أحد سجون «الدواعش» في الحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
الحسكة:«الشرق الأوسط»
TT
الحسكة:«الشرق الأوسط»
TT
جرحى التنظيم يقبعون في سجن الحسكة المركزي
أحد سجون «الدواعش» في الحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
في جناح مشفى سجن الحسكة المركزي الخاص بعناصر «تنظيم داعش» الإرهابي، وهو عبارة عن عنبر كبير يفترش أكثر من 350 مصابا ومريضا الأرض أو يرقدون على أسرة قليلة، يطلب المرافق الطبي بوضع قناع طبي لوضعه تفاديا من الأمراض المنتشرة أو الروائح الكريهة. تضرب الشمس طوال الوقت وعلقت مراوح ووضعت أجهزة لسحب الهواء. على الجدران تدلت أكياس كبيرة وصغيرة يضع نزلاؤه حاجاتهم الشخصية أو أدويتهم.
كان بالإمكان مشاهدة أكوام من الخبز الطازج والمجفف، فيما تحولت علب الزيت والحلاوة والطحينية إلى كاسات لشرب المياه أو مخصصة لرمي النفايات. بينما كان الزي الذي يرتدونه برتقالي اللون أو أزرق داكن أو رمادي والأخير صنع من الأغطية لبرودة الطقس.
شاهد موفد «الشرق الأوسط» رجلا على كرسي متحرك، يبدو أن صاحبه بترت إحدى قدميه أو تعرض لعملية جراحية في ساقيه. كما شاهد مصابا ثانيا يمشي على عكازه ومريضا ثالثا لف يديه بقطع قماش بيضاء اللون، وكان أكثرهم ضمدت رؤوسهم وظهرت علامات واضحة على وجوههم وأجسادهم النحيلة ونتوء العظام.
تحدث موفد الجريدة إلى مريض ذكر اسمه الأول مصطفى يتحدر من تونس، كان يرقد في مكان مزدحم لكنه يعاني من ألم صامت يعتصر وجهه، ولم يكن بمقدوره الشعور بالراحة بسبب إصابته في ظهره وكابد آلاما مبرحة، وقال بصوت منخفض وارتسمت علامات التعب على وجهه: «أصبت في معركة الباغوز ولم أتلق علاجاً مناسباً، هنا ينقص الكثير من الخدمات الطبية».
ويقول القيمون على السجن والكادر الطبي إن هذه النقطة تعاني من عجز كبير في تأمين الأسرة، الأمر الذي دفع البقية للنوم على الأرض، وغرفة الطوارئ لم تعد تتسع لمزيد من المرضى، وحذر طبيب يعمل بالمشفى من أن نظام الرعاية الصحية في السجن يعاني من أزمة حقيقة بسبب انتشار الأمراض الوبائية، والتي تنذر بالمزيد إذا بقيت الجهات والمنظمات الإنسانية الدولية صامتة: «سجلنا انتشار مرض السل وتوفي حتى اليوم أكثر من حالة وهناك الكثير منهم حالتهم حرجة ولا يتسع المشفى لعلاج الجميع».
وشدد الكادر الطبي إلى وجود نقص في الدواء وفي أعداد العاملين على الرعاية الطبية، ويضيف الطبيب: «نضطر إلى نقل الحالات الحرجة إلى المشافي القريبة المخصصة، لكن هؤلاء من عناصر التنظيم المتطرف ونقلهم يشكل خطورة وعبئا كبيرا».
البعض حصل على سرير ونام عليه بعمق، كحال مريض آسيوي غطى نفسه بغطاء رمادي وكان يلبس قبعة خضراء رسم عليها كتابات عربية. تحت السرير وضعت علب من الزيت وأكياس الخبز وأدويته الكثيرة. لكن الغالبية كان ممددا على الأرض وإلى جانبهم صناديق صغيرة رسم عليها شعار «اللجنة الدولية للصليب الأحمر».
أصيب مصطفى المتحدر من مدينة حلب السورية، في ساقه قبل عام أثناء خوضه معركة الباغوز التي قضي فيها جغرافيا وعسكرياً على التنظيم، وأثناء المعركة اكتشف طبيبه آنذاك وجود أورام وكانت حالته الصحية قد تدهورت، وبعد نقله إلى مستشفى السجن تطورت حالته وكان يفزع ألما كل بضع دقائق لكنه لم يكن يصدر صوتا، بل يقول بنبرة تفيض بالتوسل والدموع تسكب من عينيه إن كل ما يريده هو أن يحاكم سريعاً ليخرج من هنا، وقال: «ندمت كثيراً، اشتقت لزوجتي وأطفالي الثلاثة، بقي لي أمل أن أحاكم وأقضي محكوميتي وبعد خروجي سأكمل بقية حياتي بشكل طبيعي».
تستضيف العاصمة السعودية الرياض، الخميس، الاجتماع الوزاري لـ«التحالف الدولي لمحاربة داعش» بحضور وزراء خارجية ومنسقي الشؤون الخارجية في 85 دولة ومنظمة شريكة.
أعلنت سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة والحائزة على جائزة نوبل للسلام والناجية من اختطاف «داعش»، ناديا مراد، عن تحرير ست نساء إيزيديات كن محتجزات لدى داعش.
تفتح «الشرق الأوسط»، بدءاً من اليوم، الأبواب المغلقة على عصر الذكاء الاصطناعي الذي يعد «وثبة تكنولوجية» مذهلة من خلال حوارات منفصلة مع كل من العالم المستقبلي مايك والش الذي ألف كتاب «القائد الخوارزمي، كيف تكون ذكياً عندما تصير الآلات أكثر ذكاءً» الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة والعالم، والمدير الإداري لشركة «سوميرو» العملاقة للاستثمار في التكنولوجيا الجديدة عبده جورج قديفة، ومؤلف كتاب «حقيقة الذكاء الاصطناعي ومستقبل البشرية» الشهير الدكتور ستيفن شوارتز، والعالم الأميركي - الفلسطيني الأصل البروفسور منذر دحلة، الذي يدير معهد البيانات والأنظمة والمجتمع في «إم آي تي»، المؤسسة الجامعية المصنفة أولى عالمياً في علوم التكنولوجيا والنائب الأول لرئيس شركة «جينماب» الدنماركية للتكنولوجيا البيولوجية، والمدير العالمي لعلوم البيانات والذكاء الصناعي الدكتور هشام حمادة، ومدير «مجتمع جميل» في «إم آي تي» جورج ريتشاردز، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأميركية في بيروت الرئيس التنفيذي لشركة «مجرّة» عبد السلام هيكل.
وهناك إجماع بين هؤلاء على عدم منطقية الدعوة التي أطلقها مؤسس شركتي «تيسلا» و«سبايس أكس» ومالك «تويتر» إيلون ماسك، مع مئات آخرين، لكي تتوقف شركة «أوبن إيه آي» برئاسة سام آلتمان عن تطوير «تشات جي بي تي» والتقنيات المشابهة لستة أشهر.
ويتضمن الملف مقابلة إضافية مع مؤسس شركة «كل التكنولوجيا بشرية»، عضو المجلس الاستشاري للمحتوى في «تيك توك»، ديفيد راين بولغار، عن الشكوك الأخلاقية المحيطة باستخدامات التكنولوجيا الجديدة.
ويثير الفتح الجديد في عالم الذكاء الاصطناعي تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التكنولوجيا ستهزم الإنسان أم العكس، وما إذا كانت ستؤدي إلى تحوّل ليس فقط في كل مجالات العمل، بل أيضاً في حياة الناس، كما نعرفها. كل هؤلاء أجابوا على أسئلة بعضها يمكن أن يبدو بسيطاً وساذجاً، مثل «الغش»، وبعضها الآخر مركب ومعقد، مثل احتمال تغلّب الذكاء الاصطناعي يوماً على صانعيه من البشر.
الخبير ديفيد بولغار لـ«الشرق الأوسط»: الذكاء الاصطناعي ليس سحراً ولا يمتلك رغبات خاصةhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/4366546-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D8%AF%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%AF-%D8%A8%D9%88%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B1-%D9%84%D9%80%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7%C2%BB-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%B3-%D8%B3%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%8B-%D9%88%D9%84%D8%A7
الخبير ديفيد بولغار لـ«الشرق الأوسط»: الذكاء الاصطناعي ليس سحراً ولا يمتلك رغبات خاصة
يرى بولغار أن المبالغات في التخوف من الذكاء الاصطناعي سببها أننا نميل بشكل طبيعي إلى النظر إليه كبشر (أدوبي ستوك)
في مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط»، تحدث ديفيد راين بولغار، خبير أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ومؤسس شركة «كل التكنولوجيا بشرية» All tech is human وعضو المجلس الاستشاري للمحتوى في «تيك توك»، عن نظم الذكاء الاصطناعي وعن تطوراتها، والشكوك المحيطة باستخداماتها.
>شكراً لوجودك معنا، نسمع كثيراً عن الذكاء الاصطناعي وعن انتشاره في الولايات المتحدة وحول العالم، بالتزامن مع تحذيرات بأنه يشكل خطراً على المجتمع، ما رأيك في هذا؟
- كل التكنولوجيا يمكن أن تكون لديها استعمالات جيدة وأخرى سيئة. الذكاء الاصطناعي كغيره من أنواع التكنولوجيا هو عرضة للانتهاكات من اللاعبين السيئين. وما يجب علينا أن نفكر به من خلال تصميم وتطوير ونشر هذه التقنيات هو كيف نقوم بكل هذا بطريقة مدروسة. نريد أن نتطرق إليها من منظارين: منظار الابتكار، ومنظار التأثير.
ديفيد راين بولغار (غيتي)
هناك أحاديث كثيرة حول الذكاء الاصطناعي خاصة عندما نتحدث عن تقنية مثل برنامج المحادثة الذكي (تشات جي بي تي)، وهذه الأحاديث انتشرت على المواقع الإخبارية بعد رسالة «التحذير» للخبراء التي حصلت على الكثير من الاهتمام الإعلامي. لكن إذا ما نظرنا إلى هذه الرسالة بعمق نرى تركيزاً كبيراً على جانب الابتكار: هل نحن بحاجة لإبطاء ما يحصل في الابتكار للنظر فيما خلقناه؟ هل سيؤثر هذا على مستقبل الديمقراطية والإنسانية؟
نعلم أن تقنيات كالذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها تؤثر على الأسلوب الذي نعيش فيه ونتعلم من خلاله ونحب ونموت، صحيح؟ إنها تؤثر على طريقة رؤيتنا للعالم. نحن بتنا ندرك أننا لا نؤثر على تصميم التكنولوجيا فحسب، بل إن التكنولوجيا تؤثر على رؤيتنا للعالم وتصرفاتنا وتواصلنا مع بعضنا البعض.
> لماذا هذه التحذيرات من الذكاء الاصطناعي؟ ما هي مخاطره الفعلية؟
- يجب أن ننظر لهذه التحذيرات من زاوية تشكيكية: عندما يتحدث أحدهم عن مخاطر الذكاء الاصطناعي ما هي دوافعه الشخصية؟ المستغرب هنا هو أن الأشخاص الذين يصممون هذه التقنيات هم نفسهم من يحذرون من تهديدها الوجودي. وأعتقد أن هناك اختلافات كبيرة في مجتمع «الأخلاقيات» المرتبط بالذكاء الاصطناعي حول مخاطره. فهناك معسكران: الأول يركز على التأثير القصير الأمد ويقول إن هناك تمييزا في الذكاء الاصطناعي مشابها لذلك الذي نراه في المجتمع. ومن دون قيود لتأمين سلامته سيكون هناك انتشار للعنصرية مثلاً وغيرها من القضايا.
أما المعسكر الثاني فهو الذي ينتمي إليه إيلون ماسك، الذي يركز على التأثير الطويل الأمد. وسمعنا من أشخاص كإيلون ماسك وستيفين هوكينز أن الذكاء الاصطناعي قد يدمر العالم.
إذن، الفارق بين المعسكرين هو أن الأشخاص في الفئة «الطويلة الأمد» يركزون على نقطة «ماذا يفعل الذكاء الاصطناعي للسيطرة على العالم؟» أما المعسكر الذي يركز على الأخلاقيات فيقول إن تكنولوجيا من هذا النوع لا تسقط علينا من السماء وليس لديها عقل مستقل. إنها ليست شخصاً. بل صممها أشخاص مثلنا وهم منحازون وغير كاملين. إذن نحتاج إلى بيانات أفضل ونحتاج إلى المزيد من الرقابة على هذا الذكاء الاصطناعي.
