سخط محلي ودولي يدفع الانقلابيين للتراجع عن إعدام زعيم البهائيين

في الوقت الذي تواصلت فيه الدعوات الحقوقية اليمنية للضغط على الجماعة الحوثية لإطلاق آلاف المختطفين في معتقلاتها، تراجعت الجماعة أخيرا عن قرار إعدام زعيم الطائفة البهائية في اليمن حامد كمال بن حيدرة، عقب موجة من السخط المحلي والدولي.
وكانت محكمة الاستئناف التابعة للميليشيات الحوثية في صنعاء أقرت هذا الأسبوع حكم الإعدام ضد حيدرة إلى جانب مصادقتها على مصادرة أمواله والتنكيل بأتباع الطائفة البهائية.
وجاء التراجع الحوثي عن القرار في خطاب لرئيس مجلس حكم الانقلاب مهدي المشاط بثته قناة «المسيرة» التابعة للجماعة، حيث قال إنه أعلن العفو عن حامد كمال بن حيدرة في عقوبة الإعدام والإفراج عنه، إلى جانب الإفراج عن جميع سجناء الطائفة البهائية.
وفي مسعى لتحسين صورة الجماعة على الصعيد الحقوقي زعم المشاط أنه «وجه بتشكيل لجنة للنظر في أوضاع السجناء والعمل على وضع وترتيب خطة الإفراج عن كافة المعسرين وجميع سجناء الرأي ما لم يكونوا محكومين أو موقوفين على ذمة قضايا جنائية».
وكانت الجماعة الحوثية سخرت منذ انقلابها على الشرعية في سبتمبر (أيلول) 2014 المحاكم الخاضعة لها لإصدار مئات الأحكام بالإعدام والسجن ضد معارضيها سياسيا ومذهبيا والمختلفين عنها فكريا، مع بقاء الآلاف في معتقلاتها دون محاكمات.
وفي أول تعليق على قرار الجماعة الحوثية رحبت «الجامعة البهائية العالمية» بذلك وشددت على تنفيذه الفوري، وقالت في بيان إنّ «البهائيّين السّتة الذين سيجري إطلاق سراحهم، والذين سُجنوا ظلماً في صنعاء لعدّة سنوات بسبب معتقداتهم الدّينيّة وواجهوا سلسلة من الاتهامات التي لا أساس لها من الصّحّة، هم حامد بن حيدرة، ووليد عيّاش، وأكرم عيّاش، وكيوان قادري، وبديع الله سنائي، ووائل العريقي».
وأشارت «الجامعة البهائية» إلى وجوب أن يؤدي القرار الحوثي «إلى رفع الاتهامات الصّادرة ضدّ مجموعة تزيد على 20 بهائياً، وإعادة جميع الممتلكات والأموال العائدة للبهائيّين، ورفع الحظر عن مؤسساتهم والسماح لهم، شأنهم شأن سائر المواطنين اليمنيّين، بممارسة معتقداتهم الدّينيّة بحرّية».
وكان قرار الإعدام الحوثي لقي إدانات حقوقية محلية ودولية، حيث دعت المنظمات الدولية مجلس الأمن «لسرعة التدخل لوقف سلسلة جرائم الحوثي ووقف أي إعدامات، ووقف انتهاكات الجماعة الممنهجة بحق السلطة القضائية في اليمن».
يشار إلى أن زعيم الطائفة البهائية حامد كمال حيدرة؛ كان تعرض للاعتقال والتعذيب منذ فترة طويلة في صنعاء بتهم تمس عقيدته البهائية، ورفضت الجماعة الحوثية كافة التدخلات لإطلاق سراحه.
وتتعرض الطائفة البهائية - وفق ما يقوله الحقوقيون اليمنيون - منذ العاشر من أغسطس (آب) 2016، لعملية ملاحقة واسعة حيث تم اعتقال العشرات منهم بتهمة «الردة عن الدين الإسلامي».
ويجزم الحقوقيون أن الميليشيات الحوثية تسعى وبكل قوة إلى محو الأقلية البهائية من الوجود في اليمن، في سياق سعيها لمحو كل الطوائف الأخرى التي تختلف معها، بالرغم عما يعرف عن أبناء الطائفة البهائية بأنهم مواطنون مسالمون يؤمنون بمكارم الأخلاق ولا يتدخلون في الشأن السياسي والصراعات الحزبية، وبأنهم بطبيعة معتقدهم لا يحملون مطامع في السلطة ولا يشكلون خطرا أمنيا ولا يحملون السلاح.
