«تحرير الجينوم»... لإطعام سكان الأرض

علماء «كاوست» يدرسون تقنيات تعزيز إنتاجية المحاصيل ومرونة النبات

«تحرير الجينوم»... لإطعام سكان الأرض
TT

«تحرير الجينوم»... لإطعام سكان الأرض

«تحرير الجينوم»... لإطعام سكان الأرض

بحلول عام 2050، ستكون هناك حاجة إلى زيادة الإنتاج العالمي من الغذاء بمقدار الضعف تقريباً، حتى يمكن إطعام البشر الذين يُتوقع وصول عددهم إلى تسعة مليارات نسمة. غير أن تحقيق الأمن الغذائي من أجل المستقبل يعترضه عدد من التحديات، بدءاً من تزايد ضغوط الاحترار العالمي، وتَبَدُّل الأحزمة المناخية، وصولاً إلى نقص الأراضي الزراعية الصالحة، والأعباء الكبيرة على مصادر المياه العذبة.

مرونة المحاصيل
في هذا السياق، يبحث علماء النبات بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) عن طرق لتحسين مرونة المحاصيل الزراعية، وتعزيز قدرة النبات على مقاومة الإجهاد، ومكافحة الأمراض التي ظهرت حديثاً. ويُسلّط الفريق الضوء على طرق يمكن أن تؤمِّن القدر الكافي من الطعام عالي الجودة والمغذّي، بهدف إطعام العالم الذي يزداد سكانه عدداً، عبر استعراض آخر تقنيات تحرير الجينوم، التي تعيد كتابة المادة الوراثية لأي كائن حي.
بداية، يشدد عالم النباتات البروفسور مارك تِسْتَر، الأستاذ في علوم النبات والمدير المشارك بمركز الزراعة الصحراوية بـ«كاوست» والمهتم بإنتاج محاصيل تتحمل الملوحة، على العمل من القاعدة وصولاً إلى القمة، من أجل مكافحة الفقر وتدني مستوى التغذية. ويضيف: «لقد أظهرت الدراسات أنه إذا ازدادت مستويات الدخل لدى صغار المزارعين، فستتراجع معدلات الفقر سريعاً، لذا من الضروري أن تتوفر لديهم نباتاتٌ قادرة على إنتاج أفضل محصول ممكن في بيئتهم، ويمكن تحقيق ذلك باستخدام تقنيات التحرير الجيني الآمنة وغير الباهظة».
لقد دأب المزارعون على الانتقاء الوراثي لنباتات المحاصيل منذ آلاف السنين، بانتقاء النباتات التي تبدو ذات جودة أعلى (اعتماداً على مظهرها، أو خصائصها الشكلية) عند الزراعة. ومنذ بدايات القرن العشرين، وفي أعقاب الاكتشافات العظيمة التي أدَّت إلى فهم الوراثة الجينية، عمد مزارعو النباتات إلى تهجين أصناف مستنبَتة من المحاصيل بهدف التحسين منها، غير أن اختيار النبات اعتماداً على خصائصه الشكلية يستغرق وقتاً طويلاً، كما أنه مكلِّف في أغلب الأحيان.
من جانب آخر، يشير الدكتور سايمون كراتنجر، أستاذ علوم النبات المساعد بـ«كاوست» والخبير في علم وراثة الحبوب والتفاعل بين النبات والممرِضات، إلى أنه، ومنذ تسعينات القرن الماضي، يجري تعزيز الانتقاء المعتمد على الشكل، عن طريق علامات سلسلة الحمض النووي للنبات، التي تقترن بصفات مرغوبة، لكن ثمة مشكلات تتعلق بهذا الأمر، لأنه إذا لم يكن هناك وجود لصفة ما داخل مجموعات جينات لنوع معين، فلا يمكن حينئذٍ انتقاء هذا النوع.

التحوير الوراثي
تشمل التقنيات الأخرى ما يُطلق عليه «التحوير الوراثي» (GM)، الذي يتضمّن استثارة طفرات عشوائية في النباتات أو إدخال جينات عليها من أنواع أخرى (عملية نقل الجينات)، غير أن فكرة الأطعمة المعدّلة وراثياً لا تزال تثير المخاوف لدى العامة بخصوص مستوى أمانها، وتحديداً في تلك المناطق التي لم تُضطر بعدُ إلى الاعتماد على مثل هذه الطرق من أجل إطعام مجموعاتها السكانية. وبسبب وصمة التعديل الوراثي هذه، ربما يصعب إقناع الناس بأن تحرير الجينوم أمر آمن.
يقول الدكتور مجدي محفوظ، أستاذ الهندسة الحيوية المشارك بـ«كاوست»، الذي يشارك بكثافة في ابتكار وتطوير تقنيات تحرير الجينوم: «إن تحرير الجينوم طريقة دقيقة ومحدّدة الهدف، نُدخل من خلالها تعديلات على نبات طبيعي ليصبح أكثر قدرة على التكيُّف، وعلى إنتاج محصول أوفر، دون الحاجة إلى إدخال حمض نووي غريب إلى الجينوم الخاص به أو إكسابه مقاومة للأمراض مصدرها جينات بكتيرية». ويتابع موضحاً: «إنها عملية تختلف تماماً عن التعديل الوراثي، فهذه التقنيات المثيرة تعني أنه من الممكن عملياً الآن إحداث تغيرات محددة في الحمض النووي لنوع من النباتات، وتحفيز ظهور صفات لم تكن لديه من قبل».
ويتطلّع محفوظ إلى التسريع من وتيرة هندسة جينومات نباتات الجيل القادم، وتوسيع نطاقها، مع التركيز على محاصيل الحبوب الغذائية واستجابات النبات للإجهادات اللاأحيائية، أي التأثير السلبي لمؤثرات غير حيّة على كائنات حيّة في بيئات معينة.