يجب أن ننظر للتحذيرات من الذكاء الاصطناعي من زاوية تشكيكية... فالمستغرب هنا هو أن الأشخاص الذين يصممون هذه التقنيات هم أنفسهم من يحذرون من تهديدها الوجودي
ديفيد راين بولغار، الخبير في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
> الى أي معسكر تنتمي؟
- أنا أنتمي إلى المعسكر «القصير الأمد» لهذا فإن مؤسستي التي أديرها تحمل اسم: «كل التكنولوجيا بشرية». السبب الذي أدى إلى إطلاق هذا الاسم عليها هو أننا أحياناً نميل إلى التفكير في الذكاء الاصطناعي بتعابير سحرية. إنه ليس سحراً. ليست لديه رغباته الخاصة. لسوء الحظ نستعمل بعض التعابير للحديث عن الذكاء الاصطناعي مثل الـ«هلوسة» مثلاً أو «التعب». ليست هناك هلوسة. الأشخاص يهلوسون. الذكاء الاصطناعي لا يهلوس لأنه ليس إنساناً. نميل بشكل طبيعي إلى النظر إليه من عيون بشرية لأننا بشر ونريد أن نرى الأشياء كبشر. لهذا عندما ننظر إلى حيواناتنا الأليفة مثلاً نراها كشخصيات إنسانية. لهذا عندما ترى الثلج، تبني «رجل ثلج»، قد تقوم بالأمر نفسه مع شجرة مثلاً، صحيح؟ لهذا أنا أنظر إلى مشاكل الذكاء الاصطناعي على أنها تعود إلينا كأشخاص، فيجب أن نضع أطراً للحماية وأن ننوع من طبيعة الأشخاص الذين يشرفون عليها للحرص على أنها مصممة بشكل صحيح يتلاءم مع المصلحة العامة في المستقبل.
> ننتقل هنا إلى مسألة الضوابط. هناك دعوات كثيرة لفرض ضوابط من قبل الكونغرس. هل تعتقد أن هناك حاجة لتدخل الكونغرس في هذه القضية؟
- أعود دوماً لمبدأ الابتكار، إذن الجواب هو نعم. في الكثير من الأوقات ولسوء الحظ ننظر إلى أمر كالذكاء الاصطناعي ونتحدث عنه من منطلق طبيعة العمل أو القدرة الاصطناعية ودور الحكومة ودور الأفراد. إذن عندما تكون هناك مشكلة في (تشات جي بي تي) مثلاً نتحدث عما إذا يمكن للطلاب استعماله لكتابة امتحان مثلاً. هذا أمر متعلق بالشخص لكن هناك أيضاً ما تقوم به شركة «أوبن إيه أي - (Open AI) المنتجة له، ومسؤوليتها كلاعب في هذا المجال، ثم هناك دور الحكومة كالبيت الأبيض مثلاً، ورؤيتها لمستقبل الذكاء الاصطناعي.
إذن هناك ضرورة للنظر إلى الحكومة وضوابطها ومسؤولية الشركات والأفراد في تعرفهم على قوة التكنولوجيا، واتخاذ كل هذه المحاور على محمل الجد والعمل سويا. فهذا ما نفعله في كل أمر في الحياة. عندما أستقل سيارة، أضع حزام أمان لأنها مسؤوليتي الفردية. لكن صانع السيارة لديه مسؤولية تأمين سلامتها وإذا لم يلتزم بهذا ستتم محاسبته. ثم هناك الضوابط التي تضعها الحكومة لمعرفة ما هي معايير السلامة المطلوبة، كما أن الحكومة لديها مسؤولية تأمين سلامة الطرقات.
إذن الأمر مشابه في الذكاء الاصطناعي. وعندما نتساءل: هل هناك حاجة للضوابط، الجواب هو بالطبع هناك حاجة لضوابط ذكية تفهم طبيعة القضايا المطروحة هنا، للحرص على أننا لن ننجر في سياسة التخويف، لأنه من السهل جداً أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي وكأنه «الروبوت المدمرterminator» وهذا أمر بعيد كل البعد عن الذكاء الاصطناعي. أنا لست قلقاً من الروبوتات أنا قلق من التمييز في الذكاء الاصطناعي. وهذه قضية أهم بكثير، لكن لسوء الحظ من الصعب أن يشعر المرء بالحماس فيها لأنك تستطيع أن تتخيل أرنولد شوارزنيغر كالروبوت المدمر. لكنك لا تستطيع أن تتخيل طبيعة التمييز وكيف يمكنه أن يعمق من المشاكل الاجتماعية -كالتوظيف مثلاً- وغيرها من قضايا يؤثر فيها الذكاء الاصطناعي.
يرى بولغار أن المبالغات في التخوف من الذكاء الاصطناعي سببها أننا نميل بشكل طبيعي إلى النظر إليه كبشر (أدوبي ستوك)
> بالحديث عن الروبوتات، أريد أن أسالك عن المنافسة مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي أيضاً. هل يمكنك أن تشرح لنا طبيعة هذه المنافسة؟
- إحدى المسائل هنا هي أن الولايات المتحدة كلاعب أساسي عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي، تواجه نزاعاً بين الحاجة لأن تكون ذكية من حيث الضوابط المفروضة على الذكاء الاصطناعي، وبين المنافسة، على غرار تلك التي وجدت مع الاتحاد السوفياتي السابق. لهذا أعتقد أن هناك حاجة للتعاون، وضرورة وجود تعاون عالمي متعدد بين اللاعبين الأساسيين. ودور الأمم المتحدة مهم في هذا السيناريو. يجب أن نحرص على ألا نشعر بضغط يؤدي إلى إزالة كل الضوابط التي يجب أن تفرض.
بمعنى آخر السعي كي نكون في المقدمة يجب ألا يؤدي إلى خلق شيء غير جاهز للنشر… فيما يتعلق بالولايات المتحدة مقابل الصين، من الواضح أن هناك وضعا جيوسياسيا مضطربا للغاية. يجب ألا تتوقف أميركا عن الابتكار، فهذا ما جعلها ناجحة على مر العقود. أعتقد أن التوتر يكمن في السرعة من دون أن ننسى تأثير هذا على الأشخاص وأن نهمل القيود المطلوبة. إذا ما ركزنا على الابتكار الذي يميز أميركا سوف نتخطى المنافسة مع الصين.
> ذكرت في بداية إجاباتك أن هناك معسكرين، المعسكر الذي يقوده إيلون ماسك والذي يحظى بالكثير من الاهتمام، ويتضمن الكثير من التخويف، لماذا تعارضه الرأي؟
- لأن التخويف هو السيناريو الكلاسيكي للعرقلة، وهو فعال. والدليل الاهتمام الإعلامي به اليوم. لكن ما يفعله هو أنه يرسل رسالة إلى الأفراد العاديين ويقول لهم: «أنتم لا تفهمون هذه التكنولوجيا. إنها معقدة. وحدي أنا أستطيع أن أفهمها ولهذا يجب أن أكون مسؤولاً عن تصميمها». إذن عندما يتم التحذير من أن الذكاء الاصطناعي سوف يسيطر على العالم ويدمر البشرية هذا يجعل الشخص الذي يسمع هذا التحذير أو يرى التغريدة يقول: «لا يمكنني المشاركة في هذا الحوار لأنه يتخطى معرفتي»...
أقول لكل من يضع هذه الهالة حول الذكاء الاصطناعي، هل نواياكم جيدة؟ جوابي هو لا، هم يقومون بهذا لمساعدة موقفهم. لأن ما يقولونه فعلياً هو: «هذا سوف يدمر العالم لهذا يجب أن أسيطر عليه. وهذا أسلوب للقول لكل شخص يشاهد في المنزل ألا يكون جزءاً من الحوار. وأنا أرفض هذه المقاربة كلياً».
> هل تعتقد إذن بناء على ما تقوله بأن الإنسان سيتحكم دوماً بالذكاء الاصطناعي؟
- يجب أن ننظر إلى هذه المسألة بعين المنتقد، إذا كان الذكاء الاصطناعي فعلاً سيدمر العالم إذن لا يجب أن يكون الأشخاص الذين يروجون لذلك هم الأشخاص أنفسهم الذين يبيعونه للأفراد. هذا نوع من فرض للسلطة على هذا المجال. يجب أن نعود دوماً لنقطة أن الذكاء الاصطناعي لم يسقط علينا من السماء، إنه ليس سحرياً. كل التكنولوجيا بشرية. كل التقنيات أتت من عيوبنا الخاصة، إن الأشخاص الذين يصممونه هم الأشخاص الذين يخلقون الحماية من عدمها. من المهم أن نعلم أن كل التقنيات تخضع لنا نحن البشر، ولا يجب أن نقلق من أن الذكاء الاصطناعي سيحولنا إلى حيواناته الأليفة.
أنا أقلق أكثر من ألا يتمكن الشعب من المشاركة في هذا الحوار، وأقلق من ألا يتم دمج قيم الشعب في أنظمة التقنيات هذه. أعتقد أنني أقلق من واقع أن تكون هناك مجموعة صغيرة من المجتمع هي المسؤولة عن تصميم وتطوير ونشر التقنيات التي تؤثر على مجموعة كبيرة من الأشخاص. وألا يكون لهؤلاء الأشخاص رأي في كيفية خلق هذه التقنيات. لا يجب لأي تطبيق أن يكون من دون تمثيل، إن كان الأمر متعلقا بنا يجب أن يشملنا. وإذا كان الذكاء الاصطناعي يؤثر عليك، إذن لديك الحق في التأثير على صنعه. لأنني أرى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية مرتبط بمستقبل الديمقراطية ووضع الإنسان. إذن يجب أن نكون كلنا معنيين بمساره.
حصان طروادة أمام مقر شركة أوبن أيه آي مطوّرة تشات جي بي تي (أ.ف.ب)
قد تكون «القهقهة» هي الكلمة العربية المُثلى لترجمة عبارة «لول!» (LOL!) الإنجليزية التي استخدمها العالم المُسْتَقبلي مايك والش ليقول إنه «يضحك عالياً» عندما طلبت رأيه بالدعوة التي وجهها مؤسس شركتي «تيسلا» و«سبايس أكس» ومالك «تويتر» إيلون ماسك، مع مئات آخرين لكي تتوقف شركة «أوبن أيه آي» برئاسة سام التمان وكل مختبرات الذكاء الاصطناعي «فوراً ولمدة ستة أشهر على الأقل» عن تطوير الأنظمة الأكثر قوة من «تشات جي بي تي 4».
«كوول!» (!Cool) إنجليزية قالها ابن السنوات الست لأهله عند عودته من المدرسة مبهوراً بما قدمته مُعلمته الصف الأول الابتدائي. إذ فتحت الكومبيوتر ودعته مع بقية التلامذة إلى طرح ما يخطر على بالهم من أسئلة. فقدم «تشات جي بي تي» الأجوبة الصحيحة. لكن المعلمة قادت تلامذتها إلى الاستنتاج أنه من الغش تكليف الكومبيوتر بالقيام بما عليهم من واجبات وفروض مدرسية في البيت.
المقاربة ذاتها استدعت سؤالاً مختبرياً حول مسائل أخلاقية مثل الغش في الفروض المدرسية، طرحه باحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «إم آي تي» على «تشات جي بي تي»، الذي قدم أيضاً الأجوبة «الصحيحة» بل «المثالية»، من دون أن يعكس ذلك قلقاً حقيقياً عند المدير الإداري لشركة «سوميرو» العملاقة للاستثمار في التكنولوجيا الجديدة عبده جورج قديفة، الذي يتلاقى مع والش، مؤلف كتاب «القائد الخوارزمي، كيف تكون ذكياً عندما تصير الآلات أكثر ذكاء» الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة والعالم. كلاهما عزا المطالبة بالوقف الموقت لتطوير الذكاء الاصطناعي إلى «تخلف» إيلون ماسك عن ركب حققه شريكه السابق سام التمان، الذي «أخرج الجني من القمقم».
وكذلك عبر مؤلف كتاب «حقيقة الذكاء الاصطناعي ومستقبل البشرية» الشهير الدكتور ستيفن شوارتز، الذي عمل لدى جامعة يال الأميركية، عن اعتقاده بأن «المياه تدفقت فوق السدّ»، ولم يعد في الإمكان وقف التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي.
المستوى الذي بلغه الذكاء الاصطناعي في مختبرات المؤسسات الجامعية، وبدأ ينتقل بعجلة إلى الحياة اليومية للناس خلال الأشهر القليلة الماضية، يرقى إلى ما أحدثه «مشروع مانهاتن»، الذي أنتج القنبلة الذرية، طبقاً للعالم الأميركي - الفلسطيني الأصل البروفسور منذر دحلة، الذي يدير معهد البيانات والأنظمة والمجتمع في «إم آي تي»، المؤسسة الجامعية المصنفة أولى عالمياً في علوم التكنولوجيا.
حصان طروادة أمام مقر شركة «أوبن أيه آي» مطوّرة «تشات جي بي تي» (أ.ف.ب)
أجرت «الشرق الأوسط» حوارات منفصلة، ولكن لتكون بمثابة حلقة افتراضية متخيّلة أميركية - عربية، فجمعت بالإضافة إلى دحلة ووالش وقديفة وشوارتز، كلاً من النائب الأول لرئيس شركة «جينماب» الدنماركية للتكنولوجيا البيولوجية والمدير العالمي لعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي الدكتور هشام حمادة ومدير «مجتمع جميل» في «إم آي تي» جورج ريتشاردز وعضو مجلس أمناء الجامعة الأميركية في بيروت الرئيس التنفيذي لشركة «مجرّة» عبد السلام هيكل.
جميعهم في إطار جهد يتعدى الإعجاب، أو حتى الانبهار، بما يعدّه البعض «نظماً خارقة» ستؤدي إلى تحوّل ليس فقط في كل مجالات العمل، بل أيضاً في حياة الناس، كما نعرفها. أجاب هؤلاء، كل من موقعه ومنطلقه، عن أسئلة بعضها يمكن أن يبدو بسيطاً وساذجاً، مثل «الغش»، وبعضها الآخر مركب ومعقد، مثل احتمال تغلّب الذكاء الاصطناعي يوماً على صانعيها من البشر.
عندما قدم باحث من معهد «إم آي تي»، سؤالاً لـ«تشات جي بي تي» من أجل شرح مسائل أخلاقية واجتماعية تتعلق بأن يقوم الذكاء الاصطناعي بواجبك المدرسي كتلميذ أو كطالب، جاء جواب «تشات جي بي تي»، لافتاً «هناك عدد قليل من المشكلات الأخلاقية والاجتماعية المحتملة عند استخدام الذكاء الاصطناعي في أداء الواجبات المدرسية. أولاً، إذا كان الطلاب يستخدمون الذكاء الاصطناعي لأداء واجباتهم المدرسية نيابة عنهم، ربما لا يتعلمون المادة كما ينبغي. وهذا ما يمكن أن يؤدي هذا إلى مشاكل في المستقبل عندما يُتوقع منهم معرفة المواد اللازمة للامتحانات أو تطبيقات العالم الحقيقي.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي لأداء الواجب المدرسي إلى الغش. إذا كان الطلاب قادرين على الابتعاد عن استخدام الذكاء الاصطناعي في أداء واجباتهم المدرسية نيابة عنهم، ربما يخلق ذلك ميزة غير عادلة بالنسبة إلى الطلاب الآخرين الذين يقومون بواجبهم المدرسي بأنفسهم. أخيراً، يمكن أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي للقيام بالواجب المدرسي إلى الاعتماد على التكنولوجيا التي يمكن أن تكون ضارة إذا فشلت التكنولوجيا أو صارت غير متوافرة».
كان هذا «جواباً رائعاً ومثيراً للإعجاب».
التغيير التخريبي
في عصر التقنيات المتسارعة و«التغيير التخريبي» (مفهوم علمي جديد يتعلق بأثر التغييرات التكنولوجية المتسارعة على حياة الناس)، كان الكتاب الأخير لمايك والش «القائد الخوارزمي: كيف تكون ذكياً عندما تكون الآلات أكثر ذكاءً»، بمثابة دليل مفعم بالأمل لإعادة ابتكار القيادة والمؤسسات، علماً بأن كتابه الأول «فيوتشرتايمنت» («الترفيه المستقبلي») لعام 2009 فاز بجوائز أميركية وعالمية، بعدما توقع فيه تأثير الهاتف الذكي على إعادة تشكيل صناعة الإعلام والتسويق، والظهور الوشيك لوسائل الإعلام الاجتماعية والمؤثرين الرقميين وتدفق الترفيه.
وفي كتابه الثاني «قاموس الأفكار الخطرة» لعام 2014، توقع والش اختراقات في شبكات الأقمار الاصطناعية الصغيرة والعملات المشفرة والسيارات الذاتية القيادة والطائرات المسيّرة والبيولوجيا الرقمية. تُرجمت هذه الكتب الثلاثة إلى اللغات العربية، والألمانية، واليابانية، والصينية، والكورية والبولندية.
يشبه الدخول في الذكاء الاصطناعي اليوم بدء العمل يوماً بأنوال الحياكة الميكانيكية. آنذاك ثار عمال النسيج وحطموا الآلات الجديدة، غير أنهم سرعان ما أدركوا أن العمل الوحيد الذي خسروه، هو الذي لا يبعث على السعادة بين البشر - وكان هناك بالفعل المزيد من الوظائف المختلفة الجديدة المتاحة الآن. في نهاية المطاف، صار نول جاكارد الآلي، الذي يعمل ببطاقات تسجيل أوقات الشغل، أساساً لأجهزة الكومبيوتر الحديثة. يعتقد مايك والش أن «الخطر الحقيقي للذكاء الاصطناعي لا يتمثل في أن تصبح الأنظمة مدركة لذاتها وأن تدمرنا، بل يكمن في تفويض الكثير من اتخاذ القرارات لمنصات سيئة التصميم لا نفهمها تماماً».
اختبار تورينغ
بمقاربة مشابهة، أعاد قديفة إلى الأذهان الاختبار الذي ابتكره ألان تورينغ، أحد الرواد الأوائل في التشفير والحوسبة، لمعرفة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يقترب من الذكاء البشري، باختبار يقتضي وضع كومبيوتر خلف ستارة، ثم أن تطلب من شخص ما أن يتحدث مع «الشخص» الآخر خلف الستارة من دون أن يعرف أنه كومبيوتر. فإذا بدا منطقياً وكأنه إنسان، تعلم أننا نقترب من الذكاء البشري، وهذا ما تفعله «جي بي تي» الذي «يستند إلى 175 ملياراً من الوسائط الرقمية، مع رقمنة 300 مليار جزئية من المعلومات، ويستند إلى 40 ألف رمز في اللغة الإنجليزية»، مؤكداً أن «كل هذه الأرقام مدعاة للاحتفال بدلاً من القلق».
ومع أن هذه الأرقام تبدو فلكية، شرح ستيف شوارتز، الذي ألّف أيضاً كتاب «الروبوتات الشريرة، الكومبيوترات القاتلة، وخرافات أخرى» وشارك في تأسيس شركة «ديفايس24» للتكنولوجيا الذكية، طريقة بنائها، معبراً أولاً عن اعتقاده أن «(تشات جي بي تي) ليس أذكى من البشر. ولكن لديه ذاكرة أكبر»، موضحاً أنه «جرى تدريب (تشات جي بي تي) بقراءة ما يعادل ثلاثة ملايين كتاب. يختارون ثلاثة ملايين كتاب، ثم يحددون الكتاب الأول، ويقولون لـ(تشات جي بي تي): حسناً، هذه هي الكلمة الأولى في الكتاب، وعلى (تشات جي بي تي) أن يتوقع الكلمة الثانية. وبالطبع، سينتج أمراً ما بصورة عشوائية لكي تعطيه الإجابة الصحيحة، ومن ثم تقدم له الكلمتين الأوليين وكلمة ثالثة محددة. وبالطبع، ستأتي النتيجة عشوائية مرة أخرى. وتعطيه الإجابة الصحيحة مجدداً. وتبقى على هذا المنوال إلى أن ينتهي الكتاب بأكمله. وبعد ذلك تكون أعطيت ثلاثة ملايين إجابة صحيحة انطلاقاً من الكلمة التالية في الكتاب. وتطلب تعديل مرجعياته. في المرة القادمة، سيقوم (تشات جي بي تي) بعمل أفضل بكثير للتنبؤ».
وذكر بأن الملايين الثلاثة من الكتب، إنما هي إنترنت ونصوص على شبكة التطوير التي يجري تدريبها من أجل التنبؤ بالكلمة التالية. وبذلك، يتضح أنه عليك أن تتعلم الحقائق. إذن، من خلال قراءة ثلاثة ملايين كتاب، تعلمت الكثير من الحقائق. تعلمت قواعد اللغة الإنجليزية. تعلمت الكثير من المفاهيم، مثل أن الطيور يمكن أن تطير والسيارات لها عجلات. فقط كن قادراً على تنبؤ الكلمة التالية. هذه هي التكنولوجيا الكامنة التي تسمى «جي بي تي 3 أو 3.5 أو 4.0». هذه الأنظمة ليست تماماً مثل البشر. لذا؛ فإن السؤال ما هو مقدار ما تعلمته؟ وما مقدار ما يجعل ذلك تفكيراً بشرياً؟
نماذج اللغة الكبيرة
«الوثبة التكنولوجية» التي تحققت بالذكاء الاصطناعي لم تفاجئ الدكتور هشام حمادة الذي يركز في أبحاثه على إحداث اختراق في العلوم الدوائية للأمراض المستعصية. ويوضح أنه على رغم أن الخوارزميات الخاصة بنماذج اللغة الكبيرة التي تدعم الذكاء الاصطناعي التوليدي، «ليست موجودة منذ فترة طويلة»؛ لأنها «بدأت عام 2017 في ورقة بحثية من (غوغل)»، لافتاً إلى أن «ما جعله ينتشر على نطاق واسع هو إمكانية الوصول»، حين قامت شركة «أوبن إيه آي» في سان فرانسيسكو بإتاحته للجمهور من خلال لغة طبيعية. يمكن فقط لأي شخص أن يصل إليه لطرح الأسئلة، بالإضافة إلى التغطية الإعلامية عن إمكاناتها وآثارها الأخلاقية. وأضاف أن «هذا ما ساهم في زيادة الوعي العام والانبهار بهذه التكنولوجيا. ولذا؛ أعتقد أنها ليست الخوارزمية فقط، بل أيضاً سهولة الوصول إليها».
خلال السنين العشر الماضية، ومنذ أن فاز جيفري هينتون وفريقه بمسابقة «أيميدج نت» عام 2012، وحتى نهاية عام 2022 مع تقديم «تشات جي بي تي»، حصلت عمليات تطوير هائلة في الحوسبة، والبنية التحتية السحابية، والتصميم الخوارزمي، وجودة البيانات. وبدا واضحاً أن الذكاء الاصطناعي سيحوّل بشكل أساسي العمليات في كل مؤسسة وصناعة. ويعتقد مايك والش أن جائحة «كوفيد - 19» بدءاً من عام 2020 «كانت العامل المحفز» لـ«تسريع» التحول الرقمي، الذي «يحتمل أن يكون أدى إلى تسريع مجيء عصر الذكاء الاصطناعي بمقدار ما لا يقل عن عشر سنين».
ليس لدى شوارتز قلق من أن يصير الذكاء الاصطناعي «قوياً للغاية بما يمكنه من السيطرة على العالم»، مذكراً بأن ذلك كان رأي سام التمان الذي أوضح أنه «حتى لو كنا نتقدم نحو هذا المستوى من الذكاء الاصطناعي بما يمكنه من السيطرة على العالم، فمن الأفضل طرح هذه التطورات ببطء وتدريجاً عوض تقديمها بالكامل إلى العالم مرة واحدة». وأضاف أنه «إذا فعلنا ذلك ببطء، يمكننا معرفة المشاكل، وإيجاد الحلول لهذه المشاكل، وبالتالي، يمكننا أن نضعها في مكانها ونجعلها آمنة وتتحسن شيئاً فشيئاً بدلاً من الانتظار حتى تصير ذكية بالفعل ثم نحاول معرفتها».
المقارنة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان تبدو بالنسبة إلى حمادة «أشبه بمقارنة سيارة فيراري بجرار زراعي. لجهة القوة، أحدهما فيه قوة أكبر من الآخر. لكن وجهة الاستخدام أساسية»، مضيفاً أنه «لا يمكنك أن تحرث الحقل باستخدام الفيراري»، ومع أن «الجرار فيه محرك أكبر، لكنه لن يتجاوز سرعة الفيراري». لا يزال هذا التمييز يحتاج إلى العقل البشري.
العواقب والمخاوف
يقرّ قديفة الذي تخرّج في الجامعة الأميركية ببيروت ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وجامعة شيكاغو قبل أن يعمل نائباً للرئيس التنفيذي لشركة «هيوليت باكارد» («إتش بي») الأميركية للتكنولوجيا، بأنه «مع أي اختراق كبير في التكنولوجيا، هناك إيجابيات وسلبيات»، موضحاً أن «هناك عواقب قانونية، لجهة حقوق النشر، ولجهة من أين جرى الحصول على المعلومات، ولجهة الخصوصية»، وغير ذلك من التداعيات المرتبطة بمن يتحكم بالمعلومات الموجودة مثلاً في «تشات جي بي تي»؛ لأنه «نظام مغلق»، علماً بأن هناك أيضاً «اعتبارات أمنية» يمكن أن تكون على صلة بالأشخاص الذين يقومون بـ«تسميم البيانات» عبر «إدخال المعلومات في الإنترنت والتي يمكن قراءتها بواسطة (تشات جي بي تي)» الذي «لا يعرف ما إذا كانت هذه المعلومات جيدة أو سيئة».
بات سؤال استبدال الذكاء الاصطناعي بالإنسان مطروحاً بقوة اليوم (أ.ف.ب)
يسود اعتقاد بين الخبراء في المجال الجديد، أنه سيجري تجاوز العقبات والتحديات الماثلة الآن، فعندما جرى تطوير الإنترنت، عبّرت غالبية الناس عن خشيتها من وضع معلومات بطاقة الائتمان الخاصة بهم على الإنترنت بسبب الأمان، والخصوصية وكل تلك الأمور. لكن جرى التوصل إلى حلول ناجحة. وليس أدل على ذلك من أن أحداً لا يفكر الآن في الإنترنت كمكان غير آمن وموثوق لبطاقات الائتمان.
مع «تشات جي بي تي» أو غيره من أشكال الذكاء الاصطناعي التي تنجز الأمور والأعمال بسرعة كبيرة، يؤكد شوارتز أن «المعلومات المضللة ستكون مشكلة هائلة بسبب أدوات كهذه»، داعياً إلى إدراك حقيقة أن «(تشات جي بي تي) ليس الوحيد من نوعه. لذلك؛ إذا فتحت (أوبن إيه آي)، وهي بائعة (تشات جي بي تي)، الوصول إليه، سيبقى لدينا القدر ذاته من المعلومات المضللة؛ نظراً لوجود الآلاف من الأدوات الأخرى المشابهة والمتاحة». وأكد أنه «بصرف النظر عما نفعله، أعتقد أنه خلال العام المقبل، سنرى الإنترنت بأكمله ملوثاً بالمعلومات المضللة التي أنشأتها تلك العقول الكبيرة. وسيكون الأمر فظيعاً».
تثير «الإجابات الخاطئة أو السامّة» من «تشات جي بي تي» مزيداً في القلق حيال ما يمكن أن يحمله الفضاء الإلكتروني. فإذا كتبت على «تشات جي بي تي» (بالإنجليزية) جملة تبدأ بعبارة «إن التحري»... ثم طلبت منه أن ينهي الجملة، فعادة ما سيكملها مع تحرٍ من الذكور. وهذا تحيز ضد التحريات الإناث. وبالمثل إذا كتبت عبارة «إن المسلمين...» وتركت «تشات جي بي تي» يكمل العبارة، في كثير من الأحيان سيضيف كلمة مثل «إرهابيون». يؤكد شوارتز أن «هذا أمر غير عادل حقاً. هذه استجابة سامة لا ينبغي أن تكون».
يتقاسم حمادة هذا «الخوف الكبير» مع شوارتز من «المعلومات المضللة» و«المحتوى المزيف»؛ لأن القدرة موجودة الآن على «إنشاء محتوى مزيف واقعي للغاية، بما في ذلك النصوص والصور والصوت، وحتى الفيديو؛ إذ يمكنك أن تأخذ وجهك وتجعله يقول أي شيء بأي نبرة صوت تريدها. هذا مخيف». وكذلك هناك «قلق آخر» مرتبط بالمخاوف الأخلاقية، مثل «أصالة المحتوى المرتبط بالذكاء الاصطناعي». قال «لنفترض أنك أنشأت فناً بواسطة آلة، وحاولت الدخول في مسابقات باعتبار أنك أنشأت هذا الفن بيدك. هذا أمر مقلق».
هناك ما هو أخطر، ويثير المزيد من التساؤلات. إذا كان هناك ذكاء صناعي يحاول تقديم نصيحة طبية على سبيل المثال، فمن يتحقق من ذلك ويفحصه في كل مرة؟ هل نقول في وقت ما إنه صندوق أسود يمكن الوثوق به لأنه أعطى في المرات المائة الأخيرة الجواب الصحيح، وكذلك سيفعل في المرات المائة التالية؟ ماذا يحدث عندما يكون متحيزاً لفئة معينة من السكان، ويصنّف أفرادها كمجرمين أو كأشخاص ناجحين؟ هل تثق بالذكاء الاصطناعي لتوظيف أشخاص في شركتك، أو للإبلاغ عنهم، أو على الأقل تصفيتهم؟ من يتحمل المسؤولية إذا كانت النتيجة غير مرضية؟ الذكاء الاصطناعي؟ أم مشغل الذكاء الاصطناعي؟
يعتقد مايك والش أن «الجانب السلبي الأساسي للذكاء الاصطناعي هو تطبيقه من دون التفكير في إمكاناته الثورية الحقيقية»، مضيفاً أن القادة «غالباً ما يركزون على تحسينات بنسبة 10 في المائة للعمليات والأنظمة الموجودة، من دون أن يسألوا أنفسهم: ما هي الفرصة المضاعفة عشر مرات لإعادة تصور ما يفعلونه؟».
إيجابيات متناهية
يقف عبده قديفة «على الجانب الإيجابي والمتفائل» بالتكنولوجيا الجديدة، متوقعاً أن «يكون هناك الكثير من الأعمال التجارية الجديدة، والأفكار الجديدة»، قائلاً إن «الكثير من الخير سيحصل، أكان في التعليم أم في مجال الرعاية الصحية وفي العلوم»، مذكّراً بأن القاعدة العلمية القديمة التي كانت تقوم على مرجعيتين أو ثلاث أو عشر مرجعيات «ربما لم تعد ذات صلة» الآن، موضحاً أنه بعدما كانت تقوم طوال السنوات الـ500 الماضية على أن «تنظر، على سبيل المثال، إلى بيئة مادية أو بيولوجية أو كيمائية، وتخرج بفرضية، ومن ثم تتحقق مما إذا كانت هذه الفرضية صحيحة»، كأن تقول على سبيل المثال إن قوة الجاذبية تساوي الكتلة مضروبة بعامل الجاذبية.
لذلك؛ عندما نظر اسحق نيوتن إلى قانون الجاذبية، قال بشكل أساسي «حسناً، هناك ثلاثة عوامل هنا، وقام ببعض القياسات، وكان محقاً». أوصلت هذه القاعدة العلمية الناس إلى القمر والمريخ، وإلى كل مكان. ولكن «مع الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستنفجر المعرفة البشرية أضعافاً مضاعفة بطريقة إيجابية للغاية»؛ لأن القاعدة العلمية في عصر الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تسند ليس فقط بعدد قليل من المرجعيات، بل سيكون لدى الناس ربما مائة ألف أو أكثر من المرجعيات والمتغيرات لشرحها. «(تشات جي بي تي) يشرح كيف تعمل اللغة الإنجليزية من خلال 175 ملياراً من المرجعيات. لذلك؛ أتوقع انفجاراً ضخماً في الاكتشافات العلمية أيضاً».
يشبه الدخول في الذكاء الاصطناعي اليوم بدء العمل يوماً بأنوال الحياكة الميكانيكية (أدوبي ستوك)
ينبّه مايك والش إلى أن «الخطأ الأكبر الذي ارتكبه معظم الناس في شأن الذكاء الاصطناعي حتى قبل بضع سنوات، هو افتراض أنه يشكل خطرا وجوديا على وظائف أصحاب الياقات الزرقاء، مثل الضيافة والبناء والنقل»، أو أن «التهديد الحقيقي للتدمير الخلاق يمكن أن يحصل في الصناعات المعرفية والخدمات المهنية». ولكنه أوضح أن «هذا لا يعني أننا لن نحتاج إلى كتاب أو محامين أو محاسبين أو مصرفيين في المستقبل. بل إن هذه أصحاب هذه المهن، الذين استفادوا بشكل هائل من مكاسب الإنتاجية من التكنولوجيا طوال العقود القليلة الماضية، عليهم فقط أن يعملوا الآن بجدية قصوى لإعادة اختراع أدوارهم، وتحديد أين يمكنهم إضافة قيمة كبشر أثناء العمل جنباً إلى جنب مع محركات الذكاء الاصطناعي المتطورة بشكل متزايد».
الذكاء النافع
يفصل شوارتز بين الذكاء الاصطناعي و«تشات جي بي تي» وإن كانت هناك صلة بينهما، ففي الأول مثلاً «محركات توصية خاصة» بشركات مثل «أمازون» و«نتفليكس» وغيرهما مما يعرض على الناس منتجات معينة بناءً على أنماط الشراء السابقة. كما أن التشخيص الطبي يتأثر بالذكاء الاصطناعي ولكنه ليس «تشات جي بي تي»، وتقنية التعرف على الوجه في الهاتف الذكي تمكنك من التقاط صورة لأصدقائك، وستتعرف على أسمائهم تلقائياً. ورأى أنه ستكون لـ«تشات جي بي تي» تأثيرات في ثلاثة مجالات. الأول هو أنه سننتهي بمساعدين شخصيين أفضل بكثير. كما أن أنظمة «أليكسا» و«سيري» التي يستخدمها الناس ستتحسن كثيراً. وكذلك ستتحسن كثيراً روبوتات المحادثة لخدمة العملاء. والمجال الثاني، سيكون التأثير كبيراً على محركات البحث، مثل «غوغل» و«بينغ» وغيرهما، علماً بأنها «كانت تتحسن تدريجاً على مر السنين».
ولكن «(تشات جي بي تي) سيجعلها أفضل بكثير. وسيحصل الأمر نفسه مع كل أنواع التطبيقات المخصصة للبحث عن كلمات مفاتيح». والثالث هو «بشكل عام التطبيقات التي تجيب على أسئلة، فحيث يمكنك كتابة سؤال والحصول على جواب، سيتحسن الجواب بشكل كبير مع (تشات جي بي تي)». وربما هناك فئة رابعة تتعلق تقريباً بأي شيء إبداعي. لذا؛ إذا كنت تكتب منشوراً لمدونة، يمكنك أن تسأل «تشات جي بي تي» أن يكتب منشوراً للمدونة. وإذا كنت تكتب برنامجاً للكومبيوتر، يمكنك أن تطلب ذلك من «تشات جي بي تي» أو أداة مشابهة لإنشاء نقطة بداية لبرنامج الكومبيوتر الخاص بك. يمكنك أن تطلب من «تشات جي بي تي» أن يلخص وثيقة. كل هذه الأنواع من القدرات ستعمل على تحسين الإنتاجية حقاً.
موقع العرب
أين العرب؟ يعقد العاملون في مجال الذكاء الاصطناعي في أميركا مقارنة بين «الاختراق الثوري» الذي يحصل الآن وذلك الذي أنتجه «مشروع مانهاتن» في علوم الانشطار الذري، خلال الأربعينات من القرن الماضي.
عبده قديفة، وهو لبناني لأب عصامي اسمه جورج كان مسؤولاً في مرفأ بيروت في السبعينات من القرن الماضي، يعبّر عن اعتقاد أن «الذكاء الاصطناعي يشكل تهديداً للغة العربية»، منبهاً إلى أنه «إذا لم يملك العرب نموذجاً لغوياً كبيراً، فإن تراث العرب بأسره سيتأثر». وإذ شدد على أن «العربية مهمة ثقافياً كلغة، بل أيضاً من منظور ديني». قال «كعرب، علينا أن نشارك في هذه الثورة وأن نحافظ على ملكية لغتنا». وأضاف «لا يعتقد أن المال هو القضية»، واعداً بأنه «سيفعل أمراً ما حيال ذلك، بالتأكيد».
وفي السياق نفسه، يعكس مدير «مجتمع جميل» في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، «إم آي تي» جورج ريتشاردز، الذي ذكر بأن المؤسسة التي أسستها عائلة جميل في المملكة العربية السعودية عام 1945 «تدرك جيداً إمكانات الذكاء الاصطناعي»، بل إنها عملت على تطوير «أدوات الذكاء الاصطناعي السريرية لـ(عيادة جميل) في (إم آي تي)؛ بغية إحراز تحسن كبير في صحة ورفاهية الناس في كل أنحاء العالم»، مستدركاً أن هناك «حاجة إلى العمل الجاد لضمان وصول هذه الأدوات إلى الجهات الضعيفة الموارد». وأضاف أن هذا هو «السبب في أننا ندعم (عيادة جميل)، جنباً إلى جنب مع منظمة (ويلكوم ترست) البريطانية الخيرية، لتنمية شبكة من المستشفيات الشريكة لنشر هذه الأدوات».
وذكر عضو مجلس أمناء الجامعة الأميركية في بيروت الرئيس التنفيذي لشركة «مجرّة» عبد السلام هيكل، أن عمله «يشمل الذكاء الاصطناعي مع التركيز على معالجة حوسبة اللغة العربية الطبيعية ونماذج لغة (تشات جي بي تي)»، معتبراً أن «الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التوليدي، يحتاج إلى تنظيم». لكنه استبعد رؤية ما يسمى «سيناريو يوم القيامة» بأن يخرج الذكاء الاصطناعي عن «نطاق السيطرة أكثر من أي تقنية أخرى يمكن أن يكون لها استخدام مزدوج، كالعقاقير الطبية والمفاعلات النووية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي».
ومع ذلك، أقرّ بأن الذكاء الاصطناعي «يجلب تحديات فريدة من نوعها ستتطلب تدخلات فريدة». وعبّر عن اعتقاده أن تعميم «تشات جي بي تي» وإمكانات الذكاء الاصطناعي «سيؤدي إلى مزيد من الاستثمار والابتكار»؛ إذ إن «عدداً لا يحصى من الأشخاص سيستخدمون هذه التكنولوجيا لخلق فرص جديدة لأنفسهم وللمجتمع، وفي الوقت نفسه تعطيل وظائف وأنظمة قائمة».
قمح سوريا يعود إلى الحياة... وتركة الحرب تقوّض مكاسب المزارعينhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/4364566-%D9%82%D9%85%D8%AD-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%8A%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%AA%D9%82%D9%88%D9%91%D8%B6-%D9%85%D9%83%D8%A7%D8%B3%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%B9%D9%8A%D9%86
قمح سوريا يعود إلى الحياة... وتركة الحرب تقوّض مكاسب المزارعين
شهدت مختلف مناطق سوريا وفرة كبيرة في موسم القمح هذا العام... وتفاوتاً أكبر في الأسعار (غيتي)
الموسم يبدو واعداً هذه السنة؛ حقول القمح المغطاة بسنابل صفراء ذهبية تبشّر بمحصول وفير وعودة المحصول الأهم إلى الحياة بعد سنوات من الجفاف، لكنَّ الأسعار التي تقدمها الحكومة السورية لشراء المحاصيل تلقى اعتراضاً كبيراً من المزارعين الذين يقولون إن أسعار العام الماضي كانت أفضل، خصوصاً في ظل التراجع الكبير في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي.
اعتراض المزارعين ليس وحده ما تواجهه الحكومة السورية لتأمين حاجة البلاد من القمح. فمناطق واسعة من البلاد، بما في ذلك «سلّة البلاد الغذائية» تقع في مناطق خارجة عن سيطرتها سواء في شمال شرقي البلاد أو في شمالها الغربي. والجهات الحاكمة في هذه المناطق، وليست الحكومة السورية، هي التي تتحكم إلى حد بعيد في المحاصيل.
مزارعو شمال غربي سوريا... تفاؤل بالحصاد ومخاوف من القصفhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/4364561-%D9%85%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%B9%D9%88-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%A4%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D9%85%D8%AE%D8%A7%D9%88%D9%81-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%81
مزارعو شمال غربي سوريا... تفاؤل بالحصاد ومخاوف من القصف
وفرة في محصول القمح السوري... وخلاف على الأسعار (غيتي)
تشهد مناطق شمال غربي سوريا، التي تضم أجزاء واسعة من محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، الخاضعة لنفوذ فصائل مسلحة أبرزها «هيئة تحرير الشام»، حالة تفاؤل بالوضع الزراعي وسط توقعات بإنتاج وفير من الزراعات الاستراتيجية وعلى رأسها القمح. وتقول فصائل المعارضة التي أحكمت سيطرتها على المنطقة منذ عام 2015، إنها عملت على تحسين الواقع الزراعي عبر سلسلة من الإجراءات والمساعدات لتشجيع المزارعين، بحيث بلغت نسبة الاكتفاء من مادة القمح 60 في المائة.
ويشكل القسم الشمالي من سهل الغاب، غرب مدينة حماة بوسط البلاد، والقسم الصالح للزراعة في سهل الروج، والمقدر مساحتهما بـ59795 هكتاراً؛ ومناطق أخرى في إدلب، بالإضافة إلى السهول الزراعية في عفرين والقسم الشمالي لمحافظة حلب، وتبلغ مساحتها بحدود 22230 هكتاراً، السلة الغذائية الرئيسية لأكثر من 5 ملايين ونصف مليون نسمة يعيشون في مناطق المعارضة المسلحة بشمال غربي البلاد. وتُنتج في هذه المناطق محاصيل زراعية مختلفة في مقدمها القمح والشعير إضافةً إلى محاصيل بعلية ومرويّة أخرى.
وتزامن تراجع دعم الجهات الإنسانية من الطحين لإنتاج الخبز في نهاية عام 2021، مع تراجع نسبة إنتاج القمح في شمال غربي سوريا بسبب عوامل مختلفة، ما أثار مخاوف من حدوث مجاعة تطول نسبة كبيرة من السكان. وأدى ذلك إلى حالة غضب واحتجاجات، ما دفع «حكومة الإنقاذ» التي تدعمها «هيئة تحرير الشام» والتي تشرف على الجانب الإداري في المنطقة، إلى اتّباع تدابير وقائية تهدف إلى دعم مادة الخبز وتثبيت أسعاره لدى الأفران الخاصة.
تسعيرة «تحرير الشام»
وتباع سعر ربطة الخبز وزن كيلوغرام بـ5 ليرات تركية بعد توزيع كميات إضافية من مساعدات الطحين إلى المخابز. وبعد تعهد زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، بتقديم 3 ملايين دولار لدعم مادة الخبز وتشغيل الأفران حتى انتهاء الأزمة الاقتصادية، أعلنت «حكومة الإنقاذ» مخصصات لدعم الطحين والوقود لـ85 مخبزاً، في محاولة منها لتثبيت سعر ربطة الخبز عند حدود 5 ليرات تركية.
وفرة في محصول القمح السوري... وخلاف على الأسعار (غيتي)
وبموازاة ذلك، عملت الجهات الممسكة بالوضع في شمال غربي البلاد على تطوير القطاع الزراعي وتشجيع الفلاحين على العودة إلى الزراعة وزيادة المساحات الزراعية، وإنتاج المحاصيل بكميات وفيرة قادرة على سد الطلب وتعويض النقص في المساعدات الإنسانية (الطحين). ويتم ذلك من خلال تقديم مشروع «القرض الحسن» للمزارعين لشراء بذور وأسمدة ومحروقات، على أن يتم تسديد القرض بعد الحصاد وجني المواسم.
وقال المهندس أحمد الكوان، وهو معاون «وزير الزراعة والري» في «حكومة الإنقاذ» بإدلب، إن «الوزارة أطلقت في بداية الموسم الزراعي لهذا العام، مشروع القرض العيني الخاص بمحصول القمح، وذلك لتشجيع الفلاحين على زيادة المساحات المزروعة بالقمح، ووزعت خلاله 22459 طناً من بذاره على المزارعين في مناطق سهل الروج ومناطق أخرى بريف إدلب، بالإضافة إلى توزيع 2182 طناً من السماد، و71810 ليترات من المحروقات لهم... وتقدّر المساحة المزروعة لهذا العام بـ32850 هكتاراً من القمح، وهذا يعني ضعف المساحات التي كانت تستثمر في زراعة القمح خلال السنوات المنصرمة... أما الهدف من ذلك فهو رفع كمية الإنتاج من القمح إلى الحد المطلوب للاكتفاء الذاتي».
وأشار إلى أنه «لا تزال هناك عراقيل وصعوبات تواجه المزارعين خصوصاً في الأمراض التي أصابت المزروعات في عدد من المناطق خصوصاً القريبة من مناطق التماس مع قوات النظام السوري». وأشار إلى ظهور «حافر أوراق النجيليات» نتيجة عدم اتّباع المزارعين دورة زراعية «بفعل القصف المتكرر على المنطقة»، وإلى تعرض حقول القمح للحرائق قبل موسم الحصاد بسبب القصف أيضاً، علماً أن بعض المناطق المزروعة تقع قرب خطوط التماس بين قوات الحكومة السورية وبين فصائل المعارضة المسلحة.
وحددت «حكومة الإنقاذ» سعر طن القمح في إدلب هذا العام بـ350 دولاراً أميركياً. ويرجح أن يبلغ اكتفاء القمح 60 في المائة هذا العام، ويعود ذلك إلى زراعة مئات الهكتارات بالقمح والتي يتم ريّها عبر شبكات مياه تعتمد على الطاقة الشمسية.
مزارعان في حقل قمح بريف إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
أما في المناطق الخاضعة لنفوذ الجيش التركي والتي تُعرف بمنطقتي عمليات «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، شمال حلب، فقد قال أحد المسؤولين في «وزارة الزراعة» التابعة لـ«الحكومة المؤقتة» للمعارضة المدعومة من أنقرة، «إن الحكومة بصدد دراسة حثيثة لاستجرار مياه الري من نهر الفرات إلى مناطق الباب والراعي وجنوب جرابلس، بالاعتماد على جهات دولية مانحة، لتمكين المزارعين من توسيع المساحات المزروعة بالقمح، وذلك بعد أن شهدت المنطقة خلال السنوات الماضية تراجعاً في عملية زراعة القمح التي تعتمد على الري بالآبار الارتوازية ذات الكلفة الباهظة وتوجه الفلاحين إلى زراعات أخرى لا تحتاج إلى كميات مياه كبيرة وتعتمد في الوقت ذاته على الحد الأدنى من الأمطار كالعدس والعصفر وغيرها من الزراعات البعلية، وهو ما قلّص إنتاج مادة القمح خلال السنوات الماضية إلى ما دون 150 ألف طن، ضمن مساحة لا تتجاوز 250 ألف دونم، وهذا على الرغم من تشجيع المزارعين وتقديم البذار والأسمدة لهم بالمجان». وتابع أن خبراء يقدّرون احتياج مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي للقمح بـ185 ألف طن سنوياً، حيث تحتاج منطقة «درع الفرات» لـ125 ألف طن، ومنطقة «غصن الزيتون» لـ60 ألف طن، في الوقت الذي تحتاج هاتان المنطقتان لـ150 ألف طن من الدقيق (الطحين).
مخاوف الحرائق تدفع المزارعين لحصاد القمح مبكراً
ويتخوف المزارع أبو خليل كحال، مثله مثل كثير من مزارعي جنوب إدلب والقسم الشمالي لسهل الغاب بريف حماة، من تزايد حدة القصف بين قوات الحكومة السورية والمعارضة تزامناً مع بدء جني مواسم حصاد القمح هذه الأيام. ويوضح أبو خليل (53 عاماً) وهو أحد سكان بلدة الفريكة الواقعة على بُعد 50 كيلومتراً إلى الغرب من إدلب، ويمتلك ما يقارب 20 هكتاراً من القمح القاسي ذي الجودة العالية، أنه يخشى مع اقتراب موسم الحصاد أن تعمد قوات الحكومة السورية «كالعادة مثل الأعوام السابقة خلال مواسم جني المحاصيل» إلى قصف منطقته التي بادر أهلها إلى زراعة القمح على مساحات كبيرة من أراضيهم الزراعية هذا العام، الأمر الذي سيؤدي إلى خسارة الموسم الذي انتظروه «عاماً كاملاً».
ونوّه أبو خليل إلى أن كلفة الدونم الواحد من القمح المروي هذا العام، بدءاً من زراعته والعناية به حتى حصاده، وصلت إلى ما يقارب 100 دولار أميركي، متوقِّعاً وصول إنتاج الدونم الواحد إلى نحو نصف طن من القمح وأكثر «نظراً إلى حجم سنابل القمح الناضجة بصورة سليمة بعد العناية بها على مدار عام كامل، ما يعني أنه سيوفر أرباحاً بما بين 100 و150 دولاراً في الدونم الواحد، فيما لو نجا الموسم من أي حريق».
مزارعون في أحد حقول القمح شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
دمشق:«الشرق الأوسط»
TT
دمشق:«الشرق الأوسط»
TT
«فالج لا تعالج»... أزمة تسعير القمح تهدد رغيف الخبز السوري
مزارعون في أحد حقول القمح شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
أثار قرار الحكومة السورية بخصوص تسعيرة القمح استغراب مزارعين وحنقهم، فيما أفادت وسائل إعلام محلية بإجماع فروع الاتحاد العام للفلاحين في المحافظات على عدم عدالة التسعيرة. وفي وقت طالبت لجنة الزراعة العليا بإعادة النظر في التسعيرة ورفعها إلى 3 آلاف ليرة للكيلو الواحد حداً أدنى، حذّر رئيس مكتب التسويق والتصنيع في اتحاد الفلاحين أحمد هلال الخلف، «من عزوف الفلاحين في الموسم المقبل عن زراعة هذا المحصول الاستراتيجي واستبداله بزراعات توفر دخلاً أفضل لهم»، في احتجاج منهم على الأسعار التي يعدونها غير منصفة.
واختصر مزارع يتحدر من ريف حمص رأيه بالقرارات الحكومية الخاصة بشراء القمح لهذا العام بالمثل الشعبي «فالج لا تعالج»، مؤكداً خلال اتصال هاتفي عجزه عن فهم الغاية من «قرارات مجحفة بحق المزارع... سعر الحكومة للقمح والشعير لهذا العام أقل من سعر التكلفة». ويتناقض كلامه مع تأكيد الحكومة حين حددت سعر شراء كيلو القمح للعام الحالي بـ2800 ليرة سورية، وسعر كيلو الشعير بـ2200 ليرة، أنها «ضمنت للمزارع هامش ربح بنسبة 35 في المائة»، وأن هذه التسعيرة جاءت نتيجة «احتساب تكلفة الإنتاج الحقيقية في ظل الدعم المقدم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة».
وزيرة سابقة تنتقد
بدورها، انتقدت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، سياسات الحكومة الزراعية، وقالت «إن الاستمرار بالاستيراد وعدم تشجيع المزارعين على زراعة القمح بات سياسة متبناة ودائمة لصالح المستوردين»، لافتة إلى أن الحكومة هذا العام أعادت تسعيرة القمح بأقل من الأسعار العالمية، ما يؤدي بالنتيجة إلى خفض نسبة الأراضي وكميات الإنتاج المسلمة للحكومة.
جانب من الحصاد في حقل قمح بسوريا (الشرق الأوسط)
وقالت مصادر اقتصادية في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، إن سعر شراء كيلو القمح هذا الموسم أقل من الموسم الماضي قياساً إلى سعر صرف الليرة أمام الدولار (9200 ليرة) وتكلفة الإنتاج. وحددت الحكومة العام الماضي سعر شراء كيلو القمح بـ1700 ليرة مع إضافة 300 ليرة لمن يبيعها من خارج مناطق سيطرتها، أي بسعر ألفي ليرة، وكان سعر الصرف وقتذاك أقل من 4000 ليرة مقابل كل دولار أميركي، بينما حددت الحكومة سعر كيلو القمح بـ2800 ليرة في الموسم الحالي، علماً بأن الليرة خسرت كثيراً من قيمتها أمام الدولار هذا العام.
يُضاف إلى ذلك أن المزارعين يعانون أيضاً من ارتفاع في أسعار البذار والمبيدات والري وأجور العمالة، حيث إن الدعم الذي تقدمه الحكومة لا يغطي ربع الاحتياجات، كما يقول مزارعون، كما أن الدعم غالباً ما يأتي متأخراً.
دفع إلى السوق السوداء
وتوضح المصادر الاقتصادية ذاتها أن تكلفة إنتاج كيلو القمح تبلغ في الواقع بين 2500 ليرة و3200 ليرة، «ما يعني في أقل تقدير، واستناداً إلى سعر الصرف وتكلفة الإنتاج، أن التسعيرة يجب أن لا تقل عن 3500 ليرة حداً أدنى». وتتابع أن فرض سعر أقل من التكلفة «سيدفع بالإنتاج إلى السوق السوداء أو إلى التهريب خارج البلاد... وستضطر الحكومة لاستيراد القمح وشرائه بالعملة الصعبة».
يذكر أن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة تحتاج سنوياً إلى مليوني طن من القمح، وكانت سوريا لغاية عام 2011 تنتج نحو 3.5 ملايين طن. ووصل إنتاج القمح في عموم المناطق السورية الموسم الماضي إلى مليون ونصف المليون طن، منها 500 ألف طن في مناطق سيطرة الحكومة، و200 ألف في مناطق المعارضة شمال غربي البلاد، و800 ألف طن في مناطق الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي، ما اضطر حكومة دمشق إلى استيراد أكثر من مليون طن من القمح خلال العام الماضي، منها 500 ألف طن من روسيا. وأوكلت إلى القطاع الخاص مهمة استيراد القمح من دول أخرى.
ومع اندلاع الحرب وتضرر الزراعة، تراجع إنتاج القمح وتحوّلت سوريا من دولة مصدّرة للقمح إلى دولة مستوردة له. ومع أن إنتاج القمح تحسّن منذ عام 2018 إلا أنه ما زال لا يغطي الاحتياج، حيث تراجعت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح للموسم الحالي بنسبة 20 في المائة عن العام الماضي، بسبب تأثير الجفاف على أكثر من 70 في المائة من المساحات المزروعة في مناطق نهر الفرات، وتضررت نحو 17 ألف دونم من محصولي القمح والشعير في دير الزور بسبب هطولات المطر الربيعية.
حقائق
الحرب أنهت «الاكتفاء الذاتي» لسوريا من قمحها
حافظت سوريا حتى سنة 2011 على الاكتفاء الذاتي في مادتي القمح والشعير.
على مستوى سوريا، كان يزرع حتى عام 2010 نحو 1.7 مليون هكتار.
متوسط إنتاج القمح خلال آخر 20 عاماً قبل الحرب (1990-2010) كان يزيد على 4 ملايين طن.
احتفظت سوريا بالمخزون الاستراتيجي حتى 2010 وكان يكفي لمدة عامين متتاليين.
شكّلت مساحة القمح المزروعة المروية على الآبار الجوفية نحو 43% من الأراضي.
المساحة الفعلية التي تعتمد على الأمطار الشتوية بلغت 57%.
في سنة 2006 سجلت سوريا أعلى رقم في إنتاج القمح بمقدار 4.9 ملايين طن.
عام 2021 سجلت البلاد أدنى منتج في القمح بعد عامين من الجفاف، وبلغ آنذاك نحو 100 ألف طن فقط.
مناطق الإدارة الذاتية (شمال شرق) مكتفية ذاتياً بمحصول القمح والشعير، وتحتاج إلى نصف مليون طن لتأمين الطحين وعلف الحيوانات والبذار، وتبيع الفائض للحكومة السورية.
مدينة إدلب (شمال غرب) وريف حلب الشمالي والغربي (مناطق العمليات التركية) غير مكتفية ذاتياً نظراً لوجود أكثر من 4 ملايين نسمة يعيشون هناك، تحتاج لأكثر من نصف مليون طن من القمح سنوياً.
شمال شرقي سوريا... حقول القمح تبشّر بمحصول وفيرhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/4364551-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B4%D8%B1%D9%82%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%AD-%D8%AA%D8%A8%D8%B4%D9%91%D8%B1-%D8%A8%D9%85%D8%AD%D8%B5%D9%88%D9%84-%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%B1
مزارع سوري في حقل للقمح بعفرين الأربعاء الماضي (غيتي)
في بلدة الدرباسية التابعة لمحافظة الحسكة (شمال شرقي سوريا) وعلى مد البصر، تنتشر حقول القمح، القاسي والطري منها، إلى جانب حقول الشعير التي تبشّر بموسم وفير هذا العام بعد موجة جفاف ضربت المنطقة لسنوات. فهذه المنطقة السورية تشتهر بزراعة أجود أنواع القمح والشعير عالي الجودة، وقد بدأت بالفعل مرحلة حصاد مادة الشعير ليصار، خلال أيام، جني حقول القمح.
يقول المزارع دارا سليمان، المتحدر من قرية سلام عليك، الواقعة بالجهة الشرقية من الدرباسية: «غالبية المزارعين والفلاحين استدانوا ثمن البذور وتكاليف الإنتاج، آملين أن يكون هذا الموسم أفضل من الأعوام السابقة». ويمتلك هذا المزارع نحو 80 هكتاراً زرعها بالقمح المروي على الآبار الجوفية، وذكر أنهم يبيعون إنتاجهم الزراعي لسلطات «الإدارة الذاتية» التي تقدّم أسعاراً تنافس أسعار الحكومة السورية. ويضيف بقلق: «تسعيرة حكومة دمشق كانت صادمة، لا تغطي جزءاً من تكاليف الإنتاج، أما تسعيرة الإدارة فأفضل منها».
حقول قمح في شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
ويشاطر دارا في محنته آلاف المزارعين من أبناء المنطقة الذين يعتمدون على حقول القمح بوصفه جزءاً رئيسياً من مداخيلهم الاقتصادية، إلى جانب زراعة الشعير والذرة الصفراء. وتبلغ المساحات المزروعة في ريف هذه البلدة نحو 280 ألف دونم مروية، في وقت تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بعلاً 110 آلاف دونم، بحسب هيئة الزراعة التابعة لـ«الإدارة الذاتية».
في المقابل، يقول المزارع أشرف عبدي، المتحدر من قرية كربشك (غرب الدرباسية) إن تسعيرة القمح التي حددتها حكومة دمشق لهذا العام (2800 ليرة سورية، أي ما يعادل 30 سنتاً أميركياً) لن تغطي التكاليف والمصاريف الإنتاجية الأولية، فالدونم الواحد المروي من الأرض يكلّف أكثر من 150 دولاراً أميركياً. وأثناء حديثه، كان عبدي يقف بجانب حقله المزروع بالقمح، والمغطى بسنابل صفراء ذهبية تبشّر بمحصول وفير. لكن علامات الحيرة والاستفهام ارتسمت على وجهه، مشيراً إلى أن سعر الكيلوغرام إذا بيع اليوم بأقل من نصف دولار أميركي (يعادل 4200 ليرة سورية) «فلن يسد مجهود ورمق المزارع الذي ينتظر الموسم لعام كامل... حتى تسعيرة الإدارة (الذاتية) غير منصفة. أفضّل تخزينه (المحصول) على بيعه بالخسارة».
وتسيطر «الإدارة الذاتية» وقواتها العسكرية على محافظة الحسكة وريفها، ومدينة الرقة، وبلدة الطبقة، وريف دير الزور الشرقي، إلى جانب مدينتي عين العرب ومنبج بريف محافظة حلب الشرقي. وتشكل هذه المناطق خزان القمح على المستوى السوري وسلّة البلاد الغذائية. وتبلغ نسبة المساحات المزروعة هذا العام من مادتي القمح والشعير نحو مليون و900 ألف هكتار، منها 300.000 ألف هكتار قمح مروية على الآبار الجوفية.
جانب من حصاد القمح شمال شرقي سوريا قبل أيام (غيتي)
وتولي «الإدارة الذاتية» أهمية لمحصول القمح الاستراتيجي، وقد حددت سعر شراء الكيلوغرام من القمح لهذا الموسم بـ(43 سنتاً أميركياً). وتتوقع سلطات «الإدارة»، وكذلك بعض الخبراء المحليين، أن يكون إنتاج هذا الموسم أكثر من مليون طن. وتمنع «الإدارة الذاتية» المزارعين والتجار من بيع محصول القمح للحكومة السورية، كون الإدارة تخصص كميات محروقات كافية للزراعة بأسعار تنافسية، كما أنها توزّع البذار المعقّم بسعر أقل من أسعار الحكومة. وتخلت «الإدارة» هذا الموسم عن شراء مادة الشعير.
بدورها؛ حددت الحكومة السورية سعر شراء مادة القمح للموسم الحالي عند 2800 ليرة سورية (نحو 30 سنتاً أميركياً) للكيلوغرام الواحدة، بينما حددت تسعيرة مادة الشعير عند 2200 ليرة سورية (25 سنتاً). وهذه الأسعار، مقارنة مع تكاليف الإنتاج ومصاريف الشحن والزراعة، تبدو «صادمة»، كما يقول فلاحون ومزارعون.
ويرى الخبير الزراعي أكرم حسو، أن تسعيرة الحكومة السورية لهذا العام غير منصفة كلياً، ومتدنية مقارنةً مع العام الماضي، حيث اشترت دمشق الكيلوغرام من القمح بألفي ليرة، وكان تصريف الليرة أمام الدولار يومذاك نحو (3700 ليرة)، أي أنها اشترت كيلو القمح بـ(52 سنتاً أميركياً) في حين نافستها «الإدارة الذاتية» واشترت الكيلوغرام بـ(55 سنتاً أميركياً). ويضيف أن تسعيرة دمشق هذا العام «صدمت الجميع».
القمح محصول استراتيجي لـ «الإدارة الذاتية» في شمال شرقي سوريا (غيتي)
ويشير المزارع دارا إلى أن الارتفاع الباهظ في تكلفة أعطال محرّكات المشروعات الجوفية يُثقل جيوبهم، كما أن تكاليف حراثة الأرض ازدادت أسعارها لتصل إلى أرقام قياسية (تكلفة الدونم 150 دولاراً، مثلاً)، إضافةً إلى ارتفاع أسعار المبيدات الحشرية (الدونم يحتاج إلى 5 دولارات). ويقول: «كلها تحديات وصعوبات تواجه المزارع، وقد أثّرت في الموسم لهذا العام، فضلاً عن ارتفاع أسعار المحروقات غير المدعومة».
من جهته، يوضح المزارع أشرف أن الأسمدة التي تدخل بوصفها عنصراً رئيسياً في زراعة الحبوب، ارتفعت أسعارها لتتجاوز 750 دولاراً للطن، «خصوصاً مع شح الأمطار الموسمية، وتعرض المنطقة لسنوات من الجفاف، علماً بأن التربة استُنزفت بسبب زراعتها سنوياً».
ويتعرض سكان شمال شرقي البلاد، مثل حال باقي السوريين، إلى موجة قاسية من ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة، بعدما انخفضت الليرة السورية بشكل حاد أمام العملات الأجنبية. وشمل ارتفاع الأسعار مادة السكر والمواد الغذائية ومشتقات الوقود والكهرباء وأسطوانة الغاز. وتباع ربطة الخبز السياحي من الأفران الخاصة بـ2500 ليرة سورية، في حين يباع رغيف الخبز الحجري (في شرق البلاد) بألف ليرة سورية. ويخشى المزارعون والفلاحون من أبناء المنطقة مزيداً من التدهور في سعر ليرتهم؛ ما يعني خسارة فادحة في موسم القمح الذي كلّفهم كثيراً من الأموال والمجهود... «لقد دفعنا دم قلبنا عليه (الموسم)»، كما قال المزارعان دارا وأشرف في ختام حديثهما لـ«الشرق الأوسط».
باب على الأمل والموت في ليبياhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/4353661-%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7
تجّار بشر كبار يتخفّون وراء «أسماء وهمية» لتجميع الصبية من أفريقيا وآسيا وعصابات تستخدمهم في السخرة والدعارة وإجبارهم على العمل بالتشكيلات المسلحة... و«الشرق الأوسط» تتتبع مسارات التهريب عبر الحدود.
لقراءة التحقيق على الموقع، رجاء ضغط الرابط التالي:
جيل جديد من المسلحين في الضفة الغربية ينذر بانفجار قريبhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/4352526-%D8%AC%D9%8A%D9%84-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D8%AD%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D9%86%D8%B0%D8%B1-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AC%D8%A7%D8%B1-%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A8
جيل جديد من المسلحين في الضفة الغربية ينذر بانفجار قريب
مسلحون في مخيم بلاطة بنابلس مطلع الشهر (أ.ب)
بات دخول مخيم جنين في الضفة الغربية اليوم أشبه بالولوج إلى ثكنة عسكرية. على مداخله، تنتشر عوارض معدنية بدائية الصنع لإعاقة المركبات العسكرية الإسرائيلية، تحيط بها أسلاك موصولة بعبوات ناسفة محلية الصنع تشغل جانبي الطريق المؤدي إلى حارات المخيم الذي يؤوي أكثر من عشرين ألف نسمة.
تنتصب بعض المتاريس الرملية على مداخل الأزقة والشوارع الضيقة للمخيم المحصور في مساحة تقل عن نصف كيلو متر مربع أضحت ميداناً للقتال بين القوات الإسرائيلية الخاصة ومسلحين فلسطينيين بين الحين والآخر، بينما تطوف طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المعروفة محلياً باسم «الزنانة» سماء المخيم، تطارد التحركات في أزقته ليل نهار فيضفي صوتها مزيداً من القلق على حالة التوتر المقيمة هناك.
وتعكس هذه الأجواء في مخيم جنين التوتر العسكري المتزايد في الأراضي الفلسطينية، بعد سنوات من الهدوء النسبي، خصوصاً مع دخول جيل جديد من المسلحين إلى المعادلة، بات أحد قادته المطلوب الأول لإسرائيل اليوم.
غير أن ميزان القوة بين الطرفين الذي تلخصه صورة التحصينات البدائية على مداخل المخيم في مواجهة القدرات العسكرية المتطورة للجيش الإسرائيلي، ينبئ بأن موجة العنف المرتقبة ستكون صعبة وممتدة.
متاريس على مدخل مخيم جنين (الشرق الأوسط)
في هذا التحقيق، جالت «الشرق الأوسط» في شوارع مدن الضفة الغربية، ودخلت معاقل الجيل الجديد من المسلحين، وتحدثت إلى الأطراف النشطة على الأرض، في مسعى لرصد الواقع القائم، وفهم دوافعه وقراءة تفاعلاته واحتمالاته.
جنين... وموعد مع الماضي
قبل عقدين، شهد مخيم جنين واحدة من أكثر المعارك شراسة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ففي ربيع 2002، اجتاحته القوات الإسرائيلية ضمن عملياتها التي أطلقت عليها اسم «السور الواقي» بهدف القضاء عسكرياً على الانتفاضة الثانية.
دفعت إسرائيل بدباباتها ومدرعاتها وجرافاتها وطائراتها الحربية للمعركة التي أشرف عليها أرفع مستوى سياسي وعسكري وأمني في إسرائيل، وعلى رأسه آنذاك رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون، بمواجهة عشرات المقاتلين الفلسطينيين الذين تحصنوا بالمخيم مسلحين ببنادق آلية وبعض العبوات الناسفة محلية الصنع. دمّرت إسرائيل أحياءً كاملة في المخيم؛ ما دفع بمنسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط تيري رود لارسن إلى وصف ما حلّ بالمخيم «بالزلزال». أسفرت المعركة عن مقتل 58 فلسطينياً، وفقاً للأمم المتحدة، فيما اعترفت إسرائيل بمقتل 23 من جنودها بينهم 14 قُتلوا في يوم واحد.
بعد عشرين عاماً من هذه المواجهة، يعود جيل جديد من أبناء المخيم لحمل السلاح مجدداً بوجه إسرائيل. تنشط في المخيم «كتيبة جنين» التي استقطبت عشرات الشبان إلى صفوفها، ونفذت عمليات ضد أهداف إسرائيلية. يلاحق الجيش الإسرائيلي عناصر الكتيبة، ونفذ عمليات اقتحام للمخيم دارت خلالها اشتباكات عنيفة بين الجانبين، آخرها الأسبوع الماضي.
مسلحون من «كتيبة جنين» خلال مهرجان تأبين (الشرق الأوسط)
تمكنت «الشرق الأوسط» من الوصول إلى قائد الكتيبة والحديث معه، وهو الذي تضعه إسرائيل على رأس قائمة المطلوبين لديها. حاولت أجهزة الأمن الإسرائيلية اغتياله أكثر من مرة وقُتل شقيقاه وعدد من رفاقه خلال الاقتحامات التي تنفذها إسرائيل في جنين.
المطلوب الأول لـ«الشرق الأوسط»: كنت أحلم أن أصبح طبيباً!
في الحديث الذي جرى بظروف أمنية دقيقة، روى المطلوب الأول لـ«الشرق الأوسط» كيف انخرط بالعمل المسلح. يقول ويده على بندقيته في أحد أزقة المخيم محاطاً بعدد من عناصر كتيبته المقنعين بينما لفّت عتمة الليل المكان: «أنا في الثلاثينات من عمري، وانخرطت بالكفاح المسلح بسبب تبدد الآمال أمامنا جميعاً، واستمرار عدوان الاحتلال ضدنا». وأضاف: «سنحمل سلاحنا، ونمضي لنموت بكرامتنا، فما دام الاحتلال قائماً فلن يكون أمامنا أي مستقبل».
الشاب المطارد اغتالت القوات الإسرائيلية شقيقيه ورفاقه، لكنه رغم ذلك يواصل نشاطه المسلح والاستعداد لتصاعد المواجهة خلال الفترة المقبلة. ويقول: «نحن نُعد لهم، وسنبقى مستمرين في عملنا».
المطلوب الأول لدى إسرائيل خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط» في جنين
وعما إذا تمكنت إسرائيل من اغتياله، يقول الشاب إن «جيلا آخر سيحمل السلاح مجدداً، فحينها سيخرج ابني أو جاري أو أي أحد من أبناء شعبنا لمواصلة الطريق حتى تحرير فلسطين».
يسرد الشاب الذي يقود كتيبة مسلحة ينضوي تحتها العشرات من الشبان المجهزين بالبنادق الآلية والسترات ويخوضون قتالاً مستمراً مع القوات الإسرائيلية، جانباً من أحلامه التي بددها واقع الحياة الثقيل تحت الاحتلال، قائلاً: «كنت أحلم أن أكوّن عائلة وأبني بيتاً. كان لدي طموح بأن أصبح طبياً أو مهندساً أو عاملاً أو موظفاً حكومياً، بيد أن هذه الطموحات بددها الاحتلال برصاصاته التي تطال الجميع».
مرحلة جديدة في المواجهة
وبعد 18 عاماً على نهاية الانتفاضة الثانية المسلحة التي مثّلت واحداً من أكثر فصول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي دموية، باتفاق بقمة شرم الشيخ عام 2005 بين الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي حينها آرييل شارون، تعود المظاهر المسلحة من جديد إلى شوارع الضفة لتفتح الباب لمرحلة جديدة لم تتضح معالمها بعد.
ظل الهدوء الهش سمة ثابتة في الأراضي الفلسطينية خلال السنوات الماضية وإن عكرت صفوه فصول متلاحقة من المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. سعت السلطة الفلسطينية وأجهزتها إلى الحفاظ على مستويات من الهدوء في مدن الضفة، وحالت دون بروز أي ظواهر مسلحة، لا سيما تلك التي تدعمها حركة «حماس»، والحفاظ على حالة من الاستقرار. وفي مقابل التزام السلطة بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وبتعهداتها للأطراف الدولية والراعية لعملية السلام أملاً بإقامة دولة فلسطينية، واصلت فيه إسرائيل ملاحقاتها للناشطين الفلسطينيين وتوسعت بالاستيطان.
واليوم ومع وصول عملية التسوية السياسية إلى طريق مسدود وتلاشي الآمال بإقامة دولة فلسطينية وفقاً لحل الدولتين، يبرز إلى الواجهة جيل جديد من الشباب الفلسطيني تحركه عوامل الغضب والإحباط من الواقع القائم وتدفعه الرغبة بالتغيير.
يقول أبناء هذا الجيل إنهم لم يحصدوا طيلة العقود الثلاثة الماضية سوى «ثمار الخيبة» بدءاً بعميلة أوسلو التي فشلت بالوصول لإقامة دولة فلسطينية مروراً بتجربة الانتفاضة الثانية وصولاً لحالة الانسداد القائمة على الصعيدين الداخلي بين الفلسطينيين حيث الانقسام الذي لا بوادر لإنهائه، وعلى صعيد التسوية مع إسرائيل ناهيك عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية. لكنهم لا يحملون تصوراً واضحاً لكسر دائرة الخيبات، سوى خوض جولة قتال جديدة.
من هم المقاتلون الجدد؟
تنتمي أغلبية المقاتلين الجدد المنضوين في صفوف الكتائب المشكلة حديثاً إلى جيل واحد، فغالبيتهم من جيل الألفية الثالثة. صيف العام 2021 بدأت أولى بوادر المظاهر المسلحة تطفو على السطح. كان العمل العسكري حتى ذلك الحين فردياً ومحصوراً ضمن نطاق ضيق ليتخذ بعدها شكلاً جديداً. أول التشكيلات العسكرية ظهر في مدينة جنين في مايو (أيار) من ذلك العام حمل اسم «كتيبة جنين» بقيادة جميل العموري المنتمي إلى «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، قبل أن تغتاله قوة إسرائيلية خاصة بعدها بأسابيع إلى جانب اثنين من عناصر الأمن الفلسطيني. انتمى عناصر الكتيبة سابقاً إلى عدد من الفصائل الفلسطينية، وتبنّت المجموعة عدداً من العمليات التي طالت أهدافاً للجيش الإسرائيلي والمستوطنين في محيط جنين.
مسلحون من «كتيبة جنين» خلال مهرجان تأبين (الشرق الأوسط)
بعدها بأشهر، وتحديداً في ديسمبر (كانون الأول) 2021، برز تشكيل مسلح آخر في مدينة نابلس تحت اسم «عرين الأسود»، واتخذ من أزقة بلدتها القديمة معقلاً له إلى جانب عناصر «كتيبة نابلس». ونشطت عناصر «العرين» في نطاق ضيق وسري، ونفذت عمليات مسلحة ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، بينما أفلحت المجموعة باستقطاب عشرات الشبان لصفوفها.
نال هذا التشكيل اهتماماً واسعاً في الشارع الفلسطيني الذي تابع البيانات والمقاطع المصورة التي نشرها «العرين» عبر صفحته على منصة «تلغرام» التي يتابعها عشرات الآلاف. بعث هذا التشكيل بإشارات حمراء إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي شرعت بعمليات أمنية لملاحقة عناصره واغتيالهم.
كذلك نشطت مجموعات مسلحة في مدن وبلدات أخرى بشمال الضفة الغربية من بينها «كتيبة طولكرم» و«كتيبة جبع» و«كتيبة طوباس»... وغيرها.
ورغم انتماء عدد من عناصر هذه المجموعات سابقاً إلى الفصائل الفلسطينية، لا سيما حركة «فتح» و«الجهاد الإسلامي» و«حماس» على الترتيب، فإن هذه التشكيلات الجديدة بدت مستقلة تنظيمياً وعملياً عن الفصائل التقليدية ولا تتبع لها، ما يمثل شكلاً مغايراً لما كانت عليه حال المجموعات المسلحة الفلسطينية على مدى عقود تصدرتها الفصائل، قبل تراجع شعبيتها وحضورها ونشاطها على الأرض.
في معقل «كتيبة بلاطة»
دخلت «الشرق الأوسط» أزقة وحارات مخيم بلاطة في مدينة نابلس، أكبر مخيمات الضفة الغربية، بعدما بات معقلاً لـ«كتيبة بلاطة» التي خرج عناصرها من رحم «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لحركة «فتح»، والتقت مسلحي الكتيبة هناك.
لعب المخيم أدواراً فاعلة خلال الانتفاضة الثانية، وخرج عدد من قادة الفصائل الفلسطينية المسلحة منه، واليوم تنشط الكتيبة المسلحة في حاراته. تتهم إسرائيل الكتيبة بتنفيذ عدد من الهجمات طالت الجيش والمستوطنين، كما نفذت القوات الإسرائيلية عدداً من الاقتحامات والاغتيالات استهدفت عناصر الكتيبة في المخيم.
مسلح من «كتيبة بلاطة» خلال جولة في المخيم (الشرق الأوسط)
يقول أحد عناصر الكتيبة لــ«الشرق الأوسط» إنه هو ورفاقه عادوا إلى العمل المسلح بسبب استمرار هجمات الجيش والمستوطنين. ويضيف الشاب الثلاثيني الملثم وهو يتحدث في أحد أزقة المخيم الضيقة حاملاً سلاحه: «غابت المظاهر المسلحة عن مخيم بلاطة منذ نهاية الانتفاضة الثانية، وراهن الجيش الإسرائيلي على أن الكبار يموتون والصغار ينسون، لكننا اليوم نبرهن لهم أننا لن ننسى، ولن نهادن، ولن نساوم على حقوقنا».
يتحدث الشاب المسلح ببندقية آلية عن سقوط رهان الفلسطينيين على عملية التسوية. ويقول: «دعمنا قادتنا السياسيين حين ذهبوا لعملية السلام، لكنّ استمرار الاحتلال في سياساته وعدوانه وغطرسته ضد أبناء شعبنا وأراضينا دفعنا إلى حمل بنادقنا والوقوف بوجه الاحتلال».
ولا يخفى الفارق في موازين القوى بين أسلحة الكتيبة البسيطة وقدرات الجيش الإسرائيلي المتطورة على أحد، بمن في ذلك المسلحون أنفسهم. يقول الشاب إن مواجهة الشبان بإمكاناتهم البسيطة مع آليات الجيش وقواته الخاصة المدججة بأحدث القدرات العسكرية «لا تعكس إلا حجم العناد لدى شبابنا الذي يدرك أنه يواجه جيشاً يمتلك آليات وطائرات ودبابات، بينما نتسلح نحن ببنادقنا وإيماننا بالله وقضيتنا».
العام 2022 الأكثر دموية
مثّل عام 2022 العام الأكثر عنفاً منذ سنوات؛ إذ شهد سقوط أكبر عدد من القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين منذ نهاية الانتفاضة الثانية عام 2005. وسجلت الأرقام سقوط أكثر من 230 فلسطينياً بينهم 171 في الضفة و53 في غزة و6 من فلسطينيي الداخل، فيما قُتل 26 إسرائيلياً خلال الفترة نفسها. وتصاعد العنف أكثر خلال عام 2023، فمنذ بداية العام قُتل 153 فلسطينياً في الضفة والقطاع، بينهم 26 طفلاً.
بدأت فصول التوتر في الضفة الغربية خلال تولي الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة يائير لابيد السلطة في إسرائيل، إلا أنه تصاعد مع وصول سلفه بنيامين نتنياهو مجدداً إلى السلطة وتشكيله حكومة بين الأكثر تشدداً في إسرائيل، تعهد وزراؤها الذين ينتمون إلى أحزاب دينية متطرفة بتصعيد المواجهة مع الفلسطينيين.
مسلح من «كتيبة بلاطة» في أحد أزقة المخيم (الشرق الأوسط)
أطلقت إسرائيل عملية أمنية لمواجهة التصعيد في الضفة الغربية أطلقت عليها اسم «كاسر الأمواج» شملت الدفع بمزيد من الوحدات العسكرية، وزيادة وتيرة الملاحقات والاغتيالات، إلى جانب إعادة نشر الحواجز وتنفيذ عقوبات جماعية بعد سلسلة من العمليات التي نفذها فلسطينيون في الضفة وفي المدن الإسرائيلية.
استطلاعات الرأي: الانفجار وشيك
يشير آخر استطلاعات الرأي إلى اعتقاد الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء بإمكانية تدحرج الموجة الحالية من العنف في الضفة الغربية نحو اندلاع انتفاضة جديدة. يرى 61 في المائة من الفلسطينيين أن ما تشهده الضفة الغربية هو بداية لمواجهة أوسع، فيما يوافق 65 في المائة من الإسرائيليين على الأمر نفسه، وفقاً لـ«المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية».
وتشير الأرقام إلى أن التأييد لخيار الكفاح المسلح ارتفع بشكل طفيف بين الفلسطينيين مقارنة بالأعوام السابقة، إذ حاز نسبة تأييد بلغت 40 في المائة مقارنة بـ37 في المائة 2020.
أما الإسرائيليون، ففضل 26 في المائة منهم خيار «حرب حاسمة ضد الفلسطينيين»، ما يمثل ارتفاعاً بالتأييد لهذا الخيار بنسبة 7 نقاط مقارنة باستطلاعات الرأي عام 2020، وفقاً للمركز نفسه.
وتشير الاستطلاعات إلى تراجع التأييد لدى الفلسطينيين والإسرائيليين معاً لخيار التوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين، إذ أيد 31 في المائة من الفلسطينيين و30 في المائة من الإسرائيليين خيار السلام، مقابل تفضيل 34 في المائة من الفلسطينيين و41 في المائة من الإسرائيليين لهذا الخيار قبل عامين.
حركة «فتح»: المواجهة مستمرة بجيل جديد
عطا أبو رميلة، أمين سر حركة «فتح» في جنين الذي التقته «الشرق الأوسط» داخل حارات المخيم حيث كانت «ذروة المعركة العنيفة» بين المقاتلين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية عام 2002، يقول إن «أبناء وأحفاد المقاتلين والشهداء هم الذين يقاتلون الاحتلال اليوم»، مضيفاً أنهم «أشد قوة وشراسة من آبائهم».
أمين سر حركة «فتح» في جنين عطا أبو رميلة (الشرق الأوسط)
يرى أبو رميلة الذي تلاحقه القوات الإسرائيلية وهاجمت سيارته الخاصة قبيل إجراء المقابلة معه وحاولت اعتقاله، إن نذر انفجار الأوضاع في الضفة الغربية تبدو كبيرة. ويقول: «بصراحة وبعيداً عن الشعارات والخطابات؛ الانفجار بات وشيكاً، والاحتلال يتحضّر لذلك ونحن مستعدون أيضاً، وإن كان بإمكاناتنا البسيطة وتصنيعنا المحلي، فليس هناك من يدعمنا بالسلاح».
وبينما يقول أبو رميلة إن «من حق الفلسطينيين مقاومة الاحتلال بالسلاح وغيره»، يرى أن «شرارة الانفجار» قد تخرج من «قلب المخيم» لتنتقل إلى بقية المناطق الفلسطينية.
وعن العوامل المحركة والدافعة لحالة التصعيد في الضفة الغربية، يقول أبو رميلة إن إسرائيل «تسعى إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني»، في ظل انعدام أي أفق سياسي، مشيراً إلى أن القيادات الفلسطينية المتعاقبة خاضت مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي إلا أنه «بات واضحاً أنه لا يوجد شريك إسرائيلي للمفاوضات ولما يسمى عملية السلام، فهم يرفضون السلام، ويسعون للقتل والإجرام».
«الجهاد الإسلامي»: القهر ولّد حالة مسلحة جديدة
أما ماهر الأخرس، القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» بالضفة الغربية، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «ما تشهده المدن الفلسطينية اليوم هو رد فعل من المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بعدما لم يجد طريقاً للسلام، ولم يجد طريقاً لتطبيق الاتفاقيات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال». وأضاف أن «ما تلا هذه الاتفاقيات من فصول جاء عكسياً وحمل مزيداً من سياسات التوسع والاستيطان والقتل في الأراضي الفلسطينية». وفي ظل هذا الواقع، يقول الأخرس: «سلك بعض الشباب الفلسطيني طريق الخلاص، وقرر أن الحرية لا بد أن تكون بالتضحية وبمواجهة الاحتلال».
وفي قراءته الأسباب التي أدت إلى ارتفاع منسوب التوتر في الضفة الغربية، يقول الأخرس إن الفلسطينيين يعيشون «قهراً دائماً» جراء سياسات إسرائيل، مضيفاً أن معاناة الفلسطينيين المستمرة خلقت حالة مسلحة جديدة في الضفة.
السلطة الفلسطينية... تحديات عديدة
تمثل حالة التوتر المتصاعدة وبروز الفصائل المسلحة من جديد في شوارع الضفة الغربية تحدياً ثقيلاً للسلطة الفلسطينية وأجهزتها؛ فهي تزيد من أعبائها، وتسهم بإضعاف صورتها وسلطتها، وتفتح الباب أمام احتكاكات مع هذه الكتائب وحواضنها الشعبية، ناهيك عن تصاعد الضغوط الإسرائيلية والغربية عليها لإيجاد حلول لهذه الظواهر المسلحة الجديدة.
سعت السلطة الفلسطينية إلى احتواء الحالة المسلحة في بداياتها عبر الانفتاح على العناصر المسلحة، ومحاولة حثّها على إلقاء سلاحها والالتحاق بالأجهزة الأمنية على غرار تجارب الانتفاضة الثانية في التعاطي مع الكتائب المسلحة في الضفة الغربية، لكن من دون نجاح هذه المرة.
يقول اللواء أكرم الرجوب، محافظ جنين والشخصية الأمنية البارزة في مناطق شمال الضفة، إن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى جانب أهدافها الأخرى من التصعيد في الضفة الغربية إلى إضعاف السلطة أيضاً. ويوضح أن «أحد أهم الأهداف التي ترمي إليها حكومة الاحتلال هو إضعاف السلطة وتقديمها أمام شعبها على أنها سلطة ضعيفة وغير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني»، مضيفاً أن إسرائيل تستخدم الظواهر المسلحة في الضفة «مبرراً لاستمرار الهجمات والعنف، وسفك المزيد من دماء الشعب الفلسطيني».
محافظ جنين اللواء أكرم الرجوب خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط»
ويلفت الرجوب إلى أن التقديرات لدى الدوائر الأمنية والسياسية الفلسطينية تشير إلى أن الأوضاع تمضي نحو المزيد من التصعيد، «فلدينا تقديرات بأن اعتداءات الاحتلال ستستمر، والهجمة الدموية الشرسة مستمرة أيضاً، وقد يقدم الاحتلال على عمل مبرمج ممنهج واسع فيه المزيد من الاقتحامات، وزج المزيد من المستوطنين المتطرفين لخلق أجواء لزيادة الصراع في شمال الضفة الغربية».
خطة أميركية لخفض التصعيد
خلال الأشهر الماضية ومع محاولة الولايات المتحدة الدخول على خط الجهود لخفض التصعيد في الضفة ودعمها مسار محادثات بين الفلسطينيين والاسرائيليين في العقبة وشرم الشيخ، أشارت تقارير إلى تقديم الجانب الأميركي خطة أمنية إلى السلطة الفلسطينية صاغها المنسق الأمني الأميركي الجنرال مايكل فنزل. تهدف الخطة إلى إعادة السيطرة الأمنية للسلطة على مدينتي نابلس وجنين، وتشكيل قوة أمنية فلسطينية خاصة للتعاطي مع الكتائب المسلحة. أشارت التقارير إلى إبداء السلطة تحفظات عديدة على الخطة الأميركية، أبرزها غياب الضمانات بوقف الاقتحامات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية.
يقول الرجوب إن هذه المقترحات «سمعت بها عبر وسائل الإعلام»، مشيراً إلى أن «القيادة لم تصدر تعميماً رسمياً بهذا الشأن، وبالتالي أنا أتعامل معه كحديث إعلامي لا قيمة له على الأرض».
وبشأن المقترحات التي قُدّمت للعناصر المسلحة لوضع سلاحهاً وتسليم أنفسها لأجهزة الأمن الفلسطينية، ينفي الرجوب طرح الأمر في «أي لقاء أو جلسة مع قيادة السلطة»، مضيفاً أنه لا يعلم «مدى جدية المقترحات ولا آفاقها»، وإن صحّت هذه التقارير لا سيما مع ورود أنباء عن تسليم بعض المسلحين أنفسهم.
تقليل من احتمالات الانفجار
وفي وقت تتصاعد فيه أكثر نذر اتساع نطاق المواجهة، يرى آخرون أن حالة التصعيد القائمة ستظل مستمرة، لكن بالوتيرة نفسها لغياب عوامل سياسية وتنظيمية عدة عنها. ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت غسان الخطيب إنه «لا يوجد احتمال كبير لتطور هذه الأنشطة والفعاليات الثورية ومظاهر المقاومة الحالية لتصبح حالة واسعة الانتشار ومستمرة وممتدة»، مشيراً إلى أن «تحويل أي فعل ثوري إلى حالة واسعة ومستمرة وشاملة وعميقة يتطلب تنظيماً للحالة السياسية».
وأضاف أن «الحالة السياسية الفلسطينية تفتقر إلى التنظيم، وتظل هذه الأنشطة متفرقة لا تنبع من واقع أو إطار تنظيمي واسع وعميق ومتين»، لذلك يرى أن من الصعب استمرارها، خصوصاً في ضوء الفجوة الكبيرة في موازين القوى بين «الطبيعة البسيطة والبدائية» في بعض الأحيان لهذه الأنشطة، مقارنة «بالآلة العسكرية المتطورة والمتقدمة كثيراً» من جانب إسرائيل.
مخيم روج في ريف المالكية بالحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
لا معنى للوقت هنا. يحل المساء كما النهار. عقارب الساعة، في الواقع، توقَّفت منذ سنوات عند قاطني هذه البقعة النائية في شمال شرقي سوريا. هنا، في «مخيم روج» الخاص بعائلات وأسر مسلحي تنظيم «داعش»، تتشابه القصص... والمأساة.
«الشرق الأوسط» زارت هذا المخيم الواقع بريف بلدة المالكية (ديريك) في محافظة الحسكة وحاورت نسوة من المحتجزات فيه. قالت المغربية شروق المتحدرة من مدينة تطوان إنَّ عمرها 36 عاماً «لكنني لم أقرر مصير حياتي، فأنا عشت حياة أهلي ثم حياة زوجي وأصبحت أرملة وأنا بهذه السن... أعيش اليوم ما كتبه لي القدر». أضافت: «زوجي هو الذي اختار اللحاق بصفوف التنظيم، وبعد مقتله لم يتبق لنا أي صلة به (داعش)».
شروق التي كانت تحلم في بداية شبابها بالالتحاق بقوات الملكية البحرية المغربية لترتدي الزي الرسمي وتعبر المحيطات؛ بات أكبر أحلامها اليوم الخلاص من حياة المخيم والعودة إلى كنف عائلتها.
أما المصرية رضوى فقالت إن عمرها اليوم يبلغ 40 سنة عاشت منها عقداً كاملاً في مناطق سورية عدة وفي مخيمات. قالت: «نحن خُدعنا كحال غالبية الجنسيات التي قدمت إلى مناطق التنظيم. لم تكن هناك حياة منتظمة ومدارس ولا وجود لدولة أو كيان لنرتبط به... (داعش) كان عبارة عن خدعة وفقاعة كبيرة». أكبر أحلامها اليوم «الحرية والتنقل والسفر»، وهي تصف حالها في المخيم بأنها «محتجزة» بتهمة الارتباط بالتنظيم، وتخشى ملاحقتها أينما ذهبت. لا تخفي رضوى أن الخدعة الأكبر كانت من زوجها الذي أقنعها بالسفر إلى تركيا بحجة حصوله على عقد عمل في شركة، وبعد وصولهما إلى الحدود السورية فاجأها برغبته في الدخول إلى سوريا للعيش في ظل مناطق كانت خاضعة لسيطرة «داعش» سابقاً. قالت: «وضعني أمام الأمر الواقع وكنت متوهمة أننا سنعيش في ظل خلافة إسلامية مزعومة، لكن صُدمنا بكل شيء... قصاص وقتل وسواد أعظم في كل مكان».
الأوزبكية تقى (19 عاماً) تقول: «كنت أحلم في بداية طفولتي بأن أصبح طبيبة جراحة مستقبلاً. أما اليوم وبعد خروجي من المخيم فسأعود إلى مقاعد الدراسة. (في انتظار حصول ذلك) قررت اللحاق بالدورة (تصفيف الشعر) وقد غيّرت حالتي».
أما صديقتها العراقية هبة ذات الـ21 ربيعاً المتحدرة من مدينة الموصل فقد أجبرها والدها على الزواج من مقاتل مغربي وهي بعمر 11 عاماً. وبعد زواج قسري لعدة أعوام؛ قُبض على زوجها في العراق وسلّمته بغداد للحكومة المغربية. وهي قرَّرت، كصديقتها الأوزبكية، تعلّم مهنة تصفيف الشعر.