«الحقوق الرقمية» تدعم استراتيجيات «التكنولوجيا الآمنة» على مواقع التواصل

«الحقوق الرقمية» تدعم استراتيجيات «التكنولوجيا الآمنة» على مواقع التواصل
TT

«الحقوق الرقمية» تدعم استراتيجيات «التكنولوجيا الآمنة» على مواقع التواصل

«الحقوق الرقمية» تدعم استراتيجيات «التكنولوجيا الآمنة» على مواقع التواصل

أصبحت «الحقوق الرقمية» أحد المطالب المهمة التي فرضها الإعلام في عصر الفضاء الافتراضي، فمع بدايات عام 2020 دخلت المنصات العالمية في مواجهات حادة مع المستخدمين، في ظل تزايد مخاطر انتهاك الخصوصية، وارتفاع المطالبات بـ«حقوق رقمية» للمستخدمين تحميهم من استغلال بياناتهم لصالح المعلنين.
وأعلن الاتحاد الأوروبي في فبراير (شباط) الماضي، أجندته للسنوات الخمس المقبلة فيما يخص حقوق الإنسان الرقمية، والتي تضع ضمن أولوياتها ثقة المستخدمين، كهدف أساسي لدعم بيئة «تكنولوجية آمنة»، وتمكين المستخدمين من التصرف والتفاعل مع البيانات. وتتضمن الاستراتيجية المعلنة حديثاً للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بـ«الخصوصية الرقمية» ضمان منح المستخدمين موافقتهم قبل تخزين ملفات تعريف الارتباط (وهي الملفات النصية الصغيرة المخزنة في متصفح الويب الخاص بالمستخدم)، والوصول إليها في أجهزة الحاسب الآلي، أو الهواتف الذكية، أو أي جهاز آخر متصل بالإنترنت.
ويُذكر أنه قد تم وضع قواعد مشتركة للاتحاد الأوروبي لضمان تمتع البيانات الشخصية بمستوى عالٍ من الحماية في كل مكان بالاتحاد، وذلك كمتابعة لميثاق «اللائحة العامة لحماية البيانات»، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2018، وتوضح الأجندة الجديدة 2020 استراتيجيات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالذكاء الصناعي، وتأكيد ضرورة كسب ثقة المستخدمين في الفضاء الرقمي، فضلاً عن محاربة التضليل على الإنترنت، وتعزيز محتوى الوسائط المتنوعة والموثوقة.
ويشار إلى أنه في عام 2017 أثار مركز الأبحاث الأميركي «بيو إنترنت» قضية الخصوصية، ببحث استطلاعي لمستقبل الخصوصية، خلال الأعوام الخمسين المقبلة، وجاءت النتائج التي استعانت بتحليل آراء خبراء الأمن السيبراني لتؤكد أن «المستخدمين عليهم أن يقولوا (وداعاً للخصوصية)». وفي عام 2019 صدر تقرير عن منظمة العفو الدولية يهاجم انتهاكات الحقوق الرقمية. وأكد كومي نايدو، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية: «يسيطر (غوغل) و(فيسبوك) على حياتنا الحديثة، وحشدا نفوذاً لا مثيل له على العالم الرقمي من خلال جمع البيانات الشخصية لمليارات الأشخاص، وتحقيق المكاسب منها، وهذه السيطرة تقوض جوهر الخصوصية».
وفي خطوة تعد رد فعل على الملاحقات القانونية في أوروبا وأميركا لشركة «فيسبوك» وانتهاكاتها للخصوصية. أعلن مارك زوكربيرغ، في مؤتمر ميونيخ للأمن، أن «(فيسبوك) بصدد مزيد من الخصوصية»... وبالفعل بدأ «فيسبوك» في تعزيز الخصوصية للمستخدمين أخيراً عبر خطوات تحمي تعقب المستخدمين بعضهم لبعض، وتتبعهم مثلاً للأحداث والفعاليات التي يرغبون في حضورها؛ لكن السؤال يظل: هل حقاً تسعى شبكات التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية الكبرى مثل «غوغل» لحماية الخصوصية لمستخدميها، أم أن طبيعتها تمنع ذلك؟
من جهته، قال الإعلامي السعودي ناصر الصرامي، الرئيس التنفيذي لقمة الشرق الأوسط لشبكات التواصل الاجتماعي، لـ«الشرق الأوسط»: «بكل صراحة لا أحد يهتم بالخصوصية كما نتصورها، فالخصوصية اليوم تعني حماية بياناتك من الوصول لطرف ثالث من دون إذن مقدم الخدمة أو التطبيق الأصلي الذي اشتركت معه».
ويرى الصرامي أن «هذه المنصات تقوم على تسويق البيانات»، مضيفاً: «لكنّ هذا لا يعني على الإطلاق عدم استخدام سلوكك في العالم الرقمي لمعرفة ما تحب وما تبحث عنه، وبالتالي تقديم السلعة الملائمة لذوقه والتي تحاكي رغباتك بشكل تام، سواء عبر إعلان مباشر، أو غير مباشر، وهو ما يجعل هذه المواقع والخدمات الرقمية تستمر وتتوسع... وهنا يجب أن نعلم أنه من دون الإعلان الموجه حسب رغبات المستخدمين ستنتهي هذه المواقع».
ويلفت الصرامي إلى «أبعاد القضية التي تتخذ مساراً جديداً مع تنافسية المنصات الرقمية الكبرى في العالم لتطويع تكنولوجيا الذكاء الصناعي لمزيد من رفاهية المستخدمين»، قائلاً: «ما يحاول العالم فعله، البقاء على الحد الأدنى من الخصوصية، وقد يكون ذلك اسمك؛ لكن بريدك الإلكتروني، أو رقم هاتفك واهتماماتك التي تحفظها المتصفحات والتطبيقات يوماً بعد يوم، تمنح الذكاء الصناعي استعراض مهاراته في توجيه الرسائل التسويقية من أي نوع، والإعلانية بكل الصيغ المتاحة إلى واجهة اهتمامك، وأنت تتصفح أو تبحث أو تغرّد».
فيما ذكر متحدث رسمي باسم «تويتر» مكتب الشرق الأوسط بدبي، «أن (تويتر) يتّبع سياسات المعلومات السرية، حيث يحظر نشر المعلومات السرية لأشخاص آخرين، دون تفويض وإذن صريح منهم، وتشمل الأمثلة على المعلومات السرية، معرّفات السرية أو المعلومات المالية، مثل معلومات بطاقة الائتمان، أو أرقام الضمان الاجتماعي، أو أرقام الهوية الوطنية الأخرى؛ أو مواقع الإقامة السرية، أو الأماكن الأخرى التي تعد سرية؛ ومعلومات الاتصال الشخصية غير العامة، مثل أرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»: «خلال هذه الفترة، شهدنا زيادة بنسبة 41% في الحسابات المُبلّغ عنها بسبب انتهاكات محتملة لسياسات المعلومات السرية، يُمكن أن تكون هذه الزيادة بسبب إطلاق تحسينات على تدفق الإبلاغ لدينا، وهو ما يسهّل الإبلاغ عن المعلومات السرية».



كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».