هل وداع توتنهام لدوري الأبطال نهاية حقبة بأكملها؟

هو الوداع إذن، توتنهام. من يدري متى سنلتقي مرة أخرى؟ انتهت رحلة بدأها الفريق الإنجليزي في دوري الأبطال بحظ وافر وروح حماسية بهزيمة محزنة وكثير من علامات الاستفهام. وبذلك فإن فريقاً محطماً بالفعل تعرض لمزيد من الانكسار تحت قيادة مديره الفني البرتغالي جوزيه مورينيو البائسة.
اليوم يبدو توتنهام على صورته الحقيقية بالفعل، في المرتبة الثامنة بين فرق الدوري الإنجليزي الممتاز، فريق مستنزف وعرضة للوقوع في الأخطاء ويقدم مستوى أداء رديء على صعيدي الدفاع والهجوم، بينما تغيب عنه استراتيجية طويلة الأجل واضحة المعالم ولا توجد لديه خطة قصيرة الأجل.
منذ 10 أشهر فقط، تألق توتنهام هوتسبر بشدة في أمستردام واستعرض أمام الجميع قدرته على تحقيق معجزات في مواجهة أياكس. اليوم يبدو هذا وكأنه تاريخ مضى منذ وقت بعيد. ويكاد يشعر المرء أن مثل هذه الذكريات تتلاشى مع خفوت آمال توتنهام هوتسبر في الوصول لمكان يؤهله للعب أوروبياً الموسم المقبل. من وقت لآخر، كان المهاجم (الأرجنتيني) إريك لاميلا أو (البرازيلي) لوكاس مورا يتمكن من التخلص من اللاعب المكلف بمراقبته من فريق لايبزيغ الألماني ليجد نفسه يجري في مساحات واسعة. إلا أنه من دون نظام هجومي فاعل يدعم هذه التحركات، أو تنظيم جيد أو توافر خيارات في التمرير، فإن الجري يصبح أفضل ما باستطاعتهم فعله، وبذلك ظل اللاعبان يجريان نحو المجهول لينتهي بهما الحال أمام حائط من القمصان البيضاء لمنافس فرض أفضليته تماماً على أرض الملعب.
لذلك، فإنه ربما قد حان الوقت لإلقاء تحية الوداع ليس لبطولة دوري أبطال أوروبا فحسب، وإنما كذلك لفريق ولحقبة ولفكرة. لقد رحل الدنماركي كريستيان إريكسن نجم خط الوسط وكذلك المدافعان كيران تريبير وداني روز ولم يتم توفير بدائل مناسبة لتحل محلهم. أما مستوى الحارس الفرنسي هوغو لوريس والمدافع البلجيكي يان فيرتونغن ففي تراجع حاد ومستمر. أما البقية ما بين هاري كين وسون هونغ مين، وديلي ألي وتوبي ألدرفيريلد وإريك داير، فجميعهم إما مصاب أو يعاني حالة جمود. وفي تلك الأثناء فإن المدرب الذي طالما فاز بعبارات الإشادة والتهليل أصبح اليوم فعلياً مدرب عاطل عن الإبداع ويحسده الكثيرون بمجال الكرة. في الحقيقة هذا نمط من الخسائر ليس بإمكان سوى الأندية شديدة التميز تحملها لفترة طويلة. وفي الوقت الحالي، يبدو توتنهام هوتسبر بعيداً للغاية عن هذه الصورة.
ومع ذلك، فإن غياب لاعبين وإصابة آخرين لا يطرح سوى تفسير جزئي وراء التراجع الحاد في مستوى اللاعبين الباقين بالفريق. وربما هناك عوامل مادية وراء الأمر، منها عبء العمل الهائل على هؤلاء اللاعبين على مدار السنوات الماضية، حيث نجد فريقاً ضئيلاً وهزيلاً ينافس بأقصى قوة في أربع مناسبات. وربما هذا السبب وراء بدء انهيار خطة اللعب المعتمدة على الضغط المكثف في عهد المدرب السابق ماوريسيو بوكيتينو، واليوم تحول الأمر إلى انهيار كامل تحت قيادة مورينيو.
ومع ذلك، تعافى توتنهام في بعض أجزائه على نحو لافت، فعلى النقيض من أدائهم خلال مواجهاتهم الأخيرة أمام أندية كبرى، كان لاعبو توتنهام هوتسبر ينطلقون نحو الأمام بحماس غير منظم ليلتقوا لاعبي لايبزيغ في نقاط متقدمة من الملعب. كان اللعب مفتوحاً والتمريرات رأسية وبدا اللعب مباشراً ويحمل روح التعطش والشغف، لكن باختصار، بدا وكأن مورينيو قرر أخيراً رفع يده عن مكابح الفريق.
