حوار سياسي | المسماري لـ«الشرق الأوسط»: وجود عناصر لـ«حزب الله» أو للأسد في ليبيا «أكاذيب إخوانية»

المتحدث باسم «الجيش الوطني» أكد دراسة وقف القتال في طرابلس لمحاربة «كورونا»

اللواء أحمد المسماري (أ.ف.ب)
اللواء أحمد المسماري (أ.ف.ب)
TT

حوار سياسي | المسماري لـ«الشرق الأوسط»: وجود عناصر لـ«حزب الله» أو للأسد في ليبيا «أكاذيب إخوانية»

اللواء أحمد المسماري (أ.ف.ب)
اللواء أحمد المسماري (أ.ف.ب)

كشف اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم «الجيش الوطني» الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، عن أن القيادة العامة للجيش تدرس حالياً دعوات وجّهتها البعثة الأممية ودول صديقة، وأبناء الشعب الليبي لـ«وقف فوري للقتال بالعاصمة طرابلس» لمواجهة فيروس «كورونا المستجد»، متوقعاً في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أن تتخذ قيادة الجيش قراراً بشأن هذا الأمر «خلال الساعات المقبلة»، رغم وجود تحديات كثيرة، في مقدمتها «استمرار التهديدات، وتزايد أعداد المرتزقة السوريين، والعناصر التركية بالأراضي الليبية»، على حد قوله... وفيما يلي نص الحوار:

> كيف يقيّم الجيش دعوة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا طرفي الصراع لوقف الاقتتال في البلاد لأغراض إنسانية، بما يتيح المجال لمواجهة خطر فيروس «كورونا المستجد»، وهي دعوة طالب بها أيضاً عدد كبير من أبناء الشعب الليبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
- يمكن أن نذهب في هذا الاتجاه احتراماً لهذه الدعوات، واحتراماً للموقف الإنساني الحالي. فالموقف الحالي خطير جداً؛ لأن هذا الوباء ينتشر بسرعة كبيرة جداً في العالم، وإذا لم تقف البشرية جمعاء في مواجهته فقد يقضي على شعوب وحتى على دول بأكملها... ولذلك؛ فإن وقف إطلاق النار قد يكون مقبولاً في ظل هذا الظرف الراهن، والقيادة العامة لا تزال تدرس الأمر، أي أن القرار لم يصدر بعد... لكن التحدي في عامل الوقت ذاته، فهل يجدي وقف إطلاق النار مع السوريين والأتراك، الذين بات عددهم بالآلاف في بلادنا، وبات خطرهم يتزايد بما يحملونه من أسلحة ومعدات، وما شكلوه من غرف عمليات للقيادات؟ وهل هناك وقف إطلاق نار مع مستعمر؟.. هذا ما تتم دراسته على أعلى مستوى بالقيادة العامة، وأتوقع صدور القرار النهائي خلال الساعات المقبلة.
> كم يبلغ تعداد الجيش الليبي حالياً؟ وكيف تصف ترتيب الهيكلة العسكرية بداخله، مقارنة بتعداد الميليشيات بالغرب، وترتيب ووضع القيادات بها؟
- تعداد الجيش الوطني تجاوز الـ85 ألف عنصر، ما بين ضابط وضابط صف، وجندي نظامي في جميع التخصصات والمجالات، وجزء كبير جداً من هذا العدد هم عسكريون سابقون، أي من أعضاء المؤسسة العسكرية القديمة. لكن هناك دماء جديدة تم ضخها بالجيش، يقدر عددها ما بين 25 و30 ألف عنصر من ضابط وضابط صف. أما فيما يتعلق بالميليشيات في الغرب فلا أستطيع أن أقدم تقديراً عن أعدادها؛ كونها لا تعمل وفق ترتيب أو إدارة عسكرية، بل وفق المال. أي أنك تستطيع اليوم جلب ألف مقاتل، وغداً قد لا تستطيع جلب أكثر من 50 مقاتلاً في حال نقص الأموال. لكن في المجمل قد يكون لديهم ما بين 5 و10 آلاف عسكري نظامي. ونحو 60 إلى 70 في المائة من هؤلاء العسكريين النظاميين هم عناصر تمت إعادتهم للخدمة، أي أنه تم تسريحهم خلال عهد النظام السابق، أو قدموا استقالتهم، أو جرى إحالتهم للخدمة المدنية في بداية عملهم العسكري، لكن تم الآن إعادتهم برتب ودرجات عسكرية كبيرة، بالمخالفة للقانون العسكري الليبي الذي لا يجيز ذلك، ومن بين هؤلاء مثلاً أحمد أبو شحمة، رئيس العمليات الآن ورئيس وفد حكومة الوفاق بلجنة العسكريين بجنيف. هذا الشخص سبق أن استقال وهو الآن برتبة نقيب... وهناك أيضاً ضباط قدامى نظاميون ينتمون إلى المؤسسة العسكرية ممن أجبروا على الدخول في هذه المعركة، ربما لظروف الإقامة أو لظروف أخرى.
