ألمانيا: «البديل» المتطرف يتنازل عن «جناحه» المتشدد

خطوة استباقية لتفادي وضعه بالكامل تحت مراقبة المخابرات الداخلية

TT

ألمانيا: «البديل» المتطرف يتنازل عن «جناحه» المتشدد

لم يمر يومان على إعلان هيئة حماية الدستور، أي المخابرات الألمانية الداخلية، قرارها بفرض المراقبة على مجموعة في داخل حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، اسمها «الجناح»، حتى اتخذ الحزب قرارا بحل هذه المجموعة التي تضم ما يقارب سبعة آلاف عضو.
وجاء قرار الحزب الذي يملك أكبر كتلة معارضة في البرلمان، كخطوة استباقية لتفادي وضع الحزب بأكمله تحت المراقبة. إلا أن «الجناح» الذي أعلن في البداية أنه سيخضع لقرار حله، عاد ونفى ذلك في رسالة على صفحة «الجناح» على «فيسبوك». وأرجأ «الجناح» الذي يرأسه بيورغ هوكيه، زعيم «البديل لألمانيا» في ولاية تورينغن، مناقشة كان من المفترض أن تحدث أمس، متحججا بعدم القدرة على الاجتماع بسبب المخاوف من فيروس «كورونا» المتسجد.
وبعيد صدور قرار المجلس التنفيذي للحزب، أصدر «الجناح» بيانا نشره على صفحته على «فيسبوك» قال فيه: «بقلب ثقيل، قررنا حلّ الجناح، على أمل أن يخدم هذا كل الحزب». وتابع البيان: «إن قناعتنا بإبقاء الحزب على مسار التجديد باقية، وكذلك سنحافظ على القيم المرتبطة بالجناح، نحن كنّا وما زلنا جزءا من هذا المشروع الحزبي العظيم». ولكن بعد وقت قصير استبدل الحزب هذا البيان بآخر قال فيه إن «ما يتردد في الإعلام عن حل الجناح غير صحيح»، داعيا أتباعه الذين يبلغ عددهم أكثر من ١٦ ألفا إلى «الصبر» كي تتضح الأمور.
ولاحقاً، قال أندراي كالبتس زعيم الحزب في براندنبيرغ، إن «هكذا نقاشات حول مصير» المجموعة لا يمكن إجراؤها عبر الهاتف، وإن المخاوف من فيروس كورونا تمنع عقد اجتماع الآن للمناقشة.
وكان المجلس التنفيذي للحزب قد اجتمع بعد يوم من قرار المخابرات الداخلية مراقبة «الجناح»، وقرر بعد مناقشات مطوّلة، حله بنهاية أبريل (نيسان) المقبل. وكانت هيئة حماية الدستور قالت في تبريرها قرار المراقبة، إنه تم إثبات «مسعى متطرف» لدى هذه المجموعة. ويسمح قرار وضع «الجناح» تحت المراقبة، للمخابرات بالتجسس على الهواتف والبيانات الشخصية لأعضائه، من دون السعي للحصول على إذن كل مرة.
ويحاول المعتدلون داخل «البديل لألمانيا» منذ فترة، حلّ هذه المجموعة من دون أن يوفّقوا لتأثيرها الكبير داخل الحزب. ونقل موقع يميني متطرف عن هوكيه انتقاده لقرار الحزب حل «الجناح» وقال إنه «محرَج» من قرار الحزب، مضيفاً أنه شخصياً والأعضاء المتبقين في هذه المجموعة سيبقون داخل «البديل لألمانيا». ولم يُعرف ما إذا كانت المخابرات الداخلية ستتوقف عن مراقبتها أعضاء «الجناح» في حال حلّوا المجموعة، أم أنها ستكمل مراقبتهم كأعضاء داخل الحزب اليميني المتطرف.
وفي التصريحات التي نُقلت عن هوكيه، قال إن «البديل لألمانيا» استفاد كثيراً وحصل على مزيد من الشعبية منذ تأسيس «الجناح» قبل خمس سنوات. وتأسست هذه المجموعة عام ٢٠١٥، وهي تُنظّم اجتماعات دورية منذ تأسيسها. وتعرف بتطرفها الشديد، وتتبنى سياسة التحريض ضد اللاجئين والمسلمين خصوصاً منذ وصول أعداد كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا عام ٢٠١٥.
وجاء قرار مراقبة «الجناح» بعد سلسلة من الجرائم التي شهدتها ألمانيا، ارتكبها أشخاص من اليمين المتطرف. وتحمل الأحزاب السياسية الأخرى وأهالي ضحايا الاعتداءات، المسؤولية في انتشار هذه الجرائم، لحزب «البديل لألمانيا» بسبب نشره سياسة الكراهية منذ دخوله البرلمان في الانتخابات الأخيرة عام ٢٠١٧. وآخر جرائم اليمين المتطرف، كانت مجزرة هاناو التي قتل فيها يميني متطرف تسعة أشخاص في مقهيين للشيشة، معظمهم من المسلمين، بسبب العنصرية. وشكّلت هذه الجريمة صدمة في ألمانيا، وتعهدت الحكومة بعدها بتشديد محاربتها لليمين المتطرف.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