هل ما زلنا «مجتمعاً دفّاناً»؟

هل ما زلنا «مجتمعاً دفّاناً»؟
TT

هل ما زلنا «مجتمعاً دفّاناً»؟

هل ما زلنا «مجتمعاً دفّاناً»؟

يعتبر محمد حسين زيدان الأديب والشاعر والمؤرخ والفيلسوف السعودي، الراحل، (مواليد المدينة المنورة، 1906 - 1992)، واحدا من أبرز طلائع المثقفين النهضويين في الحجاز، فقد كان ضليعاً بالتاريخ كما بالفقه وعلم الحديث والأدب، له أكثر من 18 مؤلفاً أبرزها كتابه المهم «ذكريات العهود الثلاثة»، لخص ثلاثة عهود سياسية شهدتها المدينة المنورة: العهد العثماني، الهاشمي، والسعودي.
عن تراثه الأدبي، يكتب حفيده الكاتب طارق زيدان الذي وضع كتاباً في سيرة زيدان الأدبية، كما ألّف كتباً أخرى في الصحافة والسياسة بينها كتابه «الجورنالجي وكاتم الأسرار، محمد حسنين هيكل ومصطفى ناصر: وذكريات».
رحل محمد حسين زيدان، قبل ثمانية وعشرين عاما. غير أن نتاجه الفكري لا يزال حاضرا في وسائل التواصل الاجتماعي عبر مقولات تنسب له. أما كتبه ومقالاته التي هي الأساس في فكر أي أديب ومثقف، فهي تمكث في الظل بعيدا عن المؤسسات والجامعات والمدارس.
تمكث قسريا في الظل لا طوعيا، معرضة بذلك السلسلة الطبيعية لتراكم التراث وقيمته للانقطاع. فـ«التراث قيمة الأمة» كما قال الزيدان يوما. ونتاج جيل الزيدان من الرواد هو تراث بلده. فنحن نتكلم عن جيل قبل مائة عام تكلموا ونقلوا إلينا تاريخ هذا الوطن.
تكمن المفارقة في التكنولوجيا. عند متابعة وسائل التواصل الاجتماعي ستجد أن أكثر مقولة تتواتر عن الزيدان هي «نحن مجتمع دفّان». مع غياب كامل لمحاضراته ومقالاته عن أهمية الوطن وأهمية الحفاظ عليه من خلال العناية بتراث البلد.
بين قيمة التراث ودفن المجتمع له هناك مجهود للدولة. بمعنى آخر ما ينتج مهم لكن الأهم هو ربط الإنتاج الثقافي مع الأجيال. هذا دور المأسسة (الفكر المؤسساتي).
بالنسبة لعمل الزيدان قامت عائلته بالتبرع بمكتبته الخاصة لمكتبة الملك فهد الوطنية. وانحصر مجهود إعادة طبع كتب الزيدان بعمل عائلي بعد المجهود الكبير لعبد المقصود خوجة.
على الصعيد العام ما زلنا متأخرين في هذا المجال: مأسسة التراث والثقافة. مثلا لو أردت أن تعرف شيئا عن توفيق الحكيم، أو نجيب محفوظ، أو لويس عوض في مصر تكفي زيارة بسيطة لمؤسسة «الأهرام». كذلك في لبنان زيارة لمؤسسة «النهار» تستطيع معرفة الكثير عن غسان تويني وسعيد عقل. حتى اليوم العمل لدينا فردي - عائلي وليس فرديا - مؤسساتيا. فإذا أردت نسخة من كتب محمد حسن عواد عليك سؤال فرد من عائلته أو تلميذ له!
ثمة دَور للصحف السعودية كرديف لعمل الدولة. الصحف لا يقتصر عملها على الجانب الإعلاني والإخباري فقط، بل الجانب الأرشفي (من الأرشيف) هو في صلب المهنة. وهذا النتاج الفكري لجيل الرواد هو المرآة لجميع الأحداث في خلال المائة عام. فقد شارك الزيدان كتابة في معظم الصحف السعودية. مقالات عديدة تعكس أحداثا حصلت. وتحاور رأيا عاما سبق. الزيدان كان صحافيا أديبا قبل أن يكون أديبا رائدا. كل جيل الرواد عملوا في الصحافة كأدباء. وإنتاجهم يجب أن يكون متوفرا للأجيال.
لدى عائلة الزيدان مخطوطات ونصوص عديدة له لم تنشر بعد. ولديهم الكثير من البرامج والمقابلات التي تتم المطالبة بإعادة بثها من قبل العديد من المحبين للرجل وثقافته. يضع البعض هذه المطالبات في خانة «النوستالجيا». الحقيقة هي أنه لو كان هناك مرجع مؤسساتي لما أصبحت النوستالجيا مطالبة!
الأرشيف الوطني يبدأ بمأسسة الإنتاج الثقافي. وحفظ العمل التراثي في إطار الدولة فرض عين. تماما كما فعلت تركيا أتاتورك. أتاتورك أدار وجه تركيا صوب الغرب وخلع الطربوش وغير الحروف الأبجدية لديهم. لكنه احتفظ بالأرشيف العثماني. وكذلك فعلت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم الكثير.
الرواد يرحلون ويبقى البلد. والتراث هو القيمة. وفي هذا العصر قيمتنا هي أرشيف الرواد الذين رحلوا عنا.
- كاتب سعودي



الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ
TT

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

يعد التغير المناخي من المواضيع المُقلقة والمهمة عالمياً، وهو من الملفات الرئيسية التي توليها الدول أهمية كبرى، حيث تظهر حاجة عالمية وشاملة واتفاق شبه كُلِّي من دول العالم على أهمية الالتزام بقضايا التغير المناخي والاستدامة لحماية كوكبنا للأجيال القادمة.

هذه القضية المهمة عبَّر عنها بعض الفنانين الذين استخدموا الفن لرفع الوعي بالقضايا البيئية. حيث كان الفن إحدى وسائل نشطاء البيئة للتعريف والتأثير في قضايا المناخ والاحتباس الحراري، لاعتقادهم أن الحقائق العلمية وحدها قد تكون غير كافية، ولأهمية التأثير في العاطفة، وهو ما يمكن للفن عمله.

ومن فناني البيئة العالميين الفنان الدنماركي أولافور إيلياسون، الذي عيَّنه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سفيراً للنوايا الحسنة للطاقة المتجددة والعمل المناخي عام 2019م، حيث تركز أعماله المعاصرة والتفاعلية على التعبير عن ظواهر الاحتباس الحراري، وكان أحد أشهر أعماله «مشروع الطقس» الذي عُرض في متحف «تيت مودرن» في لندن، وجذب أعداداً هائلة من الجماهير، إذ هدف هذا العمل التفاعلي إلى الإيحاء للمشاهدين باقترابهم من الشمس، ولتعزيز الرسالة البيئية لهذا العمل ضمِّن كتالوج المعرض مقالات وتقارير عن أحداث الطقس المتغيرة.

المناخ والبيئة

إن التعبير عن قضايا المناخ والبيئة نجده كذلك في الفن التشكيلي السعودي، وهو ليس بمستغرب، حيث يعد هذا الاهتمام البيئي انعكاساً لحرص واهتمام حكومة المملكة بهذه القضية، والتزامها الراسخ في مواجهة مشكلة التغير المناخي، حيث صادقت المملكة على اتفاقية باريس لتغير المناخ في عام 2016، وهو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ. كما أطلقت المملكة مبادرتَي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، لتسريع العمل المناخي وحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة. وهو ما يجعل الفرصة مواتية للفنانين السعوديين للمشاركة بشكل أكبر في التعبير عن القضايا البيئية، مما يسهم في عكس جهود المملكة تجاه هذه القضايا ومشاركة الجمهور في الحوار حولها.

