جذبت كرة القدم مواهب من حول العالم، تركت بلدها بحثاً عن مزاولة اللعبة الشعبية للالتحاق بأندية كبيرة واللعب أمام مدرجات تغص بالمشجعين، ورفع كؤوس وألقاب، وجني مبالغ طائلة... لكن هذه الصورة تبدلت جذرياً في الأسابيع الماضية، حيث وجد العديد من اللاعبين أنفسهم عالقين في بلاد غريبة، بعيداً عن عائلاتهم وعن الكرة، في ظل الأزمة التي فرضها فيروس «كورونا المستجد».
ودفع وباء «كوفيد - 19» الذي تسبب بنحو 30 ألف وفاة معلنة حتى أول من أمس (السبت)، في مختلف دول العالم، إلى تجميد النشاط الرياضي بشكل شبه كامل، وفرضِ قيود صارمة على حركة التنقل والسفر للحد من تفشيه.
ومنذ نحو ثلاثة أسابيع أو أكثر، يجد لاعبو كرة القدم لا سيما في أوروبا، أنفسهم خارج روتين حياتهم اليومية: ضغط التدريب والمباريات وصخب الملاعب، استُعيض عنه بتمارين محدودة للحفاظ على اللياقة البدنية، والتزام البقاء في المنازل والتواصل مع الآخرين عبر تقنية الفيديو لا أكثر.
وفي ظل الصورة المبهمة بشأن الآتي من الأيام ومتى تسمح الظروف الصحية عالمياً بمعاودة المباريات، تبحث الفرق عن الحفاظ على رابط أساسي بين أفرادها، وإنْ بتواصل افتراضي عن بُعد.
ويقول مدرب فريق برايتون الإنجليزي غراهام بوتر: «التواصل عبر الفيديو هو طريقة للحفاظ على اتصال بعضنا ببعض، لنؤسس نسقاً معيناً لأنني أعتقد أن هذا الأمر مهم، كل لاعبينا هم هنا في المملكة المتحدة. لهذا من المهم بالنسبة إلينا أن نبقى على تواصل ونُجري حوارات دورية ونتأكد من أن الجميع في صحة جيدة».
وأضاف: «العديد من لاعبينا بعيدون عن عائلاتهم، يفتقدون أفرادها وهذا أمر نتفهمه. نتعاطف مع ذلك، لكننا ارتأينا أن الخطوة الصحيحة هي الحد من السفر الدولي، والبقاء في المنزل بسلام».
وأتاحت أندية أخرى لعدد من لاعبيها الأجانب العودة إلى بلادهم في ظل توقف المباريات على المستويين المحلي والقاري في أوروبا، وقبل التشدد الكبير الذي فُرض على صعيد حركة النقل الجوي. فثلاثة من نجوم باريس سان جيرمان الفرنسي، هم البرازيليان نيمار وتياغو سيلفا والأوروغوياني إدينسون كافاني، عادوا إلى بلديهم قبيل دخول فرنسا مرحلة العزل المنزلي الإلزامي.
في المقابل، وجد الإسباني بيدرو لاعب تشيلسي الإنجليزي نفسه عالقاً في لندن بعيداً عن عائلته، وفي حجر صحي أيضاً بدأ قبل حتى الإجراءات الرسمية المحلية، بعد ثبوت إصابة زميله الشاب في الفريق كالوم هودسون - أودوي بفيروس «كورونا».
وقال اللاعب البالغ من العمر 32 عاماً: «من الصعب عدم رؤية أولادك، ذويك، أقربائك، عدم الوجود بقربهم في زمن معقد وصعب علينا جميعاً».
وفي تصريحات لإذاعة «كادينا سير» الإسبانية، أكد بيدرو: «أقول لهم ابقوا في المنزل، وأنني مشتاق إليهم».
