إسرائيل تفكك شبكة تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية

TT

إسرائيل تفكك شبكة تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية

أعلنت السلطات الإسرائيلية أمس، اعتقال شبكة تهريب أسلحة من إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية. وقال الناطق بلسان الشرطة إنه تم اعتقال كثير من الجنود الإسرائيليين النظاميين والمسرّحين وكذلك المدنيين، للاشتباه بتعاونهم في تجارة الذخيرة والأسلحة النارية التي وصلت في نهاية المطاف إلى الأراضي الفلسطينية.
وقد جرى التحقيق في العملية التي أطلق عليها «إخوة السلاح» لدى الوحدة المركزية «منطقة النقب» والجيش الإسرائيلي، وتم خلاله اعتقال 21 شخصاً. وظهرت أثناء التحقيق، شكوك بوجود شبكة تهريب للأسلحة تتألف من جنود إسرائيليين ومدنيين. وفي حادثة منفصلة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أحبطت قوات الأمن تهريب 4 آلاف عيار ناري من فئة 5.56 ملم عندما اقتحمت سيارة نقطة تفتيش وأوقفت من قبل الشرطة.
وأظهر التحقيق أن المدنيين والجنود، ومعظمهم من أفراد أسر واحدة من بدو الشتات في النقب، قد سرقوا كميات كبيرة من الذخيرة من الجيش، بل واستبدلوا بالأسلحة العادية قطع سلاح مزيفة، مستغلين دورهم كسائقين لمركبات عسكرية وإمكانية وصولهم إلى مستودعات الأسلحة لشحنها. وجاء أنه تم تمديد اعتقال المشتبه بهم على عدة فترات، وأمس (الاثنين) ومع نهاية التحقيقات، تم تقديم لوائح اتهام ضد المشتبهين.
والحرب على الأسلحة في الضفة الغربية قديمة، بدأتها إسرائيل منذ الاحتلال، لكنها لم تنجح في أي وقت في السيطرة على سوق السلاح. وقد شنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حروباً كثيرة مصغرة على هذه السوق. ومن المفارقات اللافتة أن معظم هذه الأسلحة يأتي من إسرائيل نفسها، التي تشن حملات لجمعها، بينما يجري تهريب بعضها الآخر من الخارج عن طريق البحر الميت من جهة الأردن.
أما القسم الثالث، فهو مصنع في «مخارط» مدنية في مدن الضفة الغربية. وهذا النوع، الثالث، ازدهر في الانتفاضة الأخيرة، وأصبح مستهدفاً من قبل السلطات الإسرائيلية أكثر من سواه. وتقول إسرائيل إنها لن تسمح بنقل تجربة قطاع غزة إلى الضفة الغربية. ولطالما وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، مسألة التسلح عقبة أمام الانسحاب من الضفة الغربية. وأبلغ نتنياهو، على امتداد الأعوام الماضية، كثيراً من محدثيه بأنه لن يكرر تجربة قطاع غزة، لأنه لن يسمح بأن تطلق الصواريخ تجاه إسرائيل من طولكرم وجنين بدلاً من غزة.
وارتاحت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة من الهجمات الفلسطينية بسبب انتشار فيروس كورونا. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أمس، إن فيروس كورونا الذي ينتشر في جميع دول المنطقة، أسهم في «تراجع النشاط العدائي تجاه إسرائيل». وأضاف: «يوجد كثير من الدول المعادية قد تضرر بشدة بسبب الفيروس، ونتيجة لذلك انخفض الإرهاب». جدير بالذكر أيضاً، أنه تم تشخيص إصابة 5 جنود إسرائيليين بفيروس كورونا، بينما يخضع حالياً 3700 جندي من الجيش الإسرائيلي في الحجر الصحي.
واتخذ الجيش الإسرائيلي إجراءات وقائية صارمة؛ منها منع المصافحة ومنع تجمعات أعداد كبيرة من الجنود، والحفاظ على مسافة مترين بينهم، بالإضافة إلى حظر المغادرة لمدة 30 يوماً.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.