فعلى سبيل المثال، عبَّرت الفنانة التشكيلية منال الضويان عن البيئة في عمل شهير أنتجته عام 2020م، في معرض DESERT-X في مدينة العلا، بعنوان «يا تُرى هل تراني؟»، حيث كان العمل عبارة عن منصات تفاعلية للقفز في صحراء العلا، في إيحاء غير مباشر بالواحات الصحراوية والبِرَك المائية التي تتكون في الصحراء بعد موسم الأمطار، لكنها اختفت نتيجة للتغير المناخي والري غير المسؤول، وتأثيره البيئي في الطبيعة من خلال شح المياه واختفاء الواحات في المملكة.

الفن البيئي

كما نجد الفن البيئي بشكل واضح في أعمال الفنانة التشكيلية زهرة الغامدي التي ركزت في تعبيرها الفني على المواضيع البيئية من خلال خامات الأرض المستمدة من البيئة المحلية؛ مثل الرمال والأحجار والجلود والنباتات المأخوذة من البيئة الصحراوية كالشوك والطلح، وكيفية تحولها نتيجة العوامل المؤثرة فيها كالجفاف والتصحر والتلوث البيئي، كما في عملها «كوكب يختنق؟» الذي استخدمت فيه أغصان الأشجار المتيبسة وبقايا خامات بلاستيكية، لمواجهة المتلقي والمشاهد بما يمكن أن تُحدثه ممارسات الإنسان من تأثير بيئي سلبي، وللتذكير بالمسؤولية المشتركة لحماية كوكب الأرض للأجيال القادمة.

إن الفن البيئي لدى زهرة الغامدي يتمثل في نقل المكونات الطبيعية للأرض والبيئة المحلية وإعادة تشكيلها في قاعة العرض بأسلوب شاعري يستدعي المتلقي للانغماس في العمل الفني والطبيعة والشعور بها والتفاعل معها لتعزيز الارتباط بالأرض، فمن خلال إعادة تشكيل هذه الخامات البيئية يتأكد التجذر بالأرض والوطن والارتباط به.

وقد نجد التعبير عن المواضيع البيئية أكثر لدى التشكيليات السعوديات من زملائهن من الرجال، وقد يكون ذلك طبيعياً نتيجة حساسية المرأة واهتمامها بمثل هذه القضايا. وهو ما يثبته بعض الدراسات العلمية؛ إذ حسب دراسة من برنامج «ييل» للتواصل بشأن التغير المناخي، بعنوان «اختلافات الجنسين في فهم التغير المناخي» تظهر المرأة أكثر ميلاً إلى الاهتمام بالبيئة، كما أن للنساء آراء ومعتقدات أقوى مؤيدة للمناخ وتصورات أعلى للمخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية، وقد فسر الباحثون هذه الاختلافات بأنها نتيجة اختلافات التنشئة الاجتماعية بين الجنسين، والقيم الناتجة عن ذلك كالإيثار والرحمة وإدراك المخاطر.

ومع أن الفن استُخدم كثيراً للتوعية بالقضايا البيئية، إلا أن بعض نشطاء البيئة حول العالم استخدموه بطريقة مختلفة للفت النظر حول مطالبهم، مثل أعمال الشغب والتخريب لأهم الأعمال الفنية في المتاحف العالمية، وقد استهدف بعض هؤلاء الناشطين أشهر الأعمال الفنية التي تعد أيقونات عالمية كلوحة «دوار الشمس» لفان غوخ، ولوحتي «الموناليزا» و«العشاء الأخير» لدافنشي. تخريب هذه الأعمال ليس لأنها مناهضة للبيئة بقدر ما هي محاولة لفت النظر نحو قضاياهم، لكن لتحقيق التغيير المطلوب، أيهما أجدى، التعبير الإيجابي من خلال الفن، أم السلبي من خلال تخريبه؟

إن الفن التشكيلي ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل له دور حاسم ومؤثر في تشكيل الوعي بالقضايا البيئية، فهو يدعو لإعادة التفكير في علاقتنا بها، والعمل معاً لمستقبل أكثر استدامة. إضافةً إلى دوره بصفته موروثاً ثقافياً للأجيال المقبلة، إذ يسجل تجربتنا في مواجهة هذا التحدي العالمي.

* كاتبة وناقدة سعودية