في الحقيقة، كان كل شيء يسير حسب الخطة الموضوعة، باستثناء أمرين صغيرين: أولهما أن الفريق لم يفلح في خلق أي فرصة حقيقية. ثانياً: أنه تعرض للهزيمة 2 - 0 في غضون 21 دقيقة من انطلاق المباراة، قبل تلقي الثالث.
وسلط هدفا مارسيل سابيتسر الضوء على افتقار توتنهام هوتسبر الشديد لقوة تهديد في وسط الملعب قادرة على إحراز أهداف. واللافت أنه لم يسجل أي من لاعبي وسط ملعب توتنهام هوتسبر أهدافاً في الدوري الممتاز أو دوري أبطال أوروبا منذ هدف موسى سيسوكو في ديسمبر (كانون الأول). ويعكس هذا فشلاً ليس على مستوى الأفراد فحسب، وإنما أيضاً التكتيكات، حيث إن لاعبي وسط الملعب الذين يسجلون أهدافاً يعتبرون بمثابة مقياس للهيمنة على المساحات أو اللعب بفاعلية في نصف الملعب المقابل وخلق فرص داخل مناطق خطيرة. إلا أنه لو كان الدفاع يتركز في العمق والهجوم يتألق من هجمات عشوائية وكرات طويلة وحيدة، فإن وسط الملعب في هذه الحالة يتحول إلى أداة لضرب الكرة نحو مكان آخر، قبل الاستعداد للموجة التالية من الضغط الدفاعي.
في وقت لاحق من المباراة، استدعى مورينيو مساعده جواو ساكرامنتو لجانبه وهز كتفه ببساطة وهو يتحدث إليه، مثل عميل يعيد هاتف معيب إلى المتجر. وبدا وكأنه يقول له: «انظر يا جواو، هذا الأمر لم يفلح. لقد حاولت اللعب بخطة 5 - 4 - 1 على أرضنا. وحاولت الدفع بأغلى لاعب ضمه النادي تحت الحافلة في بث مباشر. والآن حاولت الضغط واستعادة الكرة بسرعة في مواجهة واحد من أفضل فرق أوروبا بالاعتماد على فريق منهك وحد أدنى من الاستعداد، لكن كل هذا لم ينجح».
بصورة ما، تعكس متاعب توتنهام هوتسبر الحالية حجم الإعجاز الذي حققه بوكيتينو مع الفريق. وكان إنجازه الرئيسي ليس على صعيد التكتيكات أو التدريب، وإنما قدرته على بناء نظام مبدع واستغلال قوة الأحلام بمعاونة فريق عمل فني موهوب. لقد تمكن بوكيتينو من تحسين أداء اللاعبين عبر إقناعهم بأنه لا سقف لمواهبهم. في الواقع لقد بنى قصراً، ورغم أن هذا القصر كان قد بدأ في التداعي بالفعل قبل رحيله، فإنه كانت هناك بالتأكيد بدائل أخرى بخلاف هدم القصر ونسفه تماماً والشروع في البناء من جديد.
تصرحات مورينيو بأن التأهل إلى دوري أبطال أوروبا الموسم المقبل بات صعباً على فريقه المبتلى بالإصابات، ما هو الاعتراف بالحقيقة والشعور باليأس. وقال مورينيو: «بالتشكيلة الموجودة في الوقت الحالي سيصبح الأمر صعباً جداً. هذه المشاكل لن تختفي في الغد. لكن أمامنا مباريات سنلعبها ونقاتل فيها. يمكن رؤية أننا نقاتل حتى النهاية في ظل المشاكل التي نعاني منها».
وأضاف: «ببساطة أعتقد أن أي فريق سيعاني إذا غاب عنه ستة أو سبعة لاعبين مهمين، أنا واثق من أن اللاعبين سيحاولون تقديم كل ما لديهم في المباراة المقبلة. الأمر ليس سهلاً على هذا المستوى».
توتنهام إلى أين الآن؟ ضعف الاستثمارات التي ضخها النادي بسوق الانتقالات عبر المواسم الصيفية الماضية ستخلق أكثر من صعيد يجب العمل عليه، خاصة في ظل الديون الثقيلة التي سببها الاستاد الجديد. ومع هذا، فإن الروح المعنوية المتضررة والثقة المحطمة ربما تستغرق وقتاً أطول في التعافي. اليوم، يحتاج توتنهام هوتسبر إلى لاعبين جدد، لكنه أيضاً بحاجة إلى أمل جديد ـ إنهم بحاجة للإيمان من جديد وإعادة اكتشاف السمات التي وضعتهم على مقربة شديدة من القمة. ولذلك، فإنه ربما حان الوقت لإلقاء تحية الوداع على توتنهام هوتسبر، لأن هذا الطريق قد يستغرق وقتاً.