إدارة ترمب تفعّل قانون الإنتاج الدفاعي في «حربها» ضد الوباء

ترمب يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض أمس (إ.ب.أ)
ترمب يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض أمس (إ.ب.أ)
TT

إدارة ترمب تفعّل قانون الإنتاج الدفاعي في «حربها» ضد الوباء

ترمب يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض أمس (إ.ب.أ)
ترمب يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض أمس (إ.ب.أ)

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي، بما يسمح لإدارته بإجبار قطاعات الصناعة الأميركية على زيادة إنتاج وتوفير الإمدادات الطبية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19). وقال ترمب خلال المؤتمر الصحافي إن تفعيل القانون يمكن أن يحقق كثيرا من الأشياء الجيدة. ولم يذكر الرئيس الأميركي ما هي السلطات والخطوات التي سيتخذها بموجب هذا القانون، لكن يرجح أن يستغله في زيادة تصنيع أجهزة التنفس الصناعي والمعدات الطبية الأخرى.
وتميز المؤتمر الصحافي اليوم حول مستجدات الوباء أميركيا بنبرة من التفاؤل، إذ قال الرئيس ترمب إنه سيعلن في وقت قريب عن إحراز تقدم ملحوظ في التجارب المعملية الهادفة للتوصل إلى لقاح ضد فيروس كورونا التي جرت خلال الثمانية أسابيع الماضية. كما استعرض جهود إدارته لمضاعفة جهود الفحص ورصد الفيروس، موضحا أن مسؤولي الصحة يعملون على تطوير اختبار بـ«مسح ذاتي» Self - Swab بما يسمح للمصابين أو المشتبه في إصابتهم بإجراء الاختبارات على أنفسهم. وقال إنه طلب من إدارة الغذاء والدواء الأميركية أن تقلل الحواجز التنظيمية لتسريع العملية.
إلى ذلك، أصر ترمب على تسمية كورونا «الفيروس الصيني»، رغم ما أثاره الاسم من توتر بين واشنطن وبكين. وفي إجابته عن أحد الصحافيين في قاعة «برادلي» بالبيت الأبيض، أصر ترمب على التسمية مبررا أنها ليست تسمية عنصرية، وأن الفيروس جاء من الصين ولا أحد يشكك في ذلك، وقال: «يجب على الصين أن تتوقف عن اتهام الجنود الأميركيين بالمسؤولية عن نشر الفيروس».
وشدّد الرئيس الأميركي على أن بلاده في حالة حرب مع الفيروس غير المرئي، وقال: «نحن نحارب عدوا شرسا والوضع صعب للغاية، والإجراءات التي اتخذناها بعد إعلان حالة الطوارئ تستهدف مواجهة هذا العدو وعلينا أن ننتصر في هذه الحرب». فيما شدد وزير الدفاع مارك إسبر، الذي شارك في المؤتمر الصحافي الذي تعقده قوة مكافحة الفيروس لأول مرة، على أن وزارة الدفاع ستخصص كل مواردها لمواجهة الفيروس وتوفير الأقنعة والأجهزة الطبية وأجهزة الكشف.
وقد تزايد الضغط على إدارة ترمب لتفعيل القانون بعد أن كشفت عدة مستشفيات عن نقص الإمدادات والاحتياجات الطبية الضرورية، سواء لحماية الأطباء والممرضات على الخطوط الأمامية للوباء، أو لتوفير الأقنعة واختبارات الفيروس. وأشار العديد من العاملين في القطاع الصحي الأميركي إلى سرعة نفاد معدات الحماية الشخصية. وأفادت المستشفيات بنقص أجهزة التنفس التي يتوقع أن تكون مطلوبة بشدة مع انتشار الفيروس. وقانون الإنتاج الدفاعي هو قانون اتحادي تم سنّه في عام 1950 في عهد الرئيس هاري ترومان، ردا على الحرب الكورية في إطار جهود تعبئة في سياق الحرب الباردة وتفعيل جهود الدفاع المدني بشكل أوسع. ويحتوي القانون على ثلاثة أقسام يعطي القسم الأول منه الرئيس الحق في مطالبة الشركات بتوقيع عقود أو تنفيذ أوامر تعد ضرورة للدفاع الوطني. ويسمح الثاني بتخصيص مواد وخدمات ومرافق لتعزيز الدفاع الوطني، فيما يتيح القسم الثالث للرئيس الحق في السيطرة على الاقتصاد المدني بحيث تكون كل المواد مخصصة لجهود الدفاع الوطني واحتياجات الدفاع.
ويوسع القانون من قدرة الرئيس الأميركي على السيطرة على الممتلكات والموارد الأساسية وفرض الرقابة على الأجور والأسعار وتحديد الأولويات التعاقدية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