قانون الجنسية في الهند يقسم الإعلام ويكشف أجندات متناقضة

المتظاهرون يبدون تفضيلهم مجموعات معينة من الصحافيين والمؤسسات

سكان دلهي يعدّون التلفزيون الأكثر استحقاقاً للثقة تليه الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي (غيتي)
سكان دلهي يعدّون التلفزيون الأكثر استحقاقاً للثقة تليه الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي (غيتي)
TT

قانون الجنسية في الهند يقسم الإعلام ويكشف أجندات متناقضة

سكان دلهي يعدّون التلفزيون الأكثر استحقاقاً للثقة تليه الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي (غيتي)
سكان دلهي يعدّون التلفزيون الأكثر استحقاقاً للثقة تليه الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي (غيتي)

على امتداد الأشهر الثلاثة الماضية، أظهرت وسائل إعلام هندية تحيزات علنية في خضم موجة المظاهرات العارمة التي اجتاحت البلاد اعتراضاً على قانون الجنسية الجديد الذي من شأنه منح الجنسية لأتباع المعتقدات الهندوسية والمسيحية والبوذية والسيخية والبارسية والجاينية الذين عانوا من الاضطهاد في باكستان وبنغلاديش المجاورتين ويقيمون في الهند منذ ما قبل عام 2014.
وبذلك؛ لا يتضمن تعديل قانون الجنسية المسلمين، وتتمثل الحجة الرسمية المبررة لذلك في أن الدولتين المذكورتين مسلمتان، فكيف إذن يتعرض المسلمون لاضطهاد داخلهما؟ في المقابل، يعارض هنود مسلمون وبعض النشطاء في الهند التشريع الجديد، مطالبين الحكومة إما بسحبه أو تضمين المسلمين المضطهدين في القائمة.
والملاحظ أن المظاهرات التي اشتعلت اعتراضاً على القانون اتخذ بعضها منحى عنيفاً واندلعت أعمال شغب وعنف طائفي بين هندوس ومسلمين داخل العاصمة الهندية دلهي، في الوقت الذي بدأت فيه وسائل إعلام تكشف عن تحيزات واضحة، وتسلط الضوء على عدد من القصص والأحداث المنتقاة.

الصحافيون كنشطاء
في الوقت الحالي، بدأ الصحافيون يعملون على نحو أقرب إلى النشطاء. وقد انعكس ذلك عندما أجرت الصحافية تانوشري باندي، التي تعمل لدى قناة «إنديا توداي»، في وقت قريب مقابلة مع متظاهرين ضد قانون الجنسية الجديد ورصدتها الكاميرا وهي «تدرب» الشخص الذي من المقرر أن تسأله عن رأيه أمام الكاميرا بعد لحظات. وشوهدت وهي تتواطأ مع متظاهرين تعمدوا التشويش على عمل مراسلين تابعين لقناة «ريببليك تي في» أثناء تغطيتهم المظاهرات ذاتها.
وعندما حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع باندي، قوبل طلبها بالرفض وتواترت أنباء عن فتح القناة التي تعمل لديها تحقيقاً حول الأمر.
من جهته، شدد راش بال، الذي يعمل لدى مؤسسة إعلامية أجنبية على أن «الصحافيين ليسوا نشطاء. ربما نشعر بحماس تجاه قضية بعينها، لكن تظل مهمتنا تتبع الحقائق أينما تقودنا. ولا يمكننا تجاهل شيء يترك أصداء سلبية فيما يتعلق بقضية نبيلة ـ الناشط ربما يفعل ذلك، لكن ليس الصحافي. ينبغي لنا الاهتمام بالوسيلة قدر اهتمامنا بالغاية؛ لأن واجبنا البحث عن الحقيقة كاملة».
اللافت أنه حتى المتظاهرين أنفسهم أصبحت لديهم مجموعات مفضلة من الصحافيين. على سبيل المثال، رحب المتظاهرون بالصحافيين العاملين لدى «إن دي تي في» و«ذي واير» و«ذي برينت» و«ذي كوينت» لما عدّوها تغطية إيجابية من جانب هذه المؤسسات الإعلامية لصالح المتظاهرين المعترضين على قانون الجنسية الجديد. على الجانب المقابل، تعرض صحافيون آخرون للمنع من دخول أماكن المظاهرات أو للتشويش عليهم أثناء عملهم وأخذت هواتفهم الجوالة أو الكاميرات التي كانوا يحملونها عنوة منهم في الوقت الذي سمح فيه لصحافيين آخرين بالاضطلاع بعملهم في تغطية المظاهرات بيسر وسلاسة. ويبدي المتظاهرون تفضيلهم مجموعات بعينها من الصحافيين والمؤسسات الإعلامية.
وفي الفترة الأخيرة، تعرض الصحافي ومذيع الأخبار التلفزيونية أرناب غوسوامي لاعتداء وقح من جانب الممثل الكوميدي كونال كامرا الذي تصادف وجوده معه على متن إحدى الطائرات. وأثناء الاعتداء الذي صوره كامرا بأكمله ونشره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كال الممثل الانتقادات إلى غوسوامي بسبب تغطيته الصحافية للمظاهرات ووصفه بـ«الجبان»؛ من بين أوصاف أخرى.
في شاهين باغ، تعرض ديباك تشوراسيا لاعتداء من قبل متظاهرين معترضين على قانون الجنسية الجديد. ونشر فيديو يوثق الاعتداء عليه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقال: «نسمع أن الدستور في خطر، ونسمع أن ثمة كفاحاً الآن لإنقاذ الديمقراطية! لكن عندما وصلت منطقة شاهين باغ لنقل أصوات المتظاهرين إلى باقي أرجاء البلاد، لم أجد سوى اعتداءات هوجاء من جانب مجموعة من الرعاع!».
وجاء الفيديو الذي نشره تشوراسيا صادماً وظهرت فيه مجموعة من الأشخاص يكادون يقتلون تشوراسيا. وتعرض الصحافي المصور المرافق لتشوراسيا لاعتداء هو الآخر وتعرضت الكاميرا التي يحملها للتدمير. وذكر أنه لم يكن هناك وجود للشرطة في المكان.
ورغم أن الغالبية أعربت عن صدمتها ونددت بشدة بالعنف الذي تعرض له تشوراسيا من جانب متظاهرين في شاهين باغ، اختار البعض تبرير الاعتداءات التي شنها بعض الدهماء.
على سبيل المثال، قالت المحررة السياسية لدى قناة «سي إن إن نيوز 18»، ماريا شاكيل، إنه يجب على «الصحافيين» التفكير لماذا أصبح يجري النظر إلى الميكروفون الذي من المفترض أنه يعطي صوتاً لمن لا صوت له، الآن على أنه أداة تخويف للناس، ولماذا لا يثق الناس في وسائل الإعلام. وقالت كذلك إن وسائل الإعلام تحولت إلى طرف في «جدال خطير واستقطابي».
من ناحية أخرى، تعرض الصحافي بيوش ميشرا لاعتداء هو الآخر من جانب حشد من المتظاهرين داخل الحرم الجامعي لجامعة جواهر لال نهرو. وقال ميشرا: «تعرضت للدفع والاعتداء بمجرد أن بدأت في تغطية ما يحدث داخل موقع التظاهر في الجامعة». وقد تقدم ميشرا بشكوى لدى «رابطة المحررين الهنود».
في السياق ذاته، قالت المراسلة فاطمة خان: «كان هناك أشخاص يجرون وهم حاملون عصي، ولم يسمحوا بأي نوع من تصوير الفيديو أو التصوير الفوتوغرافي. وبدا واضحاً أن الحشود ستسمح لك كصحافي بالمضي قدماً في عملك حسب اسمك والمؤسسة التي تعمل لديها وإذا ما كان باستطاعتهم الوثوق بك». وقال المصور المخضرم برافين جين إن حشود المتظاهرين استهدفت من يحملون الكاميرات خلال الموجة الحالية من المظاهرات وأعمال الشغب أكثر من أي موجة سابقة.