أما مدرب برمنغهام الإسباني بيب كلوتيت، فأعاد عائلته إلى إسبانيا عندما كان ذلك لا يزال متاحاً، وبقي هو في إنجلترا للاهتمام بعمله. ويوضح: «أنا عالق بين عالمين، أشعر بأنني غير قادر على أداء وظيفتي بالشكل الملائم. أفكر دائماً ربما يجدر بي العودة إلى إسبانيا لأكون مع عائلتي، لكنني غير قادر على ذلك لارتباطي بعملي».
بالنسبة إلى العديد من لاعبي كرة القدم، التحدي الأبرز في الوقت الراهن هو سبل ملء الوقت الشاغر.
وكانت إيطاليا الدولة الأولى بين البطولات الخمس الكبرى (مع إسبانيا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا)، تعلن في مارس (آذار) تعليق كامل النشاط الرياضي حتى الثالث من أبريل (نيسان)، وهو موعد يبدو في حكم الممدد حالياً بعدما باتت البلاد الأكثر تضرراً عالمياً بـ«كوفيد - 19»، وأعلنت حتى مساء السبت عن تسجيل أكثر من 10 آلاف حالة وفاة معلنة بسببه.
ويقول حارس مرمى نادي يوفنتوس البولندي فويتشيك تشيسني، في تصريحات لشبكة «سكاي إيطاليا» الرياضية: «بطبيعة الحال أعاني من القلق بعدما مر أكثر من أسبوعين على العزل المنزلي» الذي فرضه النادي على أفراده بعد تأكد إصابة مدافعه دانييلي روغاني بالفيروس».
ويتابع: «أنا بمفردي في تورينو لأن عائلتي عادت إلى بولندا. رغم ذلك، يمكنني القول إنني أمضي وقتاً مسالماً. أنام كثيراً».
اعتاد اللاعبون المرتبطون بأندية خارج بلادهم، السفر بشكل دائم، إما لرؤية أفراد عائلاتهم وتمضية إجازات، وإما للالتحاق بصفوف المنتخب الوطني في فترات المباريات الدولية.
لكن توقُّف المنافسات على مختلف الصُّعد المحلية والقارية والدولية، يمنح هؤلاء وقت راحة إضافياً لم يكن في الحسبان.
من هؤلاء، الأرجنتيني إيفر بانيغا لاعب إشبيلية الإسباني، والذي من المقرر أن ينتقل إلى الشباب السعودي في الموسم المقبل. خاض ابن الـ31 عاماً، 65 مباراة دولية مع الأرجنتين، وكان يضطر للسفر عبر المحيط الأطلسي غير مرة خلال الموسم للالتحاق بالمنتخب.
ويقول بانيغا: «الأمر غريب لأن كرة القدم موجودة دائماً معنا. عندما تتوقف منافسات الليغا (الدوري الإسباني)، ثمة مباريات دولية. حتى في الصيف، نخوض مباريات ودية قبل انطلاق الموسم».
وفي حين يشير إلى أن هذا النمط كان يولّد «شوقاً كبيراً لأحبابنا»، يوضح أنه في ظل الوقت المتوافر لديه الآن «أغلب ما أقوم به هو استغلال الوقت مع زوجتي وأولادي والاستمتاع بتمضية الوقت مع العائلة».
السؤال الأكبر المطروح حالياً هو: متى يمكن لعجلة مباريات كرة القدم أن تعاود الدوران؟ لكنّ أحداً لا يحمل إجابة حاسمة في ظل وضع صحي يتطور بشكل أو بآخر يومياً. لكن المؤكد أن اللاعبين، وخصوصاً المقيمين بمفردهم، باتوا يفصحون عن حنينهم لرياضتهم رغم كل تعبها.
ويقول الفرنسي كريستوفر جوليان لاعب نادي سلتيك الاسكوتلندي: «تستيقظ ولا تعرف ما العمل، حالياً نحن نعيش حياة مختلفة، تجعلك تدرك كيف هي الحياة كل يوم من دون كرة قدم. اشتقت لكرة القدم».
ونفس الأمر ينطبق على جمهور كرة القدم الذي كان يرى المنافسات المحلية والدولية هي المتنفس له، وفي ظل حالة التوقف بات الجمهور الشغوف بمتابعة مباريات كل أسبوع إلى دوري روسيا البيضاء الوحيد المستمر خلا هذه الأزمة لمقاومة حالة الفراغ، إذ تستمر منافسات هذه البطولة رغم الجائحة.