> كشفتم مؤخراً عن أن الجيش الوطني قدم أكثر 7000 شهيد؟ لكن ماذا عن الجرحى وعدد الأسرى من أبناء الجيش الذين وقعوا بقبضة قوات الوفاق؟
- نعم... عدد شهداء الجيش تجاوز الـ7000 شهيد، وهذا الرقم ليس حصيلة معركة طرابلس وحدها، بل هو مجموع ما سقط من أبناء الجيش في كل المعارك السابقة في بنغازي ودرنة، وغيرهما من المدن. أما الجرحى فأعدادهم كبيرة، وكذلك من تعرضوا لإصابة نتجت منها إعاقة، كبتر للأطراف. هؤلاء قد يتجاوز عددهم الألف. أما بخصوص أسرى الجيش ممن وقعوا بقبضة الجماعات الإرهابية خلال المعارك، فيتراوح عددهم ما بين 75 و80 أسيراً، يوجدون في كل من مصراتة، وطرابلس، والزاوية، وفي غريان أيضاً، وعلى رأسهم اللواء طيار ركن عامر الجقم، الذي أسقطت طائراته على تخوم الزاوية، ولدينا أيضاً ما بين 100 و130 شخصاً من كتيبة واحدة، وهؤلاء لم يقعوا في الأسر جراء اشتباكهم بالمعارك، بل تم التغرير بهم، وتسليمهم في أحد المحاور للمجموعات الإرهابية في غرب البلاد في الرابع من أبريل (نيسان) من العام الماضي. ولا نزال نتساءل عن كيفية حدوث ذلك الأمر، خاصة أن تلك الكتيبة لم تشارك في أي قتال في بنغازي ودرنة، فضلاً عن انتمائها إلى كل من منطقة صرمان والعجيلات بالمنطقة الغربية.
> وماذا عن ملف استثمارات الجيش ومصادر تمويله باعتباره الملف الذي دارت حوله الكثير والكثير من الأقاويل والشائعات في الفترات الأخيرة؟
- بالفعل هناك دعايات كثيرة مضللة حول هذا الملف، كالقول بأن الجيش يقتسم قوت الشعب في أماكن سيطرته بالشرق والجنوب، لكن الحقيقة هي أن أبناء الأهالي في المنطقة الشرقية تحديداً، بل وحتى في المنطقة الغربية حتى ترهونة، والزنتان، والعجيلات، والرجبان، والصرمان، أي الجنوب الغربي بالكامل، هم أبناؤنا بالمؤسسة العسكرية، أي عناصر تخوض معركتها ضد الإرهاب حالياً. ولذلك؛ فإن فكرة اقتسام قوت الليبيين ما هي إلا شماعات يطلقها العدو. لكن الحقيقة هي أن الجيش يملك إدارات وهيئات ورئاسة أركان، ومن ضمن هذه الإدارات هناك إدارة «الاستثمار العسكري»، وهي إدارة قديمة تم تفعيلها الآن، لديها مشاريع زراعية وصناعية عدة... وللإشارة، فإن هذه الاستثمارات والمشاريع قديمة، وكانت موجودة قبل سنة 2011، لكن تمت إعادتها بالكامل من طرف أشخاص استولوا عليها خلال الفترات السابقة. لكن تم الآن استرجاعها وتفعيلها والعمل بها، ومن حق القوات المسلحة أن يكون لها مشاريع استثمارية لتطوير الجيش، خاصة أن مصاريف الجيش كبيرة، وتحتاج إلى إيرادات غير الإيرادات الرسمية، التي تخرج من الدولة.
وفي هذا الإطار، يجب أن نلاحظ أنه لم يكن يتدفق شيء من عوائد النفط الليبي على المناطق المذكورة. والكل يعلم جيداً أن عوائد النفط تذهب للمصرف المركزي بطرابلس، الذي كان يقدمها ويوزعها لجماعة «الإخوان». وللأسف، لم يقدم شيئاً للمواطنين... ونحن بالقيادة العامة من يتحمل نفقات المواطنين في بعض الأزمات، مثل أزمة فيروس «كورونا المستجد»، وكمثال على ذلك، فقد تبرعت القوات المسلحة بإقامة المستشفيات، وإجراءات أخرى عدة لمواجهة هذا الوباء. وفي كل مدينة تعرف أزمة معينة تقوم القوات المسلحة بتسيير قوافل التموين والوقود على نفقتها إلى تلك المدن، إضافة إلى نقل وعلاج المرضى على نفقة المؤسسة، مما تحصل من عليه من الحكومة المؤقتة، أو من استثماراتها ومصادر أخرى.
