سنوات السينما: The NINTH DAY

The NINTH DAY
‪(‬2004‪)‬
(ممتاز)
‫هذه المرة الضحايا الذين في فيلم المخرج الألماني ڤولكر شلندروف ليسوا من اليهود الذين عانوا خلال الحقبة النازية، بل هم بعض الـ400 ألف مسيحي الذين قضوا أيضاً في معسكرات التجميع. موضوع لم تتطرق إليه السينما من قبل لأن أحداً لم يمر على مذكرات الأب جان برنارد، المنشورة سنة 1945 بعنوان «المعسكر Z4587» بالاهتمام الذي تستحقه، وإن فعل لم يجد احتمالات تحويلها للسينما لسيادة الحديث عن الفئة الأخرى التي وجدت المجال متاحاً لتناول قضاياها خلال تلك الحقبة السوداء من التاريخ الحديث.‬
«اليوم التاسع» فيلم جيد في كل ناحية من نواحيه عاد به المخرج الألماني المعروف إلى الواجهة الفنية بجدارة. أما الواجهة التجارية فلم يكن لديه أمل له في امتلاك فرصة النجاح التي سنحت لـ«لائحة شيندلر» لسبيلبرغ أو «عازف البيانو» لبولانسكي. ذلك أساساً عاد إلى أن شلوندروف يعمل على خامة غير برّاقة وليست استغلالية. يحقق فيلماً من دون غاية استعراضية أو محض عاطفية ويختار موضوعاً من خارج الدائرة المعهودة.
يبدأ الفيلم بالأب هنري كريمر (أولريخ ماثيس) سجيناً في معسكر نازي أقيم في بلجيكا. هو واحد من نحو 3000 رجل دين مسيحي من أوروبا ألقت الغستابو القبض عليهم وأودعتهم معسكرات العمل الشاق لأسباب تجتمع في عدم تعاونهم مع الإطار الأكبر من السياسة النازية والاحتلال الذي فرضته على قوميات ودول عدة.
يعرض الفيلم للأوضاع السائدة في تلك المعسكرات. التجويع والتعذيب نفسياً وجسدياً والإهانات والإعدامات والقسوة المصاحبة في كل الحالات. في أحد الأيام يعتقد الأب كريمر أن وقته قد حان ليُقاد إلى الإعدام، لكنه يُفاجأ بالإفراج عنه. تنقله السلطات بالسيارة إلى لوكسمبورغ حيث يُقابل الضابط غربهارت (أوغست ديل) الذي يُعْلِـمه إن الإفراج عنه مؤقت ومدته تسعة أيام بعدها سيعود إلى معتقله. على كريمر في هذه الفترة إقناع الأب فيليب (هلمر ثاب) بالموافقة على التعاون مع الاحتلال الألماني عوض موقفه الممتنع والمنتقد.
على كريمر أيضاً أن يزور الضابط يومياً للتداول. هذه الزيارات تؤدي إلى حوارات ثرية بين الضابط وبين الراهب يتحدثان خلالها عن الحاضر الصعب مرات وعن الدين مرّات أخرى، وخصوصاً عن يهوزا الذي خان المسيح. يريد الضابط من كريمر أن يلعب الدور نفسه. لكن كريمر يعاني من تأنيب ضمير حاد لا يعرف الضابط عنه شيئاً، وسيبقى خفياً على المشاهد لبعض الوقت. فخلال فترة اعتقاله اكتشف الأب كريمر أنبوباً تقطر منه حبات الماء فيخفي الاكتشاف عن باقي المساجين ليستأثر به. هذا ما يؤدي إلى سقوط أحد رفاقه في السجن ميتاً من دون أن يسعفه الراهب بالماء الذي طلبه.
في الأيام الأخيرة، وتحت ضغط القائد الأعلى وتهديده ضابطه غربهارت يحاول هذا إغراء الأب كريمر بإطلاق سراحه وسراح كل الرهبان المعتقلين إذا ما استطاع إقناع رئيس الكنيسة بتوقيع اتفاق مصالحة. على كريمر أن يقرر خطوته التالية التي قد تنتهي ببقائه حراً أو بعودته إلى المعسكر بدوره.
إنتاج «اليوم التاسع»، على صعيد الميزانية، أصغر من أفلام كثيرة أخرى حول الهولوكوست، لكن في حدود المستطاع والممكن كوّن المخرج وفريق عمله أجواء مناسبة وواقعية. الديكور وتصاميم المناظر وكل الحاجيات الأخرى متوفرة لكي يستعيد الفيلم الفترة الزمنية التي يتحدث عنها بأقل بذخ ممكن وبكثير من التأثير.