة، فإن استخدامه في مجال طب الأسنان في العالم العربي ما زال محدوداً رغم الحاجة الماسة إلى ذلك.

يُتوقع أن يصبح طب الأسنان عن بُعد جزءاً أساسياً من رعاية صحة الفم في المستقبل القريب، مما يوفر حلاً مشجعاً للسكان المعزولين الذين يواجهون صعوبة في الوصول إلى نظام الرعاية الصحية في صحة الفم بسبب بُعد المسافة أو عدم القدرة على السفر أو نقص مقدمي الرعاية الصحية.