المقص الجيني
ومن التقنيات الأساسية التي يتعامل معها محفوظ مقصّات «كرسبر» (CRISPR) الجزيئية، التي تسمح للعلماء بقصّ أجزاء محدّدة داخل شريط الحمض النووي والاستعاضة عنها بأخرى. وقد طوَّر فريقه أخيراً منصة لـ«كرسبر» تسمح لهم بهندسة صفات مهمة من الناحية الزراعية، عبر مجموعة متنوعة من أنواع المحاصيل وبكفاءة عالية، وهدفهم الأساسي إنتاج محاصيل ذات أداء جيّد في ظل الإجهادات ذات الصلة بالمناخ.
يقول محفوظ: «نريد أيضاً أن نُطلق العنان لقدرات النباتات البرية، ونعمل باستخدام تقنية (كرسبر) على استئناس نباتات برية لديها القدرة على تحمل البيئات القاسية، بما في ذلك المناطق القاحلة والتربة الملحية».
استخدم كراتنجر وزملاؤه تقنية «كرسبر» أخيراً، لاستحداث القدرة على مقاومة الأمراض داخل جينوم نبات الأُرز، ونظراً إلى أن ما بين 10 و15 في المائة من المحصول العالمي للأرز يُفقَد سنوياً بسبب الأمراض التي تصيبه، فإن تعزيز مقاومة النبات للأمراض أمر بالغ الأهمية.
وفي مجال تعزيز تغذية النبات يستخدم البروفسور سالم البابلي أستاذ علوم النبات بـ«كاوست» وفريقه، منذ وقت طويل، تقنية نقل الجينات، بواسطة نقل الجينات من نوع إلى آخر، ويتطلَّع أعضاء الفريق إلى استكشاف طرق أكثر تطوراً ودقة يوفّرها تحرير الجينوم.
يقول البابلي: «لقد نجحنا في زيادة محتوى (بروفيتامين A) لدى محاصيل كالأرز الذهبي، باستخدام تقنيات نقل الجينات، لكن تحرير الجينوم يفتح المجال أمام إمكانات غير مسبوقة لتحسين المحاصيل. ونعمل حالياً على تحديد الجينات المستهدفة التي يمكن تحريرها، من أجل تعزيز مقاومة نبات الدخن اللؤلؤي لطفيل الجذور الذي يُعرَف باسم (دغل الساحرة)، الذي يتسبب في حدوث خسائر هائلة في إنتاج الحبوب في أفريقيا».
لكن كراتنجر يشير إلى أنه في الوقت الذي يمكن فيه تغيير مقاومة الأمراض بطرق بسيطة نسبياً، نظراً لكونها محكومة ببضعة جينات فحسب، فإن الصفات الأكثر تعقيداً، مثل إجمالي المحصول، أو تحمّل الجفاف، التي تتحكم فيها مئات الجينات التي تعمل معاً، تحتاج إلى عملية تحرير أكثر صعوبة، لافتاً إلى أن فريق «كاوست» سيواصل إجراء التجارب وتطوير التقنيات اللازمة للتحكم في الخصائص المعقدة للنبات في السنوات المقبلة.
ونظراً إلى ما يسببه التغيّر المناخي من تغيير في معاقل الممرِضَات (المواد المسببة للمرض)، وما يفرضه من تحديات جديدة أمام الزراعة، فقد حان الوقت لتشجيع الناس على قبول ودعم هذه التقنيات. ويشير تِستر إلى ضرورة الاهتمام بالتعليم في دول العالم كافة، من أجل تأمين مواردنا الغذائية مستقبلاً.



دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة
TT

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

إن مسألة ما إذا كان الانحباس الحراري العالمي يتسارع، هي مسألة مثيرة للجدال بشدة بين علماء المناخ، ففي حين زعم ​​البعض أن معدل الانحباس الحراري الحالي -الذي بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق في العام الماضي- يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة انبعاثات الوقود الأحفوري وبالتالي يتماشى مع نماذج المناخ الحالية؛ يُحذر آخرون من أن الأرض أضحت أكثر حساسية لتأثيرات الوقود الأحفوري مما كان يُعتقد سابقاً، وأن البشرية تتجه نحو نقاط تَحوّل لا يمكن العودة منها.

وتيرة ارتفاع الحرارة أقل داخل مومباي والقاهرة

في دراسة حديثة، زادت مجموعة من الباحثين من جامعة ملبورن تعقيد هذا النقاش من خلال تحليل معدلات الانحباس الحراري في جميع أنحاء العالم والأسباب المحتملة للاختلافات الإقليمية.

النتيجة الرئيسية التي توصلوا إليها: تزداد حرارة الكرة الأرضية بمعدل أسرع، لكن هذا التسارع يحدث بشكل غير متساوٍ. ولكن من المثير للدهشة أن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مع التركيزات الكبيرة من الفقر -المدن الكبرى مثل القاهرة ومومباي-ـ ترتفع درجة حرارتها ببطء أكثر من المراكز الحضرية في أوروبا وأميركا الشمالية.

دقائق الهباء الجوي تعكس أشعة الشمس

لماذا؟ وجد الباحثون أن الكمية الكبيرة من دقائق الهباء الجوي في الهواء في المدن شديدة التلوث تعكس ضوء الشمس إلى الفضاء، وعلى الأقل في الأمد القريب، يمكن أن يكون لها تأثير تبريدي صافٍ على السكان.

وأشادت إديث دي جوزمان، المتخصصة في سياسة التكيف في مركز لوسكين للابتكار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، بالباحثين، على عملهم.

وأكد مؤلفو الورقة البحثية أن النتيجة لا ينبغي أن تؤخذ على أنها علامة جيدة. فمن ناحية، من المرجح أن تكون مؤقتة فقط. وثانياً، تأتي الحماية، كما هي، فقط من الملوثات الضارة. ووافقت دي جوزمان على هذا الاستنتاج، قائلةً إن الاحترار المتسارع يعني أن «السكان الذين هم بالفعل عُرضة بشكل صارخ لمجموعة متنوعة من الظلم البيئي والمناخي سوف يكونون أكثر عرضة للخطر».

التخلص من التلوث الجوي يزيد الحرارة

ومع تطور البلدان اقتصادياً، تميل حكوماتها إلى تبني سياسات لتنقية البيئة من التلوث، ولكن مع صفاء الهواء، سوف تتعرض الفئات السكانية الضعيفة لخطر التعرض للحرارة الشديدة. وقد قدم كريستوفر شوالم، مدير برنامج المخاطر في مركز «وودويل لأبحاث المناخ»، مثال الصين، حيث بدأت الحكومة في تجهيز محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بتقنيات الحد من الانبعاثات مثل أجهزة التنظيف، لمنع السخام من التسرب من المنشأة. وقال إن مثل هذه التدابير جيدة لجودة الهواء، لكنها ستسمح بتسرب مزيد من الحرارة من الشمس.

الفقر يزيد تأثيرات ارتفاع الحرارة

وسوف يكون الأكثر تضرراً هم أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى مكيفات الهواء والمناطق المظللة. وأضاف شوالم: «كلما كنت أكثر فقراً، ارتفعت درجة الحرارة، حيث تكون الحرارة استعارة لجميع أشكال اضطراب المناخ».

وأوضح شوالم أن المجتمع العلمي لديه نحو ثلاثين نموذجاً مناخياً متطوراً للغاية يُنظر إليه بشكل جماعي على أنه «لجنة من الخبراء» حول مسار الانحباس الحراري العالمي. يعتقد أن دراسة الاحترار المتسارع مفيدة لأنها يمكن أن تساعد البلدان على التخطيط لتدابير التكيف مع المناخ وفهم مدى واقعية أهداف سياسة المناخ الحالية -أو عدمها.

تغيرات مناخية مؤثرة

في العام الماضي، لم يحقق العالم أهداف الانبعاثات من اتفاقية باريس لعام 2015، وهو في طريقه لفعل نفس الشيء هذا العام. أصبح العلماء أكثر صراحةً بشأن ما تسمى وفاة التزام اتفاقية باريس بالحفاظ على العالم دون زيادة في درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت)، في محاولات لإجبار صناع السياسات على التعامل مع حتمية موجات الحر المتفاقمة والأحداث الجوية المتطرفة القادمة.

يقدم مؤلفو ورقة ملبورن رؤى مطلوبة بشدة حول شكل المستقبل وكيف يجب على الدول الاستعداد: «يجب أن تشجع نتائجهم «استراتيجيات التكيف مع المناخ المستهدفة» الموجهة إلى أفقر المجتمعات الحضرية في جميع أنحاء العالم.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».