مارسيلو بيلسا... فنان بارع في مسرح العبث الكروي

المدرب صاحب المبادئ اقترب من إعادة فريق ليدز إلى مصاف النخبة في الدوري الممتاز

لوك أيلينغ لاعب ليدز يسدد بمهارة كرة مباشرة ليسجل في شباك هيدرسفيلد
لوك أيلينغ لاعب ليدز يسدد بمهارة كرة مباشرة ليسجل في شباك هيدرسفيلد
TT

مارسيلو بيلسا... فنان بارع في مسرح العبث الكروي

لوك أيلينغ لاعب ليدز يسدد بمهارة كرة مباشرة ليسجل في شباك هيدرسفيلد
لوك أيلينغ لاعب ليدز يسدد بمهارة كرة مباشرة ليسجل في شباك هيدرسفيلد

يتحرك ليدز يونايتد بثبات نحو العودة إلى بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز، ومن الصعب تحديد كيف ستستفيد البطولة من مارسيلو بيلسا، هذا المدرب الذكي والمتميز الذي يحظى به النادي.
داخل الملعب وأثناء المباراة، ركل ماتيوز كليتش لاعب ليدز الكرة على نحو ذكي بكعب قدمه باتجاه بلبلو هيرنانديز، ثم قام الأخير بأول تمريرة له داخل مساحة خالية، سرعان ما استغلها جاك هاريسون الذي نظر حوله، ويبدو أن اللعبة لم ترق له، لذا سيطر على الكرة ثم نظر مجدداً ومررها تمريرة عميقة طارت فوق بحر من الرؤوس البارزة إلى الجانب الآخر، ليجدها لوك أيلينغ الذي انطلق لمسافة 60 ياردة قادماً من مركز الظهير الأيمن، وسددها مباشرة داخل الجزء العلوي من الشباك. في هذه اللحظة، كان الشخص الوحيد داخل استاد «إيلان رود» الذي لا يقف على قدمه هو مارسيلو بيلسا. وفي الوقت الذي انطلق اللاعبون البدلاء وفريق العمل الفني لفريق ليدز إلى داخل أرض الملعب، وترددت صيحات: «يا له من هدف!»، ظل بيلسا ساكناً في مكانه، وتناول بهدوء رشفة من قهوة يحتسيها، بينما ظل وجهه خالياً من أي تعبيرات، كما لو كان يتابع فيلماً سبقت له مشاهدته.
في الحقيقة، من ناحية ما، يبدو هذا الوصف صحيحاً. وفي غضون ساعات قلائل من فوز ليدز يونايتد أمام هيدرسفيلد بنتيجة 2 - 0 الأسبوع الماضي، نشر مسؤولو شبكات التواصل الاجتماعي لدى النادي فيديو لجلسة تدريب حديثة على أرض ملعب «ثورب آرتش» سجل خلالها أيلينغ هدفاً، يكاد يكون نسخة مطابقة من الهدف الذي سجله في المباراة.
وربما هنا تكمن لعنة الشغف: فعندما تكون قد شاهدت جميع التسجيلات، واطلعت على جميع البيانات، وتابعت جميع التحركات، فلا بد من أن الواقع ذاته في هذه اللحظة يبدو كإعادة لشيء ما سبق وأن رأيته، بينما يشاهده الآخرون للمرة الأولى.
وربما سيكون هذا الشعور المرتبط برؤية بيلسا وهو يجلس على مقعد المدرب للمرة الأولى في مباراة ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز. نعم... بيلسا في الدوري الممتاز. رغم أن هذه الكلمات ربما تبدو غريبة، فإنها في طريقها بسرعة نحو التحول إلى واقع مع كل أسبوع يمر. وعلى الجميع الاستعداد من الآن لمعايشة هذه اللحظة.
ومع افتراض أن ليدز يونايتد نجح في تحقيق ذلك - ومع تقدمه بفارق سبع نقاط عن المستوى المطلوب لضمان الصعود في وقت كتابة هذا المقال، يبدو هذا رهاناً آمناً - فإنه من الصعب تخيل وجود كثير من الفرق الأخرى القادرة على الصعود إلى الدور الممتاز على مثل هذا النحو المبهر. ومن الصعب تخيل وجود مدرب آخر يحظى بهذا القدر الهائل من التقدير والاحترام من جانب منافسيه، والذين يبدون امتنانهم الحقيقي للتشارك معه في بعض الخلفيات الفنية. على سبيل المثال، قال مدرب هيدرسفيلد، داني كاولي، بعد هزيمته: «عندما تواجه من يتفوق عليك في مجال التدريب، فمن المفضل أن يكون ذلك أمام شخص عبقري. في الواقع أشعر باهتمام بالغ لرؤية كيف سيتجاوب الدوري الممتاز مع صعود ليدز يونايتد».
