في جناح مشفى سجن الحسكة المركزي الخاص بعناصر «تنظيم داعش» الإرهابي، وهو عبارة عن عنبر كبير يفترش أكثر من 350 مصابا ومريضا الأرض أو يرقدون على أسرة قليلة، يطلب المرافق الطبي بوضع قناع طبي لوضعه تفاديا من الأمراض المنتشرة أو الروائح الكريهة. تضرب الشمس طوال الوقت وعلقت مراوح ووضعت أجهزة لسحب الهواء. على الجدران تدلت أكياس كبيرة وصغيرة يضع نزلاؤه حاجاتهم الشخصية أو أدويتهم.
كان بالإمكان مشاهدة أكوام من الخبز الطازج والمجفف، فيما تحولت علب الزيت والحلاوة والطحينية إلى كاسات لشرب المياه أو مخصصة لرمي النفايات. بينما كان الزي الذي يرتدونه برتقالي اللون أو أزرق داكن أو رمادي والأخير صنع من الأغطية لبرودة الطقس.
شاهد موفد «الشرق الأوسط» رجلا على كرسي متحرك، يبدو أن صاحبه بترت إحدى قدميه أو تعرض لعملية جراحية في ساقيه. كما شاهد مصابا ثانيا يمشي على عكازه ومريضا ثالثا لف يديه بقطع قماش بيضاء اللون، وكان أكثرهم ضمدت رؤوسهم وظهرت علامات واضحة على وجوههم وأجسادهم النحيلة ونتوء العظام.
تحدث موفد الجريدة إلى مريض ذكر اسمه الأول مصطفى يتحدر من تونس، كان يرقد في مكان مزدحم لكنه يعاني من ألم صامت يعتصر وجهه، ولم يكن بمقدوره الشعور بالراحة بسبب إصابته في ظهره وكابد آلاما مبرحة، وقال بصوت منخفض وارتسمت علامات التعب على وجهه: «أصبت في معركة الباغوز ولم أتلق علاجاً مناسباً، هنا ينقص الكثير من الخدمات الطبية».
ويقول القيمون على السجن والكادر الطبي إن هذه النقطة تعاني من عجز كبير في تأمين الأسرة، الأمر الذي دفع البقية للنوم على الأرض، وغرفة الطوارئ لم تعد تتسع لمزيد من المرضى، وحذر طبيب يعمل بالمشفى من أن نظام الرعاية الصحية في السجن يعاني من أزمة حقيقة بسبب انتشار الأمراض الوبائية، والتي تنذر بالمزيد إذا بقيت الجهات والمنظمات الإنسانية الدولية صامتة: «سجلنا انتشار مرض السل وتوفي حتى اليوم أكثر من حالة وهناك الكثير منهم حالتهم حرجة ولا يتسع المشفى لعلاج الجميع».
وشدد الكادر الطبي إلى وجود نقص في الدواء وفي أعداد العاملين على الرعاية الطبية، ويضيف الطبيب: «نضطر إلى نقل الحالات الحرجة إلى المشافي القريبة المخصصة، لكن هؤلاء من عناصر التنظيم المتطرف ونقلهم يشكل خطورة وعبئا كبيرا».
البعض حصل على سرير ونام عليه بعمق، كحال مريض آسيوي غطى نفسه بغطاء رمادي وكان يلبس قبعة خضراء رسم عليها كتابات عربية. تحت السرير وضعت علب من الزيت وأكياس الخبز وأدويته الكثيرة. لكن الغالبية كان ممددا على الأرض وإلى جانبهم صناديق صغيرة رسم عليها شعار «اللجنة الدولية للصليب الأحمر».
أصيب مصطفى المتحدر من مدينة حلب السورية، في ساقه قبل عام أثناء خوضه معركة الباغوز التي قضي فيها جغرافيا وعسكرياً على التنظيم، وأثناء المعركة اكتشف طبيبه آنذاك وجود أورام وكانت حالته الصحية قد تدهورت، وبعد نقله إلى مستشفى السجن تطورت حالته وكان يفزع ألما كل بضع دقائق لكنه لم يكن يصدر صوتا، بل يقول بنبرة تفيض بالتوسل والدموع تسكب من عينيه إن كل ما يريده هو أن يحاكم سريعاً ليخرج من هنا، وقال: «ندمت كثيراً، اشتقت لزوجتي وأطفالي الثلاثة، بقي لي أمل أن أحاكم وأقضي محكوميتي وبعد خروجي سأكمل بقية حياتي بشكل طبيعي».
جرحى التنظيم يقبعون في سجن الحسكة المركزي
جرحى التنظيم يقبعون في سجن الحسكة المركزي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة