الحراك العراقي... تضحيات وأحلام في مهب ريح «كورونا»

غالبية تؤيد وقف التظاهرات والاعتصامات وأقلية مصممة على البقاء في الساحات

الحراك العراقي... تضحيات وأحلام في مهب ريح «كورونا»
TT

الحراك العراقي... تضحيات وأحلام في مهب ريح «كورونا»

الحراك العراقي... تضحيات وأحلام في مهب ريح «كورونا»

رغم الأعداد المحدودة جداً من الشباب الذين ما زالوا مصرّين على البقاء في خيام الاعتصام في ساحة التحرير ببغداد وبقية المحافظات، إلا أن العدد الأكبر من جماعات الحراك باتت تدرك أن «الفيروس» الذي عطل حركة الناس ومصالحها عبر العالم، أجهز بدوره على تضحيات جسيمة قدمها «شباب تشرين» ناهزت الـ30 ألف بين قتيل وجريح، وأوشك على القضاء على أحلام وآمال التغيير التي آمن بها طيف واسع من العراقيين منذ انطلاق الحراك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبين ليلة وضحاها باتت الشوارع والساحات التي كانت تضج يومياً بالأهاريج والهتافات الناقمة على السلطة وأحزابها، المطالبة بالتغيير، خالية إلا من مجاميع صغيرة وضعت كل آمالها بالثورة وغير مستعدة حتى الآن للتراجع والعودة إلى منازلها، رغم التهديد الصحي الخطير الذي يمثله فيروس كورونا.
ومنذ تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا في فبراير (شباط) الماضي، بدأ الجدل بين جماعات الحراك حول قضية استمرار التظاهرات والاحتجاجات، أو إيقافها، لحين السيطرة على الفيروس. وبات واضحاً منذ ذلك الحين انقسام جماعات الحراك، بين من يمثل الغالبية، يطالب بإيقاف كل شيء، وبين آخر مصر على الاستمرار مهما كلف الثمن. غير أن الجميع يتفقون تقريباً على أن ما يسمونها «روح تشرين» ستظل راسخة في قلوب ملايين العراقيين مهما حصل. وستعاود الانطلاق ذات يوم لحين تحقيق أهدافها.
ويقول الناشط والصحافي أحمد السهيل، إن «معظم المعتصمين في ساحة التحرير في بغداد غادروا خيام الاعتصام، وبقي في كل خيمة نحو شخص أو شخصين يخضعان لما يشبه الحجر المنزلي.
ويضيف السهيل لـ«الشرق الأوسط»، أن «من تبقى من الشباب في الخيام وهم أقلية قليلة يباشرون يومياً بتعفير الخيام للوقاية من الفيروس، وعدم انتقال العدوى».
وعن دوافع بقاء بعض الشباب في خيام الاعتصام، يرى أن «ثمة يأساً كبيراً من السلطة وإجراءاتها. بعض الشباب يعتقد أن الذهاب إلى المنزل ليس أكثر أمناً من البقاء في الساحة، والبعض يرى أن التفريط بالانتفاضة يعني القضاء عليها، وهذا ما تريده السلطة وأحزابها، لذلك يتمسكون بالبقاء على أمل أن يستعيد الحراك نشاطه بعد الانتهاء من أزمة كورونا».
وبشأن حصول المعتصمين على التجهيزات والغذاء اللازم مع حالة حظر التجوال التي تفرضها السلطات العراقية، يؤكد السهيل أن «المعتصمين قاموا بالتبضع قبل سريان حظر التجوال، وهم لا يواجهون الكثير من المشكلات في هذا الاتجاه».
من جهة أخرى، أفادت الأنباء الواردة من محافظتي البصرة والنجف بأن جماعات الحراك هناك قامت بالفعل بإخلاء الساحات تلبية لدعوة السلطات الحكومية ووجوه العشائر ورجال الدين لمنع تفشي عدوى «كورونا» بين المواطنين.
وقامت السلطات العراقية بإعلان فرض حظر للتجوال، الثلاثاء الماضي، لكنها واجهت مشكلات حقيقية في التزام الناس به، خصوصاً أولئك الأشخاص الذين أصروا على إتمام مراسيم الزيارة الدينية في الذكرى السنوية لوفاة الإمام موسى الكاظم في مدينة الكاظمية ببغداد.
ولاحظ مراقبون أن السلطات العراقية وخلية الأزمة، في كل بياناتها التي أصدرتها حول الحظر، لم تذكر صراحة، كلمة «المتظاهرون»، إنما أشارت بشكل عام إلى منع التجمعات والحشود، لكنها في مقابل ذلك طالبت في كل مرة بمنع الزيارات الدينية، وذكرت ذلك بوضوح، الأمر الذي فُسر على أساس أن «السلطات تشعر بالحرج من تعاطيها الخشن مع المتظاهرين في مقابل تساهلها مع الزيارات الدينية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.