> ماذا عن أزمة المفقودين؟ هناك الكثير من الأسر لا تزال تبحث عن مصير أبنائها المفقودين خلال فترة ما قبل قيام الجيش الوطني بتحرير مدن الشرق، أي بنغازي ودرنة؟
- بالنسبة لبنغازي لدينا قوائم تضم ما بين 650 و660 شخصاً مفقوداً. هؤلاء فُقدوا قبل أو مع بداية «عملية الكرامة»، أي ما بين عامي 2014 و2015 حين كانت بنغازي تحت سيطرة الميليشيات بالكامل. وللأسف، لا نعرف أي شيء عنهم على الإطلاق... فهناك من يردد بأنه تم نقلهم إلى مصراتة، وهناك من يقول إنه قد تمت تصفيتهم، أو تم نقلهم إلى دولة أخرى. لكننا لا نعلم في الحقيقة أي شيء عنهم، وقد طالبنا الصليب الأحمر بالمساعدة في إيضاح الأمر، وكذلك من بعثة الأمم المتحدة. لكننا لم نتلقَ أي رد... القضية مهمة جداً. فهناك بطرابلس الآن الكثير من المفقودين؛ ونظراً لأهمية هذا الملف، فإن القيادة العامة ستعهد به إلى لجنة خاصة للتعامل معه، إلى جوار اللجان الموجودة بالأساس لمتابعته، كاللجنة التابعة للمدعي العام العسكري، وأيضاً إدارة الشهداء والأسرى والمفقودين... وللإشارة، فإن أُسر هؤلاء المفقودين بالمنطقة الشرقية تتواصل معنا بشكل مباشر، وأيضاً بالجنوب، وحتى بالمنطقة الغربية. وقد أعددنا كشوفاً بالأسماء، وسنتابع الأمر.
> الكثير من أهالي طرابلس ومدن أخرى بالغرب يتخوفون وينظرون بقلق بالغ لخطة الجيش وتعاملاته وأحكامه بعد تحرير العاصمة، والكثير من هؤلاء ليسوا من جماعة الإخوان، أو ربما كانوا أعضاء بالتنظيم، أو من مؤيديه، لكنهم لا يمارسون أي عمل مسلح. ما هو مصيرهم في هذه الحالة؟ كما أن هناك عائلات كثيرة انضم أبناؤها دون رغبة منهم للميليشيات؛ سعياً وراء المال فقط... كيف تخططون للتعامل معهم؟
- القيادة العامة ترى أنه سيتم بعد تحرير طرابلس تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعتمد من البرلمان الليبي الراهن، وسيكون لها واجبات ومهام محددة، كتقديم الخدمات السريعة للمواطن وحل الأزمات، والبدء أيضاً في التحضير لإجراء انتخابات من مراجعة الدستور والقوانين وقواعد البيانات، وكل ما يلزم لتكون لدينا تجربة انتخابية نزيهة، يشهد ويشيد بها الجميع. أما فيما يتعلق برؤيتنا للعناصر المسلحة المنضمة للميليشيات بالغرب، فقد قلنا سابقاً ونؤكد مجدداً بأن معركتنا هي فقط مع الجماعات المتطرفة والإرهابيين والمسلحين، وكل من ارتكب جريمة في حق الوطن والمواطن، والأمثلة على ما نذهب إليه كثيرة. فقد دخلنا سرت في يناير (كانون الثاني) الماضي ولم يتم اعتقال أي مواطن على الإطلاق. كما دخلنا الجفرة وسبها ودرنة أيضاً، دون اعتقال أي أحد.
نحن نعمل جاهدين من أجل حماية المواطن، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بنزع السلاح غير الشرعي، ومحاربة الجماعات الإرهابية... هناك عناصر مدنية من جماعة الإخوان في بنغازي، ولم تتعرض للاعتقال أو أي مضايقة على الإطلاق. لكن في حال ارتكب أحدهم أي خطأ فسيصنف على أنه تهديد للأمن الوطني، وهذا له حديث آخر.