التحيز العلني
من جانبهم، لم يعبأ بعض الصحافيين وكتاب الرأي بمحاولة إخفاء ميولهم السياسية. وساد بوجه عام أسلوب تفكير يقوم على فكرة أنك «إما معنا أو ضدنا»، ولم يعد هناك محايد. أما إذا تولينا تقسيم وسائل الإعلام تبعاً لهذا التفكير، فسنجد أن قناتي «إن دي تي في» وإنديا توداي تي في» مناهضتان لمودي وحزب «بهاراتيا جاناتا، بينما تميل كل من «ريببليك تي في» و«زي نيوز» و«تايمز ناو» إلى الجانب الآخر. أما «سي إن إن نيوز 18» فتقف عند نقطة ما بالمنتصف، متأرجحة بين الحين والآخر بين الطرفين المتقابلين.
وكثيراً ما ينتقد رافيش كوما من قناة «إن دي تي في» الحائز جائزة «رومان ماغيساساي» أي قرار تصدره حكومة مودي. في المقابل، فإن القرار ذاته يلقى ترحيباً شبه فوري من جانب أرناب غوسوامي بقناة «رببليك تي في» أو نافيكا كومار من «تايمز ناو» بوصفه «قراراً عبقرياً». وكثيراً ما توجه البرامج الحوارية في «ريببليك تي في» أو «آج تاك» أو «نيوز نيشن» انتقادات إلى الصحافيين على الطرف المقابل. أما المشاهد والقارئ فيقف متحيراً بين الطرفين كأنه يتابع مباراة حامية الوطيس. في بعض الأحيان، يحدث الاستقطاب داخل المؤسسة الإعلامية ذاتها. مثلاً، نجد أنه داخل قناة «إنديا توداي»، يقف رادجيب سارديساي على جانب، بينما يقف زميلهما غوراف ساوانت على الجانب المقابل.
ويطلق كل جانب على الجانب المقابل أقذع التشبيهات والأوصاف، مثل رافيش كومار من «إن دي تي في» الذي أطلق تعبير «غودي ميديا» لوصف الأصوات الإعلامية المؤيدة لمودي على طول الخط. في المقابل، وصف سودهير تشودهري في «زي نيوز» وأرناب غوسوامي في «ريببليك تي في» منتقدي القانون الجديد بأنهم يمارسون «دعارة صحافية». وهناك فريق ثالث من الصحافيين يتمثل في الصفوة منهم والذين يكنون كراهية شديدة تجاه مودي. من بين هؤلاء الصحافية البارزة تافلين سينغ التي كانت مؤيدة لحكومة مودي بادئ الأمر حتى صدر قرار بتجريد ابنها الكاتب أتيش تاسير من وضع «مواطن يعيش بالخارج».
من ناحيتها، أعربت الصحافية التلفزيونية والمذيعة بركه دوت أن مثل هذه الحالات من الاستقطاب الحاد تخلق ضغوطاً على وسائل الإعلام، وليس على السياسيين فحسب. وقالت إنه يتعين على الصحافيين الإنصات لجميع الآراء لأن القصة الواحدة ربما يكون لها أكثر من بعد واحد. وأضافت: «أنا من ناحيتي أَعُدّ نفسي مفكرة حرة ولا أنتمي لأي عقيدة أو فكر محدد. وليس لزاماً على المرء اتخاذ مواقف متطرفة، وإنما تبقى هناك دوماً طريق وسطى».
السؤال: لماذا أصبحت وسائل الإعلام الهندية على هذه الدرجة الكبيرة من الاستقطاب؟ وما دلالات ذلك بخصوص أساليب العمل الصحافي؟ هل يمسك رؤساء التحرير بزمام صالات التحرير، أم إن المحررين يصيغون التقارير الإخبارية حسب أهوائهم؟ وما الذي يمكن أن يصيب الحقيقة في ظل هذه الظروف العصيبة؟
من جهته، أعرب ديباك تشوراسيا عن اعتقاده بأن «حيادية وسائل الإعلام خرافة. أعلم كثيراً من الصحافيين الذين فقدوا وظائفهم أو حرموا من إمكانية التواصل مع وزارات بعينها بسبب انتقادهم سونيا غاندي أو قيادات أخرى في حزب المؤتمر... لماذا لم تثر آنذاك التساؤلات حول استقطاب وسائل الإعلام؟».
من ناحية أخرى، تكشف استطلاعات الرأي أن سكان دلهي يعدّون التلفزيون الوسيط الإعلامي الأكثر استحقاقاً للثقة (63 في المائة) فيما يخص الأخبار، تليه الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي (16 في المائة). وبينما أشارت أعداد أكبر من المشاركين الأصغر سناً في الاستطلاع إلى شبكات التواصل الاجتماعي بوصفها جديرة بالثقة؛ مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، ارتفعت معدلات الثقة في الصحف والقنوات التلفزيونية مع ارتفاع أعمار المشاركين.



تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)

أثار قرار شركة «ميتا» بحذف أكثر من مليونَي حساب على منصات «فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«واتساب»، خلال الأشهر الماضية، تساؤلات بشأن سياسات الشركة حول حماية بيانات المستخدمين، لا سيما أن القائمين على القرار برّروا الخطوة بأنها جاءت بهدف «مواجهة عمليات الاحتيال الرقمي». ووفق خبراء تحدَّثوا مع «الشرق الأوسط» فإن «الخطوة تعد تطوراً في سياسات (ميتا) لحماية البيانات».

«ميتا» ذكرت، في تقرير صدر نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن السبب وراء حذف الحسابات هو «رصد عمليات احتيال رقمي كانت قد قامت بها تلك الحسابات». ويُعدّ هذا التقرير الأول الذي تكشف من خلاله «ميتا» عن تفاصيل استراتيجيتها للتصدي للأنشطة الاحتيالية العابرة للحدود. وعدّ مراقبون هذه الخطوة تعزيزاً لاتباع سياسة واضحة تجاه أي اختراق لحماية المستخدمين. وكتبت الشركة عبر مدونتها «لا مكان على (فيسبوك) أو (إنستغرام) أو (واتساب) للمجموعات أو الأفراد الذين يروّجون للعنف، والإرهاب، أو الجريمة المنظمة، أو الكراهية».

هيفاء البنا، الصحافية اللبنانية والمدرّبة في الإعلام ومواقع التواصل، رأت في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «ميتا» تعمل على تحديث أدواتها لحماية المستخدمين. وأضافت: «تركز سياسات (ميتا) على الحدِّ من الجريمة المنظمة عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) المتطورة، وتعمل هذه التقنيات على تحليل النشاطات المُريبة على المنصات واكتشاف المحتويات المرتبطة بالجريمة المنظمة».

ووفق البنا فإن «(ميتا) تُراجع وتحدّث سياساتها بشكل دوري، كي تتفادى أي تهديدات تلاحق المستخدمين، وكانت الشركة قد أوضحت أن خوادمها الـ(Servers) المنتشرة في الدول يتم تحديثها بشكل دوري؛ لضمان مواكبة أي تغييرات، ولضمان بيئة أكثر أماناً لمستخدمي منصاتها حول العالم».

وأردفت: «التزاماً بلائحة حماية البيانات العامة، تتعامل (ميتا) مع الأشخاص الذين تُحلّل بياناتهم عبر رموز مشفّرة، وليس عبر أسمائهم الحقيقية، ما يضمن الحفاظ على خصوصياتهم»، مشيرة إلى أن حماية بيانات المستخدمين لا تتوقف على «ميتا» فقط.

إذ شدّدت الإعلامية والمدرّبة اللبنانية على تدابير يجب أن يتخذها المستخدم نفسه لحماية بياناته، إذ توصي مثلاً «بتفعيل خاصية (التحقق بخطوتين/ Two-Factor Authentication)؛ لضمان أمان الحسابات، ويمكن أيضاً استخدام تطبيقات مثل (Google Authentication)، التي تولّد رموزاً سرية تُستخدم للدخول والتحقق من هوية المستخدم، وكذا يمكن استخدام خاصية الإبلاغ التي توفّرها (ميتا) بسرية تامة، حيث يصار إلى التعامل مع هذه البلاغات من خلال فرق مختصة أو تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لضمان بيئة آمنة للجميع».

معتز نادي، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، عدّ خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تحرّكات «ميتا» الأخيرة انعكاساً لـ«تفاقم مشكلة الاحتيال عبر الإنترنت وزيادة التهديدات السيبرانية التي تواجه المستخدمين». ورأى أن «تحديات (ميتا)» تصطدم بتطور الاحتيال، وازدياد عدد المستخدمين بما يتجاوز نحو مليارَي مستخدم، وتشديد الرقابة الرقمية التي تضعها في مرمى نيران الانتقادات، خصوصاً مع انتقاد خوارزمياتها الكثير من الأحداث السياسية التي شهدها العالم أخيراً.

وحول جدية «ميتا» في حماية بيانات المستخدمين، قال معتز نادي: «بنظرة إلى المستقبل، سيكون الأمان الرقمي بحاجة إلى مجاراة التطور من حيث تقنيات الذكاء الاصطناعي، والعمل على تثقيف المستخدمين عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لمنع أي اختراق لخصوصياتهم».