«لم تظهر سوى عيون الفارسة من خلف وجهها المستتر خلف حجاب أسود. وبقوس في يدها اليسرى وسهم في يمينها، اعتلت صهوة جوادها نحو الهدف، وانطلقت تسابق الريح، أطلقت السهم لتصيب الهدف بدقة».
وأفادت الفارسة إيدانور، التي تستخدم اسماً واحداً شأن العديد من الإندونيسيات وتبلغ من العمر 31 عاماً وتعمل معلمة بمدرسة إسلامية في «جاوة الشرقية»، بأن إطلاق السهام من فوق صهوة الخيل أثناء ارتدائها النقاب يزيد من فرص فوزها بالجنة.
إيدانور عضو في حركة متنامية وسلمية للنساء المسلمات اللواتي يعتقدن أنهن يمكنهن الحصول على الثواب من الله من خلال الأنشطة الإسلامية، مثل ارتداء النقاب وممارسة الرياضة التي يعتقد أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد مارسها بها. يقول الكثيرون أيضاً إن الحجاب يوفر الحماية من أعين المتطفلين والمتحرشين من الرجال في بلد بات فيه الاختلاط أمرا شائعا، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» أمس.
ولدى إيدانور المعلمة بمدرسة «الفتح الداخلية» في مدينة «تمبورو» التابعة لـ«جماعة التبليغ» الأصولية، جواب للإندونيسيين الذين يخشون من أن يكون اللباس المحافظ خطوة مقلقة تجاه التطرف وتهميش النساء. وتتلخص إجابتها في أنه «رغم أننا نرتدي نقاب كهذا، فإن هذا لا يعني أننا أصبحنا مسلمات ضعيفات. يمكننا أن نصبح مسلمات قويات من خلال المشاركة في نشاطات الرماية وركوب الخيل».
اجتمعت النساء السبت الماضي لممارسة ركوب الخيل والرماية - التي قيل إن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد استمتع بممارستها - وجرى ذلك في ناد رياضي في مجمع مدرسة إسلامية في «ديبوك»، بالقرب من جاكرتا.
تعتبر إندونيسيا دولة ديمقراطية تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، وهي رسميا علمانية ومعروفة منذ فترة طويلة بالتسامح، لكن خلال 22 عاماً منذ الإطاحة بالديكتاتور سوهارتو، تحولت البلاد بشكل متزايد نحو إسلام أكثر محافظة.
حصل رجال الدين المحافظون مثل نائب رئيس إندونيسيا معروف أمين على دور أكثر بروزاً في الحياة العامة. وقد سنت الحكومات المحلية أكثر من 600 إجراء لفرض تعاليم الشريعة، بما في ذلك إلزام النساء بارتداء الحجاب لإخفاء شعرهن. وكانت أقلية صغيرة من المسلمين تبنت وجهات نظر متطرفة ونفذ بعضها تفجيرات قاتلة، بما في ذلك هجوم كنيسة «سورابايا» عام 2018 الذي أودى بحياة عشرات المارة. كان من ضمن الانتحاريين امرأة، مما دفع بالعديد من الإندونيسيين إلى الحذر من النساء اللواتي يرتدين النقاب الذي يخفي كامل الجسد بما في ذلك الوجه.
ودفعت المخاوف من ارتباط النقاب بالإرهاب وزير الشؤون الدينية الإندونيسي فخرول الرازي، وهو جنرال سابق بالجيش، إلى الدعوة إلى حظر ارتداء النقاب للموظفين والزائرين في المباني الحكومية.
وتخشى الحكومة من انجذاب بعض موظفي الدولة إلى الفكر المتطرف وترى النقاب علامة على بداية التطرف، غير أن اللوائح في هذا الشأن لم تصدر بعد استمرار حظر النقاب عام 2018 في جامعة بمدينة «جاوة الوسطى» أسبوعاً واحداً فقط قبل أن تجبر المعارضة الجامعة على إلغاء القرار. لكن سيدني جونز، الخبير البارز في شؤون الإرهاب في جنوب شرقي آسيا، قال إنه من المهم التمييز بين المتطرفين الذين يشكلون تهديدا وأتباع الجماعات الإسلامية المحافظة التي تروج لأسلوب حياة إسلامي تقليدي، مثل «جماعة التبليغ». وقال جونز، مدير معهد تحليل السياسات للنزاع ومقره جاكرتا: «يجري الخلط بينهم وبين المتطرفين بسبب ملابسهم. لكنهم ضد العنف، فهم مثال لكيف يمكن أن يكون اللباس مضللاً».
وخلافا لمدرسة «الفتح» التي يسيطر عليها الذكور، حيث يُطلب من النساء والفتيات في سن الخامسة ارتداء النقاب، يتمتع الآلاف من النساء من الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية بحرية اختيار اللباس لأنفسهن. أسست مصممة الأزياء إندردري مندريناتي جمعية «فرقة النقاب» قبل أربع سنوات للترويج لارتداء الحجاب، ولديها الآن ما يقرب من 6000 عضو في فروع جمعيتها في إندونيسيا وماليزيا وتايوان.
وقالت إندردري خلال أحد دروس الفروسية والرماية بالقرب من جاكرتا: «نريد أن نفوذ بالجنة، ولذا فإننا نضحي. جزء من تضحياتنا ألا نظهر جمالنا ونغطي أجسادنا بطريقة إسلامية». ويتنبي كثير من أتباع حركة «الهجرة» منهج تحسين الذات من خلال تبني أسلوب حياة تقليدي. ويجري مؤخرا الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحركة «الهجرة»، في إشارة إلى هجرة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة في القرن السابع الميلادي، حيث ينشر الممثلون والممثلات والمشاهير تغريدات عن انضمامهم إلى مجموعات لدراسة القرآن وللحث على المزيد من التدين في حياتهم اليومية. كذلك تدعو «جماعة التبليغ»، إلى تعميم حجاب الوجه، لكنها لا تتبع كيانا بعينه. وتقوم إندردري بتصميم أنماط من النقاب المألوف والملابس الإسلامية الأخرى للنساء، غالباً تتضمن خطوطا بيضاء أو منقطة ذات أشكال مميزة. وأفادت بأنها عندما تصادف أشخاصا خائفين منها، فإنها تتعمد المبالغة في التعامل معهم بلطف زائد.
وتتذكر قائلة: «في البداية، كانت عائلتي خائفة. وقالت: «سيعتقد الناس أنك متطرفة. سيعتقدون أنك عضوة بطائفة متشددة. لكنني أقنعتهم بأن الناس ستتفهم مع مرور الوقت. وشرحت لهم أن جميع زوجات النبي ارتدين النقاب».لقد بات واضحا كيف أن الحركة الإسلامية التي ولدت في إندونيسيا قد عاودت الظهور مرة أخرى في بلدة «تمبورو» الساخنة والمضطربة الواقعة على بعد 330 ميلاً شرق جاكرتا. وتسيطر مدرسة «الفتح» على ثماني مدارس تضم 25000 طالب من الصف الأول حتى الجامعة. وفي وقت خروج الطلاب من الفصول الدراسية، تمتلئ الشوارع بالآلاف من الشباب الذين يرتدون الزي الإسلامي التقليدي - الرجال والأولاد في أردية فضفاضة، ونساء وفتيات يرتدين أثواباً بلا شكل، وأوشحة للرأس ونقابا.
* خدمة {نيويورك تايمز}