> يطرح عدد من المراقبين للمشهد الليبي وجود توتر راهن بين الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق، ويرجع بعضهم سبب الخلاف إلى رغبة وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، في إضعاف ميليشيات طرابلس لحساب ميليشيات موالية له بمسقط رأسه بمصراتة... ما هو تقييمك لهذا الأمر. وهل تتوقع أن يصب ولو بدرجة ما في صالح الجيش الوطني؟
- هناك في طرابلس ميليشيات مسلحة كثيرة، وفصائل إرهابية ومتطرفة للغاية، مثل ميليشيا «لواء الصمود»، التي يقودها صلاح بادي، وميليشيا «البقرة» بقيادة بشير خلف الله، وميليشيات «الفاروق» في مصراته والزاوية. وهناك ميليشيات أخرى إجرامية، علاوة على ميليشيات جهوية.
ومن هذا المنطلق الجهوي، يحاول فتحي باشاغا الآن، خاصة بعد أن قوى ظهره بالمرتزقة والفصائل السورية، أن يقوم بإخراج، أو تحديداً القضاء على ميليشيات طرابلس والزنتان، عبر تقوية بعض الميليشيات في مصراته، وإعطائها غطاءً شرعياً بتواجدها تحت إدارة وزارته؛ حتى تتمكن من تنفيذ مهمته وهدفه... هو يرى أن ذلك قد يسهل خطته الرامية في أن يكون بديلاً لرئيس المجلس الرئاسي الحالي لحكومة الوفاق فايز السراج في أي حوار سياسي قادم، أو بأي طرح لحل الأزمة الليبية، بدعم من المشروع «الإخواني» الداعي للحرب، والاستمرار في جلب السلاح وتكديسه بالبلاد، بقيادة تركيا وقطر... باشاغا ينسق ويتعاون بالأساس منذ فترة مع شركات دولية متخصصة بمجال الدعاية والعلاقات العامة لتحقيق هذا الهدف، أي أن يكون واجهة بديلة للسراج، وربما للمجلس الرئاسي برمته، ومن خلال توجهه هذا يؤكد على أنه رجل وابن مصراتة، الذي سيحافظ على حقوقها بأي حل سياسي، أو بالمستقبل بشكل عام...
بالطبع، هذه المهمة صعبة جداً؛ كون أن شبان طرابلس منتبهون جيداً لها، بل إن بعض الميليشيات بمصراتة ترفض هذا التوجه، وبطبيعة الحال، فإن أي خلاف بين الميليشيات بطرابلس سينجم عنه خروج بعض الشباب خارج مسرح العمليات، وسيرفع نسبة الوعي لديهم، وبالتالي سيعرفون حقيقة تلك الميليشيات؛ ولذلك فإن إنقاذ هؤلاء الشبان المغرر بهم من الاستمرار بهذه المعركة هو أكبر فائدة لنا.
> كيف تقيّمون ما يطرح عن محاولة قيادات من جماعة الإخوان استغلال «الفزاعة الروسية» خلال جولاتهم الأخيرة للعاصمة الأميركية، عبر التحدث لشخصيات وقوى عدة بدوائر صنع القرار الأميركي، والتحذير من أن سيطرة الجيش الوطني يعني وقوع ليبيا وثرواتها بيد روسيا؟
- «الإخوان» لديهم «فزاعات» كثيرة... يطلقونها من حين إلى آخر، وتحديداً عندما نقوم بتوجيه ضربة جوية ناجحة ضد أهدافهم... هم يحاولون إقناع المجتمع الدولي بهذا الحديث، وأن هذا الطرف أو ذاك يدعمنا، كما يسعون لتضليل وجذب الشبان، وتجنيدهم لصالحهم بالمعركة عبر إقناعهم بأنهم يقاتلون مستعمرين، بل إن أحد المرتزقة السوريين قال عندما وقع بقبضتنا إنه قدِم لمحاربة وقتال الروس، أي أنه ترك الروس في إدلب بسوريا، وقدِم لقتالهم هنا بطرابلس... وآخر أكاذيب «الإخوان» وتضليلهم أن قوات «حزب الله» وقوات سورية من جيش النظام، برئاسة بشار الأسد، هي من تحارب الميليشيات بطرابلس وليس «الجيش الليبي» وأبناؤه.
لقد تعودنا على أكاذيب الإخوان وتضليلهم... لكن الحقيقة الموجودة بساحة المعركة هي أن الجيش للليبي، بسلاحه وأبنائه، هم الموجودون، ومن يرد التأكد من ذلك من السادة الإعلاميين العرب والغربيين فنحن نرحب به، وسوف نقوم بإيصاله للداخل ليعاين تلك الحقيقة بنفسه.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.