ونجح دوري روسيا البيضاء، وهو من أضعف المسابقات في أوروبا ونادراً ما تشارك فرق منه في دوري أبطال أوروبا، في جذب جماهير أجنبية ووقّع على عقود جديدة للبث التلفزيوني.
وقال دوري روسيا البيضاء إنه لا ينوي تأجيل أو إلغاء الموسم الذي بدأ في وقت سابق هذا الشهر. ورغم أن أندية هذا الدوري، ربما باستثناء باتي بوريسوف ودينامو مينسك، مجهولة لمعظم جماهير اللعبة فإنه عوض الكثيرين عن توقف بطولات الدوري الكبرى في العالم.
وساعد قرار إقامة المباريات بحضور جماهير اتحاد روسيا البيضاء للعبة في توقيع عقود للبث في عشر دول منها روسيا وإسرائيل والهند، حيث لم تجد الجماهير هناك مباريات أخرى لمشاهدتها. وقال ألكسندر ألينيك، المتحدث باسم اتحاد روسيا البيضاء: «هذا موقف لا سابق له».
ومن بين المحطات التي تبث مباريات دوري روسيا البيضاء القناة الرياضية الأولى في أوكرانيا.
ورغم أنها بدأت في عرض المباريات في أواخر العام الماضي قبل أزمة «كورونا»، بسبب وجود العديد من اللاعبين الأوكرانيين في روسيا البيضاء، اندهش الجمهور من جودة المسابقة.
وقال فيكتور سامولينكو رئيس شركة «بوفيرخنوست أوكرانيا» التي تدير المحطة التلفزيونية: «لم نتوقع امتلاكهم لمسابقة دوري بهذا الرقي، لم نعرف ذلك لأننا لم نكن نبث المباريات».
وسجلت روسيا البيضاء 94 حالة إصابة بفيروس «كورونا» حتى الآن لكنها اتخذت إجراءات بسيطة لتجنب انتشاره. وقلل رئيس البلاد ألكسندر لوكاشينكو، من الحاجة إلى العزلة الاجتماعية، وتباهى بأنه يواصل لعب هوكي الجليد ويعانق اللاعبين.
وقال للتلفزيون المحلي بعد مباراة للهوكي، أول من أمس (السبت): «من الأفضل أن نموت واقفين بدلاً من العيش راكعين، لا أرى فيروسات هنا في صالة التزلج».
وبفضل المشاهدات المتزايدة لمباريات دوري روسيا البيضاء ارتفعت شعبية نادي دينامو مينسك على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً من الجمهور الناطق بالإنجليزية. وقال ألكسندر ستروك، المتحدث باسم النادي، إنه يتمنى أن يحفز الاهتمام الدولي اللاعبين على تطوير مستواهم.
وأضاف: «نتمنى أن يسهم هذا في الارتقاء بمستوى اللعبة لأن اللاعبين ربما يشعرون بمسؤولية أكبر».
كما يعتقد يوري، مشجع دينامو مينسك، أن الاهتمام الحالي بالدوري في روسيا البيضاء قد يفتح الأبواب أمام انتقال لاعبيه إلى أندية أكبر في أوروبا. ويتمنى عند عودة النشاط بالمسابقات الأوروبية أن يستمر الجمهور العالمي في متابعة المباريات في روسيا البيضاء.
وتابع: «لن يكتفوا بمشاهدة الدوري الإنجليزي أو الإيطالي فقط ويمكنهم متابعة المباريات في روسيا البيضاء من آن إلى آخر».
أجانب الأندية الأوروبية يفتقدون عائلاتهم... وكرة القدم
الجمهور الشغوف باللعبة يتجه إلى دوري روسيا البيضاء الوحيد المستمر لمقاومة الفراغ
أجانب الأندية الأوروبية يفتقدون عائلاتهم... وكرة القدم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة