تطبيق «بايت»... فيديوهات قصيرة لستّ ثوانٍ

بعد إعلان إيقاف العمل به، سبب تطبيق «فاين» Vine للفيديوهات القصيرة الذي أُطلق عام 2012. حالة من الإرباك للناس الذين تأثّروا به رغم عدم استخدامهم له. لقد حوّل ذلك التطبيق الناس العاديين إلى نجوم على منصات أخرى، وساهم في نشر موسيقى مختلفة غريبة على الصناعة الموسيقية، وشكّل وسيلة لابتكار نكات غير مفهومة حقّقت انتشاراً خارجه.
وقد عملت مجموعات منافسة على إنتاج نسخ مقلّدة من «فاين» الذي شكّل رغم غيابه أساساً لجيل أقوى من تطبيقات الفيديوهات القصيرة الجديدة المربكة بالطريقة نفسها. إلّا أنّ نهايته التي أعلنت عام 2016 لم تكن واضحة المعالم. فهل كانت نتيجة لسوء إدارته من قبل شركة «تويتر» التي تملكه؟ أم بسبب فشله في دعم أكثر مستخدميه شعبية؟ هل أصبحت فكرته الجديدة بالية؟ أم جميع هذه الأسباب مجتمعة؟
يمكن القول إنّ شركة «تويتر» قضت على التطبيق قبل أن تحظى الخدمات الأخرى بفرصة لإضعافه، تاركة «فاين» ومحبّيه في حالة من الضياع.

- تطبيقات جديدة
تدين التطبيقات المشابهة المتوفّرة اليوم كـ«تيك توك» TikTok بالكثير لـ«فاين»، ولكنّها في الوقت نفسه لم تنجح في الحلول مكانه، وتركت محبّيه يشعرون بالنقص. في مقابلة هاتفية عقب إطلاق تطبيقه الجديد «بايت» Byte في يناير (كانون الثاني)، قال دوم هوفمان، أحد مؤسسي «فاين»: «الفكرة الأساسية هي إعادة إحياء ما يتذكّره الناس من (فاين) ولو بطريقة مختلفة».
لا يكتفي تطبيق «بايت» بفيديوهات الثواني الستّ فحسب، بل استعار من «فاين» أيضاً الكثير من ملامح التصميم كصفحة البحث والاستكشاف، ودعوة التفاعل نفسها للمعلّقين: «قولوا شيئاً جميلاً». وأضاف هوفمان (33 عاماً): «أسوة بالهواتف الذكية والكاميرات، أصبحت مقاطع الفيديو اليوم أطول، وأكثر دقّة وواقعية. ولو أردنا إعادة إحياء (فاين) اليوم بالشكل نفسه الذي كان عليه، لشعر الناس أنّه قديم جداً».
بمعنى آخر، يمكن اعتبار «بايت» نوع من التحية لذكرى «فاين». يعتمد التطبيق الجديد على أدوات ابتكار غير متكلّفة، ولا يحتوي على مرشحات (فلترات)، أو ميزة الدمج الموسيقي. تضمّ قاعدة مستخدميه اليوم بعضاً من مستخدمي «فاين» القدامى ويقدّم فيديوهات تشبه في مواضيعها وأسلوبها المحتوى الذي كان يقدّمه سلفه إلى حدّ بعيد، أي مقاطع فكاهية قصيرة وبعض من التجارب الأساسية المكرّرة.
بناءً على هذا الوصف، يمكن الجزم بأنّ «بايت» لا يشبه تطبيقات الفيديو الحديثة، وتحديداً «تيك توك» الشهير للفيديوهات القصيرة الذي فرض نفسه بديلاً لتطبيق «فاين».
يدعم «تيك توك» مقاطع فيديو أطول ولا يعتمد على نموذج المتابعين السائد، بل على توصيات حازمة وجامدة. يضمّ التطبيق مجموعة من أدوات الابتكار التي تتغيّر بشكل دوري، ويشجّع المستخدمين على تسجيل الأغاني، والتعليق على محتوى مستخدمين آخرين، والمشاركة في تحديات وأوسمة واتجاهات.
يعتمد «تيك توك» على وسيط استخدام معقّد ويتطلّب تقييماً مستمراً، إلّا أنّه ليس مزعجاً ويحتوي على تكتيكات مشاركة مضحكة. في الوقت نفسه، يلعب التطبيق الشائع دوراً كبيراً في تحديد قدر الاهتمام والمتابعة اللذين يحصل عليهما مستخدمه. باختصار، يمكن القول إنّ «تيك توك» هو المنصة التي يعي صانعو المحتوى أنّهم قادرون فعلاً على اكتساب شعبية سريعة عليها، في الوقت الحاضر على الأقلّ. (وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا التطبيق مدعوم من عملاق الإنترنت الصيني «بايت دانس» الذي ضخّ مئات ملايين الدولارات في الإعلانات على منصات منافسة).
ولكنّ تطبيق «بايت» لا يملك دعم «بايت دانس»، حتّى أنّ المؤسس هوفمان، وأحد مبرمجي التطبيق، يعتبر أنّ فريق العمل والعمليات المشاركين في تطبيقه «متواضعين».

- شعبية متوقعة
في الأسبوع الأوّل من إطلاقه رسمياً، كان «بايت» التطبيق الأكثر تحميلاً على متجر «آب ستور»، وتخطّى عتبة المليون تحميل. ولكنّ يبدو أنّ مستخدمي «تيك توك» الذي قرّروا منحه فرصة وجدوه مملّاً، وغير مثير للاهتمام، ومتخلّفاً بعض الشيء. أمّا بالنسبة لجمهور «فاين»، فقد كانت الرسالة واضحة: «انتظروا قليلاً لمعرفة ما سيأتي به الناس من إبداعات».
وكان إريك دان واحداً من هؤلاء المستخدمين. انضمّ إلى «فاين» عندما كان في الجامعة. وبعد أربعة أشهر من أوّل منشور له على المنصة، وصل عدد متابعيه إلى مليون، وأصبح واحداً من أكبر نجومها من خلال إنتاجه مئات الفيديوهات المضحكة التي شكّلت أساساً لعمله في مجال الترفيه.
لاحظ دان أنّ لائحة أول مستخدمي «بايت» تضمّ عدداً من مستخدمي «فاين» السابقين، وأنّ بعضهم أورد في مربّع المعلومات الشخصية حساباته على إنستغرام، و«تيك توك» ويوتيوب، بينما اكتفى البعض الآخر بـ«بايت» فقط.
يرى دان أنّ «الأمور لم تتغيّر كثيراً، وأنّ الفيديوهات على «بايت» لم تتطوّر عماً كانت عليه على صفحته السابقة على «فاين». وأضاف: «أظنّ أنني استأنفتُ نشاطي من المكان الذي توقفت فيه».
قد يُكتب لتطبيق «بايت» النجاح، ولكنّ الأمر سيتطلّب بعض الوقت. بعد إطلاقه، احتاج «فاين» إلى عام لرسم طريقه، وعام آخر للقيام بخطوات واثقة نحو النجاح. ولكن منذ توقف «فاين» عن العمل، ازدحمت هواتف المستخدمين بالتطبيقات وتوزّع اهتمامهم بينها.
ولكنّ الأهمّ اليوم بالنسبة لـ«بايت» هو اطّلاع صانعي مقاطع الفيديو على المنصّة. ولا بدّ من التوقّف عند حقيقة أنّ «فاين» عانى في سنواته الأخيرة من مشاكل مع بعض من أهمّ نجومه لأنّه لم ينجح في ابتكار طريقة تتيح لهم جني الأرباح عبره. انضمّ مسيح دي. آغورز إلى «فاين» عندما كان يبلغ سبع سنوات من العمر، واليوم أصبح عمره 13 سنة، وهو يؤكّد أنّ «الناس نسوا (فاين) ومضوا قدماً نحو (تيك توك)».

- شراكة بالعائدات
روّج «بايت» لنفسه بين الأشخاص الذي يأمل أنّ يملأوه بمحتوى يثير اهتمام الناس. ويخطّط مؤسسو التطبيق لإطلاق برنامج شراكة ستذهب عائداته الإعلانية التي سيجمعها في أيّامه الأولى للمشاركين فيه. (يقول مسيح إنّه واثق من أنّ الجميع سيتحوّلون إلى استخدام «بايت» فور بدئه بالدفع لصانعي المحتوى الذين يستخدمونه). قبل بضعة أشهر، بدأت منصّة «بايت» بتسجيل تفاعلات الناس عبر منتدى مفتوح تشرح عليه التغييرات الطفيفة التي طرأت على التطبيق.
تمثّل هذه المنتديات مرآة تعكس التغييرات المادية التي حصلت في السنوات الخمس الماضية. صحيح أنّ «فاين» فشل في التوصل إلى طريقة يتعامل بها مع فئة من مطوّري المحتوى الجدد، ولكنّ «بايت» وُلد في عالم أصبح فيها «صانع المحتوى» صفة عملية قائمة بحدّ ذاتها ومجالاً يملك المحترفون فيه لائحة طويلة من الطلبات.
يرى هوفمان أنّ صانعي المحتوى الأوائل الذين بدأوا العمل على «بايت» غير خاضعين لتكتيكات الأرقام والنمو ولو كانوا مهتمين بها بعض الشيء.
ينظر معظم الناس إلى «بايت» على أنّه تطبيق جديد قد يستمتعون به أو يتجاهلونه. أما بالنسبة لقلّة، وهم صانعو المحتوى الذين يحتاجهم التطبيق، فإنهم يُعتبرونه نوعاً غريباً من العمل غير المكتمل والذي قد يكون رائعاً أو قد يختفي مع الوقت.

- خدمة «نيويورك تايمز».