وتعرضت منازل البهائيين إلى عمليات دهم مستمرة، وقامت الجماعة الحوثية بمصادرة ممتلكاتهم وترويع أطفالهم واعتقالهم وتهديدهم بالتصفية الجسدية، مما اضطر الكثير منهم للمغادرة خوفا على حياتهم وأطفالهم.
ويعتقد الحقوقيون اليمنيون أن هناك العديد من القرائن التي تؤكد وجود دور إيراني وراء قضية اضطهاد البهائيين في اليمن، حيث ترضخ الجماعة لكل التعليمات القادمة من طهران.
ورفضت الميليشيات الحوثية الإفصاح عن مصير مئات المعتقلين لديها أثناء المشاورات الإضافية التي استضافتها العاصمة الأردنية عمان، فضلا عن رفضها إطلاق معتقلي «الجماعة البهائية» والعشرات من الناشطين الذين قالت الجماعة إنهم معتقلون لأسباب جنائية وإرهابية.
على صعيد حقوقي آخر، دعت رابطة أمهات المختطفين في اليمن المجتمع الدولي إلى الضغط على الميليشيات الحوثية، لإطلاق الآلاف مع المختطفين في معتقلات الجماعة على خلفية خطر فيروس «كورونا» الذي يجتاح العالم متسبباً بوفاة آلاف البشر.
وقالت رئيسة الرابطة الحقوقية أمة السلام الحاج لـ«الشرق الأوسط»: «ندرك تماماً حجم الخطر الذي يتهدد المختطفين في السجون وأماكن الاحتجاز، حيث لا تتوفر فيها الرعاية الطبية المختلفة، كما لا تعمل إداراتها أي إجراءات وقائية أو احترازية أو علاجية في مواجهة الأوبئة، وكل ما تقدمه للمرضى المهدئات، ولا يوجد فيها كوادر طبية مؤهلة، وعياداتها إن وجدت غير مجهزة».
وأوضحت الحاج أن السجون الحوثية وأماكن الاحتجاز «لا تتوافر فيها مستلزمات النظافة الشخصية، والنظافة العامة، كما أن المختطفين لا يحصلون فيها على كفايتهم من الماء النظيف الصالح للشرب، والغذاء المتوازن، مما يضعف مناعتهم في مواجهة الأمراض والأوبئة، ويتعرضون وبشكل ممنهج للتعذيب النفسي الذي يجعلهم في خوف وتوتر دائمين».
وكشفت رئيسة رابطة أمهات المختطفين عن وجود 173 مختطفا في السجون الحوثية مصابين بالأمراض المزمنة، بينهم 57 في صنعاء و45 من محافظة الحديدة، و23 من محافظة حجة، و21 من محافظة تعز، و10 من محافظة إب، و10 من محافظة عدن، وخمسة من محافظة ذمار، ومختطفان من محافظة مأرب، مشيرة إلى أنهم «هم الفئة الأضعف في مواجهة خطر هذا الوباء».
واقترحت رئيسة رابطة أمهات المختطفين مبادرة موجهة لجماعة الحوثي المسلحة والحكومة اليمنية والتشكيلات العسكرية الأخرى لإطلاق سراح جميع المختطفات والمختطفين والمخفيين قسراً والمعتقلات والمعتقلين تعسفاً في جميع السجون وأماكن الاحتجاز.
وقالت: «الخطر المحدق بالمدنيين المختطفين والمعتقلين تعسفاً، في ظل منع إدارات السجون عائلات المختطفين من زيارتهم كإجراء احترازي لمواجهة الوباء، وتغييب مراقبة المنظمات الحقوقية والصحية للإجراءات التي قد تتبعها إدارات السجون وأماكن الاحتجاز داخلها في مواجهة خطر فيروس (كورونا)».
ودعت الحاج «الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي، والصليب الأحمر، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والوساطات المحلية، والمنظمات المحلية والدولية، والتحالفات النسوية، لدعم المبادرة ومساندتها لدى جميع الأطراف، في سياق تنفيذ الوعود التي أعلنتها جماعة الحوثي بالأمس بإطلاق سراح المختطفين، وإبداء الحكومة اليمنية استجابتها لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في اليمن، لمواجهة فيروس (كورونا)، وباتجاه إطلاق سراح شامل لجميع المختطفات والمختطفين والمعتقلات والمعتقلين تعسفاً، والمخفيين قسراً».