العجيب أن هذه لم تكن الصورة التي توقع كثيرون أن يكون عليها حال ليدز يونايتد اليوم. وبالتأكيد لم يتخيل أحد وصول النادي إلى هذا المستوى عندما تولى بيلسا مهمة تدريبه عام 2018، فقد كان فريقاً تعاقب عليه 12 مديراً فنياً خلال خمس سنوات، واستعان بمدرب لم يكمل قط ثلث موسم داخل نادٍ واحد. واللافت أن كاولي نجح في طرح الأمر على النحو الصحيح: فالمسألة ليست كيف سيتأقلم بيلسا مع الدوري الممتاز، بقدر ما هي كيف سيتجاوب الدوري الممتاز مع بيلسا.
والتساؤل الأهم هنا: ما الذي سيحدث عندما يصطدم مدرب صاحب مبادئ، ويساري الميول، وشديد الجدية، وصاحب مبادئ وآيديولوجيات محددة يتمسك بها، بأقل بطولات الدوري على مستوى العالم تمسكاً بالمبادئ، وأشدها انسياقاً مع النزعات المادية؟ باختصار: ما الذي سيحدث عندما تدفع بهذا الرجل الأشد إنسانية بين جميع المدربين داخل آلة العبث المسماة الدوري الممتاز؟
بالطبع، لا يخلو هذا التساؤل من بعض التناقضات المنطقية؛ خصوصاً أن الدوري الممتاز كيان متعدد الجوانب. في الواقع، عند إمعان النظر في بيلسا فإنه يبدو أقرب إلى ممثل في مسرح العبث الكروي، ما يتضح في ظهوره المستمر في كافيه «كوستا» والمؤتمرات الصحافية الطويلة التي يعقدها، ويتناول خلالها بالتفصيل خلجاته الداخلية على خلفية تحمل صورة الراعي التجاري. عندما تنظر إلى هذه الصور تشعر أن بيلسا سيتوافق على نحو جيد للغاية مع بطولة دوري تبدي تعطشاً مستمراً تجاه القصص والشخصيات الجديدة.
قبل أي شيء، يملك بيلسا واحدة من أندر المواهب في مجال عمله: هالة غموض حقيقية. وقد كان لدى بيب غوارديولا بعض من هذه الموهبة قبل انتقاله إلى إنجلترا. وفي التسعينات، تميز آرسين فينغر ورود خوليت بالتأكيد بمثل هذه الهالة الغامضة، إلا أنه في ظل المناخ الحالي القائم على قدر مفرط من التشارك والكشف والانفتاح، زادت صعوبة العثور على مدرب يحمل هذه السمة. وقد نجح بيلسا في الحفاظ على هذه الهالة من خلال حرصه على عدم الحديث عبر موقع «تويتر» وغيره، والتزم دوماً بنمط من الصراحة الفجة والمتواضعة في آن واحد، والتي تقف الكرة الإنجليزية اليوم في أمسِّ الحاجة إليها.
في المقابل، ثمة خوف داخل المرء مما قد يحدثه الدوري الممتاز في بيلسا، وخوف من الصورة التي قد تنتهي إليها العلاقة بين الجانبين، وخوف من السرعة التي قد يتحول بها مثل هذا الرجل صاحب الشخصية العميقة، إلى مجرد خبر سريع في وسائل الإعلام.
وقد عاينَّا لمحة من هذا الأمر في «فضيحة» التجسس التي اشتعلت الموسم الماضي؛ لكن الدوري الممتاز سينقل ذلك إلى مستوى جديد بالتأكيد. وربما علينا من اليوم توقع مشاهدة بيلسا في مواجهة الأسئلة الحمقاء التي تزخر بها المؤتمرات الصحافية والانتهاكات التي قد يتعرض لها على أيدي المشجعين داخل محطات القطار، ناهيك عن الجدالات التي ستشتعل حول ما إذا كان ينبغي التعامل معه على محمل الجد، باعتباره قادراً على الفوز ببطولة، والتذمر من عجزه عن التحدث بالإنجليزية.
على أي حال، ربما لا يحدث ذلك أبداً، وربما ينهار ليدز يونايتد، ويهدر فرصة الصعود من جديد. وربما يقع خلاف بين بيلسا ومجلس إدارة النادي حول الانتقالات، ويستقيل بعد أربعة أيام من انطلاق الموسم الجديد. أو ربما بعد قيادته ليدز يونايتد أخيراً نحو العودة إلى الأرض الموعودة، سيتصرف برعونة وطيش. في كل الأحوال، من المؤكد أننا نتمنى رؤية ما ستتمخض عنه الأيام القادمة له وللنادي.


مقالات ذات صلة

تحضيرات «خليجي 26»: الكويت تخسر من لبنان ودياً   

رياضة عربية فرحة لاعبي منتخب لبنان بأحد الهدفين في مرمى منتخب الكويت (الشرق الأوسط)

تحضيرات «خليجي 26»: الكويت تخسر من لبنان ودياً   

حقق منتخب لبنان فوزاً مثيراً على نظيره الكويتي 2-1 في المباراة الودية على ملعب «النادي الأهلي القطري»، ضمن استعدادات منتخب الكويت لبطولة «خليجي 26».

صفات سلامة (بيروت)
رياضة عربية الدكتور جورج كلاس وزير الشباب والرياضة اللبناني (الشرق الأوسط)

وزير الرياضة اللبناني: استضافة مونديال 2034 تجسيد للقيم السعودية «الثلاث» 

وجّه وزير الشباب والرياضة اللبناني، الدكتور جورج كلاس، تهنئة حارة إلى السعودية بعد نجاحها في الفوز بحق استضافة وتنظيم بطولة كأس العالم 2034.

فاتن أبي فرج (بيروت)
رياضة عالمية جود بلينغهام (رويترز)

بلينغهام يعزّز فرص الريال لانتزاع الصدارة من برشلونة

منح تراجع برشلونة متصدر دوري الدرجة الأولى الإسباني لكرة القدم الفرصة لريال مدريد لانتزاع قمة الترتيب؛ إذ ستتاح الفرصة لحامل اللقب لصدارة المسابقة لأول مرة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة عالمية مدينة مراكش المغربية ستستضيف حفل توزيع جوائز الأفضل في أفريقيا (كاف)

«كاف» يعلن القوائم النهائية المرشحة لجوائزه لعام 2024

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، الخميس، القوائم النهائية للمرشحين للحصول على جوائزه لعام 2024.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
رياضة سعودية المسؤولون السعوديون كانوا في قمة السعادة بعد إعلان الاستضافة (إ.ب.أ)

في أي شهر ستقام كأس العالم 2034 بالسعودية؟

حققت المملكة العربية السعودية فوزاً كبيراً وعظيماً في حملتها لجذب الأحداث الرياضية الكبرى إلى البلاد عندما تم تعيينها رسمياً مستضيفاً لكأس العالم 2034، الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«البريميرليغ»: بعشرة لاعبين... سيتي يتعادل من جديد

مانشستر سيتي اكتفى بنقطة التعادل أمام مستضيفه كريستال بالاس (رويترز)
مانشستر سيتي اكتفى بنقطة التعادل أمام مستضيفه كريستال بالاس (رويترز)
TT

«البريميرليغ»: بعشرة لاعبين... سيتي يتعادل من جديد

مانشستر سيتي اكتفى بنقطة التعادل أمام مستضيفه كريستال بالاس (رويترز)
مانشستر سيتي اكتفى بنقطة التعادل أمام مستضيفه كريستال بالاس (رويترز)

سجَّل ريكو لويس لاعب مانشستر سيتي هدفاً في الشوط الثاني، قبل أن يحصل على بطاقة حمراء في الدقائق الأخيرة ليخرج سيتي بنقطة التعادل 2 - 2 أمام مستضيفه كريستال بالاس في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، السبت.

كما سجَّل إرلينغ هالاند هدفاً لسيتي بقيادة المدرب بيب غوارديولا، الذي ظلَّ في المركز الرابع مؤقتاً في جدول الدوري برصيد 27 نقطة بعد 15 مباراة، بينما يحتل بالاس المركز الـ15.

وضع دانييل مونوز بالاس في المقدمة مبكراً في الدقيقة الرابعة، حين تلقى تمريرة من ويل هيوز ليضع الكرة في الزاوية البعيدة في مرمى شتيفان أورتيغا.

وأدرك سيتي التعادل في الدقيقة 30 بضربة رأس رائعة من هالاند.

وأعاد ماكسينس لاكروا بالاس للمقدمة على عكس سير اللعب في الدقيقة 56، عندما أفلت من الرقابة ليسجِّل برأسه في الشباك من ركلة ركنية نفَّذها ويل هيوز.

لكن سيتي تعادل مرة أخرى في الدقيقة 68 عندما مرَّر برناردو سيلفا كرة بينية جميلة إلى لويس الذي سدَّدها في الشباك.

ولعب سيتي بعشرة لاعبين منذ الدقيقة 84 بعد أن حصل لويس على الإنذار الثاني؛ بسبب تدخل عنيف على تريفوه تشالوبا، وتم طرده.